المشاهد نت

حين يكون العيد بنصف ابتسامة

صورة تعبيرية

تعز – محمد علي محروس:

دون إخوانه الثلاثة، يقضي “مجيب”، ذو الـ18 شهراً، بمعية والديه، شهره السادس، في مركز الأمل لعلاج الأورام بمدينة تعز (جنوبي غرب اليمن)، لتلقي العلاج بعد إصابته بسرطان الدم.

بينما يواجه إخوان مجيب آلام النزوح في مديرية الخوخة، جنوب الحديدة، دون والديهم، اللذين يكابدان كل شيء من أجل أن يستعيد مجيب عافيته.

معاناته مع المرض، تُضاف إلى واقع النزوح المر الذي فرضته الحرب الدائرة في البلاد منذ 6 سنوات، بحسب والده.

ونزح مجيب من مديريته حيس في محافظة الحديدة (غرب اليمن)، مع أسرته، إلى مديرية الخوخة القريبة منهم؛ إثر الاشتباكات العسكرية التي شهدتها منطقتهم بين القوات الحكومية وجماعة الحوثي، مطلع 2018.

بعد معاناة شديدة، انتهى المطاف بمجيب في سرير المرض، بعد تشخيص إصابته بالسرطان، إذ يُلزمه البروتوكول الدوائي بضرورة استخدام جرعه الكيماوية لمدة عام بشكل شهري، وهذا بالنسبة لوالديه ضرب من المستحيل، فلا قدرة لهما على العودة إلى الخوخة عبر طرق فرعية وعرة، قد تستمر 24 ساعة في سفر طويل وشاق، غير محسوب العواقب، إضافة لحالته المرضية المتفاوتة، ليقضيا 6 أشهر كاملة في المركز؛ علّ ابنهما يحظى بفرصة جديدة في الحياة، ويستطيع العبور من بين فكي السرطان بسلام، وهذا هو عيدهما الذي لم يأتِ أوانه، وينتظرانه على أحر من الجمر، مهما دارت عقارب الساعة، وانقضت الأيام والأشهر.

يقول والده: “نحن هنا، ليحصل ابننا على ابتسامته الوديعة التي صادرها السرطان منذ أشهر، هذا حقه، ونحن نبذل ما بوسعنا من أجل أن يحصل عليه”.

عيد على أسرّة المرض

ولمنيف حكايته الأخرى، فالطفل ملّ سريره، وتساوى ليله مع نهاره، وبات لزاماً أن يخرج عن نطاقه الذي هو فيه، كما يقول طبيبه، هشام عبدالعزيز، أخصائي علاج الأورام بمركز الأمل لعلاج الأورام بتعز، وهو ما جعله يتيح له السفر إلى القرية لمدة 3 أيام، على أن يعود ثالث أيام العيد من أجل مواصلة رحلته العلاجية، والخضوع لجلسة جديدة من جلسات الدواء الكيماوي الذي يتناوله من حين لآخر؛ كي يتجاوز محنة الإصابة الملازمة له منذ عامين.

ويأمل عبدالعزيز أن يجدد منيف نشاطه، ويعود أقوى ليتمكن من مقاومة المرض، وتناول جرعه في الوقت المحدد، لما لذلك من أهمية في المسار الدوائي لمريض السرطان ضمن الخطط العلاجية المتعارف عليها دولياً.

ويستمر مركز الأمل في استقبال الحالات خلال أيام العيد، لإعطائها جرعها الكيماوية وفق ما هو محدد مسبقاً في البروتوكولات الدوائية لكل مصاب.

إقرأ أيضاً  تعز : الابتهاج بالعيد رغم الحرب والحصار

“اليوم الذي سنتعافى فيه هو عيدنا”

هكذا تتبدّى صور المعاناة والألم لدى اليمنيين، وهم يكابدون واقعهم العسير علّهم يحظون بابتسامة كاملة، في بلد يعيش تحت وطأة صراع سياسي وعسكري مرير، وأوبئة تتداول فتراتها الزمنية عليه طوال السنة، غير آبهة بما ترتّب عليها من معاناة.

حتماً سيذهب علي هزاع إلى مركز غسيل الكلى، وفق موعده الأسبوعي الذي سيصادف العيد. لهذا تأثيره الكبير عليه، وعلى زوجته صباح عبدالله، التي الأخرى تعُد ما تبقّى لها على موعد جرعتها الكيماوية، التي تتناولها لمواجهة إصابتها بسرطان الثدي، فكل منهما يرافق الآخر خلال موعده، ويشدّان أزر بعضهما لمواجهة داءيهما اللدودين.

لا سلاح يملكه علي إضافة لعكّازه، سوى العزيمة، وقد بلغ من العمر عتياً، لكن الابتسامة التي عنون بها رحلته العلاجية كمريض ومرافق، تتلاشى مع مرور الزمن، وكذلك صباح؛ إذ لا جدوى لنظرات التفاؤل التي كانت تتميز بها، وقد بلغ المرض منها مبلغاً لا يُحتمل.

“تعبنا، ونحن من البيت للمستشفى، كل أسبوع نعيش نفس التجربة، ونمر بذات التفاصيل، والعيد هو عيد العافية، واليوم الذي سنتعافى فيه هو عيدنا”، يقول علي، ولا تتردد صباح في أن توافقه بكل كلمة قالها.

ضرورة الدعم النفسي

تشدد ثريا عز الدين، أخصائية نفسية، على مد مريض السرطان والأمراض المزمنة، بالطاقة الإيجابية، والعزيمة اللازمة.

وتؤكد عز الدين أن ذلك يصنع الفرق خلال فترة تلقي العلاج، فالجانب النفسي يعزز رغبة المريض في تلقي علاجه من أجل مواجهة مرضه ومحاولة التغلب عليه.

وتشير إلى الوضع الاستثنائي الراهن، كون الحرب وتقلباتها النفسية فاقمت من معاناة المرضى، وباتوا يواجهون الحرب والمرض وما ينجم عنهما من آثار نفسية على حد سواء، وهو ما يستوجب تكاتفاً مجتمعياً لمساندة هذه الشرائح التي هي في أمس الحاجة للدعم والمساندة، كما تقول.

يوم عابر

وإضافة للأمراض المزمنة، والأوبئة الموسمية السنوية، وفيروس كورونا، وقتلى الحرب وجرحاها، وأزماتها الإنسانية المتعددة، فإن كثيرين بات العيد بالنسبة لهم مجرد يوم عابر، إذ تقطّعت بهم السبل، وحالت بينهم وبين مرادهم حواجز صنعتها الحرب، وجعلت من الوصول إلى مقصدهم محاولة محفوفة بمخاطر عدة على رأسها الموت أو الإعاقة الدائمة عند أول خطأ قد يرتكبه سائق المركبة، وآخرون لأسباب سياسية وعقائدية لا يستطيعون العودة إلى مسقط رأسهم، بفعل ما فرضته الحرب الدائرة منذ 6 سنوات.

مقالات مشابهة