المشاهد نت

اتفاق الرياض.. ترحيل ملفات وترحيب الانتقالي

تعز – أحمد عبدالله:

تحدثت وسائل إعلام سعودية مختلفة عن توقيع الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات العربية المتحدة، اتفاقاً تم برعاية الرياض، استمرت المحادثات لأجل التوصل  إليه، أكثر من شهر.
يتضمن الاتفاق -بحسب صحيفة “الشرق الأوسط”- تقاسم الوزارات في حكومة كفاءات مكونة من 24 وزيراً، مناصفة بين الشمال والجنوب، فضلاً عن عودة رئيس الوزراء إلى العاصمة المؤقتة عدن.
وينص كذلك على إعادة ترتيبات القوات العسكرية والأمنية في المحافظات الجنوبية. وستشرف على تنفيذ بنود الاتفاق، المملكة السعودية.
سبق التوقيع على هذا الاتفاق، تسريبات عديدة لبنوده، وانسحاب بعض القوات الإماراتية من محافظات جنوبية، وحضور لافت للقوات السعودية، خصوصاً في العاصمة المؤقتة.
حتى الآن، يبدو البعض مستبشراً بتفاصيل ذلك الاتفاق إن تم تنفيذه على أرض الواقع، وتم دمج قوات “الانتقالي” في وزارتي الدفاع والداخلية، بشكل صحيح، لكن المخاوف كثيرة لدى آخرين، بسبب الخوف من التأسيس لبداية صراع مناطقي في اليمن، وتفكك البلاد إلى هويتين.

خلافات

مع بدء الحديث عن اتفاق جدة، قبل أكثر من شهر، برز المجلس الانتقالي الجنوبي، كممثل لمختلف المكونات في المحادثات التي جرت في السعودية، برغم توالي رفض أطراف عديدة في الجنوب أن يكون ممثلاً لها.
ما إن تم الإعلان عن التوقيع على اتفاق جدة، أعلن مؤتمر حضرموت الجامع، رفضه لنتائج محادثات جدة، فقد أكد رئيس المؤتمر الشيخ عمرو بن حبريش، في رسالة بعثها إلى الرئيس عبدربه منصور هادي، أن أي ترتيبات للقضايا الوطنية لا يشارك فيها، لا تعنيه ولا تمثله.
وذكر المؤتمر أن تجاوز حضرموت التي تعتبر ركيزة في الجنوب، أمر غير مقبول، وسيكون له موقف من أي ترتيبات لا يشارك فيها.

ترحيل المشكلات

وحتى الآن، لا تبدو ملامح الاتفاق واضحة، وبحسب الكاتب الصحفي وضاح الجليل، فهناك غموض كبير حول التفاصيل، وما تم تسريبه هو الخطوط العريضة فحسب، وبعض القضايا التي تم التوافق عليها.
ورأى الجليل، في تصريحه لـ”المشاهد”، أن ما تم تسريبه يبدو جيداً للكثيرين، بل إنه يظهر كما لو أن الأمور ستسير على نحو يحقق قدراً كافياً من الإنصاف، برغم أنه جاء على خلفية تمرد على الدولة وانتهاك لسيادتها وطرد لقواتها وحكومتها، والأسوأ من ذلك انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان.
لكن ما لم يتم تسريبه -وفق الجليل- هو ما سيثير الجدل، وسيتسبب بالكثير من الإشكاليات عقب الإعلان عنه، وعند بدء التنفيذ، وحتى إن كانت السعودية هي المشرف على تلك الخطوة، فجذر المشكلة لم يتم التعامل معه، وسلطة الدولة التي تعرضت للانتهاك، لا يبدو أنه تم الانتصار لها، كما أن قادة “المليشيات” التي ارتكبت الانتهاكات، لن يكونوا عرضة للمحاسبة.
ومن وجهه نظر الكاتب، فإن ذلك الأمر لا يلغي الانقسام الحاصل، ولا يؤسس لمصالحة حقيقية، ويترك الأبواب مشرعة لتصاعد الخلافات لاحقاً، والعبث بالأمن والقانون، والتعامل مع أجهزة الدولة بعقلية المحاصصة الجهوية والحزبية والمناطقية، ومن ثم ترحيل الأزمة إلى مرحلة قادمة.

ارتياح “الانتقالي”

المجلس الانتقالي الجنوبي بدا سعيداً بنتائج محادثات جدة، واعتبر ما حدث “خطوة استراتيجية على طريق تحقيق الأهداف”، بحسب وصف المتحدث باسم المجلس نزار هيثم.
وقال هيثم، في بيان نشره بصفحته على “فيسبوك”، إن المجلس نجح من خلال التوقيع على “اتفاق الرياض”، أن يُؤسس لمرحلة جديدة ومُتقدمة يكون فيها للجنوب تمثيل رسمي على الطاولات الإقليمية والدولية، بما في ذلك الشراكة الرسمية بكافة المستويات مع التحالف العربي، بما يخدم قضيته ويعزز حضوره.
وأكد أن المجلس سيكون حاضراً وبقوة في المرحلة القادمة، من خلال اتفاق الرياض، واستمرار قطاعاتهم العسكرية والأمنية في محاربة “المليشيات الحوثية والتنظيمات والجماعات الإرهابية ضمن جهود واستراتيجية التحالف”.
وتثير المخاوف حديث “الانتقالي”، في بيانه الأخير، عن سعيه إلى تحقيق مشروعه وأهدافه المتمثلة في “التحرير والاستقلال”.

إقرأ أيضاً  دور المرأة اليمنية في مواجهة تغيرات المناخ

انتقادات

منذ 2014، شهدت اليمن انقلاباً في شمال البلاد، نفذه الحوثيون الذين رعت السعودية اتفاق السلم والشراكة الذي تم بينهم وبين الحكومة، تكرر المشهد مجدداً في الجنوب عقب تمرد المجلس الانتقالي، بدعم الإمارات، على السلطة في عدن، مرات عديدة، أفضى الأخير إلى “اتفاق الرياض” الذي حمل في البداية اسم “اتفاق جدة”.
في صعيد ذلك، يفيد الكاتب الصحفي وضاح الجليل، أن انتهاء كل انقلاب بمحادثات واتفاقات، ينتقص من سلطة الدولة ويضعفها، مستطرداً: “هذا الانقلاب حدث على خلفية مطالب وأهداف غير عادلة أو منصفة؛ وإن كان يتستر بقضية عادلة مثل القضية الجنوبية؛ لكن المجلس الانتقالي لا يمثل هذه القضية ولا أصحابها الحقيقيين؛ فهو ركب عليها بقوة السلاح، وبتمويل خارجي، وتسبب في انقسام مجتمعي خطير في المحافظات التي يفترض أن هذه القضية هي قضيتها”.
والأسوأ من كل هذا، أن “الانتقالي” طعن الدولة التي تواجه خطراً وجودياً يتمثل في الانقلاب الحوثي الطائفي المناطقي، الذي يهدد جميع اليمنيين بلا استثناء، وكان انقلاب المجلس الانتقالي خدمة كبيرة حصل عليها الحوثي مجاناً، على حد قوله.

ردود أفعال مختلفة

تباينت ردود أفعال اليمنيين في منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، فقد رأى الناشط الجنوبي باسم الشعبي، أن تمثيل الجنوبيين في الحكومة ليس بالعدد، وإنما بالقضية التي يحملونها والمشاريع والأفكار.
وقال إنه وطوال 20 سنة كان الشمال وقواه هو من يصنع للجنوب ممثليه ويفرضهم، متهماً حزب التجمع اليمني للإصلاح بالتحريض ضد “الانتقالي” وإفشاله، لأنه جاء “بما لم يتخيلوه، وفرض نفسه كطرف جنوبي خالٍ من الشوائب الشمالية”، على حد تعبيره.
أما الكاتب الصحفي مصطفى راجح، فعلق قائلاً: لو صحت المسودة المسربة، فهي تنهي مشكلة “الانتقالي” بدون حرب، وتطوي الدور الإماراتي، لتضع الخيوط كلها داخل معسكر الشرعية، بيد الرياض.
واستطرد: هذا إذا لم تقل الإمارات و”الانتقالي” جملة الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الشهيرة التي قالها وهو يضع القلم في جيبه، بعد توقيعه على المبادرة الخليجية: “… ليس المهم التوقيع، ولكن المهم حسن النوايا”.
وكان مستشار الرئيس اليمني عبدالملك المخلافي، اعتبر أن الاتفاق إيجابي يعزز الشرعية وجهود استعادة الدولة، وينطلق من المرجعيات الثلاث ونتائج مؤتمر الرياض، والهدف منه تعزيز وحدة الصف لمواجهة انقلاب الحوثيين.
لكن المحلل العسكري علي الذهب، حذر من خطورة ذلك الاتفاق الذي يعتقد أنه يعطي لـ”الانتقالي” حقوقاً توازي ما للسلطة الشرعية، وهو خطأ استراتيجي يدعم نموذج ولاية الفقيه الذي يجتهد الحوثيون لإرسائه. مُحملاً السعودية كارثية النموذج الطائفي الذي يكبر في اليمن.

مقالات مشابهة