المشاهد نت

صنعاء القديمة … تاريخ يندثر بصمت

انهيار مبني تاريخي في صنعاء القديمة - المشاهد

صنعاء – حسان محمد:

تمر مدينة صنعاء القديمة الأثرية وأبرز المعالم التاريخية في اليمن، بمرحلة خطيرة، وانهيارات شبه يومية للسور والمنازل التي كان آخرها منزل الشاعر والأديب عبدالله البردوني، نتيجة لهطول الأمطار المتواصلة.
وفي الثالث من شهر أغسطس الجاري، بدأت الأصوات تتعالى لإنقاذ مدينة صنعاء القديمة، عقب انهيار أجزاء من سورها الجنوبي، ومنزل المواطن فؤاد رزق المجاور للسور، والذي تمكنت أسرته المكونة من 5 أفراد، من النجاة.
ومع استمرار هطول الأمطار الموسمية، وصل عدد المنازل التي تعرضت لانهيارات كلية وجزئية، إلى 19 منزلاً تاريخياً، كما انهارت معظم أسقف منازل صنعاء القديمة.
وتشير التوقعات إلى ارتفاع العدد إلى 200 من المباني والمنازل الأثرية، حتى نهاية موسم الأمطار، كما يؤكد مصدر بالهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية.
ويقول المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، لـ”المشاهد” إن قصف طيران التحالف العربي الذي تقوده السعودية، في 3 مناطق بصنعاء القديمة، أدى إلى خلخلة أساسات أكثر من 22 مبنى تاريخياً، كونها مبنية من الطين، وليست مباني حديثة، ناهيك عن العوامل التاريخية خلال السنوات الـ10 الماضية.
الأضرار التي لحقت بمباني المدينة نتيجة لتلك العوامل، عملت على تآكل أساسات وجدران المباني، بسبب الرطوبة والملوحة، ووجود تسريب في مواسير مياه الصرف الصحي أو شبكة المياه، وعدم وجود تصريف لمياه الأمطار حول المبانى بشكل سليم، وبالتالي تدفق المياه حول أساسات المباني.
وعملت الطبقة الإسمنتية الموجودة بأساسات المباني التي تم ترميمها بشكل خاطئ، على عدم تنفس الأحجار، وتتسبب بالتالي في عملية نخر الأساسات، بحسب المصدر.
ويضيف: “من أسباب الانهيارات، البناء الهش الذي يتسبب بوجود فراغات متباينة ومختلفة بين مسافات أحجار الأساس، مما يجعلها سهلة التصدع والاهتراء، سواء من هطول المطر أو الحيوانات القارضة. كما يأتي إهمال النظافة وتكديس المواطنين النفايات والمخلفات حول المباني، ضمن الأسباب التي تؤثر على أساسات المبنى، نتيجة لعدم وجود تصريف لمياه الأمطار”.

صيانة غائبة


    
أجرت الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية، في 2017، حصراً لمعظم أجزاء مدينة صنعاء القديمة، ووثقت نتائج الحصر 2542 منزلاً متضرراً من إجمالي عدد مباني المدينة التي تقدر بـ11 ألف منزل، منها 1467 منزلاً يحتاج إلى تدخل سريع، بسبب الأضرار المتفاوتة ما بين متوسطة وجسيمة.

مشاهد من داخل صنعاء القديمة اعدت المادة التصويرية نورا الظفيري


وقامت اليونسكو بتبني عمليات ترميم لـ4 مدن، ضمن تمويل من الاتحاد الأوروبي، ومنها صنعاء وشبام، ولم يتم سوى ترميم 28 مبنى في حي القاسمي، و11 مبنى في المناطق المحيطة بالقصر.
وتحتاج أعمال الصيانة والترميم إلى بنائين فنيين متخصصين، حيث تتنوع عمليات الصيانة بين التدعيمات لجدران المباني المتضررة بالأخشاب والمواسير الحديدية، والفلس الذي يقصد به تغيير الأحجار المتضررة سواء في جدران الواجهات أو الأساسات، وتتم بعد التدعيم، والصبصبة، أو ما يعرف بالحقن بمادة الجص في تشققات الجدران، وأعمال التزريق للأخشاب من خلال تبديل الأخشاب المتضررة بأخرى جديدة، لترميم الأسقف للمباني التقليدية والتاريخية.

إقرأ أيضاً  فتيات في العمل برواتب ضئيلة وساعات طويلة

تاريخ عريق

تتكون مدينة صنعاء القديمة مما يقارب 69 حارة، تضم 46 مسجداً عامراً داخل محيط سور صنعاء القديمة، أبرزها الجامع الكبير، وقبة البكيرية، وقبة المهدي، ومسجدا الزمر وصلاح الدين.

تمتاز مدينة صنعاء القديمة التي أُدرجت ضمن قائمة التراث العالمي، عام 1986، بطراز معماري قديم يمتلك زخارف غنية توجد بأشكال ونسب مختلفة، مثل الأسوار والمساجد والسماسر والحمامات والأسواق والمعاصر والمدارس.
وتتكون المدينة مما يقارب 69 حارة، تضم 46 مسجداً عامراً داخل محيط سور صنعاء القديمة، أبرزها الجامع الكبير، وقبة البكيرية، وقبة المهدي، ومسجدا الزمر وصلاح الدين.
ويعتبر سوقها أحد أسواق العرب القديمة، وكان يقام في النصف من رمضان، ونظراً لازدهار التجارة والتبادل التجاري النشط المتنوع، توسعت لتصل إلى 45 سوقاً، كونها مركزاً لما حولها من القرى والمدن اليمنية، وتنوعت بحسب السلع والبضائع والصناعات الموجودة.
وتتخلل المدينة القديمة بساتين ومقاشم توفر متنفسات للأحياء، ومصدراً لبعض الخضروات والفواكه، ويطل بعض المساكن عليها، وتعتبر من أجمل فنون عمارة الحارات، وتبلغ عددها 40 بستاناً موزعة على الأحياء.
وتعد السمسرة من المنشآت المعمارية التي تؤدي وظيفة اجتماعية واقتصادية، وارتبط ظهورها بنشوء وتطور الإنتاج الحرفي، وتوجد بالمدينة 16 سمسرة، حيث كانت تلك السماسر بمثابة الفنادق حالياً، فكانت تقدم خدمات الإيواء للمسافرين، وحفظ المتاع والبضائع والراحة والتزويد بالمؤن لمواصلة السفر والترحال.
ومن الأشياء الأثرية بالمدينة، المعصرة التي هي عبارة عن آلة يقوم بجرها جمل بحركة دورانية، لعصر أنواع مخصصة من الحبوب، كالخردل والسمسم، ويستخرج منها زيوت الترتر والجلجل وغيرها، ولها عدة استخدامات مفيدة ونافعة كعلاج بعض الأمراض، وماتزال قرابة 5 معاصر قائمة حتى الوقت الحاضر.

استغاثة باليونسكو

واكتفت سلطات الأمر الواقع التي اكتفت بتوجيه نداء استغاثة عبر الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية، لمنظمة اليونسكو والمنظمات الدولية، وهو ما فعلته الحكومة من خلال مندوبها الدائم لدى منظمة اليونسكو، السفير محمد جميح، الذي بعث رسالة إلى المديرة العامة للمنظمة السيدة أودوراي أوزولاي، أوضح فيها أن الأمطار الغزيرة والفيضانات التي شهدها اليمن، أدت إلى دمار عدد من المواقع الأثرية في البلاد، وعلى وجه الخصوص المواقع الثلاثة المسجلة على لائحة اليونسكو للتراث العالمي، في صنعاء القديمة وزبيد وشبام حضرموت.
ودعا جميح المجتمع الدولي واليونسكو إلى سرعة تقديم الدعم اللازم للتغلب على الآثار الناجمة عن الفيضانات والأمطار، واللجوء إلى “صندوق طوارئ التراث العالمي”، لتسريع عمليات مواجهة الآثار المترتبة على الأمطار الغزيرة.

مقالات مشابهة