المشاهد نت

ذوو الاحتياجات الخاصة في اليمن.. مأساة الحرب ووجع الإهمال

تعز- محمد علي محروس:

بنظرة مستقبلية ترسم أسوان محمد، (17 عامًا)، خيوط مستقبلها، غير آبهة بإعاقتها الدائمة التي تسببت بها قذيفة أطلقها مسلحو الحوثيين أثناء مواجهتهم العسكرية مع القوات الحكومية على منزلها في قرية أسوان بمديرية القبيطة (50 كيلو متراً، شمال محافظة لحج) في مايو 2017، ما أدى إلى بتر قدميها، فضلًا عن مقتل جدها، وإصابة والدتها في العين اليسرى، لكن تجاوز كل ما جرى على مدى ثلاث سنوات من الإعاقة ما زال يحتاج إلى دعم، خاصة من الجهات الحكومية الأهلية والدولية، بما يضمن لها مواصلة مشوارها في الحياة دون منغصات، لكي تتمكن من دارسة الطب كما تحلم؛ لتساعد أسرتها، وتعينها على مواجهة الظروف القاسية كما تقول.

استقرت أسوان في منطقة الراهدة، بمديرية دمنة خدير (22 كم جنوب محافظة تعز) بعد أن أكملت فترتها العلاجية عقب إصابتها، غير أنها تتردد على مدينة عدن (جنوب اليمن) كي تتمكن من الحصول على أطراف صناعية تساعدها للوصول إلى مستقبلها المرسوم.

إلى جانب أسوان يواجه أكثر من أربعة ملايين وخمسمائة ألف شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة في اليمن ظروفًا غير مستقرة، لكن منظمة الصحة العالمية تقدر عدد المعاقين في اليمن بأكثر من العدد المعلن، معيدة الزيادة التي قدّرتها إلى الصراع القائم منذ خمس سنوات، وما نجم عنه من إصابات تسببت في إعاقات كلية وجزئية لملايين اليمنيين.

وقالت منظمة العفو الدولية في تقرير لها إن ملايين المعاقين اليمنيين يتعرضون للتجاهل والخذلان بسبب الحرب والإقصاء.

ورغم أن العالم أحيا اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة في الثالث من ديسمبر الجاري، إلا أنه في اليمن مر مرور الكرام دون تفاعل يُذكر من المعنيين سواء في صنعاء أو عدن.

كبيرة مستشاري برنامج الاستجابة للأزمات لدى منظمة العفو الدولية: المتطلبات تفوق طاقة العمليات الإنسانية، ولكن الأشخاص ذوي الإعاقة، والذين هم أصلاً من أكثر الفئات تعرضاً للخطر وسط النزاع المسلح، ينبغي ألا يواجهوا صعوبات أكبر في الحصول على المساعدات الأساسية

حربٌ وإعاقة

اتسمت الحرب في اليمن بهجومات غير مشروعة، وبعمليات نزوح، وبندرة الخدمات الأساسية، مما جعل الكثيرين يقاسون الشدائد من أجل البقاء على قيد الحياة بحسب راوية راجح، كبيرة مستشاري برنامج الاستجابة للأزمات لدى منظمة العفو الدولية، مؤكدة بالقول: “صحيح أن المتطلبات تفوق طاقة العمليات الإنسانية، ولكن الأشخاص ذوي الإعاقة، والذين هم أصلاً من أكثر الفئات تعرضاً للخطر وسط النزاع المسلح، ينبغي ألا يواجهوا صعوبات أكبر في الحصول على المساعدات الأساسية”.

وأضافت: “ينبغي على الجهات الدولية المانحة، والأمم المتحدة، والمنظمات الإنسانية العاملة مع السلطات اليمنية، أن تبذل مزيدًا من الجهد للتغلب على المعوقات التي تحول دون حصول الأشخاص ذوي الإعاقة حتى على أبسط احتياجاتهم الأساسية”.

وأكد أصيل تميم، أمين عام جمعية تأهيل ورعاية المعاقين في محافظة تعز لـ”المشاهد” أن الحرب أضافت الكثير من المعاناة لذوي الاحتياجات الخاصة في اليمن، وسلبتهم حقوقهم الأساسية والعديد من الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها من قبل، وهذا يدعو لبذل المزيد من جهود التكاتف من أجل شريحة مجتمعية مهمة”.

أعداد شريحة ذوي الاحتياجات الخاصة في تزايد مستمر؛ نتيجة استمرار الحرب في أكثر المناطق اليمنية كما تقول الناشطة الحقوقية هدى الصراري لـ”المشاهد”، مضيفة: “ولا ننسى أن ضحايا الألغام باتوا من ذوي الاحتياجات الخاصة، وينبغي على الدولة ومؤسساتها العمل وفق التشريعات الدولية والوطنية للاهتمام بهذه الفئة التي إن استثمرت فيها فهي مازالت في عطاء مستمر متحدية إعاقتها، ومتجاوزة واقعها”.

ولم تقم الجهات الحكومية ذات العلاقة والمنظمات الدولية والمحلية بواجبها على أكمل وجه تجاه ذوي الإعاقة، بل تركتهم فيما هم عليه؛ يواجهون واقعهم المأساوي، وقدرهم المجهول حسب قول تميم.

إقرأ أيضاً  الهروب من البشرة السمراء.. تراجيديا لا تدركها النساء

نقص في الأطباء

تُعتبر اليمن من الدول الموقعة على “اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة”، ولديها قوانين تهدف إلى حماية الأشخاص ذوي الإعاقة، والبالغ نسبتهم حوالي 15 % من عدد السكان (البالغ 24 مليون نسمة بحسب آخر تعداد سكاني في العام 2004) وفقاً لتقديرات منظمة الصحة العالمية.
لكن الناشطة الحقوقية الصراري أكدت أن اليمن لا تولي الاهتمام بهذه الشريحة الهامة في المجتمع اليمني، غير أن التشريعات القانونية خصصت لها نسبة ضئيلة لتولي الوظائف الحكومية، لكن يتم التلاعب بهذه النسب”.
فمؤسسات الدولة الخدماتية ألغت تماماً أي خدمات تُعطى لهذه الشريحة وتناست تماماً حقوقها التي ينص عليها القانون، والكلام هنا للناشطة الصراري.

وترى هدى الصراري أن هناك مسؤولية أخلاقية ومهنية للمجتمع المدني في اليمن؛ لإدماج ضحايا الحرب وغيرهم من ذوي الاحتياج الخاصة في أنشطة وفعاليات المجتمع المدني، وتوعية الرأي العام بما يعود بالرعاية والاهتمام لهذه الشريحة، إضافة لحث الدولة على إنشاء مؤسسات تهتم بهم وتقدم لهم كافة الخدمات التي يحتاجونها خاصة في التعليم والتأهيل بكافة مستوياته.

ويجب أن تتركز المسؤولية الاجتماعية تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال دمجهم، وعدم التعامل معهم بتمييز وعزل، كما يفعل كثيرون اليوم، ما يلقي عليهم بتبعات نفسية كبيرة بحسب الناشط والباحث وليد أحمد عمر، مؤكدًا على ضرورة التعامل معه بحرص، ومنحه الثقة، بما يعزز ثقته بنفسه، وحضوره المجتمعي أيضًا، رغم أنه لا يتوافر أي دعم نفسي، لهذه الشريحة.

ويوجد 40 طبيباً نفسياً في اليمن، ومع ذلك فإن معظمهم يقيمون في المدن، بحسب تقرير منظمة العفو الدولية.

ما الذي يحتاجه المعاقون؟

يرى مختصون أن إشراك ذوي الاحتياجات في إعداد احتياجاتهم واستلامها وتوزيعها سيجعلهم على علاقة مباشرة بالموضوع، وسيوفر الكثير من الجهد والوقت، والأسئلة أيضاً.

وقالت رشا محمد، الباحثة في شؤون اليمن بمنظمة العفو الدولية: “إن الأشخاص ذوي الإعاقة في جميع أنحاء العالم يطالبون عن حق بألا تُتخذ أية قرارات بشأنهم بدون مشاركتهم، واليمن ليست استثناء من تلك الدول”.

وتقول: “يجب على الجهات الدولية المانحة أن تسارع بالوفاء بشكل كامل بتعهداتها فيما يتعلق بتمويل العمليات الإنسانية، وأن تبذل مزيدًا من الجهد بما يكفل عدم تجاهل الأشخاص ذوي الإعاقة”، مضيفة أن هناك بعض الأعمال البسيطة نسبيًا التي يمكن أن يكون لها أثر كبير في معالجة الثغرات القائمة، ومنها مثلاً السعي للحصول على بيانات ومعلومات ومداخلات بشكل مباشر من الأشخاص ذوي الإعاقة، وتقديم عدد أكبر وأكثر ملاءمة لهم من الأدوات المساعدة، وتوفير مراحيض تراعي احتياجاتهم الخاصة.
وهو ما يؤكده صبري أيوب، مدير صندوق المعاقين في تعز، الذي يقول: “مهم أن يكون لذوي الاحتياجات بصماتهم في كل جهد يخصهم، سواء على مستوى الإعداد أو المشاركة الميدانية؛ لأنهم يمتلكون كافة المؤهلات لذلك، ومنهم من يحملون شهادات عليا وتجارب ناجحة، غير أنهم لا يحظون بالثقة المجتمعية ولا الحكومية، ويفتقدون لأدنى عوامل الرعاية والاهتمام، مما يجعلهم عرضة للكثير من المخاطر المادية والمعنوية، نظرًا للوضع الذي تعيشه البلاد، وهم ليسوا بمنأى عنه، حسب وصفه”.

ويواجه ذوو الاحتياجات الخاصة مصاعب عدة في ظل الجمود الحكومي الحاصل، وضعف التجاوب مع احتياجاتهم من قبل المنظمات الدولية والمحلية ذات العلاقة، إضافة لتشتت الجهود التي فرضتها الحرب بسبب تزايد عدد الجرحى والقتلى والنازحين طوال السنوات الخمس الماضية.

مقالات مشابهة