المشاهد نت

هل ينجح “الانتقالي” في الحكم الذاتي للجنوب ؟

عدن – أحمد عبدالله:

وصل تصعيد ما يُعرف بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي” مرحلته الأخيرة، بإعلانه عن الحكم الذاتي للجنوب، وتشكيل لجنة إدارة ستقوم بمهامها المحددة، إضافة إلى فرض حالة الطوارئ في المحافظات الخاضعة لسيطرته، وتكليف قوات تابعة له بتنفيذها.
وأعلن “الانتقالي”، في بيان صادر عنه، اعتزامه تشكيل لجان رقابة على أداء المؤسسات والمرافق العامة بالهيئات المركزية والمحلية، وهي الخطوة ذاتها التي قامت بها جماعة الحوثي بعد انقلابها في سبتمبر 2014. كما أعلن السيطرة على كافة المؤسسات، وتوجيهه بإغلاق البنوك والمصارف في عدن.
وجاءت هذه الخطوة بالتزامن مع الحديث عن عودة مرتقبة للحكومة إلى عدن، لمعالجة الأضرار التي لحقت بالمواطنين جراء السيول، لكن “الانتقالي” عرقل ذلك بمبرر تنصل الحكومة من تنفيذ اتفاق الرياض.
ومنذ نوفمبر الماضي، لم يتم تنفيذ اتفاق الرياض الذي وقعته الحكومة والمجلس الانتقالي، برعاية المملكة العربية السعودية. ومن ذلك الحين، لم تتمكن الحكومة من العودة بشكل كامل إلى عدن، لممارسة مهامها وفق الاتفاق.

خطوة محكومة بالفشل

برر “الانتقالي”، في بيانه الذي أعلن من خلاله تفعيل الإدارة الذاتية للجنوب، بأن هذه الخطوة جاءت بسبب تردي الخدمات العامة، والتوقف عن دعم أسر الشهداء، وعدم صرف الرواتب، والتوقف عن دعم الجبهات المشتعلة، ودعم الإرهاب وقوى التطرف.
لكن الواقع مغاير تماماً، فطوال السنوات الماضية منع “الانتقالي” عودة الحكومة إلى عدن، ووضع كثيراً من الاشتراطات، كما أنه منع بعض المؤسسات الحكومية من الاضطلاع بمهامها، وخاض ضد الحكومة جولات قتال عديدة، بإسناد من الطيران الحربي الإماراتي.

إعلان الانتقالي : بمثابة انتحار سياسي، كونه يفتقر للموارد التي يمكنه من خلالها تسيير شؤون عدن، خصوصاً أن 5 محافظات جنوبية هي “أبين، شبوة، سقطرى، المهرة وحضرموت” التي تشكل رافداً اقتصادياً مهماً، رفضت إعلان “الانتقالي” عن حكم ذاتي للجنوب، مؤكدة على تبعيتها للحكومة.


وحاول “الانتقالي” كسب المواطنين في عدن تحديداً، عن طريق قيام بعض مسؤوليه بتفقد أماكن ومؤسسات عامة كالكهرباء، لكن يبدو أن لا أمل في تحسن الأوضاع في الجنوب، خصوصاً أن العاصمة المؤقتة كانت ولاتزال خاضعة لسيطرته.
ورأى مراقبون أن إعلان “الانتقالي”، في الوقت الراهن، بمثابة انتحار سياسي، كونه يفتقر للموارد التي يمكنه من خلالها تسيير شؤون عدن، خصوصاً أن 5 محافظات جنوبية هي “أبين، شبوة، سقطرى، المهرة وحضرموت” التي تشكل رافداً اقتصادياً مهماً، رفضت إعلان “الانتقالي” عن حكم ذاتي للجنوب، مؤكدة على تبعيتها للحكومة.
وقلل أستاذ إدارة الأزمات والصراعات في جامعة الحديدة، الدكتور نبيل الشرجبي، من أهمية ما قام به “الانتقالي”، بقوله إن ما أقدم عليه خطوة تدل “على خفة ورعونة المجلس، وعدم امتلاكه أية كاريزما في الحكم”.
وقال الشرجبي لـ”المشاهد”: “لن يتمكن المجلس الانتقالي من تنفيذ أي شيء مما جاء في البيان، ليس لانعدام تواجد الالتفاف على تلك الخطوة داخل المجلس، وليس لرفض غالبية المحافظات الجنوبية للخطوة، بل لافتقاره لأبسط عوامل ومقومات النجاح على المستوى الخارجي أيضاً”.
واتفق الصحفي محمد السامعي مع ما طرحه الشرجبي، مؤكداً على عدم تمكن “الانتقالي” من تحقيق الحكم الذاتي للجنوب، فمعظم مساحاته لا تقع تحت نفوذه ولا تؤيد توجهاته الانفصالية، لذا كلما حاول التوسع أكثر خارج عدن، سيواجه عوائق كبيرة ورفضاً واسعاً من قطاعات عدة في الجنوب، وفق تعبيره.

رفض حكومي

اعتبر وزير الخارجية محمد الحضرمي، في تغريدات على حساب الوزارة في “تويتر”، ما قام به المجلس الانتقالي بأنه تمرد مسلح وانسحاب تام من اتفاق الرياض وتغطية على فشلهم، داعياً السعودية لاتخاذ موقف واضح وإجراءات صارمة.
وحملت الخارجية اليمنية “الانتقالي” والإمارات مسؤولية تقويض عملية السلام واتفاق الرياض. أما البرلمان فدعا الرئيس هادي لوقف ما يحدث في الجنوب، مؤكداً رفضه لأية خطوات “تتعارض مع مخرجات الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن والمبادرة الخليجية واتفاق الرياض”.
وأكدت الحكومة، في بيان لها، جاهزية القوات الحكومية للدفاع عن وحدة وسلامة وسيادة التراب الوطني، وحمايته من أي مخططات تسعى للنيل منه وتمزيقه تحت عناوين وذرائع واهية.
أما اللجنة الأمنية في شبوة فأعلنت رفضها لإعلان “الانتقالي”، مؤكدة اعترافيها بالسلطة برئاسة عبد ربه منصور هادي، وأنها في أتم الاستعداد لتنفيذ توجيهاته. ولم تخرج عن السياق ذاته، تصريحات محافظ شبوة رئيس اللجنة محمد بن عديو، الذي وجه برفع الجاهزية القتالية في كافة الوحدات العسكرية والأمنية.
يُذكر أن محافظة شبوة عقب انقلاب “الانتقالي”، في أغسطس الماضي، تصدت لتحرك المجلس باتجاه المحافظات الشرقية، وهي حضرموت والمهرة، وخاضت معارك ضده، ولم يتمكن من التقدم نحوها.
وحتى الآن لاتزال المحافظات الجنوبية، ما عدا الضالع وعدن، رافضة لبيان “الانتقالي”، الذي اعتبرته مخالفاً لاتفاق الرياض، وأكدت جميعها وقوفها إلى جانب الحكومة.
وطالب التحالف العربي بوقف أي نشاط وتحركات تصعيدية في الجنوب، وضرورة إلغاء أية خطوة تخالف اتفاق الرياض. فيما رفض الاتحاد الأوروبي إعلان “الانتقالي” ذاك، واعتبره عائقاً أمام جهود الأمم المتحدة في التوصل إلى السلام في اليمن. أما المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث، فشدد على ضرورة التوقف عن أية خطوات تصعيدية، ووضع مصالح اليمنيين في المقام الأول.

إقرأ أيضاً  اتساع ظاهرة التسول الإلكتروني في زمن الحرب

رغبة في تقاسم النفوذ

اعتبر الصحفي محمد السامعي إعلان المجلس الانتقالي بمثابة رغبة حقيقية في توطيد نفوذه في عدن وبعض المناطق الجنوبية، بدعم وإسناد إماراتي، كنوع من تقاسم النفوذ على اليمن، في ظل تفكك واسع للدولة في البلاد.
ومدى تنفيذ ذلك يعتمد أساساً على مدى التنسيق بين المجلس والتحالف، وفق السامعي الذي أكد أن ذلك لن يتم إلا بدعم حقيقي من قبل السلطات السعودية التي رفضت ما قام به “الانتقالي”، وهو ما قد يؤدي لممارسة ضغوط جديدة من أجل تنفيذ اتفاق الرياض من قبل المجلس والحكومة.

هل يحتدم الصراع؟

ومع تلويح الحكومة بالتصدي بالقوة للمجلس الانتقالي، إلا أن الشرجبي رأى أنها لن ترد ولن تتقدم بأية خطوة، والسبب في ذلك أن إعلان المجلس قد جعل الموقف في حالة صراع بين “الانتقالي” والإمارات والسعودية مباشراً، وليس مع السلطة، ما يعني أن تلك الخطوة ربما خدمت الحكومة أكثر مما أضرتها.
واستطرد قائلاً: “هذه الخطوة جاءت من قبل الانتقالي والإمارات كخطوة استباقية يمنعان من خلالها أي تصعيد في الموقف ضدهم في المناطق الجنوبية، وخصوصاً أنه في الفترة الأخيرة بدأت هناك أصوات تتعالي رفضاً لتصرفات الانتقالي في الجنوب، كما أن الإعلان تعد تهرباً من بدايات الصراعات التي بدأت داخل المجلس بشأن التعامل مع تنفيذ اتفاق الرياض، وكان لا بد من إبعاد المجلس عن تلك الصراعات الداخلية بافتعال ما قام به”.
وتوقع الصحفي السامعي استمرار الوضع في الجنوب معززاً بفوضى كبيرة خلال المستقبل القريب، سيما أنه لا يوجد توجه حقيقي من قبل الأطراف اليمنية والتحالف لحل الوضع هناك بشكل عاجل.

فتح باب الفوضى

وأدى عدم توحد الموقف في الجنوب إلى توقعات بأن تشهد تلك المحافظات فوضى غير مسبوقة، من وقت لآخر، يخرج مواطنون في حضرموت -التي تطالب من حين لآخر بالحكم الذاتي- للمطالبة بتحسين الخدمات.

العميد مسفر الحارثي :الإمارات تسعى لمساومة السلطة في سقطرى مقابل إنهاء ما يجري في عدن والالتزام باتفاق الرياض.


كما أن الوضع في سقطرى متوتر للغاية من أشهر، ويفسر ذلك العميد ركن مسفر الحارثي، مدير دائرة الرقابة والتفتيش بوزارة الدفاع، وقائد اللواء 19 مشاة بمحور بيحان سابقاً، في صفحته على “فيسبوك”، بأن الإمارات تسعى لمساومة السلطة في سقطرى مقابل إنهاء ما يجري في عدن والالتزام باتفاق الرياض.
ومنذ استعادة عدن، منتصف 2015، شهدت عدة جولات من الحرب، وعمليات اغتيال، وانقلابات على السلطة غالباً ما كانت تنتهي بمواجهات عسكرية خلفت سقوط قتلى وجرحى، دون أن تحسم كلياً لأحد طرفي الصراع.

مقالات مشابهة