المشاهد نت

سجينات تحت القصف… أبريل الأسود في تعز

تعز – رانيا عبدالله:

تخشى أمل العبسي، مديرة سجن النساء المركزي بمحافظة تعز (جنوب غربي اليمن)، من تكرار استهداف السجن الذي تعرض للقصف ب ـ قذائف من قبل مسلحي جماعة الحوثي المتمركزين في منطقة الربيعي، غرب مدينة تعز، الأمر الذي يضع السجينات والعاملين في السجن تحت التهديد، كما تقول لـ”المشاهد”، مضيفة أن السجن ظل على الدوام في مرمى قذائف الحوثيين، إذ سبق حادثة الاستهداف الأخيرة التي أودت بحياة سجينات في 5 أبريل الجاري، قصف متكرر على محيط السجن من قبل مسلحي الجماعة، خلال سنوات الحرب.
وأودى القصف الأخير الذي تعرض له عنبر النساء في السجن المركزي الذي يضم 28 سجينة، بحياة 5 سجينات وطفلتين (5 و7 أعوام)، إحداهما جاءت لزيارة والدتها، والثانية تقبع مع أمها السجينة، وشرطية، وإصابة 4 سجينات، بحسب العبسي.

ناجيات يعشن هول الصدمة

منذ ذلك الحين والسجينات يعشن في خوف دائم من تكرار الاستهداف للسجن الذي يقبعن فيه.
وتزداد حالة الخوف لدى سماعهن أصوات القذائف بين الحين والآخر.

إحدى الناجيات: “أثناء النوم أسمع أصوات المقذوفات والصراخ، أحاول ألا أتذكر ذلك الموقف، لكني أفشل في كل مرة، فعندما أغمض عيني أتخيل كل التفاصيل الدموية في ذلك اليوم”.


إحدى الناجيات في عنبر سجن النساء، لم تفق بعد من هول الصدمة التي أدخلت جميع السجناء في حالة نفسية سيئة، كما تقول لـ”المشاهد”، مضيفة أنها تتذكر لحظات القصف والصراخ الذي دوى في أرجاء المكان.
تقول “م. ج” إحدى الناجيات: “أثناء النوم أسمع أصوات المقذوفات والصراخ، أحاول ألا أتذكر ذلك الموقف، لكني أفشل في كل مرة، فعندما أغمض عيني أتخيل كل التفاصيل الدموية في ذلك اليوم”.
وبنظرة شاردة تصف “م. ج” نجاتها وطفلها من الموت بأعجوبة، قائله: “أنا مندهشة لنجاتي أنا وطفلي الرضيع، فقد كنت أجلس وطفلي بجوار واحدة من النزيلات التي تبعثر جسدها في حوش العنبر، ولم أعد أستطيع الرؤية لكثرة الدخان في المكان، كنت أنادي صديقتي، لكنها لم تجب. وبعدما خف الدخان رأيت أشلاءها مبعثرة في المكان”.


وتقول الشرطية حياة الصبري، إحدى المناوبات في العنبر لحظة وقوع القذائف: “أصبت بالرعب والهلع عندما رأيت أشلاء أجساد النساء في أرجاء حوش عنبر السجن”.

سجينات تحت القصف… أبريل الأسود في تعز
آثار القصف على عنبر السجينات في السجن المركزي بتعز – المشاهد


وتردف الصبري: “كانت الشرطية خلود تجلس بجوار بعض النزيلات في حوش العنبر، بينما أنا كنت في داخل أحد عنابر السجينات، وسمعنا صوت انفجار قوي، تطايرت بعده الشظايا إلى العنبر، فهرعت أجري إلى سكن الشرطيات، وبعد لحظاته سقطت قذيفة أخرى، فكنت أصرخ وأبحث عن زميلتي، فوجدتها مع بقية النزيلات غارقة بدمائها، وأشلاء أجساد بعض السجينات بكل مكان. صرخت وطلبت النجدة لإنقاذنا، فتدخل الزملاء في السجن، لكن القذائف لازالت تتساقط، فسقطت قذيفة أخرى أثناء محاولتنا الهرب إلى أماكن آمنة”.

الشرطية حياة الصبري : فقدت سجينتان القدرة على النطق بعدما حدث، أما بالنسبة لي فالخوف مازال مسيطراً عليّ، وفكرة الذهاب إلى عملي في السجن ترعبني جداً، فأخذت إجازة لمدة أسبوعين، حتى أحاول أن أنسى مشهد الجريمة


“فقدت سجينتان القدرة على النطق بعدما حدث، أما بالنسبة لي فالخوف مازال مسيطراً عليّ، وفكرة الذهاب إلى عملي في السجن ترعبني جداً، فأخذت إجازة لمدة أسبوعين، حتى أحاول أن أنسى مشهد الجريمة”، تقول الصبري.
قلق الصبري يتكرر مع فردوس الأغبري، شرطية متعاقدة في السجن المركزي، لكنها مع ذلك تذهب إلى عملها بالسجن، ومعها طفلها الرضيع، مضطرة، كما تقول، مضيفة: “أذهب إلى عملي في السجن والخوف والقلق ينتابانني من وقوع مجزرة أخرى، فمازلنا نسمع أصوات القذائف بشكل مرعب، لكني مضطرة للعمل، فالحاجة هي ما جعلني أخرج للعمل والعيش في هذا الخوف والقلق”.

أماكن انطلاق القذائف

بحسب مدير السجن المركزي، المقدم عصام الكامل، فإن القذائف تساقطت على السجن المركزي من أماكن تمركز جماعة الحوثي، حيث يوضح قائلاً: “هناك فريق فني يتبع الأدلة الجنائية، قام بتحديد مكان انطلاق القذائف من شارع الخمسين الواقع في الاتجاه الشمالي الغربي للسجن، بحسب التقرير الفني”.

عمار الشرعبي : أغلب أنواع القذائف التي تستهدف السجن، هي مدفع 105 و”هاون” و”هوزر”، من مناطق سيطرة جماعة الحوثي.


وقال الرائد عمار الشرعبي، نائب مدير السجن: “تعرض السجن للقصف المباشر من قبل جماعة الحوثي أكثر من 40 مرة منذ تاريخ إعادة افتتاحه، وهو مستهدف ومعرض للقذائف بكل أنواعها، بسبب قربه من الجبهات، حيث يعتبر جبل هان قريباً من السجن، والمسافة التي تفصل بينهما قرابة كيلومتر”.
وبحسب الشرعبي، فإن أغلب أنواع القذائف التي تستهدف السجن، هي مدفع 105 و”هاون” و”هوزر”، من مناطق سيطرة جماعة الحوثي.
وأكد الشرعبي لـ” المشاهد” أن السجن غير آمن للنزلاء والأفراد العاملين فيه، ويعرضهم جميعاً للخطر منذ إعادة افتتاحه بتاريخ 13 أكتوبر 2017 وحتى الآن.
وعن سلامة نزلاء السجن، يقول الكامل: “بعد هذه الحادثة بتنا ملتزمين بإدخال جميع النزلاء إلى عنابرهم، وعدم التواجد في الأماكن المفتوحة”.
وبحسب الكامل، فإن مدينة تعز تتعرض للقصف بكل أحيائها، ولا يوجد مكان آخر آمن للنزلاء، كما يؤكد أن السجن لا يقع ضمن أماكن وأهداف عسكرية أو أماكن تخزين سلاح ثقيل، يجعل منه هدفاً عسكرياً.

إقرأ أيضاً  توقف الزراعة في بساتين صنعاء القديمة 

إفراج عن 12 سجينة

بعد حادثة استهداف السجن المركزي، تم الإفراج عن 12 سجينة، 5 منهن مع طفلين، تم إنزالهن إلى دار إيواء بتعز.

وتبقى في السجن المركزي 9 سجينات وطفلان. وطالبت مديرة الحالة باتحاد نساء اليمن صباح محمد، بدعم الدار بتقديم الرعاية النفسية والقانونية للنزيلات.
وأكدت أن النزيلات في الدار لا يعتبرن سجينات، فهن من ضمن من تم الإفراج عنهن، وسيتم التعامل معهن في الدار كسيدات منتجات، والقيام بتدريبهن وتأهيلهن، حد قولها.
وبحسب المحامي توفيق الشعبي، فقد صدر قرار من النيابة، صباح يوم الحادثة 5 أبريل، قضى بالإفراج عن السجينات.


وقال الشعبي لـ”المشاهد”: “بعد صدور القرار من النيابة بالإفراج عن السجينات، كان من المقرر اتخاذ الإجراءات في اليوم التالي، لتنفيذ قرار الإفراج عنهن، فسبق تلك الإجراءات مجزرة الحوثيين بحق السجينات، وهذه الجريمة يعاقب عليها القانون الدولي الإنساني وقانون المحكمة الدولية، حيث يعتبر ذلك استهدافاً مباشراً للسجينات”.

جريمة حرب

أدانت المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت، الحادثة، وقالت إن الهجوم ينتهك القانون الإنساني الدولي، واعتماد الظروف قد يرتقي إلى جريمة حرب.

المحامية رغدة المقطري : “مدينة تعز غير آمنة، بسبب تساقط العديد من القذائف بشكل عشوائي ومتواصل، وخصوصاً السجن المركزي الذي يتعرض فيه النزلاء للخطر، حيث يعتبر موقعه غير آمن، بسبب تساقط عدد كبير من القذائف إلى تلك المنطقة بشكل يومي”.


وترى المحامية رغدة المقطري، عضو مجلس نقابة المحامين اليمنيين فرع تعز، أن هذه الجريمة التي قامت بها جماعة الحوثي، تعتبر جريمة حرب مجرمة في القانون الدولي الإنساني، حيث تم استهداف سجن النساء بشكل مباشر وممنهج.

سجينات تحت القصف… أبريل الأسود في تعز
إحدي غرف السجن بعد القصف


وتقول المقطري لـ”المشاهد”: “مدينة تعز غير آمنة، بسبب تساقط العديد من القذائف بشكل عشوائي ومتواصل، وخصوصاً السجن المركزي الذي يتعرض فيه النزلاء للخطر، حيث يعتبر موقعه غير آمن، بسبب تساقط عدد كبير من القذائف إلى تلك المنطقة بشكل يومي”.
وناشدت المجتمع الدولي حماية السجناء والمدنيين، وسرعة إيقاف الحرب والقصف اليومي على مدينة تعز.

لا يوجد مكان آمن

ويرى الدكتور جمهور الحميدي، أستاذ علم النفس المساعد في جامعة تعز، أن وجود السجينات في السجن بعد هذه الحادثة، يعتبر كارثة إنسانية، فالرضوض النفسية والمشاكل السلوكية التي ستعقب وجود السجينات في نفس المكان، ستكون وخيمة، مشدداً على أهمية تقديم العدم النفسي بشكل طارئ ومبكر، لأن التغاضي عن المشكلات النفسية يولد مشاكل مستقبلية سواءً على الصحة الجسدية أو النفسية، لذا لا بد من تدارك الأمر بتدخل نفسي عاجل للسجينات، حسب قوله.
ويقول: “السجن بكل ما يحمله من تبعات وإجراءات، يشكل ضغطاً نفسياً شديداً، وتزيد هذه الضغوط عندما يتعرض السجن للقصف، لذا يجب إجلاء السجينات إلى أماكن أخرى، وإعلامهن بأن المكان آمن. وبالرغم من اتخاذ هذا الإجراء، فإن الرضوض والضغوط النفسية ستكون ملازمة لهن”.
وتطالب المحامية المقطري بوجود سجن آمن للنساء، وتقديم الدعم النفسي والقانوني للسجينات.
المطلب ذاته أطلقته أمل العبسي، مديرة سجن النساء بمدينة تعز، إذ وجهت نداء للجهات المختصة، وخصوصاً محافظ تعز، بتوفير مكان آمن للنزيلات، حفاظاً على أرواحهن، وحفاظاً على أرواحنا، فالقذائف لازالت تنهال علينا من قبل مسلحي الحوثي جوار السجن، ويعتبر ذلك “تهديداً لحياتنا جميعاً من نزلاء وأفراد”.
لكن الكامل يقول: “لا يمكن أن نجد مكاناً بهذا الحجم يستوعب السجناء، وليس من المقبول أن يتم توزيع السجناء على أماكن معينة ومتفرقة، لأنه بهذه الطريقة سيصبح كأنها سجون خاصة غير خاضعة لإشراف النيابة والقضاء”.

مقالات مشابهة