المشاهد نت

أطفال اليمن محرومون من الدراسة في الهند

صورة تعبيرية

الهند – ابتهال الصالحي:

تهرب من وضع اللاحياة واللاموت إلى أية بقعة أخرى في هذا العالم، وأنت تحمل الجنسية اليمنية، وبعد الانتهاء من رحلة السفر (الهروب) تجد نفسك مازلت تقف عند النقطة نفسها، فلم يتغير في حياتك شيء سوى المكان فقط، لتكتشف أنك حملت مع حقائب السفر الهموم ذاتها، وأن محاولة الهروب الفاشلة أعادتك إلى المربع السابق نفسه.
اليمنية بلقيس (اسم مستعار بناءً على طلبها) فرت مع عائلتها المكونة من زوجها و5 أطفال، أكبرهم في الـ14، وأصغرهم في الـ3 من العمر، تقول: “خرجنا من اليمن، تحديداً من محافظة الحديدة، قبل أكثر من 3 سنوات، متجهين إلى دولة الهند، لعلاج ابنتيّ اللتين تعانيان من سرطان الدم، أو ما يعرف بـ”لوكيميا”، وتحتاجان لزرع نخاع من متبرع، بعد أن كان زوجي وابني البالغ 11 عاماً، مطلوبين من قبل الحوثيين، للقتال في صفوفهم. شعرت حينها بالفزع أكثر من فزعي على مصير بنتيّ المريضتين بالسرطان. لم أخف من فقدان أحد أفراد أسرتي، مثل تلك الليلة التي أبلغونا فيها أن زوجي وابني مطلوبان للقتال في الجبهة. ابني لم يكن يستطيع حمل السلاح، فهو طفل وهزيل البنية، لكن جماعة الحوثي لا تفرق بين رجل وطفل”.
في ذلك الحين، لجأت الأسرة للوساطات والتوسل إلى قيادات حوثية في المحافظة، بأنهم يريدون السفر لعلاج الطفلتين، وأن أباهما وأخاهما هما المتبرعان لهما، كما تقول بلقيس.
وتتابع قائلة: “وبعد جهود مضنية وتقارير طبية تؤكد كلامنا، وأموال لمن يسعى لإقناعهم، سمحوا لنا بالسفر لمدة 6 أشهر كحد أقصى، وبعد تعهد زوجي وابني بأن يعودا للانضمام للجبهات في صفوف المقاتلين ضد من يسموهم العدوان”.

الخوف يحول دون عودة العائلة

ورغم استكمال العلاج خلال 3 سنوات قضتها الأسرة في الهند، إلا أنها اضطرت للبقاء هناك، حتى لا يعودوا إلى الوضع المأساوي في اليمن.
وتحاول الأسرة تدبر أمرها من خلال عمل بلقيس التي تطبخ الوجبات اليمنية، وتبيعها على يمنيين، وزوجها يعمل في مساعدة بعض المرضى اليمنيين في مشاويرهم اليومية، بحكم أنه أصبح يعرف مواقع المستشفيات والأسواق التي غالباً ما تكون وجهة اليمنيين القادمين إلى الهند، وفي الغالب لغرض العلاج.
وتقول بلقيس: “استطعنا تدبر قوت يومنا بأقل القليل، وراضون بما قسمه الله لنا. لكننا لن نعود لنلقى حتفنا في اليمن”.
“ندرك تماماً أن لدى الأطفال احتياجات أخرى أكثر من المأكل والمشرب أو الأمان. الأطفال يكبرون ويحتاجون للتعليم، ينتظرون للالتحاق بالمدارس، وهذا أمر شبه بالمستحيل هنا”.

حرمان من التعليم

يعاني أطفال بلقيس، ومئات الأطفال اليمنيين في الهند، من إشكاليات التعليم في مدارس الهند الحكومية والخاصة على حد سواء، فالمدارس الحكومية رسوم الدراسة فيها بسيطة، وإن قبلت تسجيل الأطفال اليمنيين فيها، لكن هناك مشكلة اللغات التي تدرس فيها المواد الدراسية، والتي تكون باللغة الهندية لكل المواد، عدا الإنجليزية التي يستخدم المدرسون فيها الشرح بالهندية أيضاً لإيصال المعلومة، وهذا الأمر ضرب من الخيال أن يتماشى معه الطالب اليمني الذي لا يفقه من لغة الهند شيئاً، باستثناء من ولد على أرض الهند أو قدم إليها وهو مايزال رضيعاً.
أما المدارس الخاصة فهي باهظة التكاليف، حيت تتراوح الرسوم فيها بين 1000 و5000 دولار للعام الدراسي الواحد.
وتقف اللغة الإنجليزية المتقدمة عائق أمام الطلاب الذين قدموا إلى الهند بعد إكمالهم بعض السنوات الدراسية في اليمن.

يكتفي الغالبية العظمى من اليمنيين بتعليم أولادهم دروساً خصوصية لدى مدرسين هنود في منازلهم، ليلقنوهم ما تيسر من أبجديات اللغة الإنجليزية أو الهندية، ولكنهم سرعان ما يتوقفون لشعورهم بعدم الجدوى أو لعدم تمكنهم أيضاً من تحمل تكاليف الدروس الخصوصية التي تقترب من 50 دولاراً شهرياً


وتقول بلقيس: “للسنة الثالثة وأطفالي الثلاثة الذين في سن المدارس، محرومون من التعليم، وقد نسوا ما تعلموه في مدارس اليمن قبل سفرنا”.
ويكتفي الغالبية العظمى من اليمنيين بتعليم أولادهم دروساً خصوصية لدى مدرسين هنود في منازلهم، ليلقنوهم ما أبجديات اللغة الإنجليزية أو الهندية، ولكنهم سرعان ما يتوقفون لشعورهم بعدم الجدوى أو لعدم تمكنهم أيضاً من تحمل تكاليف الدروس الخصوصية التي تقترب من 50 دولاراً شهرياً، والنتيجة جيل جديد من الأميين الصغار.
“هنا لا نستطيع تسجيل أطفالنا بمدارس الهند، وإن عدنا أيضاً سيتأخر أطفالي 3 أعوام دراسية عن زملائهم. الحرب سرقت مستقبل أطفالي، وحرمتهم من حقهم في التعليم”؛ هكذا تصف بلقيس حال أطفالها مع التعليم. وهو ما تعانيه عشرات العائلات اليمنية المقيمة في مدن هندية عدة.
ويقول أحد اليمنيين في الهند إن ابنته أنهت صف ثاني ثانوي قبل سفرهم بداية الحرب التي شنها التحالف العربي بقيادة السعودية، في مارس 2015، وهي حتى الآن متوقفة عن الدرسة، وعندما طلب من القنصلية في مومباي المساعدة في إجراء امتحان الثانوية العامة في القنصلية، بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم في عدن، بناء على ما أوضحت له إحدى موظفات الوزارة، لكنه صدم بهذا الرد من قبل موظف القنصلية اليمنية هناك: “هذا غير ممكن مطلقاً، ولا نستطيع عقد لجنة امتحان، لأن عدد الجالية قليل هنا، وليس كما هو في ماليزيا أو باقي الدول. وأنصحك بتسجلها في مدرسة هندية خاصة كما عمل الكثير من اليمنيين”.

مقالات مشابهة