المشاهد نت

اتفاق تقاسم السلطة الهش في اليمن يواجه مستقبلاً غامضاً

تعز- ترجمة خاصة – عبدالملك محمد :

انفضت مواعيد نهائية عدة منذ توسط السعودية في اتفاق بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، لتقاسم السلطة، دون أن يتم طي صفحات النزاعات بالكامل، إذ مايزال جنوب اليمن يواجه حالة من الغموض وعدم الاستقرار.
وكلا الطرفين كانا جزءاً من تحالف عربي يقاتل الحوثيين المدعومين من إيران. وعلى الرغم من مرور أكثر من شهر على توقيع الاتفاق، إلا أن العديد من بنوده لم يتم الالتزام بها، ويتهم كل طرف الآخر بعرقلة تنفيذها.
ووقعت الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية، والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من دولة الإمارات العربية المتحدة، في الـ5 من نوفمبر الماضي، اتفاق تقاسم السلطة في الرياض، لإنهاء الصراع في المحافظات الجنوبية، وخصوصاً في عدن وشبوة وأبين.
ودعا الاتفاق الحكومة إلى تعيين محافظ ومدير أمن لمدينة عدن، وتشكيل حكومة شراكة مكونة من 24 وزيراً، خلال 30 يوماً. ولكن لم يتم تنفيذ هذه النقاط بعد، ولم يحقق الاتفاق أي تقدم يذكر حتى الآن.
وفي الـ6 من ديسمبر، اعترضت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، بالقرب من شقرة في محافظة أبين، كتيبة عسكرية حكومية تابعة لقوات الحماية الرئاسية، قادمة من جنوب شبوة، باتجاه عدن، مما أدى إلى اندلاع مواجهة شرسة بينهما. وتعد تلك الحادثة أول مواجهة مسلحة بين الجانبين منذ توقيع الاتفاق.
ونقلت وكالة الأنباء الحكومية “سبأ”، عن المتحدث باسم الحكومة راجح بادي، قوله إن انتقال قوات الحماية لم يكن يهدف تكوين قوات عسكرية في عدن، كما كان يظن المجلس الانتقالي الجنوبي، بل كانت مجرد جزء من الحماية الرئاسية المنصوص عليها في الاتفاق.
ومع ذلك، اتهم نزار هيثم، المتحدث باسم الجيش في المجلس الانتقالي الجنوبي، الحكومة، بعدم الالتزام باتفاق الرياض، قائلاً إنه لا يمكن لأية قوة عسكرية الدخول إلى عدن قبل تعيين مدير أمن ومحافظ للمدينة.
ومن الواضح أن أية مواجهات مسلحة ستؤدي إلى تفاقم الجروح لدى الطرفين، وتوسيع الخلافات، وتعميق انعدام الثقة في ما بينهم. وتشير هذه التطورات إلى أن الوضع في جنوب اليمن لايزال مضطرباً، وأن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بوساطة سعودية، لم يزرع بذور السلام.
وصرح مسؤول حكومي، مشترطاً عدم الكشف عن هويته، بأن المجلس الانتقالي الجنوبي قد انتهك بنود اتفاق الرياض، وعمل على عرقلة تنفيذه. وأضاف قائلاً: “لقد عرقل المجلس الانتقالي الجنوبي، انتقال كتيبة قوات الحماية الرئاسية، وهذا يتناقض مع الاتفاق الذي نص على عودة الكتيبة إلى عدن. وتكمن المشكلة الأخرى في التفسيرات المتعددة لشروط الاتفاق، إذ إن كل طرف يفسرها وفقاً لمصالحه ورغباته”.
وذكر مصدر لـ”ميدل إيست مونيتور”، وفقاً لموقع على شبكة الإنترنت، تابع للحوثيين، بأن المجلس الانتقالي الجنوبي قد رفض الاتفاق في الأول من ديسمبر (ولم يتم تأكيد هذا الخبر بشكل مستقل). ومع ذلك، قال المتحدث باسم المجلس الانتقالي الجنوبي هيثم، إن المجموعة ستظل ملتزمة بالاتفاق بقدر التزام الحكومة به أيضاً.
ويواجه اتفاق الرياض تحديات هائلة، بخاصة في ما يتعلق بالقضايا العسكرية والأمنية، والتي يزيدها تعقيداً انعدام الثقة بين الجانبين. وعليه فإن إعادة تنظيم الوحدات العسكرية تُعد عملية صعبة، ويمكن أن تستغرق وقتاً طويلاً لتنفيذها على أرض الواقع.
واعترف المسؤول الحكومي أن الاتفاق كان “يدعو للتفاؤل بشكل كبير”. وأضاف قائلاً: “من المفترض أن تُمنح القضايا الأمنية والعسكرية مزيداً من الوقت، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه من الصعب إعادة تشكيل الجيش وسحب الأسلحة من الحزام الأمني في غضون أيام، وقد يستغرق الأمر وقتاً أطول، وخصوصاً في المشهد اليمني الذي تشوبه التعقيدات”.
واستبعد محمد الأشول، الصحفي اليمني المتخصص بالشؤون العسكرية، إمكانية إعادة تشكيل قوات المجلس الانتقالي الجنوبي بسرعة، “حيث نص الاتفاق على إعادة توزيع القوات العسكرية في غضون 15 يوماً بعد التوقيع على الاتفاق، ولكن هذا غير ممكن. ويجب أن يكون لدى المجلس الانتقالي الجنوبي رغبة حقيقية في القبول بإعادة تشكيل قواته ودمجها في وزارتي الدفاع والداخلية”.
وقال الأشول إن إعادة التنظيم تعتمد أيضاً على التحالف العربي السني الذي يحارب جماعة الحوثي الشيعية المدعومة من إيران، منذ مارس 2015. وأضاف قائلاً: “إن التحالف يدعم القوات في الجنوب، ويقوم بتزويدها بالأسلحة منذ بداية الحرب. ولهذا السبب إن لم يكن التحالف جاداً في إنهاء الفوضى الحالية في الجنوب، فلن تتم إعادة تشكيل الجيش”.
وعلى الرغم من عودة بعض المسؤولين في الحكومة اليمنية، بمن فيهم رئيس الوزراء، إلى عدن، في الشهر الماضي، كجزء من الاتفاق، إلا أن عدن لاتزال تعاني من ظروف معيشية صعبة وتراخٍ أمني.
وقال شكري عبدالله، أحد سكان مدينة عدن، إن الوضع العام لم يتغير بشكل إيجابي منذ توقيع اتفاق الرياض، ولم يلمس المواطنون أي تحسن ملموس في الخدمات.
وأضاف قائلاً: “إن انقطاع التيار الكهربائي ونقص الوقود مازال مستمراً حتى بعد عودة الحكومة. ومازلنا نحن المدنيين محبطين، والوضع الأمني غير مستقر تماماً”.
وفي غضون الأيام القليلة الماضية، اغتال مسلحون يُعتقد أنهم على صلة بتنظيم الدولة الإسلامية، ضابطاً رفيع المستوى من قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، وقوات خفر السواحل اليمنية في عدن.
وشهدت المدينة الساحلية الجنوبية سلسلة من الاغتيالات على مدى السنوات الثلاث الماضية، بسبب الأجندات السياسية والعسكرية المتباينة.
إن اتفاق تقاسم السلطة بين الانفصاليين والحكومة، هش للغاية، لدرجة لا تمكن من إقناع الطرف الأول بالتخلي عن طموحهم في استعادة استقلال الجنوب من الشمال.
في 12 ديسمبر الجاري، ألقى رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، تصريحات بمناسبة مرور 100 يوم على وفاة القائد العسكري البارز في المجلس الانتقالي، الجنرال منير محمود اليافعي (المعروف أيضاً باسم أبي اليمامة)، والذي قُتل بهجوم صاروخي حوثي، أثناء عرض عسكري، في أغسطس الماضي.
وقال الزبيدي في كلمته: “إننا اليوم نجدد عهدنا لأبي اليمامة ولجميع شهدائنا، بأننا سنناضل من أجل انتصار قضيتنا وشعبنا وأمتنا؛ لاستعادة وبناء دولتنا الجنوبية وعاصمتها الأبدية عدن”.
إن موقف المجلس الانتقالي من الانفصال لم يتغير، كما أن اتفاق الرياض مايزال عاجزاً -إلى الآن على الأقل- عن إيقاف لغة الخطاب المؤجج للشقاق والانقسام.
وقال مأرب الورد، المحلل السياسي اليمني، إنه لا يتوقع الالتزام بالجداول الزمنية للاتفاق. “حتى الآن، تم تنفيذ بند واحد فقط من الاتفاق، وهو عودة رئيس الوزراء معين عبدالملك، إلى عدن. ومع ذلك، لم يتم إحراز أي تقدم في القضايا العسكرية والأمنية في عدن”.
وأضاف الورد أن “انسحاب القوات إلى مواقعها السابقة، وتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة التي استولت عليها جماعات مسلحة مختلفة، إلى معسكر التحالف في عدن، لم يتحقق بعد”.
وخلال السنوات الخمس الماضية، لم تتوقف محادثات السلام اليمنية، ووقعت اتفاقيات سلام، بما في ذلك اتفاق ستوكهولم، الذي استمر عاماً، بين الحوثيين والحكومة اليمنية. ولكن لايزال السلام بعيد المنال، ودائماً ما تصل الاتفاقيات إلى طرق مسدودة.

إقرأ أيضاً  اقتصاديون ومواطنون: الوضع المعيشي «لم يعد يطاق»

مقالات مشابهة