المشاهد نت

مواجع النزوح تفقد الأطفال فرحتهم بالعيد

صنعاء – وفاء ناجي سليم

عيد آخر يحمل معه ذكريات وآلام الأطفال اليمنيين الذين نزحوا مع ذويهم منذ اندلاع الحرب في مارس 2015.
رحيل، ابتسام، وأسماء، كآلاف الأطفال النازحين الذين حرمتهم الحرب من فرحة العيد على مدى سنوات مضت، وهم يتنقلون من مكان إلى آخر، بحثاً عن طفولة آمنة وملجأ يحميهم من خطر الحرب، تاركين خلفهم ذكرياتهم وآحلامهم الصغيرة.
الطفلة رحيل تعيش مع والديها في صنعاء، بعد أن نزحوا مع الكثيرين من أبناء قريتهم في محافظة حجة (شمالي غرب اليمن)، بسبب المواجهات المسلحة هناك، كما تقول والدتها لـ”المشاهد”، مضيفة: “الحرب أفسدت علينا فرحة العيد منذ نزوحنا مضطرين عن ديارنا وأقاربنا”.
وصادرت الحرب بهجة الأسرة بالعيد منذ نزوحهم، بحسب والدة رحيل التي لا تعرف أسرتها أحداً في صنعاء، ولا يتزاورون مع أحد، كما تقول.

مواجع النزوح تفقد الأطفال فرحتهم بالعيد
الطفلة أسماء من تعز

“كنت أريد لوناً آخر”

ويقدر عدد النازحين في اليمن بسبب الحرب في السنوات الخمس الأخيرة، بحوالي 4 ملايين نازح، حتى مطلع عام 2019، مليون ونصف منهم نزحوا من مناطقهم الأصلية إلى جميع أنحاء اليمن، ومنهم الطفلة رحيل التي كانت ترتسم على وجهها البريء ابتسامة جميلة وهي تصغي لحديث والدتها، وترفع عينيها للسماء علها تعانق إحدى صديقاتها التي فارقتها بسبب الحرب والنزوح.
وبعدما انتهت والدتها من الحديث، علقت رحيل بالقول: “أنا سعيدة بهذا العيد، لأنني بعيدة عن أصوات الدبابات والقذائف”.
لكنها بدت غير راضية عن لون الفستان الذي ترتديه: “كنت أريد لوناً آخر. أخبرت والدتي أن تشتري لي فستاناً آخر، لكنها لا تملك نقوداً، فرضيت بهذا”.
وحصلت رحيل على الفستان من فاعل خير، زارهم في منزلهم، كما تقول، مضيفة: “والدي مريض بالقلب، ولا يعمل”. أكملت حديثها، ثم واصلت اللعب كعصفورة مفعمة بالحرية، والرضا يملأ عينيها، فأغنياء الروح هم أسياد الحياة.

مواجع النزوح تفقد الأطفال فرحتهم بالعيد
الطفلة رحيل وصديقاتها

مواجع النزوح

لم تكتفِ الحرب من النيل من طفولة ابتسام التي مازالت الابتسامة تلازم وجهها الصغير برغم الألم الذي تعيشه. فالصغيرة بنت الـ12 ربيعاً، مصابة بمتلازمة (Asthma) ما تعرف بمرض الربو الرئوي، وهي حالة مرضية مزمنة ينتج عنها حدوث التهاب في الممرات الهوائية يؤدي إلى تضيّقها، فيعاني المصاب من نوبات متكررة من ضيق التنفس، خصوصاً عند مهيجات الجهاز التنفسي.
ونتيجة لإصابتها بالربو، واجهت ابتسام صعوبات عديدة بسبب النزوح والتنقل، فهي لا تقوى على احتمال الغبار ورائحة مخلفات القذائف.
وتعجز أسرة ابتسام عن توفير دواء لها، مما أدى إلى تدهور حالتها الصحية، كما تقول والدتها.
وتضيف أن منظمات الإغاثة تكتفي بتصويرهم وإعطائهم سلات غذائية كل 3 أشهر،
دون مراعاة احتياجاتهم من صحة وتعليم وملبس.
وحُرمت ابتسام من عالم الطفولة المليء بالأمان والابتسامة واللعب واللهو كمثيلاتها في السن، إلا أن فرحتها بالعيد لا توصف، فهذا العيد سيكون عوضاً عن عيد الفطر الذي شهد وفيات كثراً بفيروس كورونا.
حينها حُرمت وغيرها من الأطفال من الخروج إلى الحدائق العامة، بسبب إغلاقها خوفاً من تفشي الفيروس بشكل أكبر بين الناس.
وتقول ابتسام: “أنا فرحانة بهذا العيد كثيراً، لأني سأخرج الحديقة. في العيد الأول منعوني أخرج علشان كورونا، لأن فيني الربو، فظليت في البيت وما رحت مكان”.

إقرأ أيضاً  مسلسل «ممر آمن»… الأمن مسؤولية مشتركة
مواجع النزوح تفقد الأطفال فرحتهم بالعيد
الطفلة ابتسام

“أحلم بالعودة إلى منزلي”

وكان لمدينة تعز أيضاً النصيب الأكبر من قصص الوجع والتشرد، فالآلاف نزحوا من تعز وطالتهم موجة النزوح كما طالت أغلب المحافظات اليمنية جراء القصف العنيف الذي تعرضت له المدينة.
وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بأن العنف في اليمن إزاء الحرب المستمرة لعدة أعوام، أدى إلى ارتفاع نسبة النزوح في مختلف المناطق، نتيجة للتصعيد العسكري الذي دفع الآلاف للفرار من ديارهم بحثاً عن الأمان لعائلاتهم، وتوفير خدمات أساسية لأطفالهم.
5 أعوام مرت على نزوح أسماء مع والدتها وشقيقاتها إلى صنعاء، ومازالت الصغيرة تحتفظ بألبوم صورها، وتروي لنا طقوس العيد في تعز، وكيف كانت تشعر بالسعادة وهي تعايد صديقاتها في الحي الذي أصبح مدمراً بشكل كبير بعد الحرب.
وبأسى تخبرنا عن حلمها بالعودة إلى منزلها الصغير في تعز، قائلة: “أتمنى أن أرجع بيتي في تعز، ونرجع كما كنا. صحيح اليمن بلادنا كلنا، وأنا مبسوطة بالعيد، وأخرج مع أمي وأخواتي للحديقة نلعب ونفرح، بس (لكن) أشتي (أريد) أرجع تعز وأعيد هناك”.
وتتابع: “كنا ننتظر ليلة العيد بشغف، ليخرج الصغار إلى الشارع، ويقوموا باللعب والغناء وإطلاق الألعاب النارية ابتهاجاً بقدوم العيد”.
يعود العيد ببهجته وفرحته وآلاف الأطفال في اليمن يعانون من وجع التشرد والنزوح في ظل غياب ملحوظ للمنظمات الحقوقية التي عجزت عن تأمين وتحقيق الاستقرار والأمان لآلاف الأطفال من النازحين.

مقالات مشابهة