المشاهد نت

كيف غيّرت الحرب مائدة اليمنيين؟

صياد يمني يحمل سمك بيده

ارفع صوتك- غمدان الدقيمي:

قبل الحرب في اليمن، كانت عادة عائلة باسم الحربي أن تتناول العصيد اليمني المشهور مصحوبا ببعض الدجاج والمرق.

اليوم، ما يزال العصيد وجبة العائلة المفضلة، لكن المرق والدجاج غابا عن المائدة. عوضهما شيء من الحليب والبصل.

“الفحسة” أيضا اختفى أهم ما فيها: اللحم. “نكتفي بالبطاطا والتوابل والمرق والخضروات دون لحوم. البعض يتناولها أحيانا بالأسماك المعلبة بدلا من اللحوم”، يقول باسم (42 عاما).

وتسببت الحرب في اليمن في ارتفاع الفقر بنسب قياسية، فاقت 90% بنهاية 2018 مقارنة بـ 49% عام 2014.

وخلال السنوات الثمانية الماضية، انزلق مزيد من اليمنيين إلى تحت خط الفقر الوطني المقدر بـ50 دولارا للفرد في الشهر (600 دولار في العام).

وتشتهر اليمن بالعديد من الوجبات الشعبية كالعصيد التي تحضر من خلط الدقيق والملح بالماء مع إضافة المرق والتوابل، و”السلتة” وهي خليط من الأرز والخضار والمرق والحلبة وتؤكل مع الخبز. لكن هذه الوجبات فقدت الكثير من مكوناتها بسبب الحرب الدائرة في البلاد.

“كل شيء تغير في حياتنا بما في ذلك الطعام”، يقول نزار صادق.

تناول نزار وجبة الغذاء ذلك اليوم (دجاج وأرز) في مطعم في صنعاء بثلاثة آلاف ريال. يقول إن سعر هذه الوجبة، كان قبل عام 2011، لا يتعدى 1200 ريال يمني ومعها حلويات.

ويتابع :”افتقدتُ السمك والصيادية. قبل الحرب كنت أتناولها وأسرتي في الأسبوع ثلاث مرات. الآن في الشهر مرتين فقط”.

أما عبد العزيز الصنعاني (46 عاما)، الذي يمتلك محلا لبيع اللحوم، فيقول إنه كان يذبح قبل الحرب أكثر من 10 خرفان أما اليوم فلا يتجاوز أربعة.

“معظم الناس لم يعودوا قادرين على شراء اللحوم الطازجة واستبدلوها باللحوم المجمدة المستوردة رخيصة الثمن. والبعض أصبح يفضل الدجاج لانخفاض أسعارها”، يقول.

وفي مدينة صنعاء التاريخية هناك عدد من الأطباق التي افتقدتها الأسر على المائدة خلال سنوات الحرب.

يقول فايز أحمد، أحد سكان صنعاء القديمة، إن الحرب “غيبت المكسرات وبنت الصحن، والبريك (تصنع من الدقيق المحشي بالبيض والدقة)، وأيضا وجبة السوسي (خبز مفرون مقلي بالبيض)”.

إقرأ أيضاً  عملة معدنية جديدة.. هل فشلت جهود إنهاء الانقسام النقدي؟

ويضيف “حتى موائدنا في رمضان نادرا ما تتضمن الكنافة والسمبوسة والحلويات والمشبك”، مشيرا إلى أن سعر البيضة الواحدة وصل إلى 60 ريالا مقارنة بـ20 ريالا عام 2011.

وتسبب الحرب في ارتفاع الأسعار بشكل جنوني،فوصل سعر كيلوجرام واحد من لحم الخروف إلى 6000 ريال (10.3 دولار أمريكي)، مقارنة بـ1500 ريال عام 2011.

وبلغ سعر لحم الدواجن المحلية 2500 ريال يمني للدجاجة متوسطة الحجم، مقابل 800 ريال قبل 2014.

وفاقم من سوء الوضع انهيار العملة المحلية أمام الدولار الذي وصل إلى 580 ريالا حاليا، فيما كان مستقرا قبل الحرب عند 215 ريالا.

علاوة على ذلك، تنصلت الأطراف المتصارعة من دفع رواتب 1.2 مليون موظف حكومي انقطعت رواتبهم منذ أكثر من عامين ونصف.

وبسبب الحرب أيضا، ارتفع عدد اليمنيين الذين يحتاجون لمساعدات إنسانية إلى نحو 24.1 مليون شخص من أصل 27.5 مليون، منهم 11.3 مليونا معرضون لخطر المجاعة، وبحاجة ماسة للغذاء العاجل.​

أجبرت تلك المتغيرات اليمنيين على تغيير تقاليد الطعام التي تعارفوا عليها حتى باتت معظم العائلات تكتفي بالحد الأدنى من كميات الطعام والشراب، بعد أن كانت تنفق على ذلك مبالغ كبيرة.

وأفضت الضائقة الاقتصادية لتراجع عادات اجتماعية كمآدب العائلات الجماعية والأعراس، والولائم الجماعية التي كانت تقام في الأرياف والمدن في المناسبات المختلفة.

افتقدنا اللحم

توقفت أسرة محمد عبدالجليل، في العاصمة صنعاء، عن استضافة العائلة الكبيرة كل جمعة.

“كنا نلتقي على مائدة بمختلف أنواع الأطعمة”، يقول محمد. ويضيف: “بيتنا كان عامرا بالضيوف وأنواع الأطعمة، الآن أصبح هذا مستحيلا.. وإن تم، فالطعام يكون بكميات قليلة جدا مع تضييق دائرة المدعوين”.

يقول محمد إنه “بالكاد ينفق على أسرته الصغيرة”. “تركنا اللحم، ونادرا ما نأخذ الدجاج لأنها أرخص ثمنا.. اللحم من زمان نسيناه ولا نتناوله إلا في العيد”​، يشدد محمد عبد الجليل.

وتؤكد ثريا ناصر، يمنية ثلاثينية تنحدر من أسرة متوسطة الدخل، قائلة “انتهى زمن الموائد العامرة، غيرنا عاداتنا الغذائية تحسبا للأيام الأصعب التي قد تواجهنا”.

وتتابع لـ(ارفع صوتك): “كنت في السابق أعد لأطفالي حلويات وكعكا في المنزل ثلاث أو أربع مرات أسبوعيا، الآن كل شهرين ثلاثة أشهر مرة واحدة. حتى الفواكه والمقبلات هجرناها”.

مقالات مشابهة