المشاهد نت

توقف خدمة “الإنترنت” في اليمن… إلى متى؟

صنعاء – عصام صبري:

في ظهيرة الـ9 من يناير الجاري، حاول محمد الشبامي، صاحب مقهى”شادي” للإنترنت، في حي قريب من جامعة صنعاء، تهدئة زبائنه الطلاب الذين كانوا يستخدمون الإنترنت لغرض البحث العلمي داخل ذلك المقهى. تزايدت شكاوى الطلاب من انقطاع الإنترنت. لكن الشبامي وعدهم بأن إصلاح الإنترنت سيكون بعد ساعات. لم يكن يعلم أن خدمة الإنترنت في معظم المناطق اليمنية، قد توقفت بشكل مفاجئ. ومنذ ذلك الحين وغالبية اليمنيين يعانون من انقطاع الخدمة، الأمر الذي أدى لوقوع خسائر فادحة في مختلف القطاعات الاقتصادية في البلاد، قُدرت بمليارات الريالات، كما تسبب انقطاع الإنترنت بوقوع أزمات في أعمال ومصالح المواطنين اليمنيين وممثلي المنظمات الدولية العاملة في البلاد، وتوقف عمل عدد من الصحف الإلكترونية، إضافة إلى توقف آلاف الناشطين في منصات التواصل الاجتماعي عن الكتابة، وأصبح غالبية اليمنيين في عزلة عن العالم.
وبعد مرور أكثر من أسبوعين على انقطاع الإنترنت في اليمن، يتساءل نحو أكثر من 3 ملايين مستخدم للإنترنت في البلاد، عن موعد إصلاح الشبكة العنكبوتية الذي طال أمده.

استمرار انقطاع الإنترنت

قبيل الانقطاع الذي أصاب شبكة الإنترنت في اليمن، اتخذت وزارة الاتصالات الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، سلسلة من الإجراءات التي استهدفت خدمة الإنترنت في اليمن، كان من بين تلك الإجراءات رفع تسعيرة استخدام الإنترنت إلى 30% من الرسوم المالية الاعتيادية قبيل العام 2019.
تلاها مصادرة أجهزة البث والإرسال التي يستخدمها ملاك شبكات الـ”واي فاي” المزودة لخدمة الإنترنت في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
وحينما انقطع الإنترنت في الـ9 من يناير الجاري، أصدرت المؤسسة العامة للاتصالات بياناً نشر عبر وكالة “سبأ” للأنباء الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، قالت فيه بأن “أكثر من 80% من سعات الإنترنت في اليمن خرجت عن الخدمة بسبب انقطاع الكابل البحري “فالكون” الواقع في خليج السويس المصري”.
حينها تحدث ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، أن “السبب وراء انقطاع الإنترنت في اليمن، يأتي على خلفية مشكلات بين شركة “تيليمن” الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وبين المشغل الدولي لخدمة الإنترنت، وذلك بسبب تأخر “تيليمن” في دفع مستحقات الخطوط التشغيلية لخدمة الإنترنت”.
بدورها، نفت شركة “تيليمن”، الأخبار المتداولة حول تقاعسها عن سداد مستحقات الشركة الدولية المزودة لخدمة الإنترنت في اليمن.
وقالت الشركة، في بيان حصل “المشاهد” على نسخة منه، إنها “تبدي أسفها الشديد حيال ما تداولته بعض وسائل الإعلام من ادعاءات زعمت عن استخدام إيرادات شركة تيليمن في تمويل الأعمال العسكرية لصالح طرف من أطراف النزاع الدائر (في إشارة إلى جماعة الحوثي)، و تقاعسها عن سداد بقية مستحقات الحصة الاستثمارية في الكابل البحري AAE-1 ومحطة إنزاله في عدن”.

الفاعل مجهول

كانت التوقعات تذهب إلى أن أزمة انقطاع الإنترنت سوف تُحل بعد أيام من وقوعها، لكن فترة الانقطاع مستمرة حتى اليوم، الأمر الذي أثار غضب المواطنين.
وحاولت شركة “تيليمن” و”المؤسسة العامة للاتصالات” الخاضعتان لسيطرة جماعة الحوثي، توفير سعات إسعافية لتقديم خدمات الإنترنت، استفادت منها البنوك وبعض شركات الصرافة وتحويل الأموال.
واستمر الوضع على ما هو عليه، حتى عقدت شركة “تيليمن” مؤتمراً صحفياً عقب أسبوع من انقطاع الإنترنت، جددت فيه تأكيدها أن “السبب الرئيسي لمشكلة انقطاع وبطء الإنترنت في اليمن، في الوقت الراهن، هو تعرض الكابل البحري الدولي فالكون للانقطاع في البحر الأحمر – خليج السويس بالقرب من ميناء السويس المصري، نتيجة مرساة سفينة كبيرة، مجهولة الهوية، الأمر الذي أدى إلى خروج أكثر من 80% من السعات الدولية الخاصة بخدمات الإنترنت عن الخدمة، بحسب إفادة الشركة المالكة للكابل البحري فالكون (GCX)”.
في حديثه لـ”المشاهد”، يشير الرئيس التنفيذي الفني لشركة “تيليمن” عبدالرحمن المطري، إلى أن “شركة تيليمن لا يمكن أن تستفيد بأي حال من الأحوال من انقطاع الإنترنت في البلاد، بل على العكس من ذلك، فقد منيت الشركة بخسائر فادحة، سوف يتم حصرها عقب انتهاء الأزمة”.
ويقول المطري: “للأسف حاولت جهات وشخصيات أن تُقحم شركة تيليمن في النزاع المسلح الحاصل في اليمن، لكن إدارة الشركة استطاعت أن تحافظ على حيادية الشركة واستقلاليتها طيلة الأعوام الـ5 الماضية”.
ويضيف: “حتى في أزمة انقطاع الإنترنت الحالية، ثمة أشخاص شككوا برواية شركة تيليمن التي أوضحت سبب انقطاع الإنترنت، وهو انقطاع الكابل البحري فالكون، وهو الكابل الوحيد الذي تعتمد عليه شركتا “تيليمن” و”يمن نت” لتزويد خدمات الإنترنت في غالبية المناطق اليمنية”.

تمتلك اليمن 4 مسارات برية للإنترنت، و3 بحرية، البرية في منفذ “شحن والوديعة وعلب ومفرق الجوف”، وجميعها توقفت عن الخدمة بعد تدميرها بسبب الحرب وكوارث طبيعية كإعصار “لبان”.


وكان المطري أكد في مؤتمر صحفي عقدته شركة “تيليمن”، أن “المشكلة الحالية في خدمات الإنترنت لم تؤثر على اليمن فقط، بل على دول السودان والسعودية والكويت، لكن التأثير الأكبر كان على اليمن، بسبب اعتمادها على مسار واحد فقط، وهو الكابل البحري “فالكون”، جراء توقف 6 مسارات دولية أخرى للإنترنت عن العمل، بسبب ظروف الحرب”.
ويمتلك اليمن 4 مسارات برية للإنترنت، و3 بحرية، البرية في منفذ “شحن والوديعة وعلب ومفرق الجوف”، وجميعها توقفت عن الخدمة بعد تدميرها بسبب الحرب وكوارث طبيعية كإعصار “لبان”.
وبالنسبة للمسارات البحرية، فقد تعذر على شركة تيليمن الاستفادة منها واستخدامها، وهي: الكابل البحري SMW55 ومحطة إنزاله في محافظة الحديدة، ولم تستفد منه شركة تيليمن نتيجة العمليات العسكرية.

وهناك مسار في مدينة عدن يتم استخدامه في شركة “عدن نت”، وكابل بحري في مدينة الغيضة تعرض للتخريب، وفقاً للمطري.
وكانت شركة “جلوبال كلاود إكسشاينج” المشغل للكابل البحري (Falcon) المزود الرئيسي للإنترنت إلى اليمن، أصدرت بياناً في صفحة موقع “أوراكل” لبحوث الإنترنت، على “تويتر”، وضحت فيه سبب انقطاع الإنترنت في اليمن، قائلة إن “الشركة عانت من قطعين كبيرين لكابلاتها في المياه البحرية خارج ميناء السويس، تشمل الكابلات المتأثرة (FALCON) بين مسقط والسويس، و(FEA) بين مومباي والسويس، وأن النتائج الأولية تشير إلى أن السبب المحتمل كان مرساة مسحوبة لسفينة تجارية كبيرة في المنطقة المجاورة”.

إقرأ أيضاً  خطورة المخدرات في «لقمة حلال»

خسائر بالمليارات

انقطاع خدمة الإنترنت المزودة من شركة “تيليمن”، دفع القاطنين في مدينة عدن ومناطق أخرى قريبة منها ضمن مناطق سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، لطلب خدمة الإنترنت من شركة “عدن نت”، الأمر الذي أدى إلى رفع سعر المودمات الخاصة بتشغيل الإنترنت التابعة للشركة لأرقام جنونية، حيث وصل سعر بيع المودم الواحد إلى 1500 ريال سعودي، وفقاً لحديث محمد الحربي، أحد ساكني عدن، لـ”المشاهد”.
وعن المشكلة ذاتها، يقول مهندس التراسل الضوئي في المؤسسة العامة للاتصالات، محمد علي، متحدثاً لـ”المشاهد”، إن شركة “عدن نت” قد فشلت أو تم إفشال عملها في تقديم خدمات الإنترنت بالشكل المطلوب، رغم التوقعات بأنها سوف تكون منافسة لشركة “يمن نت” في صنعاء.
من جانبه، قال وزير الاتصالات في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، لطفي باشريف، إن شركة “يمن نت” في صنعاء رفضت التجاوب مع وزارته التي أبدت قدرتها على توفير سعات إسعافية للإنترنت، ومواجهة الأزمة الناتجة عن انقطاع الكابل الدولي.
وأضاف باشريف، في تصريحات صحفية، بالقول: “منذ انقطاع الكابل البحري فالكون في السويس، والوزارة في عدن أبدت استعدادها التام لتوفير السعات الإسعافية المطلوبة لخدمة الإنترنت للمواطنين في الجمهورية اليمنية، إلا أننا لم نلقَ تجاوباً من يمن نت”، مؤكداً أن وزارته مازالت على استعداد تام لضخ الإنترنت إلى “يمن نت” لحل المشكلة القائمة.
تفاقم أزمة انقطاع الإنترنت الحالية، دفع منظمات المجتمع المدني في اليمن لتحميل وزير الاتصالات في الحكومة اليمنية، تبعات الأزمة.
وأصدرت الرابطة الشعبية للبناء ومكافحة الفساد، بلاغاً للنائب العام، علي الأعوش، اتهمت فيه وزير الاتصالات في الحكومة اليمنية، لطفي باشريف، بالتقصير في أداء عمله، والتواطؤ مع جماعة الحوثي.
ويشير فحوى البلاغ الذي حصل “المشاهد” على نسخة منه، إلى أن الانقطاع التام لخدمة الإنترنت، تسبب بشلل شبه تام للقطاع المصرفي، وتعطل المصالح الحكومية والخاصة، وخسائر لليمن بالمليارات، والوزير المذكور لم يقم بأية خطوات جدية لتخليص هذا القطاع من قبضة الانقلابيين منذ بداية المعركة معه.
وأضاف البلاغ، أن الوزير قطع وعوداً بتشغيل شركة “عدن نت” التي لم تتجاوز تغطيتها حتى الآن حارة من حارات عدن، منذ أكثر من سنتين، رغم الأموال الطائلة التي أُنفقت على المشروع.
وقد أدت مشكلة انقطاع الإنترنت إلى تعليق الحوالات المالية الواردة والصادرة داخلياً وخارجياً، بالإضافة إلى إصابة المعاملات التجارية وقطاع الأعمال بشلل كبير. إذ يُقدر خبراء اقتصاديون تحدثوا لـ”المشاهد”، الخسائر الناجمة عن أزمة الإنترنت منذ أسبوعين، بـ17 مليار ريال يمني.

وعود بالإصلاح والتعويض

بعض البنوك وشركات تحويل الأموال في بعض المحافظات اليمنية، لجأت إلى استخدام خدمة “النت الفضائي”، وهي خدمة تتميز بسرعتها القصوى، لكن تكاليفها باهظة الثمن، وليس بمقدور الشركات المتوسطة ولا المواطنين استخدامها، كما يرى الخبير في شبكات الإنترنت عمر سميكان، خلال حديثه لـ”المشاهد”.
ومايزال مستخدمو الإنترنت في اليمن يبحثون عن بدائل أخرى غير التي توفرها شركتا “تيليمن” و”يمن نت”، لتزويدهم بخدمة الإنترنت، لكن الرئيس التنفيذي لشركة “تيليمن” علي ناجي نصاري، أكد في حديثه لـ”المشاهد”، أن مشكلة انقطاع الإنترنت طارئة، وسوف يتم حلها في أقرب وقت”.
وقال نصاري: “لا يمكننا أن نكذب على الناس من خلال تحديد موعد محدد باليوم والساعة، لإصلاح الخلل الذي أصاب الإنترنت، لأن شركة “تيليمن” مرتبطة بالشركة العالمية المزودة للخدمة، ومن خلال متابعتنا نؤكد أن هناك جهوداً ملحوظة تُبذل لإصلاح المشكلة في ميناء السويس، ومازالت المعاملات جارية لأخذ ترخيص من السلطات لبدء إصلاح الخلل”.
ومن المتوقع أن تستمر مشكلة انقطاع الإنترنت في اليمن، لأسابيع، بسبب صعوبة إصلاح الكابل البحري فالكون، وفقاً لموقع موقع “WIRED” الأمريكي، الذي أوضح أنه “يسيتوجب على مزودي الخدمة إرسال سفينة مجهزة بشكل خاص إلى المنطقة المتأثرة، وتشغيل خطاف خاص على طول قاع البحر، وسحب الكابل في المكان الصحيح، وإجراء الإصلاح قبل رمي الكابل مرة أخرى في الأعماق”.
وكانت الشركة المالكة لكابلات الإنترنت البحرية الدولية، أعلنت أنها بعد أن حددت موقع الانقطاع على بعد 26.7 كم من محطة السويس المصرية، فإن فريق الإصلاحات البحرية التابع للشركة، بدأ التحرك لتنفيذ الإصلاحات التي تتضمن عدة مراحل، أولاها أخذ التصاريح اللازمة من الحكومة المصرية للدخول إلى المياه الإقليمية المصرية، ثم البدء في إصلاح العطل في الكابل”.

بلغت عوائد جماعة الحوثي من قطاع الاتصالات نحو 280 مليون دولار عام 2018، ما يساوي 162 ملياراً و400 مليون ريال، مسجلة زيادة على السنوات السابقة، جراء إضافة جماعة الحوثي ضرائب جديدة منها معلنة وأخرى سرية.


وتوقعت الشركة أن “تصدر التصاريح اللازمة لبدء إصلاح الكابل “فالكون”، في الأسبوع الأول من فبراير المقبل”.
وفي آخر البيانات الصادرة عن شركة تيليمن، حصل “المشاهد” على نسخة منها، قالت الشركة إن شركة “فالكون”، أكدت أن “عملية إصلاح الكابل، ستتم خلال الأسبوع الثالث من فبراير المقبل”.
وتُحكم جماعة الحوثي قبضتها على قطاع الاتصالات والإنترنت في اليمن، منذ انقلابها على الدولة اليمنية، في 21 سبتمبر 2014.
وبحسب تقديرات عاملين في قطاع الاتصالات بصنعاء، تحدثوا مع جريدة “الشرق الأوسط”، فقد بلغت عوائد جماعة الحوثي من قطاع الاتصالات نحو 280 مليون دولار عام 2018، ما يساوي 162 ملياراً و400 مليون ريال، مسجلة زيادة على السنوات السابقة، جراء إضافة جماعة الحوثي ضرائب جديدة منها معلنة وأخرى سرية.
ويرجح ناشطون تفاقم مشكلة انقطاع خدمة الإنترنت، إضافة إلى انقطاع الكابل البحري، إلى قيام جماعة الحوثي بتركيب أجهزة تنصت على السيرفرات المحلية المشغلة لخدمات الإنترنت. تلك الأجهزة تعمل على تقليل سرعة الإنترنت ضمن إجراءات الجماعة لقمع الحريات، كما يرى خبراء في الإنترنت.
وكان مديرعام المؤسسة العامة للاتصالات الخاضعة لسيطرة الحوثيين، صادق محمد مصلح، وعّد في تصريحات صحفية، بـ”تعويض مستخدمي الإنترنت جراء السعات ومدة الوقت الزمني لقطع الكابل، بمنحهم سعات إنترنت إضافية بعد إصلاح الكابل البحري”.

مقالات مشابهة