المشاهد نت

هلال الحاج… قصة بطل يمني قتلته الحرب في المحيط الأطلسي

صنعاء – عصام صبري:

لم تشفع الإنجازات الرياضية للعشريني هلال الحاج، في بطولة “الكونغ فو”، لدى القائمين على الرياضة في اليمن، بتوفير أبسط الحقوق التي يتمكن فيها من العيش بكرامة في وطنه، فقرر الهروب بحثاً عن وطن، لينتهي به المطاف غريقاً في أعماق المحيط الأطلسي، فأصبحت قصته اليوم أيقونة بلده الجريح.
قرر هلال السفر إلى أوروبا، فكانت وجهته الأولى العاصمة المصرية القاهرة، ومنها إلى الجزائر، لزيارة أخيه سعيد الذي يدرس هناك، ومكث في الجزائر أياماً عديدة.
انتقل هلال إلى المملكة المغربية، في أغسطس الماضي، ومنها توجه عبر البحر صوب إسبانيا.
وحينما اقترب هلال وصديقه أكرم، من جزيرة مليلة الإسبانية، طلب مالك القارب منهما القفز، وإكمال المسافة إلى الجزيرة سباحةً، إلا أنه لم يتمكن من قطعها، بينما نجا صديقه، فتوفي هلال هناك غرقاً.

محمد اليزيدي : تم إنزال هلال وصديقه اكرم على بعد 15 متراً من الشاطئ، لكن البحر كان هائجاً، وهو ما قضى على هلال، ونجا رفيقة أكرم بصعوبة”.

مشهد الغرق في المحيط

يصف الشاب اليمني محمد اليزيدي، الذي رافق هلال عبر رحلته في المحيط الأطلسي، باتجاه إسبانيا، عبر قوارب تابعة لمهربين مغاربة، بالقول على صفحته على “فيسبوك”: “سلكنا نفس الطريق التي غرق بها هلال، ومن نفس المكان. الفرق هو أني وصديقي أيمن سبحنا ما يقارب الـ70 إلى الـ80 متراً، حتى وصلنا إلى الشاطئ، وهذا كان مخالفاً لما اتفقنا عليه طبعاً، كما أن البحر كان هادئاً. بينما هلال وأكرم، تم إنزالهما على بعد 15 متراً من الشاطئ فقط، لكن البحر كان هائجاً، وهو ما قضى على هلال، ونجا رفيقة أكرم بصعوبة”.
وقال اليزيدي: “من يعرف ذلك المكان الموحش، سيعرف كيف صارع هلال الموت بين الصخور على الشاطئ”.
تم ردم الشاطئ بصخور ضخمة، حتى أصبح الشاطئ كله عميقاً، ناهيك عن كونه ضيقاً، وخيارات الصعود أمامك محدودة، بحسب اليزيدي، مؤكداً أن القدرة على الإمساك بالصخور لن تمكنك من الوقوف على قدميك، لعدم وجود شيء تضع قدميك عليه. ستمسك بالصخرة بأطراف أصابعك، وتبقى معلقاً فوق الماء. وعندما تسبح إلى مكان تجد فيه صخرة عليها مقبض جيد لتمسك به، هي مسألة حظ، وقد تنزلق قدماك على الصخور الضخمة والمليئة بالطحالب، كأنك في سباق تزلج”.
ويقول صديقه حسين اليافعي: “كنت أنا وسعيد مهمومين عندما قرر هلال السفر إلى أوروبا، لأننا كنا ندرك أن الطريق محفوفة بالمخاطر”.
وعلق الوزير السابق خالد الرويشان: “أبطال اليمن تبتلعهم أمواج البحر الأبيض المتوسط، بعد أن غادروا بلادهم بحثاً عن لقمة العيش، وما ذاك إلاّ بسبب الإمامة الجديدة ونكباتها. البطل هلال يغرق قبالة سواحل إسبانيا، كأنه موسى بن نصير اليماني المعاصر. لم تغرقه أمواج إسبانيا، بل أغرقته زوبعة الإمامة الجديدة في بلاده اليمن، قبل ذلك”.

إقرأ أيضاً  عمالة الأطفال في رمضان

استجداء التكريم

شارك هلال في عدة بطولات للكونغ فو، كان أبرزها بطولة غرب آسيا في طهران، عام 2015، وحصل فيها على ميدالية ذهبية، والبطولة العربية في الجزائر، عام 2016، ودورة ألعاب التضامن الإسلامي في أذربيجان، عام 2017، التي حصل فيها على ميدالية برونزية، وكانت دورة الألعاب الآسيوية في إندونيسيا 2018، آخر بطولة شارك فيها.
وبعد عودة هلال من أولمبياد التضامن الإسلامي، التي حقق فيها الميدالية البرونزية كميدالية وحيدة لليمن من بين كل الألعاب المشاركة، إلى العاصمة صنعاء، ولقائه بوزير الشباب والرياضة في حكومة صنعاء حسن زيد، قال له بالحرف الواحد: يا أستاذ حسن هيا “باتجيبوا” لنا حقوقنا وتكرمونا، إحنا رفعنا علم اليمن عالياً؟ رد عليه حسن زيد قائلاً: “وأنت من قلك ترفعه، علم اليمن بيرفعوه رجال الله في الجبهات”. هذه الكلمات التي تركت هلال يبحث عن وطن يقدر المواهب، وفق ما قال شقيقه سعيد لـ”المشاهد”.
ويقول محمد الجنيد، وهو صديق قديم لهلال: “في كل مرة يعود فيها هلال إلى الوطن، بعد تحقيقه إنجازات عديدة من خلال البطولات التي كان يشارك فيها، كان يتمنى أن تحظى لعبة الكونغ فو باهتمام المسؤولين”، مضيفاً أن هلال كان يحب اليمن، ويتألم حينما كانت تقصف الطائرات العاصمة صنعاء، ولم يكن يفكر بالهجرة أو الاغتراب.

النعي لا يكفي

عقب الإعلان عن وفاة هلال الحاج، غريقاً في البحر، سارع سياسيون من طرفي النزاع، إلى تقديم التعازي لأسرة الكابتن هلال الحاج، وأعلنت وزارة الخارجية اليمنية أنها ستنقل جثمانه إلى اليمن لدفنه.
ويقول اليافعي: “كان هلال يمثل جيلاً من الشباب الطموح والموهوب الذي دمره الوضع في اليمن، وبوفاته أعلن رسمياً وفاة جيل من الشباب. النعي هنا لا يقتصر على هلال فقط، لأن القادم أفظع”.
وكتب حميد المطري، وهو صديق هلال، على صفحته في “فيسبوك”: “الآن، وبعد أن يموت الإنسان، يترحمون عليه، ويتكلمون في الأخبار عليه، وينزلون صوره في المجموعات، ويقدمون أحر التعازي، والبعض يبعثون لأهله بمساعدات، وآخرون يتحملون إيصال جثمانه. وكان الأحرى بكم أن تتركوه يطمح بدون محاربته. هو الآن بين يدي ربه، لا يريد منكم شيئاً. هل تتقون الله في من تبقى من الأبطال الذين يعانون الأمرين، ولازالت أرواحهم في أجسادهم؟ أما بعدما الموت فليس لنا حاجة ببكائكم”.

مقالات مشابهة