المشاهد نت

“الشهر الوردي”… حراكٌ توعوي للوقاية من سرطان الثدي

تعز – محمد علي محروس:

يتوكأ علي هزاع على عكّازه النحيف بيدٍ، ويمسك بالأخرى يد زوجته التي أنهكها المرض على مدى سنة ونصف، منذ تشخيص إصابتها بسرطان الثدي، مطلع 2018، في كل مرة تذهب للعلاج، مخففاً عنها جزءاً من ألم الداء الخبيث.
ولا يمنعه عمره الخمسيني، ولا ظهره المحدودب، ولا حتى إصابته بالفشل الكلوي، عن مرافقة زوجته صباح عبدالله (45 عاماً)، إلى مركز الأمل لعلاج الأورام بمدينة تعز (جنوبي غرب اليمن)، ليرد لها شيئاً من الجميل، عرفاناً بصمودها معه، وبوقوفها إلى جانبه، في أحلك الظروف، كما يقول.
ونتيجة لمعاناتها من مضاعفات الجلسات الدوائية التي تسبب آلاماً لصباح، توقفت عن تعاطي جرعها الدوائية منذ يونيو الماضي، الأمر الذي جعل السرطان ينتشر إلى الرئتين. وهو تطوّر خطير، يضاعف من سوء حالتها، بحسب الطبيب المتابع لها.

يعالج مركز الأمل لعلاج الأورام بمدينة تعز، 7500 مصاب بالسرطان، منهم 1128 مصابة ومصاباً بسرطان الثدي، بنسبة 15%، وفق إحصائيات المركز الذي يستقبل حالات من محافظات مجاورة لمدينة تعز كمحافظة إب


ومع كل هذا، ترفض صباح، العودة إلى بروتوكولها الدوائي، مكتفية بمتابعة الأطباء لمعالجة أي أعراض جانبية فقط، كما يقول هزاع.
ويعالج مركز الأمل لعلاج الأورام بمدينة تعز، 7500 مصاب بالسرطان، منهم 1128 مصابة ومصاباً بسرطان الثدي، بنسبة 15%، وفق إحصائيات المركز الذي يستقبل حالات من محافظات مجاورة لمدينة تعز كمحافظة إب (وسط اليمن).
لكن مركز الأمل في تعز بحاجة اليوم للتجهيز والتأثيث الطبي من أجل العودة إلى أهلية العمل من جديد، بعد تعرضه للقصف خلال فترة المواجهات التي كانت تدور بالقرب منه.

6 آلاف إصابة بسرطان الثدي

وعلى الرغم من أن المرض يصيب النساء بشكل أكبر، إلا أن الذكور ليسوا بمنأى عن الإصابة به، ولو بشكل أقل بكثير مقارنة بالنساء، ولكنه يشكل خطورةً عليهم أكثر من الإناث، بحسب منظمة الصحة العالمية، التي صنّفت المرض كأكثر الأمراض فتكاً بالنساء في العالم.

1008 عدد الاصابات بمرض بسرطان الثدي في محافظات الحديدة حجة وريمة والمحويت


وترصد المنظمة نفسها 6 آلاف إصابة جديدة بمرض سرطان الثدي، من بين 30 ألف إصابة جديدة بالسرطان بشكل عام، على مستوى البلاد.

"الشهر الوردي"… حراكٌ توعوي للوقاية من سرطان الثدي
ندوة توعوية بمرض سرطان الثدي بتعز “عدسة مراسل المشاهد ”


وتؤكد إحصائيات مؤسسة مكافحة السرطان في محافظة الحديدة (غرب البلاد)، على وجود 1008 إصابات بسرطان الثدي في المحافظة ومحيطها الجغرافي، كمحافظات “حجة وريمة والمحويت”.
وقالت الدكتورة وفاء عبدالله سعيد، طبيبة أورام مقيمة في مركز الأمل لعلاج الأورام بتعز: “إهمال نساء كُثر لحالتهن عند ظهور أي تغير في شكل الثدي، أو خروج إفرازات، يؤدي إلى صعوبة علاج المرض”، مؤكدة ضرورة الكشف المبكر، إذ يسهم الكشف الأولي في وضع حل عاجل لتزايد احتمال الإصابة بالداء الخبيث، كون حالات سرطان الثدي من أكثر الحالات القابلة للشفاء، شريطة أن يكون في مراحله الأولى.
ودعت وفاء، النساء إلى التغلب على مخاوفهن، وتجاوز الهلع الذي يحدث لهن عند أي تغير في الثدي، وعدم الانجرار خلف العادات الاجتماعية التي تعتبر الذهاب للطبيب في مثل هكذا أمور عيباً، وهو ما يعرض حياة الكثيرات للخطر، مشددة على أهمية أن تتقن كل امرأة طرق الفحص الذاتي، التي تستطيع كل أنثى القيام بها في منزلها للتأكد من أي تغيرات طارئة دون العودة إلى الطبيب إلا في حالة ظهور أي عرض من الأعراض الملاحَظة.
وتبعث دراسات علمية في سياق الكشف المبكر لسرطان الثدي، برسائل مطمئنة للمرأة التي تشك بأي تغيرات في ثديها، إذ توصلت إلى أن 80% من أورام الثدي حميدة، ويمكن معالجتها في حال الكشف المبكر، وتتطور هذه الأورام لتصبح خبيثة عندما تتعرض للإهمال وعدم التعامل معها بجدية.

الحملة الوردية للتوعية

وتؤكد منظمة الصحة العالمية ضرورة الكشف المبكر؛ باعتباره حجر الزاوية في مكافحة سرطان الثدي، كما تفيد موادها التوعوية، وهو ما بنت عليه مؤسسة مكافحة السرطان في تعز (مؤسسة خيرية غير حكومية)، حملتها لهذا العام، والتي أطلقت عليها “كوني شجاعة”، للكشف المبكر، في رسالة تشجيعية للمرأة حتى تكون أكثر جرأة للإقدام على خطوة الكشف، عبر العيادة الوردية المخصصة لهذا الغرض، والمواكِبة للفعاليات التوعوية الميدانية.
وتواكب مؤسسة مكافحة السرطان في تعز، الحملة الوردية، بسلسلة فعاليات توعوية وتثقيفية على المستوى الميداني، إذ تركز على المدارس والجامعات بدرجة أولى؛ كون الحضور النسائي يشكل الأغلبية.
ويعتبر شهر أكتوبر من كل عام، الشهر العالمي للتوعية حول سرطان الثدي، في إطار الحملة الوردية العالمية الرامية إلى زيادة منسوب الوعي حول المرض، ومحاولة الوقاية منه وتحجيمه، في ظل التزايد المستمر بعدد الإصابة به، في دول العالم المتقدم أو النامي على حد سواء.
ويرى معاذ الشريحي، مسؤول التوعية والتثقيف الصحي بالمؤسسة، أن مهمة المؤسسة تكمن في خلق بيئة توعوية تصنع الوقاية لنفسها بنفسها، وذلك من خلال مجموعة حملات دورية بشكل سنوي، والحملة الوردية جزء من تلك الحملات، بل تعد الأهم، خصوصاً وأن نسبة الإصابة بسرطان الثدي تعد الأعلى في تعز وعلى مستوى البلاد.
وقالت أسماء الشيباني، مسؤولة الإعلام بالمؤسسة ذاتها، إن دور الإعلام محوري في إيصال المواد التثقيفية والوسائل التوعوية إلى شرائح واسعة ومتعددة في المجتمع، وهو ما تحرص المؤسسة على القيام به سنوياً، إذ تخصص بروشورات مطبوعة تحوي مادة توعوية متكاملة من حيث الأسباب والأعراض وطرق الوقاية، إضافة إلى المنشورات المستمرة عبر منصاتها الإعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي، وإسهام القنوات التلفزيونية والإذاعية عبر تقاريرها وموادها المواكبة للحملة.

إقرأ أيضاً  المرأة الريفية.. حضور متزايد في الزراعة 

حملات أخرى مماثلة

إلى جانب تعز، تنشط محافظات أخرى ذات كثافة سكانية ومعدلات إصابة عالية، للتوعية حول المرض، ضمن الحملة العالمية، كمحافظات “صنعاء وعدن والحديدة وإب وحضرموت”.
وأطلقت مؤسسة حضرموت لمكافحة السرطان، حملتها التوعوية، في محافظة حضرموت، تحت شعار “لأنكِ الحياة.. فحصك نجاة”، في إشارة منها لضرورة تكاتف الجهود المجتمعية للتوعية والوقاية من المرض.
وتحدث محمد باحضارة، مدير البرامج بالمؤسسة، عن مضاعفة الجهود خلال فترة الحرب، حيث ترتاد المؤسسة حالات من محافظات عدة تعاني من الصراع الحاصل في البلاد، لذا بات من الضروري أن يكون هناك جهد ملموس للتوعية حول سرطان الثدي والعمل على الوقاية منه.

فى محافظة إب يصل عدد الإصابات بسرطان الثدي فيها إلى 638 حالة.


وتقوم المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان بمدينة عدن (جنوب البلاد)، إلى جانب محافظات “أبين ولحج والضالع”، بتوعية مكثفة، إذ تُقدّم خدمة الكشف المبكر عبر عيادتين ورديتين في عدن ولحج، إضافة للفعاليات التوعوية ومهرجانات التثقيف في المحافظات الأربع، كما يتم حث النساء على الكشف المبكر عبر رسائل نصية هاتفية تستهدف المحافظات المذكورة، وذلك في إطار الحملة التوعوية التي تحمل شعار “لا تترددي.. الكشف المبكر يحدث فرقاً”، وفق ما تقول حنان نجيب، موظفة في مؤسسة مكافحة السرطان في عدن.
ولم تمنع ظروف الحرب، محافظة الحديدة، من مهمة التوعية بمخاطر سرطان الثدي، للحد منه. وتقام الحملة الوردية لهذا العام، تحت شعار “الكشف المبكر ينقذ حياتك”.

قدم مركز الحياة للكشف المبكر عن سرطان الثدي، في العاصمة صنعاء، الذي ينشط في حملة التوعية، حوالي 10 آلاف خدمة لنحو 700 مصابة منذ العام 2012.


وفي إب التي يصل عدد الإصابات بسرطان الثدي فيها إلى 638 حالة، تتكاتف الجهود لتقديم حملة توعوية غير عادية، ويؤكد ذلك تفاعل مستشفيات المحافظة ومرافقها الصحية الأخرى، التي خصصت يوماً للفحص المبكر، في إشارة تضامنية مع الحملة الوردية بالمحافظة، التي تحمل شعار “يداً بيد من أجل حياة وردية”.

مراكز علاجية غير كافية

قدم مركز الحياة للكشف المبكر عن سرطان الثدي، في العاصمة صنعاء، الذي ينشط في حملة التوعية، حوالي 10 آلاف خدمة لنحو 700 مصابة منذ العام 2012.
لكن أطباء يشددون على ضرورة وجود مشاريع قومية على مستوى البلاد لمكافحة السرطان والوقاية منه ومعالجته، إضافة لتعزيز الدعم الحكومي للمراكز والوحدات المعنية بمكافحة السرطان في اليمن، وكذا تكثيف الحضور المجتمعي من خلال تضافر الجهود لوضع بصمات اجتماعية ملموسة في مكافحة السرطان ككل، وسرطان الثدي على وجه الخصوص.

مقالات مشابهة