المشاهد نت

اتفاق الرياض… حل للأزمة أم تأجيل للصراع؟

تعز – محمد علي محروس:

فور انتهاء مراسم التوقيع التي حضرها الرئيس هادي، وولي العهد السعودي، وولي عهد أبوظبي، تباينت ردود الفعل المحلية، ما بين مؤيد ومعارض لاتفاق الرياض، وبين من يعتبره تدشيناً لمرحلة تؤسس لحل سياسي شامل على مستوى البلاد، وآخر يعدّه مجرد مسكّن مرحلي له تبعاته الكارثية على مستقبل اليمن برمتها. ولم تخلُ الآراء المتباينة من التشكيك في جدّية الطرفين، واتهام السعودية باعتبارها المنتصر الوحيد من الاتفاق المبرم.
بقدر ما يعني اتفاق الرياض الكثير على المستوى الشعبي في ما يتعلق بإيقاف الصراع بين مكونات مدعومة من التحالف العربي، إلا أن الكاتب والمحلل السياسي ياسين التميمي، يرى أنه لا يمثل أهمية كبرى بالنسبة للأهداف الأساسية المتصلة بالمشروع الوطني، ولا يعدو عن كونه اتفاقاً تكتيكياً يراد له أن يكون مخرجاً سعودياً مشرّفاً من المأزق اليمني، حسب وصفه.
وعلى المدى البعيد، لا يعتبر التميمي الاتفاق حاسماً للقضية الجنوبية، ولا ضماناً لنهايتها وفقاً لمقررات الحوار الوطني، بقدر ما يفتح المجال لنزاع طويل الأمد قد يبدو فيه “الانتقالي” لاعباً ثانوياً بعد عام من اليوم، كما يقول.
وبحدّية كبيرة، وصف وزير الثقافة الأسبق، خالد الرويشان، الاتفاق بالملثّم، معللاً ذلك بأنّه حتى الآن لم يعرف أحد أسماء ممثلي الشرعية الذين تفاوضوا لأشهر مع “الانتقالي”، في الرياض، وأضاف: قرأنا الاتفاق، لكننا لم نعرف جهابذة الإنجاز!
وتساءل الرويشان: لماذا الخشية من إعلان أسماء وفد الشرعية؟ هل ثمة ما يدعو للخوف أو الخجل؟
وفي معرض كلامه، أضاف: في العالم كله لا اتفاق بلا متفاوضين، أي اتفاق هو في النهاية مسؤولية تاريخية.. لماذا تم إخفاء الأسماء رغم أن التفاوض استمر أشهراً؟
ويرى الرويشان أن اتفاق الرياض جرّد الرئيس هادي حتى من حق تعيين مدير أمن، إلا بعد التشاور لاستصدار قرار التعيين، وبنبرة تهكمية قال: أما تعيين وزير داخلية فربما احتاج لمؤتمر إقليمي!
ويمنح الاتفاق رئيس الوزراء الحالي العودة إلى عدن في غضون 7 أيام من التوقيع؛ للإشراف على سير العمل في المؤسسات الحكومية، وصرف الرواتب، إلى حين تشكيل حكومة كفاءات من 24 وزيراً مناصفة بين الشمال والجنوب، خلال 30 يوماً، على أن تؤدي اليمين الدستورية أمام الرئيس هادي، في عدن، وبذلك تعود كافة المؤسسات المندرجة تحت السلطات الثلاث، للعمل من عدن، مصحوبةً بإشراف سعودي على تنفيذ بنود الاتفاق سياسياً وأمنياً وعسكرياً.

وجهة نظر مغايرة

بدوره، وزير الخارجية الأسبق عبدالملك المخلافي، اعتبر اتفاق الرياض روحاً جديدة من الشراكة وعدم الإقصاء أو الاستئثار من منطلق سياسي أو مناطقي، وأن على الجميع المشاركة في تنفيذه بصدق وإخلاص.
وبحسب المخلافي، فإن الاتفاق يحقق مكاسب جديدة للقضية الجنوبية، بوضع الجنوب في مكانه المناسب ضمن الدولة الوطنية، ويستكمل إشراك كافة المكونات الجنوبية في السياق السياسي، خصوصاً تلك التي ذهبت بعيداً لعوامل وصفها بالمعروفة.
أما عضو المجلس الانتقالي الجنوبي، سالم ثابت العولقي، فقد أكد أن الاتفاق يفتح آفاقاً واسعةً للقضية الجنوبية، ويعزز ما تحقق من انفتاح إقليمي ودولي تجاه القضية الجنوبية، حسب تعبيره.
الصحفي فتحي بن لزرق، عبّر في تغريدة له على حسابه في “تويتر”، عن تأييده التام لاتفاق الرياض، حيث قال: “كلنا أمل أن الاتفاق سيكون بداية تحوّل كبير لليمن كلها، وستنطلق الدولة ومؤسساتها مجدداً من عدن، وفق قاعدة الوطن للجميع”.
وأضاف بن لزرق: لا خيار أمام كل الأطراف إلا دعم الاتفاق والسعي لإنجاحه، معتبراً نجاحه نجاحاً للجميع، وفشله يعني السقوط في مستنقع الفوضى التي لا تنتهي.
وتضمّن الاتفاق نقاطاً جوهرية في إطار توحيد الجهود، بما يعمل على إعادة تفعيل مؤسسات الدولة الخدمية وفق المرجعيات الثلاث المتمثلة في المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن 2216، وبالعودة إلى مقررات مؤتمر الرياض بين كافة المكونات والقوى السياسية اليمنية.

مخاوف محتملة

وسط التباين الحاصل بخصوص الاتفاق، ما بين محتفل ومعارض، انبرت مخاوف عدة تستشرف المستقبل في ضوء البنود المتفق عليها، وبخصوص الاتفاق من حيث المبدأ، فالدبلوماسي السابق مصطفى النعمان، يرى أن أي اتفاق يتم التوصل إليه بقوة السلاح، وبلا قناعات وطنية، لا يمكن إلا أن يصبح نموذجاً سيتكرر مع مسلحين ينتشرون في كل ركن من البلاد.
في ذلك الوقت، يعتبر النعمان أن الشرعية لا يجوز لها الاعتراض ولا النواح على وطن لم تحافظ عليه كالرجال، حسب تعبيره.
القيادي في المقاومة الجنوبية عادل الحسني، حمّل السعودية والإمارات مسؤولية صناعة المشكلة والبحث عن حلول لها، تماماً كما جرى مع المجلس الانتقالي، حسب قوله.
ويرى الحسني أن عودة الرئاسة والحكومة اليمنية عودة نهائية غير مشروطة، وتسليم الموانئ والمنافذ الجوية والبرية والبحرية، ودمج كافة التشكيلات المسلحة تحت سلطة وزارتي الدفاع والداخلية، أسس ثلاثة يُبنى عليها تنفيذ حقيقي للاتفاق، وبدونها فإن الفشل وارد لا محالة.

إقرأ أيضاً  مسلسل «ممر آمن»… الأمن مسؤولية مشتركة

العبرة في التنفيذ

وللمحامي والناشط الحقوقي عمر الحميري، رأي آخر؛ إذ يرى أن من المبكر الحكم على الاتفاق في شكله الحالي، ووصفه بأنه يحمل بذور السلامة والخطر معاً.
ويؤكد الحميري أن العبرة في التنفيذ؛ كون الملحق العسكري والأمني للاتفاق مليئاً بالكثير من النقاط التي يمكن التلاعب بها وإبقاؤها قادرة على فرض واقع سياسي جديد كالذي حدث مؤخراً في عدن.
وكان منصور صالح، نائب رئيس الدائرة الإعلامية في المجلس الانتقالي الجنوبي، قال في مقابلة على قناة “الحدث”، إن عودة الحكومة إلى عدن أمر غير وارد في الوقت الحالي، معللاً ذلك بأسباب معروفة كانت وراء الأحداث الأخيرة، تمنع عودة الحكومة، ولم يتم حلّها في الاتفاق.
واعتبر صالح أن ما تحقق لا يعد انتصاراً على المجلس الانتقالي، كما يروج بعض المحسوبين على الحكومة اليمنية لذلك، بل هو انتصار له.
ويمنح الاتفاق الرئيس هادي صلاحيات اختيار وزراء للوزارات السيادية، على أن يتم التوافق بشأن الوزارات الأخرى ضمن لجنة ثلاثية من التحالف والحكومة والانتقالي الجنوبي.

من المستفيد من هذا الاتفاق؟

لم تخلُ آراء المؤيدين من الحذر الشديد، حيث بنوا ذلك على تجارب سابقة لاتفاقات يمنية يمنية باءت بالفشل، على رأس أولئك المؤيدين الحذرين مدير مكتب رئاسة الجمهورية عبدالله العليمي، الذي قال في تغريدة له على حسابه في “تويتر”: “عانى الشعب اليمني كثيراً من التشرذم والتفكك، ولا شك أن اتفاق الرياض يشكل بداية صحيحة لرص الصفوف، وتجاوز الخلافات، والمساهمة في بناء اليمن الاتحادي الذي يشكل حلماً وأملاً وتطلعاً لكل اليمنيين”، لكنه أضاف أن الاتفاقات مجرد حبر على الورق ما لم تتبعها عزيمة قوية وإرادة شجاعة في التنفيذ.
وأشار إلى أن لدى الشعب اليمني تجارب غير ناجحة في تنفيذ الاتفاقات، في إشارة منه -كما يبدو- لاتفاق السلم والشراكة الذي وُقّع في صنعاء، بين الحوثيين والقوى السياسية، في سبتمبر 2014، وانتهى بسيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، وفرار الرئيس هادي بعد إخضاعه للإقامة الجبرية من قبلهم لأشهر.
وعملت السعودية، خلال الأشهر الماضية، على تقريب وجهات النظر للوصول إلى اتفاق الرياض، لكن ذلك في نظر البعض ليس من أجل سواد عيون اليمنيين، حسب تعبيرهم.
إذ يرى الكاتب والصحفي مصطفى راجح، أن الاتفاق منح الرياض، ولو مؤقتاً، وإلى حين، ما عجزت عن الحصول عليه خلال الـ60 عاماً الماضية، مشيراً إلى أن السعودية هي التي أدارت الفوضى في سنوات الحرب، وتحاول بهذا الاتفاق إعادة ترتيب فوضاها، فهي -بحسب راجح- تفعل ما بوسعها لتحويل اليمن إلى شيء من الماضي.
أما مسؤول التواصل الخارجي لاعتصام المهرة، أحمد بلحاف، فقد استَشهدَ بإطلاق الجنود السعوديين في مطار الغيضة الرصاص والأعيرة النارية، احتفالاً بتوقيع الاتفاق الذي اعتبره محاولة لشرعنة تواجدهم بشكل جديد، بعد فشل محاولاتهم السابقة، مؤكداً أن مخرجات الاتفاق غير معنية له.
ومنح الاتفاق السعودية امتياز الإشراف المباشر على التنفيذ، وكذا العودة إليها في أي خلاف تنفيذي محتمل لأي بند من البنود.

مقالات مشابهة