المشاهد نت

المبادرة الخليجية… مرجعية حل أم أداة تدخل لدول الخليج في اليمن؟

تعز – محمد علي محروس:

مطلع أبريل من العام 2011، أعلنت الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، عن مبادرة للحل السياسي في اليمن، وسط احتجاجات شعبية واسعة للمطالبة بتغيير النظام حينها، لتصبح بعد ذلك بمثابة الدستور البديل لتحديد وضبط مسار الوضع السياسي في البلاد.
وعلى الرغم من التدخل المبكر لدول الخليج من أجل وضع حد للأزمة المتفاقمة، إلا أن التوقيع عليها احتاج 8 أشهر كاملة، تخللتها جولات مكوكية بين صنعاء والرياض؛ لإقناع الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، بقبولها والتوقيع عليها، وهو ما كان في الـ23 من نوفمبر 2011، لتضع بذلك حداً للانتفاضة الشعبية، وتؤسس لحل سياسي توافقي بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة.

لكن المبادرة وآليتها التنفيذية، لم يكونا بمثابة حل مؤقت يحدد مساراً للتوافق بين طرفي الصراع السياسي يومها، بل امتدتا لتشكلا مرجعية متينة وخارطة طريق لكل قرار سياسي في البلاد، وظلّتا ملازمتين لكل اتفاق أو حل توافقي مبرم، بدعم أممي، ومن دول أخرى عُرفت بالدول الراعية للمبادرة الخليجية في اليمن.
غير أن التطورات التي تعيشها اليمن منذ 5 سنوات، وتغيّر قوانين اللعبة السياسية، وظهور قوى جديدة للواجهة، أثارت العديد من التساؤلات عن الدور الذي تلعبه المبادرة الخليجية في الوضع الراهن، والأهمية التي تشكلها، رغم انتهاء الوضع الذي تشكلت بموجبه، ولماذا يتم إقحامها كمرجعية لأي حل أو اتفاق، إلى جانب مخرجات الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن 2216؟

المبادرة وآليتها التنفيذية، لم يكونا بمثابة حل مؤقت يحدد مساراً للتوافق بين طرفي الصراع السياسي يومها، بل امتدتا لتشكلا مرجعية متينة وخارطة طريق لكل قرار سياسي في البلاد، وظلّتا ملازمتين لكل اتفاق أو حل توافقي مبرم، بدعم أممي، ومن دول أخرى عُرفت بالدول الراعية للمبادرة الخليجية في اليمن.

مضمون المبادرة الخليجية

كانت المبادرة الخليجية عندما طُرحت، حلاً مناسباً عند البعض، إذ إنها تلبي مطلب الثوار المطالبين بتغيير النظام، وتمنع القوى اليمنية من الانخراط في أي صراع محتمل، كما تضمن وجود عملية انتقال سلس للسلطة بتراضي كافة الأطراف.
وتضمنت المبادرة تفاصيل عدّة، وألحقت بها آلية لتنفيذها، وكانت أولى مراحل التنفيذ، تشكيل حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت في الثالث من يناير 2012م، برئاسة محمد سالم باسندوة، ثم أعقبتها انتخابات توافقية للرئيس عبدربه منصور هادي، في الـ21 من فبراير 2012م.
ووقع على المبادرة الخليجية طرفان اثنان؛ حزب المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه، وأحزاب اللقاء المشترك وشركاؤها من الأحزاب والكيانات السياسية الأخرى، ونصت على أن يتولى حزب المؤتمر الشعبي العام رئاسة الدولة، فيما يتولى رئاسة الحكومة شخصية من أحزاب اللقاء المشترك، وتتشكل الحكومة من الطرفين، عبر تقاسم الوزارات الحكومية، بما في ذلك السيادية.
وبموجب المبادرة، توجه اليمنيون لتحديد مسارهم المستقبلي في ما عُرف بمؤتمر الحوار الوطني، خلال العام 2013م، الذي خرج بوثيقة متكاملة لمعالجة الوضع في اليمن.
حددت المبادرة الخليجية فترة انتقالية من عامين تنتهي مطلع العام 2014م، على أن تعقبها انتخابات برلمانية ورئاسية ومحلية، لكن تعقيدات تلك المرحلة جعلت من الصعب المضي في الالتزام بالتاريخ المحدد، وجرى التمديد للرئيس هادي في رئاسته للبلد، وقيادته للمرحلة الانتقالية، قبل أن تدخل البلاد في أتون مرحلة جديدة من الصراع العلني والمسلح، إثر اقتحام الحوثيين لصنعاء، وسيطرتهم على مؤسسات الدولة، وفرضهم واقعاً جديداً، غير واضح المعالم، ولايزال كذلك إلى اليوم.

رافضون ومؤيدون

وتتصدر الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، قائمة المؤيدين لاستمرار المبادرة الخليجية كمرجعية للحل السياسي، إلى جانب مخرجات الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن 2216، إضافة للأمم المتحدة التي اعتبرت المبادرة وآليتها التنفيذية مرجعية للحل الشامل في اليمن، مسنودة بالدول الـ10 الراعية للمبادرة، والدول الـ18 المساندة للعملية السياسية في البلاد.
فيما اعتبر عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، المبادرة الخليجية، قد انتهت، وأن الوضع الراهن يتطلب مبادرة جديدة تتماشى مع المتغيرات المستجدة، جاء ذلك في حوار له على قناة أبوظبي.
وجاء حوار الزبيدي قبل الأحداث التي شهدتها عدن، مطلع أغسطس الماضي، والتي تمخض عنها اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، واعترف الاتفاق بالمبادرة الخليجية كمرجعية للحل الشامل في البلاد، وضمن ما بني عليها اتفاق الرياض، بداية الشهر الجاري.
في الضفة الأخرى من البلاد، عبّرت جماعة الحوثي عن رفضها للمبادرة، وقالت الجماعة على لسان رئيس ما يُعرف باللجان الثورية محمد علي الحوثي، أن “المبادرة الخليجية انتهت ولا نعترف بها”، في مقابلة نشرتها وكالة “سبوتنيك” الروسية، منتصف العام الماضي.
وكان اتفاق السلم والشراكة المبرم بين الحكومة اليمنية والقوى السياسية من جهة، وجماعة الحوثي من جهة أخرى، بُعيد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، في الـ21 من سبتمبر 2014م، تضمن في طياته المبادرة الخليجية كمرجعية من مرجعيات الاتفاق، إلى جانب مخرجات الحوار الوطني يومها.

إقرأ أيضاً  المرأة الريفية.. حضور متزايد في الزراعة 

رؤى متناقضة

وقال الصحفي محمد العليمي: “باعتقادي أن المبادرة الخليجية هي إحدى الركائز الشرعية الأساسية لاستمرار الحياة السياسية في اليمن، إلى جانب مخرجات الحوار الوطني التي لم تطبق حتى الآن على مستوى الواقع، ولازالت بنوداً مكتوبةً على الورق”.
وبحسب العليمي، فإن نقض المبادرة الخليجية وعدم العمل بها يعني إنهاء حالة الاستناد الشرعي التي أوصلت الرئيس هادي إلى سدة الحكم، وما تلاه من ترتيبات لاحقة منذ 8 أعوام.
وأضاف: “طي صفحة المبادرة الخليجية قبل وضع الدستور القادم موضع التنفيذ، سيعني دخول البلد في فراغ دستوري يترتب عليه فراغ سياسي”.

كانت المبادرة الخليجية المدخل الأكثر جرأة لتدخل دول الجوار بالخارطة السياسية لليمن والتحكم بها، وهي الفرصة التي جاءت للمملكة السعودية كنتيجة لضعف النظام وعدم تفوق المعارضة حينئذ، لتصبح الأداة التي حافظت على بقاء النظام، وهي أيضاً التي أوصلت المعارضة للسلطة.


ويعتبر الناشط السياسي مانع سليمان، أن استمرارية المبادرة الخليجية كإحدى مرجعيات الحل، رغم انتهاء توقيعها، يمثل رغبة لدى جميع الأطراف الداخلية والخارجية التي تقدمت بها، كونها كانت مدخلاً لمصالح الجميع، وتحافظ على بقاء الكل، حسب تعبيره.
ومن وجهة نظر مانع، كانت المبادرة الخليجية المدخل الأكثر جرأة لتدخل دول الجوار بالخارطة السياسية لليمن والتحكم بها، وهي الفرصة التي جاءت للمملكة السعودية كنتيجة لضعف النظام وعدم تفوق المعارضة حينئذ، لتصبح الأداة التي حافظت على بقاء النظام، وهي أيضاً التي أوصلت المعارضة للسلطة.
وذلك يشكل أهمية لدى الجميع من أجل الحفاظ عليها كمرجعية أساسية، لأن سقوطها يعني بالضرورة سقوط الجميع، وانتهاء حضورها يعني انتهاء حضور الكل، كما يرى نافع.
ويجزم أن استبعاد المبادرة الخليجية من واجهة الصياغة للحلول السياسية، سيؤدي إلى تحول جديد لواقع السياسة اليمنية، بحيث إن ذلك سيسلم قوى جديدة ليس لها جذور نفوذ ماضوي، زمام المبادرة في البلاد، وهذا ما يتوقع نافع أن يكون إذا أراد اليمنيون الخروج من واقعهم الذي أوقعتهم المبادرة الخليجية فيه، حسب وصفه.
بدوره، البرلماني والقيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام، عبده بشر، عبّر لـ”المشاهد” عن رأيه حول الأهمية التي تمثلها المبادرة في الوضع الراهن، قائلًا: “لا أعتقد في الوقت الحالي أن المبادرة الخليجية نافعة أو سارية المفعول رغم القصور في مخرجات الحوار”.
ويرى بشر أن المبادرة الخليجية كانت بين طرفين، لكن المعادلة اليوم تغيرت، ويضيف: “أبرمت المبادرة وهنالك دولة مكتملة الأركان، على غير ما يبدو عليه الوضع الآن. حتى دول التحالف لم تكن حينها جزءاً من المشكلة، وهناك جملة من المتغيرات التي تشهدها البلاد اليوم، لم تكن موجودة عند وضع المبادرة الخليجية للحل السياسي”.

لماذا المبادرة الخليجية؟

كانت المبادرة الخليجية أول تدخل سعودي خليجي في الشأن اليمني مباشرة أثناء الثورة، خشية من انفجار الوضع في اليمن أولاً، وثانياً إيقاف الثورة الشبابية وكسر إرادتها، بالتعاون مع النظام السابق وأحزاب اللقاء المشترك التي تسلّقت على ظهر الثورة لتعيقها وتحرفها عن مسارها، بحسب المحلل السياسي ورئيس مركز يمنيون للدراسات، الدكتور فيصل علي.

المبادرة استطاعت أن تروّض اليمن، وكلا طرفي الصراع السياسي، وأن تجعلهم ينقادون طواعية للمبادرة التي وصفها بالمُزمِنة، وسهّلت الطريق للحوثي الذي رفضها منذ البداية، ليكون معارضاً لها في الظاهر، وأخذ يوسع علاقته مع السعودية والإمارات من الباطن.


ويضيف: “نجحت المبادرة في إيقاف الثورة في نقطة معينة، وأدخلت اليمن في محاصصة بين حرس النظام القديم بشقيه سلطة ومعارضة، مناصفة”.
ويؤكد الدكتور علي أن المبادرة استطاعت أن تروّض اليمن، وكلا طرفي الصراع السياسي، وأن تجعلهم ينقادون طواعية للمبادرة التي وصفها بالمُزمِنة، وسهّلت الطريق للحوثي الذي رفضها منذ البداية، ليكون معارضاً لها في الظاهر، وأخذ يوسع علاقته مع السعودية والإمارات من الباطن.
ويرى أن هادي هو المستفيد من المبادرة كمرجعية، بصفته الرئيس الشرعي، والأحزاب التي تعد من مكونات شرعيته، لذا اعتبروها مرجعية للحل السلمي، خصوصاً وأن الدول الـ10 الراعية للحل السلمي وافقت عليها، والأمم المتحدة اعتبرتها مدخلاً للسلام، وقانونياً صاروا يتحدثون عنها بعد الانقلاب، بالإضافة إلى قرارات مجلس الأمن بهذا الشأن، ومخرجات الحوار الوطني -التي لم تعد موضوعية اليوم- كمرجعيات ثلاث، وهذا مدخل لبقاء الرئيس هادي ومكونات شرعيته جزءاً من أية تسوية سياسية قادمة مع الانقلاب الحوثي في صنعاء، حسب تعبيره.
وتنتظر اليمن أي انفراج سياسي يضع حداً للصراع المستمر منذ 5 سنوات، وما ترتب عليه من صنع لكيانات أخرى أسهمت في زيادة تعقيد المشهد السياسي والعسكري برمته.

مقالات مشابهة