المشاهد نت

البائعات … بين ضغوط الحاجة ومضايقات الرجال

تعز – منال شرف:

“دفعتنا الظروف للعمل بمهنة البيع، فيما دفعَنا أشقاؤنا الرجال للانطواء على أنفسنا، حيث لم يعد بإمكاننا أن نبتسم بوجه أحد”؛ بهذه الكلمات، لخصت ريام مطهر، حجم الضغوط النفسية التي تواجهها البائعات في مجتمع ذكوري يعامل المرأة فيه وفقاً لنظرته القاصرة، ويعرضها في كل يوم من دوامها للمتاعب، كما ستروي لنا مطهر وأخريات.
وتقول مطهر: “ينظرون للمرأة التي اختارت العمل في المحال والمراكز التجارية، كأنها تبحث عن إثارة الرجل ولفت الأنظار، متناسين أن الأوضاع المعيشية العويصة هي التي دفعت بالمرأة لمزاولة مهنة البيع؛ نظراً لقلة فرص العمل. إنهم ينظرون للأمر بشكل ضيق”.

تكريس النظرة الدونية

تصف ريام مطهر لـ”المشاهد” موقف مجتمعها المحافظ من اشتغالها بائعة في أحد المراكز التجارية بمدينة التربة (جنوب تعز)؛ حيث استنكر الكثيرون ما أقدمت عليه باعتباره كسراً للأعراف المجتمعية السائدة.
وعلى غير المتوقع، صُدمت مطهر بنسوة يرفضن كفاحها في هذا الموقع العملي، ويسئن لها، وصولاً لنعتها بألفاظ جارحة، رغم أن عملها مقتصر على بيع أشياء خاصة بالنساء (أدوات تجميل)، والذي من شأنه أن يولد لزبوناتها الارتياح، ويشجعهن على الشراء دون خجل أو قلق، حيث تقول: “هاجمتني إحدى الزبونات بقولها: من تظنين نفسكِ؟! لست إلا بائعة. بنت سوق”.
وتذكر هدى سلطان؛ وهي مالكة لمحل تجاري بتعز وعاملة فيه، أنها واجهت صعوبات في بداية عملها، في الأمور التي تتطلب جهداً بدنياً، وصعوبات أخرى تتعلق بطلب المساعدة، موضحة بالقول: “كنت أعجز عن إغلاق باب المحل في البداية، لذا أطلب مساعدة أي شخص من الجوار. لكنّهم يرفضون، ويتجاهلون طلبي”.
وترجح هدى أن خوف الناس من نظرة المجتمع وإساءة الحكم على مقاصدهم، هما السبب في رفضهم المتكرر لمساعدتها؛ حيث يرون أنه من المعيب مد يد العون لامرأة.

ظواهر مرضية

من زاوية أخرى، لا يكف بعض الرجال عن مضايقة النساء واعتراضهن في مواقع العمل، بمختلف أشكال التحرش اللفظي والظواهر المرضية المقيتة، والتي تؤثر نفسياً على العاملة ومستقبلها المهني.
عن ذلك تقول مطهر: “يلحون بالقدوم إلى المحل والحديث معكِ تدريجياً. يسألونكِ أسئلة خاصة: “أين تسكنين؟ متزوجة أم عازية؟ هاتي رقمكِ”. وإذا رفضتِ يستمرون في مضايقتكِ أو إهانتكِ دونما سبب، وقد تصل بهم الجراءة لعرض الزواج عليكِ داخل المحل”.
وأضافت أن تصرفات كتلك لا تأتيها من زبائنها الرجال فقط؛ فبعض مسوقي الشركات الخاصة، يتحججون للبائعة بأن لديهم فرصة عمل مناسبة لها؛ بغية الحصول على رقم جوالها الخاص، بينما هم في حقيقة الأمر يبحثون كغيرهم عن غنائم بشرية للتسلية، مؤكدة أن مثل هؤلاء ينبغي أن يكونوا أكثر تفهماً لطبيعة عمل المرأة بهذه المجالات.
وبحسب ما أفادت هدى، تعاني المرأة المشتغلة في المحال والمراكز التجارية من تطفلات الناس ومراقبتهم المستمرة لها، خصوصاً النساء اللواتي يكثرن من زيارة محل عمل البائعة لطرح كمية من الأسئلة المستفزة عليها، ومحاولة التدخل في شؤونها الخاصة.
تقول هدى: “لديهن كثير من الأسئلة التي لا تنتهي: من أين أنتِ؟ متى تعودين للمنزل؟ ألا تخافين على نفسكِ؟ وأهلكِ كيف رضوا لك بهذا العمل؟”.
وتكمل على نحو آخر: “أسمع يومياً تعليقات ومضايقات لفظية من قبل المارة، وعلى أتفه الأمور. فالمحل مطل على الشارع. شوف تكنس! شوف تمسح الزجاج! شوف تصلّح! مزعجون للغاية. يراقبونني باستمرار، ويعلقون على كل ما أقوم به”.

إقرأ أيضاً  رمضان.. شهر الخير والمبادرات الإنسانية بحضرموت

تمييز وانتقاص

وافقت عالية الأسودي على العمل في أحد المراكز التجارية بتعز، لشغل فراغ يومها، لكن الأمر لم يكن بالسهولة التي تصورتها مسبقاً، إذ تقول: “لم يكن عملنا مقتصراً على البيع وحسب. كنا مسؤولات عن بقية الأمور الأخرى من تسعير وتشفير ونظافة ورصّ. هذا يعني كثيراً من الشغل إلى وقت متأخر، إضافة للمردود المالي القليل”.
وتؤكد عالية أنها لم تلقَ مضايقات من قبل الزبائن فترة عملها، بقدر ما عانت نفسياً من الأسلوب السيئ للمشرفين معهن، والبعيد كل البعد عن احترام كينونة المرأة؛ وهو ما دفعها لترك العمل بعد أيام قليلة من مزاولته، موضحة: “لم أشعر معهم بقليل من التقدير لأي جهد أبذله. فقط أوامر وشتائم. نعمل 12 ساعة متواصلة دون استراحة. ممنوع الجلوس قليلاً. ممنوع استخدام الهاتف. كانوا مستبدين للغاية”.

معاملة قاسية

المعاملة القاسية التي تعرضت لها عالية ورفيقاتها من قبل المشرفين أنفسهم، ولدت عقدة لديها، وأصبحت ترى أن مثل هذه الأعمال الشاقة لا تصلح إلا للرجال، ولا حاجة لعمل المرأة في المحال والمراكز التجارية إن لم يكن لضرورة بحتة.
وتقول عالية: “يستهينون بالمرأة لأنها ضعيفة وغير قادرة على الرفض والمطالبة بحقوقها، عكس الرجل الذي يملك القدرة على الصبر والتحمل أكثر، وبإمكانه رفض تحكماتهم تلك، ومواجهة أصحاب العمل”.
من جهتها، تركت البائعة صابرين محمد، العمل أيضاً، وانتقلت لمحل آخر، بعدما اكتشفت صدفة من أوراق العمال في المحل الذي كانت تعمل فيه، أن العاملة لديهم تستلم راتباً منقوص الثلث عن زميلها العامل في نفس المحل، موضحة بقولها: “كانت مبالغهم المالية قليلة مقارنة بالجهد الذي نبذله، ومع ذلك استمررنا في العمل، وبعد فترة عرفت أن مرتبات الرجال تزيد عن مرتباتنا بـ15 ألف ريال، وأحياناً أكثر، بداعي الترقية؛ لذا تركت العمل معهم. ينتقصون حقوقنا لمجرد أننا نساء، ولا مجال لمساواة النساء بالرجال. لو كنت رجلاً لما حدث معي ذلك”.
في السياق، تقول أستاذة الصحة النفسية بجامعة تعز، الدكتورة أنيسة دوكم، إن المرأة التي أجبرتها الظروف على الاشتغال بهذه المهنة، قد تتنازل عن أبسط حقوقها المكفولة، وتتعثر في أدائها لمهامها في العمل؛ وذلك يرجع لشعورها بالنقص، ولضعفها أمام كمية الضغوط التي تمر بها، والتي قد تتسبب لها ببعض الأمراض النفسية كالقلق والاكتئاب وقلة النوم.
وترى الدكتورة دوكم أن العاملة في المحال التجارية قد تسكت لضعفها عن “التنمر” والاستغلال الحاصلين لها من قبل أرباب العمل أو الزبائن أو غيرهم ممن لديهم قصور نفسي أو أفكار مجتمعية مغلوطة، مؤكدة أن على المرأة التي اتخذت قرار العمل في هذه الأماكن، أن تكون قوية وصلبة، وعلى استعداد نفسي تام لمواجهة مختلف المشكلات المجتمعية ذات الصلة بهذه النوعية من الأعمال، والناتجة عن استغراب المجتمع الذي يصدم بتواجد المرأة في هذه المواقع العملية، والتي كانت حكراً على الرجل.

“تمسكي بهدفك السامي”

ويتطلب الوصول بالمجتمع إلى تقبل مثل هذه الظواهر الجديدة والاعتياد عليها، بعضاً من الوقت، وإلى حين ذلك ينبغي على المرأة التي خرجت لكسب لقمة عيشها بيديها، أن تتمسك بهدفها السامي، بحسب الدكتورة دوكم، مشيرة إلى ضرورة عدم الاكتراث بما قد تتعرض له المرأة العاملة من مضايقات وتحرشات، أو تدعها تؤثر على نفسيتها وسلوكها الطبيعي.

مقالات مشابهة