المشاهد نت

وفيات كورونا… معاناة قبل الموت وبعده

مقبرة في صنعاء - صورة ارشيفية

صنعاء – حسان محمد:

بعد صراع لعدة أيام طويلة مع “كورونا”، توفي عبدالجبار عبده في منزله بالعاصمة صنعاء، لتبدأ عقب ذلك معاناة الأسرة التي عجزت عن الحصول على رعاية طبية في المستشفيات العامة والخاصة، مع إجراء مراسيم الدفن والبحث عن قبر، إذ رفضت لجان الطوارئ ووزارة الصحة التجاوب معهم للقيام بواجبهم في غسل الرجل ودفنه، رغم إعلان الدكتور طه المتوكل، وزير الصحة بحكومة الحوثيين، عن لجان طوارئ رئيسية وفرعية في كافة الأحياء بأمانة العاصمة.
وبقي جثمان عبدالجبار على فراش الموت أمام زوجته وابنته الوحيدة، ليضاعف حزنهما على مصابهما، حتى رقت قلوب أهالي الحي، فاضطروا إلى القيام بغسل الميت وتكفينه بعد أن لبسوا ما توفر من ملابس عازلة وكمامات وقفازات للأيدي، لكنهم عادوا إلى بيوتهم والخوف من انتقال العدوى لهم ولعوائلهم يجثم على صدورهم ويشغل تفكيرهم.
حوادث مشابهة تتكرر في أحياء أمانة العاصمة والمحافظات التابعة لجماعة الحوثي، وسط إنكار الجهات الرسمية التي لم تعترف حتى بسقوط ضحايا لفيروس كورونا.
ومع اتساع ظاهرة الموت، لم تتوقف المشكلة عند تقصير حكومة الأمر الواقع في صنعاء بتقديم الرعاية الصحية للمصابين بالوباء أو القيام بإجراءات الغسل والدفن، وصار إيجاد قبر للمتوفى إشكالية أخرى تواجه ساكني صنعاء الذين يودعون العشرات يومياً، ففي يوم واحد دفن 27 شخصاً بإحدى مقابر مديرية الصافية، بحسب ما يقول مسؤول المقبرة لـ”المشاهد”.

أزمة قبور

وبحسب نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن زيادة معدلات الوفيات رفعت أسعار المقابر لتصل تكلفة القبر الواحد إلى 100 ألف ريال يمني (ما يعادل 160 دولاراً أمريكياً)، وأغلقت بعض المقابر أبوابها، كمقبرة خزيمة أشهر المدافن بأمانة العاصمة.
ويؤكد أهالي متوفين ما تم تداوله في مواقع التواصل الاجتماعي حول أسعار القبور في العاصمة صنعاء وغيرها من المحافظات اليمنية الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، وتلك الواقعة تحت سيطرة الحكومة، مع تفاوت بين أسعار القبور في بعض المحافظات، إذ تتراوح أسعارها بين 100 و200 ألف ريال.
وينكر عبدالفتاح، حارس مقبرة بشارع المطار شمال صنعاء، وصول أسعار المقابر إلى هذا الحد، قائلاً: “هذه الأسعار خيالية، ولا وجود لها على أرض الواقع، ويتناقلها الناس من باب المكايدة السياسية لا أكثر”.
ويضيف عبدالفتاح: “إجمالي سعر القبر شاملة لإيجار الحفر والبلك وكافة التجهيزات 35 ألف ريال فقط، ولا يمكن لأية مقبرة أن ترفع السعر إلى ما يتداوله الناس”.
وعلى بوابة مقبرة شارع النصر كتبت وزارة الأوقاف “المقبرة مغلقة نظراً لامتلائها”. وتعود من بوابة تلك المقبرة 5 طلبات دفن يومياً، بحسب حارس المقبرة.
لكن من يدخل إلى المقبرة يستغرب إغلاق الأوقاف للمقبرة على الرغم من وجود مساحات كبيرة ماتزال فارغة، ويمكن أن تتسع للمئات من المتوفين.
ويبرر حارس المقبرة عدم استقبال وفيات جديدة بأن المساحات الفارغة هي لمقابر قديمة طُمست مع السنين بسبب الأمطار، ولا يجوز حفر مدافن جديدة عليها.
ويقول لـ”المشاهد”: لا صحة لما يقوله الناس عن ارتفاع أسعار القبور، وأراضي المقابر وقفية، ولا يدفع أهالي الميت غير إيجار عمال الحفر التي تقدر بـ10 آلاف ريال. لكن حديث حارس المقبرة يتنافى مع ما يدفعه أهالي الميت من مبالغ مالية كثمن للقبر، إذ يصل بالفعل الى 100 ألف ريال، وفق ما يؤكده أهالي متوفين.

وصول عدد من المقابر بأمانة العاصمة إلى الحد الأقصى من طاقتها الاستيعابية، لم تقم وزارة الأوقاف والإرشاد في حكومة جماعة الحوثي، بتخصيص أراضٍ من أملاك الأوقاف كمقابر جديدة، ولم تفتتح مقابر إلا لمقاتليها في الجبهات الذين تخصص لهم مدافن خاصة لاعتقادها أنهم شهداء، ويجب تكريمهم عن بقية الوفيات.

الاستيلاء على أراضي الوقف

وفي ظل وصول عدد من المقابر في مدينة صنعاء إلى الحد الأقصى من طاقتها الاستيعابية، لم تقم وزارة الأوقاف والإرشاد في حكومة جماعة الحوثي، بتخصيص أراضٍ من أملاك الأوقاف كمقابر جديدة، ولم تفتتح مقابر إلا لمقاتليها في الجبهات الذين تخصص لهم مدافن خاصة لاعتقادها أنهم شهداء، ويجب تكريمهم عن بقية الوفيات.
وتمتلك محافظة صنعاء نصيب الأسد بين كل محافظات الدولة في عدد ومساحة ممتلكات وأراضي الأوقاف، لكن قيادات الجماعة باشرت منذ انقلابها على السلطة في سبتمبر 2014، بالاستيلاء على مساحات شاسعة من أراضي الوقف، وتحويلها إلى ممتلكات خاصة.
واتهم الدكتور أحمد عطية، وزير الأوقاف والإرشاد في الحكومة، في تصريحات إعلامية، جماعة الحوثي بالعبث بأراضي وعقارات الأوقاف، وأن هذا الاعتداء لم يتوقف على الاستيلاء عليها فقط، ووصل إلى بيعها بثمن بخس.
وأكد عطية أن الوزارة تمتلك إحصائية بجميع الأراضي والعقارات التابعة للأوقاف، سواءً المستأجرة أو التي مازالت تحت الاغتصاب والاستيلاء، وإحصائية كاملة حول الاعتداءات التي تمت بعد العام 2014، وتمت فيها عمليات بيع وشراء.
وحول حادثة الحريق في مبنى وزارة الأوقاف بصنعاء في أغسطس 2018، الذي التهم العديد من المستندات والأوراق الرسمية، اعتبرت الحكومة أنها حادثة مفتعلة، وتحمل نوايا سيئة لحرق الوثائق والأرشيف الوطني للأوقاف بعد إقدام قيادات الحوثيين على البسط على أراضي وممتلكات الأوقاف في مناطق مختلفة في اليمن، بهدف خلط الأوراق، والتغطية على جرائمها بحق ممتلكات الشعب.

إقرأ أيضاً  مصير العائدين من المعتقل

جريمة قانونية

ويجرم المشرع اليمني الاعتداء على أراضي وأعيان الأوقاف، بأي شكل من الأشكال، حيث ينص القانون رقم 23 لسنة 1992م بشأن الوقف الشرعي، في المادة (87 مكرر/2)، أنه مع مراعاة أحكام المسؤولية المدنية وعدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون آخر، فإنه يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على سبع سنوات كل من استولى بالقوة على عين موقوفة، أو من اعتدى بالهدم أو البناء في أرض موقوفة، أو اصطنع محرراً بقصد الاستيلاء على أرض أو ممتلكات الأوقاف، أو من تصرف تصرفاً ناقلاً لملكية عين من الأعيان الموقوفة، وكل من حرض أو أعان أو سهل للغير الاستيلاء على وثائق أو أعيان الأوقاف.

مقالات مشابهة