المشاهد نت

حلوى شعبية في تعز جعلت من صاحبها رمزاً رمضانياً

محل طرمبة الهلالي في تعز - المشاهد

تعز – منال شرف:

مع ساعات الظهيرة الأولى، يبدو محل الهلالي للطرمبة في حي الجحملية بمدينة تعز، مزدحماً بالناس، على غير عادته، وهو المنظر المتكرر في رمضان على مدى 4 عقود.
واكتسب محل “الهلالي” شعبية لجودة صناعة الحلوى الأكثر شهرة في المدينة.
مع حلول ساعات الصباح، ينطلق عبده حمود الهلالي، نحو محله، بهمة وخفة، قبل أن يبدأ العاملون في المحل بعجن الدقيق بالماء، ووضعه على نار هادئة، ثم يعجن الخليط بـ”العجَانة”، مضيفاً إليه البيض بالتدريج، وبعد تحويل العجينة إلى قطع بيضاوية الشكل بواسطة ماكينة خاصة، يقوم بقلي القِطع مرتين؛ الأولى بالزيت البارد، ثم بالزيت الساخن، حتى تكتسب لونها البني المحمر، ثم يعمل على تغذية القطع، بعد فصلها عن الزيت، وتبريدها لمدة دقيقتين، بـ”الشيرة” المصنوعة من الماء والسكر؛ لمنحها الطعم الحلو، وبذلك تصبح حلوى “الطُّرمبة” الخاصة به جاهزة للبيع على الزبائن.

طرمبة متفردة

وعلى الرغم من وجود محلات كثيرة تقوم بصناعة هذه الحلوى، وبيعها على الناس، إلا أن محل الهلالي هو الأكثر شهرة في المدينة، نظراً لخبرته الطويلة التي مكنته من إجادة صناعة حلوى الطرمبة بإعطاء كل مقدار حقه دون نقص أو زيادة، وهو ما يؤكده زبائن المحل، ومنهم أكرم الشامي، الذي اعتاد على شراء الطرمبة منه في كل ليلة من شهر رمضان المبارك، وخصوصاً بعد صلاة التراويح، حيث يكتفي بالقول: “إنها الألذ على الإطلاق”.
العديد من سكان تعز يأتون، يومياً، من مختلف حارات المدينة، إلى محل الهلالي؛ للشراء منه، والتلذذ بطعم حلوى الطرمبة التي يصنعها، كتحلية بعد وجبة الغداء في أيام الفطر، إلا أن الأمر أكثر تميزاً خلال شهر رمضان المبارك، إذ يقبل الناس على شراء طرمبة الهلالي بشكل متزايد، بحسب نجله عصام الهلالي، فالبعض يحبذها مع وجبة الإفطار، فيما يتناولها أخرون بعد وجبة العشاء، الأمر الذي يدفع الهلالي ومن معه للعمل على زيادة الإنتاج.

لا يقتصر الطلب على طُرمبة الهلالي من قبل أبناء تعز فقط، إذ إن شهرتها تجاوزت الحدود والمسافات، وأصبح لزاماً على الهلالي أن يلبي طلبات الجميع، وأن يمنح حلواه فرصة السفر إلى عشاقها ومحبيها، خصوصاً المغتربين، الذين يحِنّون إلى تعز تراثاً ومدينة.


ويقول عصام: “هنالك إقبال كبير على شراء حلوى الطرمبة التي نعدها، في الأيام العادية، إلا أن الأمر يزداد في رمضان إلى ثلاثة أضعاف؛ نتيجة للصيام، كما أن أغلب الناس يفضلون الطرمبة في شهر رمضان المبارك، ويعتبرونها حلوى موسمية”.
ولا يقتصر الطلب على طُرمبة الهلالي من قبل أبناء تعز فقط، إذ إن شهرتها تجاوزت الحدود والمسافات، وأصبح لزاماً على الهلالي أن يلبي طلبات الجميع، وأن يمنح حلواه فرصة السفر إلى عشاقها ومحبيها، خصوصاً المغتربين، الذين يحِنّون إلى تعز تراثاً ومدينة.
يقول عصام: “تصلنا طلبات كبيرة سواء من خارج تعز أو من خارج اليمن، بالذات خلال رمضان، وقد ازدادت هذه الطلبات عما كانت عليه قبل الحرب، بعد نزوح أبناء تعز إلى محافظات أخرى أو خارج البلاد”.
ويضيف: “إننا نعاني من صعوبات متعلقة بإرسال الطلبات إلى أصحابها، ليس في الوسيلة، ولكن في الوقت، إذ إن الطلبات لا تصل في الموعد المطلوب؛ نتيجة لقطع الطرقات وتغيرها”.

إقرأ أيضاً  معاناة جلب الماء في معافر تعز

البدء من الصفر

ويذكر عصام أن محل الهلالي كان مجرد دكان صغير “صندقة” عندما استأجره والده قبل 40 سنة، وقد عمل فيه بمفرده لكسب لقمة العيش، ومع مرور الوقت، تمكن من توسعة الدكان ليشمل محلين بجواره؛ نتيجة تنامي عائداته المالية، وتعاظم شهرة الطُّرمبة التي يقوم بإعدادها، إذ إن لذة طعمها وجودة صناعتها كانت ومازالت تجلب الناس إليها من أماكن متفرقة.

حلوى شعبية في تعز جعلت من صاحبها رمزاً رمضانياً
طرمبة الهلالي في تعز


وأثرت الحرب مع بداية اندلاعها على محل الهلالي، فقد انخفض إنتاج الطرمبة وبيعها بشكل كبير، مما اضطر الهلالي لتسريح عدد من العمال، ثم إغلاق المحل، والنزوح إلى خارج المدينة، بعد أن توسعت رقعة الاشتباكات لتشمل حي الجحملية، وقد ظل المحل مغلقاً لـ3 سنوات ونصف، ثم احتاج لعامين كاملين من أجل أن يستعيد انتعاشه وعائداته المالية.
ويقول عصام: “عند عودتنا لفتح المحل، لقينا صعوبات عدة ومضايقات من قبل المسلحين؛ نتيجة لانعدام الأمن، كما أن المنطقة كانت شبه خالية من السكان بعد نزوحهم جميعاً، أما سكان المناطق الأخرى فظلوا يخافون من القدوم إلى الجحملية، مما تسبب في نقص العائدات المالية للمحل عما كانت عليه قبل الحرب، وعندما بدأ الأمن يستتب في المنطقة، وعاد سكانها إليها، بدأت العائدات المالية بالتحسن تدريجياً”.
ولقد تمكنت طُرمبة الهلالي من تعزيز ارتباطها بأبناء تعز، كحلوى شعبية، وصار بوسع كل من يمر بجوار المحل أن يقرأ ملامح الإتقان والتمكن على وجوه العمال، ومن خلال اندفاع الزبائن إلى شراء الطرمبة.
ورغم تدفق الحلويات الخارجية إلى الأسواق، لاتزال طرمبة الهلالي متربعة فوق عرش الحلويات، باعتبارها الحلوى الأكثر طلباً وشهرة في المدينة.

ومضة تاريخية

وتشتهر حلوى “الطُّرمبة” في بعض المطابخ العربية، باسم “بلح الشام”، وبناء على هذه التسمية، يعتقد البعض أنها حلوى شرقية، وأن تاريخها يرجع إلى بلاد الشام “سوريا”، قبل أن تنتقل إلى عدة مطابخ عربية وإلى تركيا أيضاً، وقد احتفظت باسمها السوري في مصر، ولكنها في تركيا تعرف باسم “تولومبا Tulumba”، فيما يؤكد البعض الآخر أن العثمانيين أول من صنع هذه الحلوى، ثم نقلوها إلى العديد من البلدان العربية إبان خضوعها لسيطرة الدولة العثمانية، مشيرين إلى أن كثيراً من الأطباق السورية أخذت عن المطبخ التركي في الأصل، وليس أمامنا أن نرجح سوى أن أبناء تعز قد تعلموا صناعة الطرمبة على يد الأتراك، أثناء التواجد العثماني في اليمن، ثم تناقلوها بالتوارث؛ لذا جاء اسمها “طُرمبة” قريباً من تسمية الأتراك لها “تولومبا”، وقد سميت بهذا الاسم نسبة لآلة صناعتها القديمة، والتي تشبه المضخة.
وتقول بعض الروايات إن من ابتكرها كان يشتهي البلح في فصل الشتاء؛ إذ إن البلح فاكهة صيفية، فعمد إلى صنع حلوى تأخذ شكل البلح وحجمه تقريباً، ولكنها من العجين الذي يتم قليه ثم غمره بالشراب الحلو “الشيرة”.
وتعتبر “الطُّرمبة” حلوى غنية بالسعرات الحرارية والدهون، بحسب مصادر طبية، إذ تحتوي كل حصة منها على 477 وحدة حرارية تقريباً، و30 غراماً من الدهون، وعلى 210 مليغرامات من الكولسترول؛ أي أكثر من نصف الكمية المسموح تناولها يوميّاً؛ لذا ينصح الأطباء بعدم الإكثار منها، والاكتفاء بواحدة أو اثنتين بشكل غير يومي.

مقالات مشابهة