المشاهد نت

صنعاء مدينة موبوءة بفيروس كورونا

صورة تعبيرية

صنعاء – وضاح الجليل:

بعد أسابيع من الإنكار والإجراءات المفضوحة على المستوى الطبي؛ اعترفت جماعة الحوثي، على لسان وزير الصحة في حكومتها، بظهور وباء كورونا المستجد في العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها، لكن هذا الاعتراف جاء موارباً، ولم يعطِ تفاصيل واضحة وكاملة.
وبرغم الكثير من الشواهد والمعلومات القادمة من مستشفيات العاصمة صنعاء، حول عشرات الحالات المصابة، إلا أن حكومة الحوثي لم تعلن عن تلك الحالات التي تؤكدها حملات التعقيم وإغلاق الأسواق، وتحذير المواطنين من التجول، وإجبار أسر وحارات بأكملها على الحجر المنزلي القسري.

مسؤول إداري في إحدى المؤسسات الطبية القريبة من مستشفى الكويت؛ إنه وبسبب التعاون بين المؤسسة التي يعمل فيها والمستشفى، تحصل على معلومات تفيد أن عدداً من تم تأكيد إصابتهم بفيروس كورونا في المستشفى، يزيد على 150 مواطناً، وأن الوفيات منهم تجاوزت الـ30.


وجاء إعلان طه المتوكل، وزير الصحة في حكومة الحوثيين، عن إصابة حالة واحدة بالفيروس، الثلاثاء الماضي، بعد انتقادات حادة لحكومة صنعاء بعدم إعلام الناس بتفشي الفيروس.
ويقول مسؤول إداري في إحدى المؤسسات الطبية القريبة من مستشفى الكويت؛ إنه وبسبب التعاون بين المؤسسة التي يعمل فيها والمستشفى، تحصل على معلومات تفيد أن عدداً من تم تأكيد إصابتهم بفيروس كورونا في المستشفى، يزيد على 150 مواطناً، وأن الوفيات منهم تجاوزت الـ30.
ويضيف هذا المسؤول أن غالبية هذه الحالات جاءت من حارة الطيران وحي السنينة غرب العاصمة، وحي الحصبة شمالاً، وهي ضمن المناطق التي تم فرض حظر التجول فيها مؤخراً، وتعد من أكثر الأحياء ازدحاماً سكانياً.
ليلة الاثنين الـ4 من مايو، رددت مكبرات صوت على سيارات تطوف في حارة الشوكاني المجاورة لشارع هائل غربي العاصمة صنعاء، نداءات تطلب ممن صلوا في جامع المؤمنين حجر أنفسهم في المنازل لمدة 15 يوماً.
سبق ذلك بيوم واحد وصول سيارة إسعاف تحمل جثة من سكان الحارة، حيث قام أقارب المتوفى بغسلها والصلاة عليها في جامع “المؤمنين”، الأمر الذي أدى إلى قدوم سيارات تحمل عناصر تابعة لجماعة الحوثي، إلى الحي، والقيام بإغلاق المسجد بعد أن احتجزت فيه كل من حضروا صلاة الجماعة، بمن فيهم عائلة المتوفى.
وبحسب معلومات نشرها “المشاهد” سابقاً، فإن شاباً توفي في أحد فناق منطقة باب اليمن، وبعد إبلاغ إدارة الفندق الجهات الأمنية عن وفاته؛ حضرت قوة أمنية مع فريق طبي، وتم التأكد من عدم وجود شبهة جنائية في الوفاة، ومن ثم سُلمت الجثة إلى أقارب المتوفى في منزلهم في حارة الشوكاني غربي العاصمة، وهي تقع ضمن نطاق محيط شارع هائل، حيث قامت عائلته بغسل الجثة وتكفينها وتجهيزها للدفن، والصلاة عليها في جامع المؤمنين، قبل أن تظهر نتائج الفحوصات التي أثبتت إصابة المتوفى بفيروس كورونا؛ ما دفع السلطات الحوثية إلى اتخاذ إجراءات العزل بحق كل من اقترب من الجثة، أو خالطهم، ومن أولئك القوة الأمنية والفريق الطبي وعائلته وبعض المصلين، ومن ثم دعوة المواطنين عبر مكبرات الصوت إلى حجر أنفسهم في منازلهم لمدة 15 يوماً.
تكشف هذه التفاصيل عن أخطاء جسيمة ترتكبها الجماعة الحوثية والسلطات الطبية التابعة لها، فبحسب الطبيب علي الموشحي؛ المتخصص في الأوبئة؛ كان يفترض أن تكون هناك خبرات ومعارف مكتسبة من التعامل مع وباء الكوليرا وإنفلونزا الخنازير سابقاً، وينبغي التعامل مع الجثة بمبدأ الاشتباه منذ لحظة الإبلاغ عن الوفاة، وهو ما يقتضي نزول فريق طبي محصن بكافة أدوات ملابس وأدوات الوقاية، وأخذ الجثة واحتجازها، وإجراء الفحوصات عليها، وتعقيم الفندق، واتخاذ الإجراءات الاحترازية مع كل من خالط المتوفى حتى ظهور نتائج الفحص، وعدم تسليم جثته إلى أقاربه.
ويضيف الطبيب: “وكان يجب دفن الجثة بعد لفها بأكياس بلاستيكية تمنع تسرب أي كائنات دقيقة منها، وعدم السماح لأقاربه أو سواهم بلمسها أو الاقتراب منها، ودفنها دون فتح تلك الأكياس”.
وأثار إعلان المتوكل استياء واسعاً بعد وصفه للضحية بأنه “صومالي”؛ الأمر الذي يشير إلى رغبة في التنصل من التسبب بانتشار الوباء، إضافة إلى أنه من غير المعتاد الإعلان عن معلومات الضحايا وجنسياتهم.
وحسب ما نشر “المشاهد” سابقاً، نقلاً عن مصادر من العاصمة صنعاء؛ فالضحية يمني لأم صومالية.
يقول طبيب متخصص في الأمراض الفيروسية: لا يمكن أن يكون هذا الشاب هو الحالة رقم صفر، وإصابته تعني بالتأكيد أن الوباء انتشر في صنعاء، وقريباً ستصبح العاصمة موبوءة وبؤرة تفشٍّ.

العلاج بالقمع

شهدت العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، حملات مداهمة وتعقيم وإغلاق الأسواق دون إبداء الأسباب، في حين سُجلت في العديد من المستشفيات إجراءات احترازية أحيطت بالسرية المطلقة،

يعاني أفراد الأطقم الطبية في مستشفيات الكويت وزايد والجمهوري، من رقابة شديدة عليهم أثناء دوامهم الرسمي، ولديهم شكوك قوية بوجود رقابة على هواتفهم وحساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي؛ خصوصاً بعد التحذيرات التي تلقوها بعدم تسريب أية معلومات، وهي التحذيرات التي يقولون إنها كانت مصحوبة بالتهديد والوعيد، وتأكيدات بأن أية معلومة يتم تسريبها سيتم معرفة مصدرها.

ومُنع العاملون فيها من الحصول على أية معلومات. وفي هذا التقرير ثمة الكثير من المعلومات التي تم الحصول عليها من أطباء وعاملين في عدد من المستشفيات، تم التحفظ عن ذكر أسمائهم أو الإشارة إلى صفاتهم، حرصاً على سلامتهم، حيث سبق وقامت الجماعة باختطاف أشخاص بعد نشرهم أخباراً عن وجود حالات مصابة بفيروس كورونا في مستشفيات العاصمة، ومن أولئك شابان تم الإفراج عنهما بعد وساطات وضمانات قبلية.
ويعاني أفراد الأطقم الطبية في مستشفيات الكويت وزايد والجمهوري، من رقابة شديدة عليهم أثناء دوامهم الرسمي، ولديهم شكوك قوية بوجود رقابة على هواتفهم وحساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي؛ خصوصاً بعد التحذيرات التي تلقوها بعدم تسريب أية معلومات، وهي التحذيرات التي يقولون إنها كانت مصحوبة بالتهديد والوعيد، وتأكيدات بأن أية معلومة يتم تسريبها سيتم معرفة مصدرها.
وأجبرت الجماعة، في أوائل أبريل الماضي، أحد أعضاء تنظيمها، على تقديم استقالته من منصبه بعد أن عرضته لهجوم واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، واتهامه بالخيانة والعمالة، بسبب تغريدة على “تويتر” تحدث فيها عن تسجيل حالة إصابة بفيروس كورونا في صنعاء.
وأثارت التغريدة التي نشرها محمد عبدالقدوس، المعين في منصب نائب رئيس مجلس إدارة وكالة الانباء اليمنية “سبأ” بنسختها التي تديرها جماعة الحوثي، حينها، ردود فعل واسعة، وتناقلتها وسائل الإعلام كمصدر حول تفشي الفيروس في مناطق سيطرة الحوثيين، ما اضطر الحوثيين إلى نفي ما ورد فيها عبر وزارة الصحة وناطق حكومتهم، وتدخل قياديون لتوبيخ عبدالقدوس عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
واتضح لاحقاً أن الحالة التي تحدث عنها عبدالقدوس، هي لامرأة اشتبه جميع أفراد عائلتها بإصابتهم بالفيروس بعد عودتهم من الأراضي السعودية، وبرغم أن الفحوصات أثبتت خلو جسمها من الفيروس؛ وتم إخراجها من مركز العزل في مستشفى زايد، ومن ثم الإفراج عن كافة أفراد مركز العزل الذين احتجزوا بسبب مخالطتها؛ إلا أن المرأة توفيت في ظروف غامضة بعد عودتها إلى منزلها.

إقرأ أيضاً  في يوم المسرح العالمي .. المسرح اليمني محاولات للنهوض

عائدون من طهران

منتصف مارس أيضاً، وتحديداً ليلة الـ14 منه؛ فوجئ نزلاء مستشفيات 48، والجمهوري، وعبدالقادر المتوكل، باقتحام عناصر من جماعة الحوثي للمستشفيات الثلاثة، وإغلاقها بعد إخلائها من الطواقم الطبية والإدارية وعمال النظافة والصيانة بالقوة دون إبداء الأسباب.
وبحسب مصادر طبية في المستشفيات الثلاثة؛ فقد تم نقل أجهزة تنفس صناعي من عدة مستشفيات إلى هذه المستشفيات الثلاثة، في ما يبدو أنه لمواجهة حالات التهاب رئوي أو ضيق تنفس خطيرة.
تواجد عدد من القادة الحوثيين في إيران عند بدء تفشي الوباء فيها؛ حيث انتشر بسرعة قياسية نتيجة التظاهرات المؤيدة للسلطة والانتخابات، أواخر فبراير الماضي؛ قبل أن تصبح إيران مُصَدِّراً للوباء في المنطقة، ومنها انتقل إلى دول الخليج والعراق ولبنان وسوريا، وعاد هؤلاء القادة الحوثيون إلى العاصمة صنعاء، بشكل سري، مثلما غادروا، على متن رحلات الأمم المتحدة، أو عبر التعاون مع سلطنة عمان. وخلال شهر مارس كانت الكثير من المعلومات تشير إلى وجود حالات التهاب رئوي حاد، وهو أخطر أعراض وباء كورونا؛ لأشخاص لم يتم الكشف عنهم، حيث فرضت سرية تامة على كافة إجراءات علاجهم.
كانت جماعة الحوثي خصصت مركزاً للعزل في مستشفى زايد في مديرية بني الحارث، شمال شرق العاصمة صنعاء، في وقت مبكر، سبقت فيه كثيراً من دول المنطقة، حيث تم افتتاح المركز منتصف فبراير الماضي، في وقت لم تكن الكثير من الدول قد بدأت بأي إجراءات للوقاية من الفيروس.
وفرض الوزير المتوكل على المستشفيات الخاصة في صنعاء تجهيز مركز العزل الصحي الذي أقيم في مستشفى الشيخ زايد بسعة 50 سريراً مزودة بأجهزة تنفس، بعد أن تم تخصيص المركز دون تجهيزه من جهة وزارة الصحة، وأصدر أيضاً أوامر بإلزام المستشفيات الخاصة بتجهيز مستشفى الكويت للعزل الصحي؛ ونفس الأمر بالنسبة للمستشفيات الخاصة في المحافظات الأخرى، التي ستكون ملزمة بتمويل مراكز العزل في كل محافظة، إلى جانب أتاوات مالية تصل إلى 20 مليون ريال تم فرضها على مصانع وشركات الأدوية.
وأعلن المتوكل عن تقليص الخدمات في عدد من المستشفيات الحكومية في مختلف المحافظات، لتجهيزها لمواجهة أي تفشٍّ لوباء كورونا.

مركز عزل بصفة هنجر

يستغرب الأطباء في مستشفى زايد عدم توفر أي مستلزمات طبية لمواجهة كورونا في مركز العزل المخصص هناك، ويصفونه بمكان كبير لرقود الأشخاص، وليس محجراً صحياً.
ووصف أحد الأطباء المركز بـ”هنجر” يتسع لعدد محدود من الأسرّة فقط، دون أية معدات طبية أو مستلزمات علاجية.
وقال الطبيب: “هذا مخزن صغير يمكن أن يتسع لـ40 أو 50 سريراً فقط، ولا توجد أجهزة تنفس صناعي أو قناني أوكسجين، ولا يتوفر فيه سوى 3 صناديق كمامات، وتمت إقامته في منطقة مزدحمة، إذا انتقل الفيروس إلى أحد العاملين أو الأطباء فيه، وخرج إلى الخارج، واختلط بالمواطنين، ستكون كارثة كبرى”.
منتصف مارس أيضاً، منعت جماعة الحوثي المواطنين القادمين من محافظات خارج سيطرتها، من الوصول إلى عدد من المحافظات في نطاق نفوذها، وأنشأت ما سمته “محجراً صحيّاً” في رداع، وآخر في ذمار، حشرت فيهما آلاف الناس في العراء.

كانت جماعة الحوثي استهانت في البداية بالوباء، وصنفه عدد من قياداتها بالمؤامرة الأمريكية، مقلدين بذلك بعض رموز نظام الحكم في إيران الذي تعامل باستهتار مع الوباء، قبل أن تصبح إيران بؤرة التفشي في المنطقة.


وأدى هذا الإجراء إلى استنكار واسع محلياً ودولياً، لما يمثله من إهانة لمواطنين متنقلين وتقييد حريتهم وتعريضهم للمخاطر.
كانت جماعة الحوثي استهانت في البداية بالوباء، وصنفه عدد من قياداتها بالمؤامرة الأمريكية، مقلدين بذلك بعض رموز نظام الحكم في إيران الذي تعامل باستهتار مع الوباء، قبل أن تصبح إيران بؤرة التفشي في المنطقة.
وقال زعيم الجماعة إن وصول فيروس كورونا إلى اليمن سيكون بفعل وإشراف أمريكي، وإنه سيتم التصدي له بوصفه عملاً عدائياً، وحذر من  التهويل من شأن الوباء، في حين وصف محمد علي الحوثي انتشار فيروس كورونا بـ”المبالغ وغير الحقيقي”.
على جانب آخر، كانت منظمة الصحة العالمية تحذر من أن الفيروس سيشكل تهديداً كبيراً للشعب اليمني والنظام الصحي “المتعثر” ما لم يتم تحديد حالات الإصابة، وعلاجها، وعزلها، وتتبع مخالطيها بالشكل السليم، مطالبة بالعمل الجماعي للتخفيف من أثر الجائحة بشكل فعّال حتّى في البيئات الشحيحة الموارد، مقدرة تأثير الفيروس على أكثر من نصف سكان اليمن.
وذكرت المنظمة أن السلطات الصحية عززت قدراتها في 4 مختبرات مركزية للصحة العامة في صنعاء، وعَدَن، وسيئون، بالإضافة إلى تعز.
وبدوره، حذر مدير مكتب المجلس النرويجي للاجئين في اليمن، محمد عبدي، من عواقب وخيمة على النظام الصحي المُجهد، وعلى الفئات السكانية الأكثر ضعفاً، مشيراً إلى أن 5 سنوات من الحرب شلّت قدرة اليمن على احتواء أي تفشٍّ للأمراض.

عبثية ولا مسؤولية

نعت الطبيب علي الموشحي مجمل الإجراءات الحوثية بالعبثية وغير المجدية، كونها لا تحقق شروط الوقاية الكاملة المتبعة في مختلف أنحاء العالم.
وقال الموشحي إن الأمر لا يحتاج إلى تخصص طبي دقيق لمعرفة أن هذه الإجراءات غير مجدية، فأي شخص متابع لانتشار الوباء منذ ظهوره يستطيع القول إن إجراءات الحوثيين عبثية وفاشلة، بل إنها مستهترة، حيث هناك إجراءات غير دقيقة وغير متشابهة على عدد من الحالات، بعض الحالات يتم إدخالها المستشفيات وعند وفاتها يمنع تسليم الجثث إلى أهاليها، وبعض الحالات يمنع دخولها المستشفى برغم أن إصابتها بالفيروس تعني تفشي الوباء وسط المخالطين لها.
وتساءل: كيف يتم تسليم جثث إلى أهاليها قبل ظهور نتائج الفحوصات؟ وكيف يتم السماح لبعض الأهالي باستلام الجثث دون حتى إجراء الفحوصات؟ ولماذا يتم تسليم بعض الجثث ورفض تسليم البعض الآخر، دون إبداء الأسباب حول ذلك؟
ويستطرد: “أما عن إجراءات الحظر والحجر التي تنفذ ميدانياً، فهي غريبة جداً، إذ لا فائدة من حظر يتم إعلانه بمكبرات صوت، دون تشديدات أمنية، ولا فائدة من حظر تجول على منطقة ظهرت فيها حالات، دون إجراءات عزل لمخالطي تلك الحالات أولاً، ولا فائدة من إعلان حظر التجول في بعض المناطق والأحياء متقاربة ولمدة 24 ساعة”.

مقالات مشابهة