المشاهد نت

جماعة الحوثي… كيف فككت “القبيلة” ووظفت إمكانياتها لصالحها؟

متابعة -عاصم أبو عامر

استطاعت جماعة الحوثي، في رحلة صعودها، أن تدمج فيها المكون القبلي، وأن تصبح بنحو ما قبيلة، إذ إن أغلب المنتمين لها ومناصريها، من أبناء قبائل شمال الشمال تحديداً، حيث وظفت الجماعة إمكانات القبيلة، من خلال الثقافة القبلية والانتماء القبلي ودعم جبهاتها بالمقاتلين، كما فككت القبائل المعارضة لها، وسيطرت عليها، رغم كون الجماعة عبارة عن تكتل من فئة الهاشميين، التي ينتمي إليها عبدالملك الحوثي، زعيم الجماعة الحالي، وشقيق مؤسسها، وكذلك غالبية المنتمين لها الذين يشكلون بنيتها الأساسية ورأس هرمها القيادي، بحسب دراسة تحليلية موسومة بعنوان “الحوثيون بين السياسة والقبيلة والمذهب”، صادرة عن مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية (غير حكومي).
وأوضحت الدراسة التي أعدها الباحث أحمد الطرس العرامي – حصل “المشاهد” على نسخة منها- أن جماعة الحوثيين حرصت، منذ البدء، في صراعها مع القبائل، على خطاب ذرائعي تفكيكي، مستفيدةً من النزاعات البينية للقبائل، لتستفرد بكل قبيلة أو قوة قبلية أو أجنحة قبلية على حدة، عاملة بكل ما لديها على تحاشي توحد خصومها ضدها.
وعلى إثر ذلك، أخضعت جماعة الحوثي قبائل صعدة لهيمنتها، لتمضي قدماً في طريقها إلى صنعاء، وساعدها على ذلك التنظيم والاحترافية والهوية الحربية أمام ميل القبائل للسلام، فالمنظومة القبلية هي نظام اجتماعي يسعى في جوهره للاستقرار والحفاظ على تماسكه.
وأشارت الدراسة إلى أن القبيلة في اليمن كانت البديل الأول للدولة، لدورها المؤثر في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، إذ توفر نموذجاً مبسطاً عن حكم القانون، عن طريق تسوية النزاعات وتنظيمها.
وعلى الرغم من اعتبار القبيلة خزان الأئمة، إلا أن القبائل مرنة، ومواقفها متحركة، وفي وقت ما تخلت عن الإمام أحمد حميد الدين، ولعبت دوراً محورياً في ثورة 1962، وفي الانتصار للنظام الجمهوري.
وقالت الدراسة إن القبلية لعبت دوراً في الحروب الشطرية بين الشمال والجنوب، وحروب المناطق الوسطى، وصولاً إلى حرب 1994، كما لعبت دوراً كبيراً في الانتخابات النيابية والرئاسية التي اتكأ فيها نظام صالح على القوى القبلية، واستعان بها لتقوية نفوذه.
بيد أن دور القبيلة تقلّص بشكل غير مسبوق، مع استيلاء الحوثيين على الدولة ومؤسساتها، منذ العام 2014، وتلقت أكبر صفعة، وكانت المواجهة الأكثر حسماً ضد عائلة الأحمر، المشائخ التقليدين لقبيلة حاشد، والذين كانوا يمثلون، مثلما تمثل قبيلة حاشد التي ينتمون إليها ويتزعمونها، قمة هرم القبائل اليمنية نفوذاً وقوة، وفق ما أشارت إليه الدراسة، حيث أكدت أن جماعة الحوثي انتصرت على أسرة الأحمر، بأن جعلتها تتموضع، داخل الخارطة القبلية كأكبر قبيلة يمنية، وأقواها وأكثرها نفوذاً وقوة، وعقب ذلك عمدت إلى تنصيب مشائخ قبائل موالين لها.
ولفتت الدراسة إلى أن الجماعة تمسكت بتوظيف الثقافة القبلية وإبرازها بدقة، فهي في الكثير من مواقفها مع القبائل تستخدم منظومة العرف القبلي وأحكامه وسلوكياته، مثل الهجر والتحكيم والنكف… إلخ، ويتجاوز ذلك إلى استخدام فنون القبيلة وأدبياتها، مثل “البرع” (رقصة الحرب) و”الزامل” (فن شعري شعبي ينشد جماعياً)، والزي الشعبي القبلي.
وبحسب الدراسة التحليلية، فإن الحوثيين، إلى جانب كونهم جماعة وطائفة ومليشيا مسلحة، هم قبيلة من الناحية السلالية والعصبوية، على الرغم من عدم تمتعهم بمجال جغرافي محدد كحال القبائل.
وبينت الدراسة أوجه اختلاف جماعة الحوثيين عن القبيلة اليمنية، من حيث إنها ذات سمة سلالية، فالهاشمية هي العمود الفقري لها، وتمثل الوشيجة الأقوى في هوية الجماعة، أضف إلى ذلك البناء الهرمي المتماسك الذي تتميز به، منوهة إلى أن الحوثيين جماعة دينية تشبه الجماعات الدينية المسلحة كـ”القاعدة” و”داعش”، إلا أنها تتميز عنهما بكونها تمتلك هوية ذات طابع اجتماعي محلي راسخ.

إقرأ أيضاً  بعد مرور عام من الوساطة الصينية بين السُّعُودية و إيران، أين يسير اليمن؟

تفكيك القوى القبلية

بنت جماعة الحوثيين، بشكل واضح وجلي، وجودها في المناطق القبلية، على أرضية النزاعات والخلافات بين القوى القبلية، عاملة على تفكيكها، وتنصيب أكثر الأطراف ولاءً لها، لكنها جعلت من سلطة المشائخ، كما من سلطة المؤسسات، تقبع في أدنى مستوياتها، وأضعف حالاتها، كما أوضحت الدراسة.
وأكدت، في السياق ذاته، أن الحوثيين استخدموا، خلال الحرب، مشائخ القبائل للمساعدة في تمويل الحرب والدفع بسلاح القبائل، والزج بأبنائهم في جبهات القتال.
ودفع غضب قيادات الجماعة من بعض زعماء القبائل، إلى اضطرار الأخيرين لإثبات ولائهم للجماعة من خلال إرسال أبنائهم أو أقاربهم للقتال في صفوفها، وهو أمر لا خيار لهم فيه.
وطبقاً للدراسة، فإن الحوثيين استخدموا كل السبل لإخضاع القبيلة، وتوظيف قوتها البشرية وسلاحها للقتال، بينما مازالت تستخدم الأساليب ذاتها التي كان يستخدمها الأئمة في اليمن، بما في ذلك الرهائن والخطف، ومصادرة الأملاك.

مقالات مشابهة