المشاهد نت

تعز… حرمان المكفوفين من مواصلة تعليمهم الثانوي

تعز – رانيا عبدالله:

وقع صلاح أحمد (19 عاماً) ضحية دواء مهرب أفقده بصره كلياً. رغم نجاح العملية التي أجريت له في العاصمة المصرية القاهرة، بعد تعرضه لانفصال بالشبكية، لكن الأدوية التي كان يداوم على استخدامها بعد عودته إلى اليمن، أفقدته بصره.
ويقول صلاح الذي التقته محررة “المشاهد”، في مدرسة دروب الخير للمكفوفين بمدينة تعز (جنوب غربي اليمن): “كنت أرى الحياة بكلتا عيني، وبعد فقدانهما أصبحت أسير الظلام، وحبيس واقع أشد ظلاماً”.
يصمت لبرهة قبل أن يستدرك بنهدة طويلة قائلاً: “كنت الوحيد بين إخوتي الخمسة، الذي لم يفقد بصره. أدرس كبقية الطلاب بمدرسة حكومية، وأحصل على أعلى الدرجات. وفي العام 2014 حدث لي انفصال بالشبكية، فقرر لي الأطباء إجراء عملية بالخارج، وسافرت إلى مصر بعد عناء توفير تكاليف السفر والعملية، وتكللت العملية بالنجاح، وقرر لي الأطباء استخدام أدوية بعد العملية، فعدت إلى اليمن، واستخدمت الأدوية بانتطام، لكنها أفسدت كل محاولاتي للإبقاء على بصري، فكان العلاج الذي استخدمته مهرباً، وهو السبب بفقداني البصر، فاضطررت للبقاء في المنزل”.
عندما سنحت له الفرصة لمواصلة تعليمه، اصطدم بعدم وجود مدرسة للمكفوفين تتبنى إكمال تعليمهم الثانوي.
وأقصى ما تقوم به مدرسة دروب الخير، هو تعليمهم حتى الصف التاسع من التعليم الأساسي فقط.

محرومون من الثانوية

صلاح الذي يدرس في الصف الثامن بمدرسة دروب الخير، إلى جانب 63 طالباً وطالبة يتلقون تعليمهم في مدرسة متهالكة تستوعب المكفوفين حتى الصف التاسع فقط، وبعدها يجد هؤلاء أنفسهم حبيسي جدران منازلهم.
وكلما انطوت الأيام ينتاب صلاح الخوف من الواقع الذي ينتظره بعد إكمال الصف التاسع من التعليم الأساسي.
ويقول بحزن: “سأضطر للبقاء بين 4 جدران مع 6 أشقاء مكفوفين مثلي لا حيلة لنا”.
وتعتبر مدرسة دروب الخير الوحيدة في مدينة تعز لتعليم المكفوفين بلغة برايل، وتدخل بكل المواد بمبنى صغير بالإيجار يدفعه صندوق رعاية المعاقين، بحسب مدير المدرسة سفيان السفياني، مشيراً إلى أن المدرسة استوعبت المكفوفين حتى الصف التاسع، بعد أن توقف معهد تنمية المعاقين بسبب الحرب الدائرة، إذ كان يعلمهم حتى إنهاء المرحلة الثانوية.
وقال صبري طارش، مدير صندوق رعاية المعاقين بتعز: “نحاول قدر المستطاع أن تحصل هذه الشريحة على حقوقها في ظل الظروف التي عصفت بالبلد، وأثرت على الجميع، وخصوصاً هذه الشريحة”.

عدم وجود وسيلة مواصلات لنقل المكفوفين للمدرسة، يدفع البعض منهم للتوقف عن الدراسة.


ومايزال صندوق رعاية المعاقين بصنعاء، يدفع النفقات التشغيلية وفق موازنة 2014، لكن بسبب ارتفاع الأسعار والمشتقات النفطية، فإن هذه الميزانية لا تفي بالاحتياجات المطلوبة بحسب صبري، مضيفاً: “على السلطة المحلية أن تقوم بدورها تجاه هذه الشريحة، وعلى المنظمات الدولية الالتفات لوضع المعاقين والمكفوفين في ظل الظروف التي أثرت على هذه الشريحة بشكل كبير”.

إقرأ أيضاً  التغلب على النزوح من خلال حياكة المعاوز

توقف الدعم المادي

وعدم وجود وسيلة مواصلات لنقل المكفوفين للمدرسة، يدفع البعض منهم للتوقف عن الدراسة.
ويخشى صلاح من توقف العملية التعليمية بسبب عدم توفر المواصلات، كما يقول لـ”المشاهد”، مضيفاً: “أسكن في منطقة بير باشا غرب المدينة، والمدرسة في منطقة حوض الأشراف شرقها. وكوني كفيفاً لا أستطيع الحضور إلى المدرسة بدون أن يأتي الباص إلى أمام المنزل، وفي حال عدم وجود هذه الوسيلة قد نتوقف عن التعليم”.
وبحسب سفيان، فإن الطلاب من مديريات مختلفة، ويتم نقلهم عبر باصين فقط، ولا يتسعان لهم، وأكد أن العملية التعليمية قد تتوقف بسبب عدم توفر الدعم المادي الكافي لدفع إيجار الباصات.

هدية الحمادي : اغلب الناس ينظر للمكفوفين نظرة شفقة أو نظرة سخرية، والمكان المناسب لنا هو المنزل، ولأني واجهت هذه النظرة القاصرة، أشعر بما يحتاجه وبما يشعر به المكفوفون، فالكفيف يحتاج الدعم والفرصة حتى يحقق حلمه ويثبت ذاته، ويصبح فرداً يخدم المجتمع”.


وتتمنى هدية الحمادي التي لم يمنعها فقدان بصرها من أن تقوم بدورها بتعليم المكفوفين كمتطوعة، بعد تخرجها من الجامعة، أن يتوفر لطلابها المكفوفين وسيلة مواصلات، ومبنى مناسب لاستيعابهم وتعليمهم حتى المرحلة الثانوية، بدلاً من المدرسة المتهالكة والمهددة بالسقوط فوق رؤوس الطلاب ومدرسيهم.
وتقول هدية: “أغلب الناس ينظر للمكفوفين نظرة شفقة أو نظرة سخرية، والمكان المناسب لنا هو المنزل، ولأني واجهت هذه النظرة القاصرة، أشعر بما يحتاجه وبما يشعر به المكفوفون، فالكفيف يحتاج الدعم والفرصة حتى يحقق حلمه ويثبت ذاته، ويصبح فرداً يخدم المجتمع”.

تقاعس السلطة المحلية

المكفوفون جزء من المجتمع، ودمجهم ضرورة ملحة في بقية المدارس، لأن التعامل معهم ليس بتلك الصعوبة، بحسب طارش، مؤكداً ضرورة أن يقوم مكتب التربية والتعليم بدوره تجاه هذه الشريحة، حتى يتمكنوا من إكمال تعليمهم الثانوي، من خلال توفير مدارس لدمج هذه الشريحة مع بقية الطلاب، والصندوق يتحمل تدريب الكادر ووسيلة المواصلات.
وأوضح مدير إدارة التربية الشاملة في مكتب التربية والتعليم بتعز، أحمد الوجيه، أن معهد تنمية ذوي الاحتياجات الخاصة للصم والبكم والمكفوفين، في بير باشا، وجمعية المكفوفين دورب الخير، كانا يستوعبان الطلاب المكفوفين حتى المرحلة الثانوية، وبسبب الحرب أغلق المعهد، مما تسبب في حرمان ذوي الاحتياجات الخاصة من حقهم بالتعليم.
وقال الوجيه إن قيادة مكتب التربية والتعليم تتابع السلطة المحلية بضرورة تسليم المنشآت التعليمية الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة.
وأضاف: “خاطبنا إدارة التربية بمديرية القاهرة، كون مدرسة دروب الخير تقع فيها، بضرورة فتح المرحلة الثانوية، وتعاون الجميع، لكن للأسف هناك تسويف بهذا الجانب بمبررات أن الكادر غير كافٍ”.
وفي ظل تقاعس السلطة المحلية، رغم المناشدات والوقفات الاحتجاجية المستمرة التي يقوم بها المكفوفون، يبقى صلاح وأقرانه في خوف دائم من توقف تعليمهم.

مقالات مشابهة