المشاهد نت

درر الشاعر الإرياني تفوح رائحة من فناجين اليمنيين

تعز – أحمد عبدالله:

لا يعرف الحاج سعيد إبراهيم (89 عاماً) شيئاً عن تاريخ البن، وميناء المخا، الذي كان يصدر البن اليمني عبره إلى بعض من دول العالم. لكنه يتذوقه كما لو أنه يحتسيه لأول مرة في حياته، رغم مضي سنوات عمره في احتسائه.
وليس من السهل خداعه بـ”بن” غير يمني، لأنه ببساطة يعرف جودة البن الذي أفنى عمراً بين أشجاره في إحدى مناطق مديرية جبل حبشي بمحافظة تعز (جنوبي غرب اليمن)، وأكثر من جنى حبات البن الحمراء من تلك الأشجار صيفاً.
ويعتبر محصول البن اليمني من أشهر المنتجات الزراعية التي اشتهر بها اليمن منذ القدم، لكنه تراجع كثيراً على حساب زراعة القات في الكثير من المناطق اليمنية التي اشتهرت بزراعته قديماً، مثل مديريات محافظة صنعاء.
تعد اليمن من الدول المصدرة لمحصول البن منذ القدم، والذي عرف باسم Mocka Coffee تمييزاً لميناء المخا الذي يصدر منه البن اليمني، حيث تم شراء أول شحنة من قبل الهولنديين من ميناء المخا، عام 1628م، لكن أول من تعرف على القهوة اليمنية من الأوروبيين، هم البرتغاليون الذين غزوا سواحل اليمن الغربية، وفق المصادر التاريخية.

مراحل إنتاج البن

تشير إحصائيات وزارة الزراعة، إلى عمل قرابة مليون شخص على البن، فضلاً عن كونه محصولاً مهماً يشكل دخلاً لكثير من الأسر اليمنية.
وتقدّر المساحة الزراعية المخصصة للبن حالياً في اليمن، بنحو 34497 هكتاراً.
وتعد اليمن من أوائل الدول التي زرعت البن والمصدرة له، فقد تمكن العثمانيون من طرد البرتغاليين الذين تعرفوا على القهوة، من سواحل البحر الأحمر، عام 1538، وعقبها انتعشت تجارته.
ويزرع البن على ارتفاع يتراوح بين 1000 و1700 كيلومتر فوق سطح البحر، في الأودية التي تنحدر من المرتفعات الغربية والوسطى والجنوبية، وفي المدرجات الجبلية، خصوصاً في السلسلة الجبلية المطلة على “تهامة”.
وتتراوح كثافة المساحة المزروعة بالبن ما بين 900 و1000 شجرة في الهكتار الواحد. فيما يتراوح إنتاج الهكتار الواحد ما بين 300 و600 كيلوجرام، وهذه المناطق تمثل نحو 40% من المساحة المزروعة بالبن.
ويتم قطف ثمار البن، عندما تصل تلك الثمار إلى اللون الأحمر، وهو دليل على النضج الجيد. ويعملون على فرز حباته يدوياً، بحسب الحجم ودرجة النضج.
ويمر البن بمراحل بعد جنيه، ابتداءً من التجفيف، وهي المرحلة المهمة لضمان جودة البن، ثم تليها مرحلة التقشير، وهي فصل القشرة عن ثمرة البن، ثم التدريج، وهي فرز النواة الجيدة عن سواها، وأخيراً التحميص التي تتم بدرجة حرارة تتراوح ما بين 180 و240 درجة مئوية، ولفترة زمنية لا تتعدى الـ20 دقيقة.
وهناك الكثير من أنواع البن في اليمن، وذلك نسبة للمنطقة التي تتم زراعته فيها، ففي تعز يعد البن الحمادي ومنطقة طالوق أكثر جودة، وفي صنعاء المطري والخولاني والصعدي والأهجري.

صناعة القهوة

دخلت القهوة إلى الجزيرة العربية في القرن السابع الهجري، الموافق للقرن الثالث عشر الميلادي، حيث عرفها أهل اليمن أولاً، ثم مكة، فالقاهرة، وإسطنبول، ثم العالم.
ويقول مؤرخون إن أوائل المستخدمين الذين حولوا استهلاك القهوة لمشروب اجتماعي ضمن عادة منتظمة، هم متصوفو اليمن، قرابة بداية القرن الخامس عشر، ولقد استخدموها لتنشيط ذهنهم ومساعدتهم على السهر ليلاً لإقامة صلواتهم.
وأكثر أنواع القهوة المستخدمة في اليمن، هي القشر مع بعض الإضافات، أو البن الصافي، ولا يرتبط ارتشاف القهوة بأوقات معينة، فهناك من يُفضل قشور القهوة في الصباح الباكر، وآخرون يفضلونها مساء.
وتقدم تلك القهوة، سواء القشر أو البن الصافي، للضيف في اليمن، في أي وقت، لكن القهوة الصافية دون سكر غالباً ما تكون هي الشائعة في العزاء.
ويحرص الكثير من الأسر اليمنية على شرب القهوة يومياً، بينهم سميرة صالح، التي تؤكد اختيارها أجود أنواع البن، وتقوم بتحميصه في المنزل ثم طحنه، وإضافة “الهيل” إليه، والاحتفاظ به في إناء زجاجي محكم الغلق، وتركه بعيداً عن البهارات الأخرى، وحفظه في الثلاجة عندما يكون الجو حاراً، قبل أن يتم احتساؤها في الصباح الباكر.
ويتميز أهالي منطقة حيس بمحافظة الحديدة، بطريقة تحضيرهم للقهوة، فهم يفضلون غليها على الفحم في أوانٍ فخارية تعرف بـ”الجَمَنَة”، ويناولونها بأكواب الفخار.

إقرأ أيضاً  اتساع ظاهرة التسول في رمضان

“بن اليمن يا درر”

صادف الأول من أكتوبر الجاري، اليوم العالمي للقهوة، الذي احتفل به اليمنيون بشكل مختلف هذا العام، وكان حضوره لافتاً على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي.
ودعا الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، اليمنيين إلى زراعة البن بشكل أكبر، بدلاً عن زراعة القات، الذي غزا أراضيهم الزراعية.
وأطلقت نقابة “الموالعة اليمنيين” (تعنى إحدى دوائرها بالبن)، ومنظمة سمبس، ووكالة تنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة، الكثير من الوسوم على مواقع التواصل الاجتماعي، بينها “#البنأصلهيمني”.
وصار البن جزءاً من الموروث الغنائي اليمني، بعد قصيدة “الحب والبن”، التي كتبها الشاعر والمؤرخ مطهر الإرياني، وغناها من ألحانه الفنان علي الآنسي، والتي منها:
“طاب الجنى في الشجر وافتر ثغر الزمان
يا حارس البن بشرى موسم البن داني
طاب الجنى يا حقول البن يا احلى المغاني
يا سندس اخضر مطرز بالعقيق اليماني
بن اليمن يا درر يا كنز فوق الشجر
من يزرعك ما افتقر ولا ابتلي بالهوانِ”

لماذا العزوف عن زراعته؟

المؤسف أن الكثير من المزارعين توقفوا منذ سنوات عن زراعة البن، نظراً لحاجته للماء الوفير، وهو ما يصعب عليهم توفيره بسبب الجفاف، وعدم قدرتهم على شرائه بانتظام لري الأشجار، فضلاً عن صعوبات نقله بين المدن.
ويقول الصحفي والباحث اليمني المتخصص بالشؤون الاقتصادية، نبيل الشرعبي، إن شجرة البن تحتاج إلى عناية لفترة تمتد إلى 5 سنوات، لتثمر، ومع الأوضاع الحالية الصعبة في البلاد، فإن المزارع يبحث عن المحصول السريع، ولا يكون “البن” أحد الخيارات.
وبرغم وجود مبادرات كثيرة تسعى لإحياء البن، إلا أن الشرعبي يعتقد، في سياق تصريحه لـ”المشاهد”، أن منظومة الزراعة غير مؤهلة لإحداث طفرة في إنتاج محصول ما، فقد كان الإسهام الزراعي في تغذية ميزانية الدولة قبل الحرب، يتذبذب ما بين 5 و7.5%، والحرب زادت من هشاشة تلك المنظومة.

مقالات مشابهة