المشاهد نت

تهديدات الحوثيين بالنيابة… هل يفلح المغامرون باليمن في الدفاع عن إيران؟

عدن – عبدالعالم بجاش:

لم يعد بحوزة إيران ما تهدد به جدياً، سوى اعتمادها على استخدام اليمن “كبش فداء” وساحة معركة ضد المجتمع الدولي بأسره.
وتعتمد إيران على نفوذها في شمال اليمن من ولاء جماعة الحوثي العقائدي لها، بعد إبداء الجماعة استعداداً لخوض معركة إيران، والمجازفة باليمن، رغم أن استراتيجية إيران مكشوفة في إشعال حرب في الدول الأخرى لحماية الأمن القومي لها.
وأبرز نقطة في خطة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، تشير إلى أهمية اليمن كميدان للحرب ضد ما تسميها إيران دول الاستكبار العالمي، وفق تصريحات أطلقها قادة إيرانيون مؤخراً.
ويبدو أن نظام خامنئي قرر التضحية باليمن من أجل مصلحة طهران، واستمرار ولاية الفقيه، طالما لديه جماعة لا تضع اعتباراً لمصلحة اليمن واليمنيين، حين تذهب لخوض حرب بالوكالة عن إيران، انطلاقاً من باب المندب.
هذه المغامرة الإيرانية، وخطة الحرس الثوري الإيراني، ستجعل صنعاء ومحافظات يمنية أخرى عرضة للاحتراق في سبيل أطماع إيرانية، في حال اندلعت مواجهة واسعة بالمنطقة، وزجت جماعة الحوثي باليمن في حرب مع المجتمع الدولي. لكن السؤال الذي يتردد صداه في مظاهرات العراق ولبنان: هل أذرع إيران في المنطقة ماتزال قادرة على خوض معارك إيران في ضوء ما تواجهه الأخيرة من احتجاجات شعبية وحصار اقتصادي وتهديدات أمريكية متكررة وتغيير في الموقف الأوروبي؟

مراهنة خاسرة

في أول خطبة له عقب مقتل سليماني؛ أكبر أذرعته، أشعل المرشد الإيراني علي خامنئي، نيران التهديد والوعيد للولايات المتحدة ودول أوروبا، دون أن يكون في مركز يؤهله للتهديد، باستثناء نفوذه في نصف الأراضي اليمنية، وتمركزه في مدينة وميناء الحديدة على ساحل البحر الأحمر.
صحيح أن نفوذ إيران يمتد على نطاق واسع في العراق ولبنان وسوريا، إلا أن النفوذ الإيراني هناك مقيد بوجود قوى أخرى وشعوب ليست في حالة موت سريري كما هو الوضع في شمال اليمن الخاضع لسيطرة الحوثيين الموالين لنظام الملالي في إيران.
تزامنت خطبة خامنئي في طهران، الجمعة، الـ17 من يناير 2020، مع حدث في اليمن، حيث عثرت الفرق الهندسية بالمنطقة العسكرية الخامسة الموالية للحكومة، على أول لغم بحري حراري، إيراني الصنع، قرب جزيرة في البحر الأحمر، قبالة الحديدة (غرب البلاد).
وقال مصدر عسكري إنه لم يسبق العثور على مثل هذا النوع من الألغام البحرية عالية الحساسية.
الأهم في الأمر هو النطاق المفضل للعبث الإيراني، فاليمن والبحر الأحمر وباب المندب هي النطاق المتفق عليه من قبل نظام إيران وجماعاتها المسلحة، للتركيز عليه، واستثمار موقعه الاستراتيجي لتهديد المجتمع الدولي.
هذه النغمة الإيرانية تجعل نصف أراضي اليمن ساحة متاحة للاستعمال الإيراني، دون شروط، ودون كلفة كبيرة، ودون مبالاة إيرانية أو حوثية لتبعات ذلك على الشعب اليمني، لأن هذا البلد الخاضع بالنسبة لنظام إيران، ووفق تصريحات قاسم سليماني، أرخص بلد يمكن لإيران استخدامه وخوض حربها ضد دول العالم فيه.
بالنسبة لجماعة الحوثي لا يرون إهانة في ما يقوله قادة إيران، أو مخاطرة.. ذلك أن القرار بيد طهران فعلياً.
ويدرك النظام الإيراني أن اعتماده على التمركز في مدينة وميناء الحديدة اليمنية على البحر الأحمر، لممارسة تهديدات يقتضي معركة قادمة لا محالة لتحرير مدينة وميناء الحديدة.
وقد كشفت صور جوية تم تداولها مؤخراً، عن استعدادات استباقية مكثفة لجماعة الحوثيين والخبراء الإيرانيين.

تحركات دولية مربكة للخميني

الجميع على أهبة الاستعداد، والمتورط الأكبر هم من أتاحوا لإيران استخدام اليمن رأس حربة في مشروعها التوسعي والتخريبي المهدد للأمن والاستقرار الدوليين في منطقة حيوية بالغة الأهمية للمصالح الدولية.
عاد خامنئي لإطلاق تهديداته من موقع أضعف، ووقع تهديداته بالنسبة لدول العالم، لم يكن كما في الماضي، فقد تكشّف المشهد عن قدرات إيرانية تسليحية دون مستوى التهديدات.
وجاء رد ترامب فورياً وشديد اللهجة ضد خامنئي، وبأن عليه أن ينتبه لكلماته.
وردت واشنطن بمزيد من العقوبات، وردت لندن بتصنيف حزب الله اللبناني منظمة إرهابية بشقيه السياسي والعسكري.
كما ردت فرنسا بتحريك حاملة طائرات نحو المنطقة، وقبلها بأيام اليابان. كل ذلك يشير إلى أن هناك جاهزية قتالية، وأنه لن يسمح لإيران مجدداً أن تلهو وتعبث وتهدد كما كانت تفعل.
خطبة خامنئي لم تخفِ حالة ارتباك النظام في إيران، بل أظهرت حالة تخبط وتناقض داخل القيادة الإيرانية.
فالمرشد الإيراني خامنئي وصف قصف الطائرة الأوكرانية من قبل الحرس الثوري، بالحادث المأساوي والمؤسف، مع تزايد المؤشرات على أن القصف كان متعمداً. وتصريحات روحاني بدت كأنها تلقي باللوم على الحرس الثوري.

فمن يدير الحرس الثوري وصاحب القرار الأول في البلاد؟
عندما يخرج خامنئي للعلن، مهدداً الولايات المتحدة، ومتوعداً دول أوروبا، فعلام يراهن، إذا كانت إيران نفسها تراجعت، وقالت إنها لم تطلب خروج القوات الأمريكية من العراق، ورافق ذلك عدم قدرة صواريخها على إصابة أهدافها بدقة؟

تضييق الخيارات أمام إيران

إن خوض مواجهة عسكرية مباشرة بين إيران ودول شتى، ينطوي على خطورة انكشاف إيران كلياً، واستمرار تهديدها المصالح الحيوية في المنطقة، وأبرزها “أرامكو”، ينطوي أيضاً على رد أمريكي، وربما دولي أكبر من قتل قاسم سليماني نفسه، الذي قالت الإدارة الأمريكية إنه المسؤول عن القصف الذي استهدف “أرامكو” في وقت سابق.
وقبل استهداف سليماني بضربة جوية، وجهت له الولايات المتحدة، قبلها بأشهر، تحذيراً على لسان ترامب الذي نصحه بأن ينتبه لكلماته.

إيران كانت تعول على الاتفاق النووي في إنهاء العقوبات المفروضة عليها، ومن ثم تمكنها من استيراد الأسلحة المتطورة من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، لكن الولايات المتحدة أفشلت هذا الرهان بعد انسحابها من الاتفاق النووي، وإعادة العقوبات المفروضة على إيران. هذا الوضع أربك حسابات إيران، وضيق من خياراتهـا.


وكان سليماني توعد باستهداف القواعد الأمريكية في المنطقة وقد تلقى خامنئي التحذير نفسه بأن ينتبه لكلماته. .

وليس خامنئي في وضع جيد الآن، فهو في حالة توجس من الداخل والخارج، حتى إن تهديداته للداخل، وقوله إن التظاهرات التي اندلعت في إيران، تنديداً بقصف الطائرة الأوكرانية، هي للتغطية على قتل سليماني، لم تعد تلك التهديدات للشعب الإيراني بالمفعول السابق ذاته.
وقد صار ضباط الحرس الثوري ممن يقمعون التظاهرات، على لائحة العقوبات الأمريكية، وفي مرمى الاستهداف والمراقبة الدولية، مما يعد عاملاً مشجعاً للشعب الإيراني.
وقد شعر النظام الإيراني باليأس من استعادة مكاسب الاتفاق النووي، وخسر أوروبا كلياً.
وليس بقبضة نظام إيران أسلحة فعالة أو حديثة.
يذكر التقرير الاستراتيجي السنوي: إيران في 2018، الصادر عن المركز الدولي للدراسات الإيرانية، أن “تحديث الترسانة العسكرية الإيرانية التي يفوق عمرها عمر الثورة الإسلامية، مثل حاجة ملحة لنظام خامنئي، وذلك للفارق الكبير في نوعية الأسلحة التي تمتلكها إيران، وتلك التي تمتلكها دول الجوار”.
ووفقاً للتقرير، فإن إيران كانت تعول على الاتفاق النووي في إنهاء العقوبات المفروضة عليها، ومن ثم تمكنها من استيراد الأسلحة المتطورة من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، لكن الولايات المتحدة أفشلت هذا الرهان بعد انسحابها من الاتفاق النووي، وإعادة العقوبات المفروضة على إيران. هذا الوضع أربك حسابات إيران، وضيق من خياراتهـا، ولم يتبقَّ لهـا سوى مواصلة إنتاج وتطوير بعض الأسلحة محلياً، واستيراد البعض الآخر من روسيا والصين، وفقاً للتقرير نفسه.
وتعود آخر صفقة عسكرية جدية أبرمتها إيران مع الخارج، لتعزيز دبابات الجيش، إلى بداية التسعينيات، حين اشترت عدداً من دبابات “تي 72″، من روسيا، وتعد من أحدث الأسلحة المستوردة في ترسانة إيران التقليدية.
وبحسب التقرير، تمتلك إيران 2931 دبابة، معظمها يعود إلى فترة الشاه محمد رضا بهلوي.
لكن دولاً مجاورة كالسعودية والإمارات، تصنف أنها أكثر تفوقاً من إيران في ما يتعلق بسلاح الطيران الحربي وأسلحة أخرى برية.

إقرأ أيضاً  مطابخ خيرية تخفف معاناة الأسر الفقيرة في رمضان

تغيير في الموقف الأوروبي

في الوقت الراهن تواجه إيران مخاطر أكبر مع تخلي أوروبا عن موقفها المنحاز إلى جانب طهران، وترقب عودة فرض العقوبات الأوروبية والدولية على إيران، إلى جانب العقوبات الأمريكية.
وأعلنت بريطانيا أخيراً تصنيف حزب الله، بشقيه السياسي والعسكري، منظمة إرهابية، وجمدت أصول الحزب في بريطانيا، ليفقد بذلك أحد أكبر مسانديه الدوليين.
ودخلت إيران دائرة الاتهام رسمياً باستهداف حرسها الثوري، الطائرة الأوكرانية، عمداً، وأخذت شركات الطيران العالمية تبتعد عن أجواء إيران، مما يكلفها خسارة باهظة.
وهناك ارتباك جلي في مواقف كبار قادة إيران، بعد أزمة الطائرة الأوكرانية.
أهم ما تكشف عنه الأزمة، متانة التنسيق الدولي والجاهزية السياسية والعسكرية لدول عظمى وأخرى فاعلة في المنظومة الدولية لطالما بقيت على حياد بشأن إيران، لكنها غيرت موقفها.
هذا الوضع جعل موضوع القدرة التسليحية لإيران أقل أهمية، وأكثر خطورة، ما يتعلق بسعيها لامتلاك سلاح نووي. وأعطى ذلك المجتمع الدولي دافعاً للتعامل بصرامة تجاه إيران وجماعاتها المسلحة بالمنطقة، مع نجاح الإدارة الأمريكية أخيراً في إقناع الأوروبيين بتغيير موقفهم تجاه إيران.
وقد قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إن إيران لن تحصل على سلاح نووي أبدأ. وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني، إن الإدارة الأمريكية وضعت خطة لإسقاط النظام في إيران خلال 3 أشهر.
وعلى وقع تغير الموقف الأوروبي، أطلق خامنئي تهديداته ضد الولايات المتحدة وأوروبا معاً. لكن ترامب رد عليه بلهجة أشد، قائلاً إنه على المدعو خامنئي “أن ينتبه لكلماته، اقتصاده ينهار وشعبه يعاني”.
وقال المبعوث الأمريكي الخاص بإيران، براين هوك، إنه كلما زادت إيران من تهديداتها، واجهت عزلة أكبر.

ما مدى قدرة أذرعة إيران في المنطقة على الصمود؟

إن تطورات المشهد تجعل من الوارد حدوث شرخ بين الإصلاحيين والمحافظين داخل إيران، وبالتالي بدء انهيار خامنئي والمتشددين. هذا الوضع المتذبذب يجعل الجماعات المسلحة التابعة لنظام خامنئي، في وضع صعب.
قوى كثيرة في إيران قد ترى مصلحتها ومصلحة البلاد في تقديم المرشد الإيراني نفسه وقيادات الحرس الثوري كبش محرقة، وإنقاذ ما أمكن من صفقة جديدة مع الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي، تنهي العقوبات، وتزيح شبح الحرب.
بالنظر إلى جهوزية إيران عسكرياً لخوض مواجهة ضد حلف دولي عريض، يبدو واقع البلاد وقدراتها في أدنى مستوياته.
فعتادها العسكري قديم ومتهالك، واقتصادها يترنح تحت أقوى العقوبات، وقطاعاتها الحيوية تنهار، وشعبها يزداد سخطاً وفقراً.
شيئاً فشيئاً تفقد إيران اليقين بشأن المستقبل، والشيء نفسه بالنسبة للجماعات المسلحة الموالية لها في اليمن ولبنان والعراق، وما صنعته طهران في دول المنطقة، يبدو عائداً إليها.
إن اعتمادها على ذراعها في اليمن، وتمركزها في الحديدة وصعدة وبعض المحافظات اليمنية، قد يخفق كلياً في حال توقف المجتمع الدولي عن تدليل جماعة الحوثيين الانقلابية، وساند بقوة وعزم توحيد كافة القوى اليمنية للقضاء على نفوذ إيران، وبتر ذراعها كلياً.
من شأن تغيير كهذا للموقف الدولي، أن يغير سير المعركة جذرياً في اليمن، وقد أثبتت بعض المعارك في سنوات ماضية، قدرة التحالف والقوات اليمنية، بتعاون دولي، على دحر الحوثيين وإزاحتهم من مناطق واسعة في وقت وجيز.
تراهن بعض الدول على وجود قيادات براجماتية داخل جماعة الحوثي، ليست موالية بشدة لإيران، وعلى صلة بهذه الدول، لكنه سيناريو غير موثوق، وليس مؤكداً قدرة هذه القيادات على فعل شيء من داخل الجماعة نفسها.
وفي الوقت نفسه، أوصل المجتمع الدولي والسعودية رسالة واضحة بأن جميع قادة الحوثيين أهداف مرصودة في حال إقدامهم على أية مغامرة لمصلحة النظام الإيراني.
وهذا يعني ليس فقط أن بنكاً واسعاً للأهداف في صنعاء وصعدة والحديدة وغيرها، وإنما يثبت أن تحالفاً دولياً واسعاً في العمق، قد حسم أمره باتجاه المواجهة وتقييد النظام الإيراني، وتحجيم أذرعه في المنطقة اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً.

مقالات مشابهة