المشاهد نت

اتفاق الرياض… تقوية للحكومة أم تمهيد للانفصال؟

عدن – بديع سلطان:

حظيَ اتفاق الرياض الذي وقعت عليه الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، الثلاثاء الماضي، بتفسيراتٍ متباينة، عكست حرص كل طرفٍ على إظهار انتصاره، ونيله نصيب الأسد من المكاسب السياسية.
فنجد الموالين للحكومة اليمنية يصفون الاتفاق بأنه حافظ على ثوابت الشرعية، وعزز حضورها في المحافظات الجنوبية.
في المقابل، ينظر أنصار وقياديو المجلس الانتقالي إلى الاتفاق بأنه خطوة نحو تحقيق أهدافهم في الاعتراف بالقضية الجنوبية دولياً، وبداية تمهيدية لإعلان الانفصال واستعادة دولتهم.
ويبدو أن معظم قادة “الانتقالي” ينظرون إلى الاتفاق نظرةً واحدة، باعتباره نصراً سياسياً، بحسب الإعلامي والقيادي في المجلس، منصور صالح، الذي صرّح بُعيد ساعات من توقيع الاتفاق، أنه نصرٌ جديد يضاف إلى انتصارات “الانتقالي”، وفق وصفه.
وقال صالح في منشور على صفحته بـ”فيسبوك”: “بتوقيع وتنفيذ الاتفاق ينتقل المجلس الانتقالي بقضية شعبنا خطوة تاريخية مهمة، ويضعها على مسارها السياسي الصحيح، متناغماً ومؤمناً ومثبتاً لكل ما تحقق من انتصارات ميدانية، وبرعاية ودعم إقليمي ودولي”، مشيراً إلى ما سماها “حنكة القيادة السياسية” التي حوّلت الضغوط الهائلة التي استهدفت انتصار الـ10 من أغسطس الماضي، بطرد “حكومة الفساد والإرهاب”، بحسب وصفه، إلى إنجازٍ سياسي جديد، وأهم ما اشتمل عليه هو الاعتراف بالقضية الجنوبية وبممثلها الحصري المجلس الانتقالي بقواته المسلحة، وبصحة مطالباته، ورفضه لسياسات الفساد والإرهاب.
غير أن العديد من المآخذ يُمكن أن تؤخذ على منشور منصور صالح الذي وصف الحكومة التي سيكون “الانتقالي” جزءاً منها، بأنها حكومة فساد وإرهاب، بالإضافة إلى اعتباره المجلس الانتقالي ممثلاً حصرياً للقضية الجنوبية، وهو الأمر الذي لم يتضمنه اتفاق الرياض أبداً، بحسب مراقبين.
لكن رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي اللواء عيدروس الزبيدي، وصف الاتفاق عقب ساعات قليلة من توقيعه، بأنه “اتفاق عادل”.

وقال في تصريحاتٍ صحفية: “حافظنا من خلال اتفاق الرياض، على ثوابتنا الوطنية التي تضمنتها وثائقنا ومشروعنا السياسي كمجلس انتقالي جنوبي يحمل قضية شعب الجنوب، وبنفس الوقت أسسنا من خلال الاتفاق لآلية تنظم العلاقة بالحكومة، وتعالج الأخطاء التي واكبت المرحلة السابقة”.
ويرى مراقبون أن تصريحات رئيس المجلس الانتقالي، عقب توقيع الاتفاق، جاءت لتهدئة الشارع الجنوبي الذي يرى في الاتفاق انتقاصاً وتراجعاً لمطالب الجنوبيين في استعادة الدولة والانفصال عن اليمن.

ما مصير الوحدة اليمنية؟

يطرح متابعون فرضية أن يحمل اتفاق الرياض في ثناياه بذور الانفصال، واستعادة دولة الجنوب، كما يشتهي ويسعى المجلس الانتقالي الجنوبي.
وهي التفسيرات التي حاول بعض المحسوبين على المجلس الانتقالي والموالين له، اعتمادها بالإحالة إلى بنود اتفاق الرياض، وفق رؤيتهم.

حمدي ناصر : قطار القضية الجنوبية سيمضي قدماً، ولن يتوقف إلاّ بالاستقلال الناجز وعودة الدولة الجنوبية كاملة السيادة على كل أرض الجنوب، التي يعتبر اتفاق الرياض بدايةً لها.


حيث يشير رئيس تكتل شباب الجنوب، حمدي ناصر، في تصريح لــ”المشاهد”، إلى أن ثمة بنوداً تحمل دلالات عن هزيمة الحكومة، حد قوله، في ظل زخم ما سماه النصر الذي حققه “الانتقالي”، منوهاً إلى أن إعلاميي الحكومة وأصواتها يحاولون التخفيف مما وصفه بـ”هزيمة الحكومة” في معركة اتفاق الرياض.
وأضاف ناصر أن الحديث عن المخرجات والوحدة واليمن الاتحادي، ليست سوى مسكنات ألم يرددها من يشعرون بوجع مما تضمنه الاتفاق الذي يمثل بداية الغيث للقضية الجنوبية، مؤكداً أن قطار القضية الجنوبية سيمضي قدماً، ولن يتوقف إلاّ بالاستقلال الناجز وعودة الدولة الجنوبية كاملة السيادة على كل أرض الجنوب، التي يعتبر اتفاق الرياض بدايةً لها، حد وصفه.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي الكويتي الدكتور فايز النشوان، عن مخرجات اتفاق الرياض بين الحكومة والمجلس الانتقالي، ومصير الوحدة اليمنية من الاتفاق، إن الحكومة اليمنية، وبدعم سعودي خالص، استطاعت أن تعيد الأمور لنصابها في عدن والمحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة، وأنهت سعي المجلس الانتقالي لتقسيم اليمن، حسب تعبيره.
وأوضح النشوان في تغريدة على حسابه على “تويتر”، قائلاً: “يُناط باتفاق الرياض أن يُنهي الفوضى في عدن والجنوب، وستبقى متابعة مدى التزام الأطراف الموقعة على مضامين الاتفاق وعدم تأويل بنوده بما لا يتناسب مع فلسفته، وهذه النقطة مهددة من قبل المجلس الانتقالي”.

إقرأ أيضاً  زيارة المعالم الدينية بحثًا عن الروحانية في رمضان


وعاد ليجدد أن الاتفاق أنهى سعي المجلس الانتقالي لتقسيم اليمن إلى جنوب وشمال بالقوة، وأرجع الأوضاع لما قبل مايو 2017، مع فتح هامش للمجال السياسي عن أية مطالبات، كما أنهى وجود التشكيلات الأمنية والعسكرية خارج إطار الدولة، ودمجهم بالدولة، مع تقاسم الوزارات كما كان قبل “الفتنة”، حسب وصفه.
ويتفق معه الكاتب الجنوبي فاروق ناصر علي، الذي اعتبر أن اتفاق الرياض مثّل اعترافاً وقبولاً رسمياً بالوحدة اليمنية، مؤكداً أن ما حدث هو بيع للقضية الجنوبية.
وتابع في تغريدةٍ على حسابه في “تويتر”، أن الاتفاق لا علاقة له بالتفويض الشعبي لـ”الانتقالي”، وإنما هو مجرد قسمة للجنوب والشمال، أي القبول بالوحدة، ولا يعدو عن كونه بيعاً للقضية الجنوبية، بحسب وصفه.

مكونات جنوبية ترفض المحاصصة

وأعلنت 5 فصائل جنوبية، خلال مشاورات الاتفاق، ضرورة إشراكها في الاتفاق، وحصولها على مكاسب سياسية، وهو ما تم فعلاً عبر بندٍ في الاتفاق ينص على تشكيل حكومة جديدة مناصفة بين الشمال والجنوب، على أن يمثل الجنوب عن طريق كافة مكوناته، وليس فقط المجلس الانتقالي.
لهذا ينظر متابعون إلى هذه النقطة باعتبارها إلغاءً لادعاء المجلس الانتقالي تمثيله الحصري للقضية الجنوبية.
وربما هذا ما دفع مكوناً جنوبياً، كمجلس الإنقاذ الوطني اليمني الجنوبي، إلى إعلان رفضه لاتفاق الرياض.
وفي بيانٍ صادر عن المجلس، تلقى “المشاهد” نسخة منه، أوضح أن الاتفاق يشرعن لما سماه “السلوك المليشياوي” المرتهن للخارج، حسب وصف البيان، معتبراً الاتفاق مكافأة لمن يستمد مشروعيته وينفذ أجندةً من الدول الخارجية التي تدعمه، في إشارةٍ للمواجهات التي شهدتها عدن، خلال أغسطس الماضي، والتي أسفر عنها سيطرة القوات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي، وكانت سبباً في مشاورات جدة واتفاق الرياض.
وأشار بيان مجلس الإنقاذ إلى أن الاتفاق يكرس فكرة المحاصصة التي اعتبرها أحد أهم عوامل الحرب في المراحل السابقة في اليمن.
ويؤكد مراقبون أن اتفاق الرياض كرّس لممارسات توزيع الثروة والسلطة، بإشراف خارجي. مشيرين إلى الاتفاق لا يزيد عن كونه توزيع مكاسب البلاد واقتسامها بين الفرقاء، وما يدل على ذلك هو خلو الاتفاق من الإشارة إلى توفير الخدمات العامة للمواطنين.

تجاوز الخلاف

رأيٌ مستقل أعطى بعداً آخر لرؤى مؤيدي كل طرف، بُعدٌ متوازن، بمنأى عن الآراء المتعصبة والباحثة عن اختلاق انتصارات، قد لا تكون موجودة أصلاً.
الباحث والأكاديمي في جامعة عدن، الدكتور فؤاد المارمي، قال لـ”المشاهد” إن الأهداف الكلية لاتفاق الرياض تتمثل في تجاوز الخلاف والصراع والنزاع الذي فرضته تباينات وتفاوت المواقف، مضيفاً أن اتفاق الرياض مبني على أسس وطنية، وفقاً للمرجعيات السياسية الثلاث.
وأشار المارمي إلى أن الاتفاق في مضمونه العام يركز على كيفية تقوية وتثبيت أركان الدولة، وتفعيل مؤسساتها الأمنية والعسكرية والمدنية، وأيضاً سلطات الدولة الثلاث، وخلق توافق بين الأطراف الوطنية المناهضة للحوثيين.

مقالات مشابهة