المشاهد نت

ماذا تريد الإمارات من إثارة الفوضى في سقطرى؟

سقطرى – أحمد عبدالله:

تواصل الإمارات العربية المتحدة تصعيدها ضد الحكومة اليمنية في محافظات جنوبية، ومنها محافظة أرخبيل سقطرى، التي تشهد توتراً غير مسبوق بين أنصار المجلس الانتقالي والسلطة المحلية، ما قد ينذر بمواجهات مسلحة بين الطرفين.
ونجحت الإمارات، هذه المرة، في استقطاب إحدى كتائب اللواء الأول مشاة بحري في سقطرى، من خلال شراء ولاءات قادته.
وأعلنت الأخيرة في الرابع من فبراير الجاري، انضمامها للقوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي.
سبق ذلك الإعلان بساعات، قيام قوات “الانتقالي” بمهاجمة ميناء سقطرى، للسيطرة على بوابته الخارجية، وهو ما فشلت في تحقيقه بعد التصدي لها من قبل قوات خفر السواحل المرابطة بالجزيرة.

الإمارات تدير المشهد المسلح

اتهم محافظ سقطرى رمزي محروس، الإمارات، بدعم التمرد العسكري الحاصل في الأرخبيل، واصفاً ذلك التصرف بـ”الشائن والداعي إلى الفتنة والانقسام”.
وتوعد محروس بالتصدي لهم، قائلاً: “الدولة لن تقف مكتوفة اليدين أمام ما يحدث”.
وأضاف، في بيان صادر عنه، أن ما حدث سابقة خطيرة، وتم بحضور قوات “الانتقالي”، ودعم صريح من الإمارات.
وكالعادة، قامت السعودية بدورها كوسيط لخفض نسبة التوتر بين الحكومة والإمارات، إلا أن الاتفاق بشأن تسليم الكتيبة ورفع علم اليمن، لم يتم، وتم النكث بما تم التوصل إليه.
ويتوقع المحلل السياسي عبدالرقيب الهدياني، أن هناك خلافاً بين الرياض وأبوظبي، لكنه صراع مسيطر  عليه، ولا يخرج إلى العلن بشكل فاضح، على اعتبار أن الدولتين تربطهما مصالح مشتركة في أكثر من دولة، مدللاً على ذلك بالإشارة إلى خروج الإمارات من عدن بطلب سعودي، فالمملكة تدير الصراع بشكل دبلوماسي، وتدخلت مراراً للوساطة، وأعادت الأمور إلى نصابها مع بعض الثغرات والأخطاء التي ترتكبها، وهي تنتصر لمصالحها، وتقوم بإزاحة أبوظبي من بعض مناطق نفوذها.

مسلسل الفوضى

دعم تمرد إحدى كتائب اللواء الأول مشاة بحري في سقطرى، لم يكن الأول، ولا يبدو أنه سيكون الأخير، فمن وقت لآخر يتكرر مسلسل الفوضى ومحاولات التمرد في الأرخبيل، وبدعم من الإمارات، وما يبدو أنه رضا سعودي، في إطار تقاسم النفوذ بين أبوظبي والرياض.
ففي مايو 2018، قامت الإمارات بالسيطرة على مطار وميناء الجزيرة، ونشر قوات تابعة لها فيهما، متجاهلة وجود بعض أفراد الحكومة ورئيس الوزراء آنذاك.
ورافق حدوث ذلك التمرد في سقطرى، محاولات لخلق الفوضى في شبوة، التي يقول محافظ شبوة محمد بن عديو، إن الإمارات تقوم بتمويل الفوضى هناك لإرباك أمن واستقرار المحافظة، وزرع الفتن، خصوصاً مع استهداف مقرات تابعة للجيش، والقيام بممارسات مختلفة تسيء له.
وسبق أن زادت حدة التوتر في سقطرى، عقب إطاحة الرئيس عبدربه منصور هادي، بمدير أمن سقطرى العميد أحمد علي الرجدهي، المتهم بولائه للإمارات، وتعيين المقدم فائز طاحس بديلاً له، ولم يتم تنفيذ ذلك القرار، واقتحم مسلحون تابعون لـ”الانتقالي” مقر شرطة النجدة في الأرخبيل، وقاموا بنهب محتوياته، لكن الحكومة أفشلت ذلك التمرد.
ووصلت حالة التوتر بين الحكومة والإمارات، إلى درجة كبيرة، دفعت محافظ سقطرى رمزي محروس، لاتهام المندوب الإماراتي خلفان المزروعي، والمسؤول عن مؤسسة خليفة للأعمال الإنسانية، باقتحام مؤسسة الكهرباء في الجزيرة، بمعية عدد من عناصر “الانتقالي”، وسيطرتهم على مولدات ومحولات كهربائية، وسحبها من المحطة.
يُذكر أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “اليونسكو”، أعلنت سابقاً عن حملة عالمية للحفاظ على سقطرى، وحمايتها من العبث الذي يتهدد تاريخها وتراثها الطبيعي والإنساني، وذلك بالتزامن مع تصعيد قامت به الإمارات هناك.

مخاوف من تكرار سيناريو عدن

وتتزايد المخاوف يوماً بعد آخر، من تكرار سيناريو عدن في سقطرى التي قامت الإمارات بتجنيد العشرات من أبنائها ونقلهم إلى أبوظبي لذلك الغرض، على دفعات.
وفي صعيد متصل، يتوقع الهدياني أن الإمارات لن تسلم، ولن تتخلى عن أجندتها ومخططاتها ومطامعها في اليمن، تحت أي ظرف من الظروف الحالية، وتحديداً في المناطق الساحلية كسقطرى وعدن وشبوة والمخا، لذلك فهي تحرك أدواتها من حين لآخر، لأجل ذلك.
ولفت، في سياق تصريحه لـ”المشاهد”، إلى حديث رئيس أركان الجيش الإماراتي، في الاحتفال الذي أُقيم في بلادهم بمناسبة عودة الجيش من حرب اليمن، والذي خرج “صورياً”، إذ قال إن هدفهم كان الحوثيين والإخوان المسلمين والإرهاب والدواعش، ودربوا لأجل ذلك 200 ألف جندي لمواجهة تلك الأخطار.
وتعد تلك القوات، كما يفيد الهدياني، أدوات بيد الإمارات ستقوم بما تريده، وهو ما يفسر التصعيد الحاصل مؤخراً في سقطرى، أو غيره، وتأكيد على استمرارها عبر تلك القوات في تحقيق ما تريد.

إقرأ أيضاً  اقتصاديون ومواطنون: الوضع المعيشي «لم يعد يطاق»

هل تنجو سقطرى من مخالب الإمارات؟

تحاول السلطة المحلية أن تقاوم في سقطرى، لكنها لم تتخذ إجراءات تحد بشكل تام من نفوذ الإمارات هناك.
ويلقي أستاذ إدارة الأزمات والصراعات في جامعة الحديدة، الدكتور نبيل الشرجبي، باللوم على الحكومة التي لا تمتلك أدنى درجات التفكير الاستراتيجي في منطقة هامة وخطيرة، ولها ميزات استراتيجية على المستوى العالمي، كسقطرى، كما يقول لـ”المشاهد”.
وبالنظر إلى استراتيجية التعامل الإماراتية مع الجزيرة، فمن الواضح، بالنسبة للشرجبي، أنها ستسيطر عليها، وبصورة أكثر عنفاً، في الأيام القادمة، بخاصة أن الرياض وأبوظبي تخوضان حرباً أخرى في ليبيا، وتلكما الدولتان لا تملكان أي حدود مع ليبيا، وهو ما ستوفره لهما سقطرى، التي ستكون منفذاً استراتيجياً ومثالياً تتمكنان من خلاله من إيصال كافة أنواع الأسلحة ومختلف أنواع الدعم التي تحتاجها قوات حفتر لتحقيق الانتصار في تلك الدولة، وفق اعتقاده.
وسيطرة الإمارات على سقطرى، تعني امتلاكها قاعدة اقتصادية وإمداداً وصيانة وإغاثة وتمويلاً لكل أنواع السفن التي تجوب المحيط الهندي وطريق الحرير الاقتصادي الذي ستقوده الصين، والذي قد يسيطر على أكثر من ثلث الاقتصاد العالمي، وهو ما يعني استحواذ أبوظبي على النصيب الأكبر في قطاع خدمات صيانة السفن، وفق الشرجبي.
ويشعر بالأسف، لضعف وغياب الحكومة الغارقة في الفساد، ومشلولة التفكير، والتي لا تمتلك أدنى تخطيط استراتجي تحتاجه مثل تلك المناطق. لافتاً إلى انعكاس ذلك على الرأي العام، بما فيهم أعضاء في السلطة، وشعورهم بأنها أصبحت في أوهن أوضاعها، مما يجعلها عاجزة أمام أي تحدٍّ أو تهديد، كونها لا تريد أن تُقدم على أي سياسات أو أفعال تقوي من وضعها ومكانتها لدى الآخرين، وهو ما خلق رأياً عاماً سلبياً في التعاطف والوقوف معها أو التضحية من أجلها، وهو ما شجع أطرافاً عديدة على أن تتجرأ أكثر على السلطة وتتحداها في كل ما يتعلق بشرعيتها وسيادتها.
وفي حال نجحت الإمارات في مسعاها في سقطرى، فلا يستبعد الشرجبي أن يتم إسقاط مناطق أخرى تحت سيطرة الحكومة عقب ذلك.
وتشكل سقطرى أهمية بالغة للإمارات، فهي ترغب في بناء قاعدة عسكرية لها في تلك الجزيرة، كون الأرخبيل يشكل نقطة التقاء بين بحر العرب والمحيط الهندي، وستكون كذلك مطلة على مضيق باب المندب، وبذلك يصبح لدى أبوظبي طرق أخرى لتصدير نفطها الذي يتم عبر مضيق هرمز الذي تشرف عليه إيران.
لكن الإمارات فشلت في عدة محاولات سابقة للسيطرة على سقطرى، نتيجة لوجود سلطة محلية وعسكرية وأمنية متماسكة، بحسب الهدياني، مؤكداً أن شيخ مشائخ سقطرى داعم للسلطة المحلية، فضلاً عن رفض قطاع شعبي كبير للإمارات، برغم محاولة استقطابهم بالمال ومنح الجنسية.
وأكد الهدياني أن تجنيد بعض الشباب هناك محدود للغاية، لأن السقطري ينتمي لهويته اليمنية، ويشعر باستفزاز كبير عندما يحاول أجنبي فرض واقع آخر في الجزيرة.

مقالات مشابهة