المشاهد نت

من يقف وراء أزمة الوقود في صنعاء؟

صنعاء- فاطمة العنسي:

تداول ناشطون يمنيون، على مواقع التواصل الاجتماعي، “مقطع فيديو” يوثق بالصوت والصورة عملية تعبئة سيارة أحد النافذين التابعين لجماعة “أنصار الله” (الحوثيين)، في العاصمة صنعاء التي تقع تحت سيطرتهم، برغم وجود طوابير من مئات السيارات للمواطنين المتوقفة منذ اسابيع أمام محطات البنزين.

وعقب انتشار الفيديو الذي تم توثيقة وتداوله على نطاق واسع، اتهم المواطنون شركة النفط في صنعاء “مكتب أمانة العاصمة”، التي يديرها الحوثيون، باختلاق أزمة وقود “مفتعلة” للضغط على الأمم المتحدة من أجل الحصول على مآرب أخرى، منها رفع الحظر عن ميناء رأس عيسى، والضغط على السعودية لرفع الحظر على المطارات في اليمن.

الفيديو أجبر شركة النفط اليمنية على إصدار بيان حول الحادثة، أكدت فيه قيامها بإغلاق “محطة الزراعة” لبيع المشتقات النفطية، إثر الفيديو الذي تضمن بلاغاً من أحد المواطنين، يثبت فيه مخالفة المحطة للتعليمات التموينية، وبناء على توجيهات من المدير التنفيذي لشركة النفط اليمنية في صنعاء، عمار الأضرعي، والتي “استغل فيها عامل المحطة الرصيد الميت لتعبئة إحدى السيارات، بزعمه أنها تابعة للشركة، وهو ما لا يمت للحقيقة بصلة”، حسب بيان الشركة في حسابها على موقع التواصل “فيسبوك”.

تخزين البترول في الأحياء السكنية

اندلع حريق هائل امتد إلى 20 منزلاً، في حي السنينة غرب العاصمة اليمنية صنعاء، بسبب تخزين كميات كبيرة من المشتقات النفطية في منازل لتجار “السوق السوداء”، في ظل الأزمة.

من يقف وراء أزمة الوقود في صنعاء؟

وتداول ناشطون مقاطع فيديو تظهر الحريق وهو يحاصر مئات المواطنين في الحي بأسطح منازلهم، ولم تستطع عربات الإطفاء المدني التي وصلت إلى موقع الحادث، السيطرة على الحريق الذي ألحق أضراراً بالغة مادية وبشرية.

ويقول المواطن محمد المطري، أحد سكان شارع معاذ بن جبل في الحي، إن “حريقاً هائلاً اندلع داخل مخزن أرضي ممتلئ بكميات كبيرة من المشتقات النفطية، وسط الحي السكني، يملكه تاجر شهير ومورد السوق السوداء في المنطقة”.

ويستطرد: “طالبنا الجهات المسؤولة مراراً بمنع التجار من تخزين الوقود في الأماكن الشعبية المكتظة بالسكان، لما له من تداعيات خطيرة إذا ما انفجر، كما شاهدتم خلال الفيديوهات كيف أثار الحريق الخوف والرعب جميع من في الحي، ناهيك عن الأضرار المادية والبشرية التي لحقت به”.

وبناء على تصريحات مسبقة أكدت مصادر محلية لـ”المشاهد” أن الحريق ناتج عن احتراق دينتين كانتا تحملان كميات كبيرة من البترول في مكان مرتفع في حي السنينة، تعوداد لتاجر يُدعى محمد الحاكم.

جماعة الحوثي تحمل التحالف سبب الأزمة

اتهمت جماعة “أنصار الله” (الحوثيين)، التحالف العربي بقيادة السعودية، بمواصلة احتجاز سفن المشتقات النفطية، ومنعها من الدخول إلى ميناء الحديدة غرب اليمن، والتسبب بأزمة مشتقات نفطية خانقة.

وقال وزير النفط في حكومة الإنقاذ التابعة للحوثيين، أحمد دارس، خلال مؤتمر صحفي، إن “غرامات تأخير سفن المشتقات النفطية جراء احتجازها من قبل التحالف العربي، تجاوزت 66 مليون دولار”.

وأشارت الشركة إلى أن التحالف يحتجز 16 ناقلة مشتقات نفطية، و3 سفن محملة بالغاز في جيبوتي، ويمنعها من الوصول إلى ميناء الحديدة.

المدير التنفيذي لشركة النفط اليمنية، عمار الأضرعي، أكد من جانبه أن التحالف يواصل احتجاز السفن لفترات مختلفة تصل إلى ما يزيد عن 78 يوماً، رغم استكمالها إجراءات آلية التحقق والتفتيش في جيبوتي، وحصولها على التصاريح الأممية للدخول إلى ميناء الحديدة.

وأشار الأضرعي إلى أن التحالف لم يسمح بدخول أية شحنة نفطية إلى ميناء الحديدة منذ وصول السفينة “ديستيا بوتشي” إلى غاطس الميناء في 23 مايو الفائت.

منع دخول شاحنات النفط

اتهمت اللجنة الاقتصادية التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، جماعة الحوثي، باحتجاز أكثر من 150 شاحنة وقود، ومنعها من الدخول إلى مناطق سيطرتها.

وقالت اللجنة، في منشور على صفحتها في “فيسبوك”، إن الحوثيين يصرون على منع ما يزيد عن 150 مقطورة وقود من الدخول إلى مناطق الخضوع، ويهددون التجار ويرهبون العاملين على القاطرات، في إصرار واضح للمتاجرة السياسية بمعاناة المواطنين، وتعزيز السوق السوداء التي يديرونها.

إقرأ أيضاً  في بعض مناطق لحج السكان يعتمدون على الإبل في نقل البضائع

وأضافت أن هذا المنع يأتي بعد أن بذلت الحكومة كل جهودها، وقدمت تسهيلاتها لنقل المشتقات النفطية من المناطق المحررة إلى مناطق الخضوع للتخفيف من معاناة المواطنين والحد من نشاط السوق السوداء.

وأوضحت أن الوقود الذي تم نقله بواسطة المقطورات من المناطق المحررة إلى مناطق الحوثيين، تم استيراده بشكل قانوني إلى الموانئ في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً.

وبخصوص ما أقره الحوثيون باحتجاز شاحنات الوقود في المنافذ، لأنها غير مطابقة للمواصفات، أكدت اللجنة أن “الوقود مطابق للمواصفات، وخضع لجميع ضوابط الفحص والقرارات الحكومية وقوانينها، ولديه شهادات فحص من شركات دولية بسلامة المواصفات الفنية، وبما يؤكد قانونية مصدرها”.

انتعاش السوق السوداء

سكان محليون قالوا لـ”المشاهد” إن العاصمة تشهد أزمة وقود خانقة، واصطفت عشرات السيارات أمام محطات الوقود، غير أن المعروض أقل بكثير من الطلب. وأشار السكان إلى أن “هذه الأزمة خلقت سوقاً سوداء لبيع البنزين والديزل”.

بهذا الصدد، قال جمال حسين، وهو سائق باص، لـ”المشاهد” إن “أزمة البترول الراهنة زادت على حملنا حملاً جديداً، أولاً بسبب أزمة كورونا وتعطل الناس عن الذهاب إلى أعمالهم. كنا نخرج لا نجد راكباً، الآن لا نجد راكباً ولا نجد بترولاً، إلا في  السوق السوداء، وأغلب السواقين يشكون أن البترول مغشوش يخرب الماكينات”.

وختم حسين حديثه وهو رافع رأسه إلى السماء: “رفعنا شكوانا إلى الله، بهذلوا بنا الله يبهذل بهم”.

مصادر خاصة أكدت لـ”المشاهد” أن سعر اللتر البنزين وصل في السوق السوداء إلى ألف ريال يمني (حوالي دولارين أمريكيين).

وكشفت قناة “الساحات” الموالية لجماعة الحوثيين، في أحد برامجها، عن “اختلاق الحوثيين لأزمة المشتقات النفطية” من خلال منع مندوبي شركة النفط في صنعاء مرور 260 قاطرة من منافذ الجوف، و100 قاطرة في عفار بالبيضاء، و50 في منفذ تعز، و50 في ميناء الحديدة.

وعلق أمين الشباطي، المتحدث باسم وزارة النفط، أن سبب الأزمة يعود إلى ما سماه “العدوان”، إذ احتجز أكثر من 150 شاحنة وقود في ميناء الحديدة، ومنعها من الدخول.

واستطرد قائلاً: “إن قواطر البنزين الواقعة في المحافظات التي تخضع لسيطرة الحوثيين، هي قواطر تحمل مشتقات نفطية مغشوشة، وغير مطابقة للمواصفات المعتمدة، لذلك مُنعت من الدخول”.

من المسؤول عن استمرار الأزمة؟

وحمل ملاك المحطات النفطية جماعة الحوثي مسؤولية الأزمة الراهنة.

وقال أحد ملاك محطات بيع المشتقات النفطية في أمانة العاصمة (طلب عدم ذكر اسمه، خوفاً من تعرضه لأي أذى): “طلبوا منا تسديد الجمارك وتسديد الضرائب. فسددنا ولم يسمحوا للقواطر بالدخول، هذا الأسبوع الثاني، مصالح الناس تعطلت، وكل يوم نخسر أكثر من اليوم اللي قبله، العمال حقنا محتجزين في منفذ الجوف داخل القواطر بدون سبب، ولا ندري متى الفرج”.

وأضاف: “يجب على السلطات المحلية حل هذه الأزمة في أقرب وقت، والعمل على منع تكرارها الذي يكسر ظهورنا في السنه ثلاث إلى أربع مرات”.

وتؤيده جميلة العثماني، المدربة والناشطة الاجتماعية، بالقول: “فعلاً معاناة وسرب طويل انتظاراً، لا تنتهي، مشاكل ومضاربة وجوع وشمس وتعب، وقد لا تصل للطرمبة”.

 وتابعت قائلة: “في السوق السوداء أسعار خيالية، وبدون جودة، قد تعطل السيارة بسبب سوء البنزين المغشوش”.

استمرار احتجاز قاطرات النفط  يهدد بتوقف عدد من الخدمات الأساسية، فالوقود ليس ضرورياً للسيارات فقط، بل لمضخات المياه ومولدات الكهرباء في المستشفيات، ولنقل السلع في مختلف أنحاء البلاد، والمحلات التجارية، حيث يقف الملايين من اليمنيين على شفا المجاعة.

يذكر أنه قبل ما يقارب الـ6 سنوات، نفذت جماعة الحوثي احتجاجات صارخة بسبب زيادة في أسعار المشتقات النفطية بمبلغ 500 ريال يمني، تحت اسم “الجرعة السعرية”، واحتلت الجماعة العاصمة صنعاء، وحلت حكومة الوفاق القائمة آنذاك، وأسقطت كل مؤسسات الدولة، وأوصلت البلاد إلى حرب شاملة، في ظل انعدام شبه تام للمواد الأساسية والموارد الضرورية لمقومات الحياة.

مقالات مشابهة