المشاهد نت

الحرب تدمر الذاكرة الثقافية للمدن اليمنية

صنعاء – حسان محمد:

تعرض التراث الإنساني والإرث الحضاري لليمن، خلال سنوات الحرب، لهجمات تخريبية وتدمير متواصل من قبل أطراف الصراع.
وبحسب تقرير منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، الصادر في أغسطس 2018، بعنوان “تجريف التاريخ”، فإن 34 موقعاً تعرض لأنواع مختلفة من الاعتداءات، كالقصف الجوي من قبل طيران التحالف العربي الذي تقوده السعودية، والهجمات البرية والتفجير والتخريب والهدم المتعمد، علاوة على تدبير أعمال عدائية من جوار هذه الأعيان الثقافية، أو الاستخدام المتعمد لأغراض عسكرية مباشرة.
وتعرض 15 موقعاً تاريخياً وأثرياً، استخدمها الحوثيون لأغراض عسكرية، للهجمات الجوية من قبل مقاتلات التحالف العربي، منها مدينة براقش التاريخية، والبوابة الشمالية لسد مأرب القديم، وألحقت هجمات جوية متكررة لطيران التحالف، أضراراً متفاوتة بمبانٍ تاريخية في مدينة صنعاء القديمة، وحصن كوكبان.

استهداف المواقع الأثرية

ولم تلقَ دعوات المديرة العامة لليونسكو، إيرينا بوكوفا، في بيانات صحفية، إلى الامتناع عن استهداف التراث الثقافي الفريد للبلاد، تجاوباً إيجابياً، فطال التدمير أكثر من 101 من المواقع التراثية والأثرية، بالغارات الجوية والتفجيرات، وفق “اليونسكو”.
ووفقاً لإحصائيات الهيئة العامة للآثار والمتاحف، أدت الغارات الجوية إلى أضرار كبيرة بمدينة صنعاء القديمة التي تم إدراجها كموقع للتراث العالمي، ما جعل لجنة التراث العالمي تضعها على قائمة التراث العالمي المعرض للخطر، في يوليو 2015. وتعرضت أعيان ثقافية للهجمات البرية والجوية معاً، كالمتحف الحربي بمديرية كريتر جنوب مدينة عدن، الذي قصفته دبابات الحوثي -صالح، في أبريل 2015، قبل أن تستولي عليه ويقصفه طيران التحالف بعد تمركز الحوثيين فيه، في يوليو من العام نفسه.
وبحسب تقرير “مواطنة”، فإن جماعة الحوثي لم تكتفِ بالتمركز في المواقع الأثرية، وتعريضها للقصف من قبل طيران التحالف العربي، بل شنت هجمات برية بالدبابات والمدفعية، مستهدفة معالم أثرية ومباني تاريخية ومتاحف.
وخلفت هذه الهجمات دماراً واضحاً في تلك المعالم الأثرية، ومنها قصر الحوطة عاصمة محافظة لحج (جنوبي اليمن)، وقصفت معالم أثرية في مدينة تعز (جنوب غرب)، في عدد من الهجمات.

تخريب على يد الجماعات المتطرفة

ولم تسلم الأعيان الثقافية من الجماعات المتطرفة التي نفذت عمليات تخريب في أكثر من 35 موقعاً، أبرزها استهداف الجهة الجنوبية الغربية لمدينة شبام التاريخية بمحافظة حضرموت (شرق اليمن)، بسيارة مفخخة، في نوفمبر 2015، أدى إلى تضرر حوالي 240 منزلاً طينياً، بعضها تضررت بصورة جسيمة.
وتشابهت الأعمال التخريبية لجماعة الحوثي وأنصار الشريعة في مدينة عدن، حيث هاجم أفراد متشددون ينتمون لـ”أنصار الشريعة”، معبد الهندوس التاريخي بعدن، على متن 3 عربات عسكرية، وقاموا باقتحام المعبد، وتحطيم التماثيل واللوحات التي كان يحتويها.
وقامت جماعة الحوثي بتحطيم الكثير من مقتنيات وتماثيل كنائس عدن التي تعرض فيها أكثر من 15 موقعاً ومعلماً أثرياً للاستخدام لأغراض عسكرية مباشرة.
وتؤكد منظمة مواطنة، أن كتائب أبو العباس السلفية التابعة للإمارات، عملت على تدمير قبة عبدالهادي السودي التاريخية، وجامع الفازة بالساحل الغربي، ونهب محتويات متحف تعز، قبل أن تعيد هذه الكتائب مقتنيات المتحف، بعد مطالبات مستمرة لها بذلك.

إقرأ أيضاً  اللحوح... سيدة مائدة الإفطار الرمضانية

نهب المخطوطات

وأعرب فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن، في تقريره للعام 2019، عن قلقه إزاء وضع مدينة زبيد القديمة، المدرجة كموقع في قائمة التراث لليونسكو، لتلقيه تقارير تفيد بأن مجموعة كبيرة تضم أكثر من 1000 مخطوطة كانت موجودة في متحف زبيد، نُهبت. وتوجد مخاوف بشأن حمايتها وصيانتها.
وأكد فريق الخبراء أن جميع أطراف النزاع أسهمت في تآكل مواقع التراث الثقافي في جميع أنحاء اليمن، وإلحاق الضرر بها.
واتهمت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة “إيسيسكو”، في بيان صادر في يناير 2019، الحوثيين، بنهب “المخطوطات والكتب التاريخية والعلمية ونفائس نادرة”، من مكتبة زبيد بمحافظة الحديدة (غربي البلاد)، موضحة أن المخطوطات والكتب المنهوبة تمثل تراثاً نفيساً يوثق تاريخ مدينة زبيد التي كانت عاصمة اليمن من القرن الثالث عشر إلى القرن الخامس عشر الميلادي.

حماية قانونية

وتمثل هذه الاعتداءات على الأعيان الثقافية، انتهاكاً لاتفاقية لاهاي 1954، التي تؤكد مادتها الرابعة على ضرورة تعهد الأطراف باحترام الممتلكات الثقافية الكائنة في أراضيها أو أراضي الأطراف الأخرى، بامتناعها عن استعمال هذه الممتلكات أو الوسائل المخصصة لحمايتها أو الأماكن المجاورة لها مباشرة لأغراض قد تعرضها للتدمير أو التلف في حالة نزاع مسلح، وبامتناعها عن أي عمل عدائي إزاءها.
وتشدد المادة السابعة على اتخاذ تدابير عسكرية تحمي هذه الممتلكات، ومنها أن تغرس في أعضاء قواتها المسلحة روح الاحترام الواجب إزاء الثقافات والممتلكات الثقافية لجميع الشعوب، وإعداد أقسام أو أخصائيين أو إلحاقهم في صفوف قواتها المسلحة، وتكون مهمتهم السهر على احترام الممتلكات الثقافية.

مقالات مشابهة