المشاهد نت

النداء الذي أنقذ أسرة …. “أخرجي مع عيالك الآن السيل في الطريق”

منزل الاسرة التي تدمرته السيول - المشاهد

عمران – سيف راجح:

تسببت السيول الناتجة عن الأمطار الغزيرة، في انهيار العديد من السدود في المحافظات الجبلية، أهمها سد الرونة في مديرية حبابة بمحافظة عمران (شمالي اليمن)، والذي تسبب بفيضان عدداً من منازل المواطنين في قرية الرونة، في الرابع من أغسطس الجاري.

وبلغ عدد المنازل التي تضررت جزئياً وكلياً، من انهيار السد، بحسب مصادر محلية، قرابة 30 منزلأ، منها منزل “ف.ص” (٥٦ عاماً) التي لم تكن تتوقع أن تبقى هي وأطفالها الأربعة بالعراء.

تقف “ف.ص” على حطام منزلها، قائلة لـ’المشاهد”: “سمعنا صرخات جارنا يصيح اخرجي مع عيالك الآن السيل في الطريق. توقعنا أنه يمزح حتى رأينا المياه تحيط بالمنزل، أيقظت الأطفال، وحاولت جمع بعض الملابس والأدوات لنخرج بها، لكن السيول لم تترك لنا فرصة، كانت تصطدم بالمنزل بقوة وأحجار المنزل تهتز. هربنا حتى أقرب تلة بعيداً عن السيول، قبل أن نسمع صوت انهيار منزلنا. كان الأطفال يبكون حولي مفزوعين. تذكرت أن الأغنام في المحوى حين سمعت صوتها تثغو في مرابطها. صحت بالناس أن ينقذوها، لكنهم لم يستطيعوا، جرفتها السيول نحو الوادي في تلك الليلة المظلمة التي لم ير فيها إلا أضواء المصابيح الكهربائية اليدوية”.

النداء الذي أنقذ أسرة .... "أخرجي مع عيالك الآن السيل في الطريق"
آثار المنزل الريفي الذي دمرته السيول في مديرية حبابة بصنعاء

وتابعت روايتها: “كنت أنوي أن أعود اليوم التالي إلى منزلي، وكان أطفالي يعتقدون أنهم سيعودون إلى المنزل بعد أن تنتهي طفرة السيل، وينقطع المطر، لكن شروق الشمس كشف لنا عن وادٍ كبير وسيول هادرة وبقايا أحجار وخشب كانت حتى أمس هي منزلي، كان محمد ابني الرضيع يبكي في حضني بملابسه المبللة، وإخوته يطوفون حول الماء، يجمعون ما استطاعوا جمعه من الأثاث الذي طفا على جنبات الوادي، ويفرحون كأنهم يلتقطون كنزاً قديماً”.

بقيت “ف.ص” مع حكايتها في منزل أحد أقاربها في القرية المجاورة، تنتظر اتصال زوجها المغترب.

وتوزع بقية المتضررين على منازل الجيران، ونزح بعضهم إلى المدينة منتظرين أن تمتد إليهم أيادي العون من منظمات المجتمع المدني، أو تواسيهم السلطات المحلية المنشغلة بالصراعات التي تخوضها في عموم المحافظات اليمنية.

“وجدت التلفزيون أسفل الوادي”

من فوق ركام منزل مجاهد (١٣ عاماً)، الابن الثاني لـ”ف.ص”، سألني هل سمعت يوماً صوت منزل ينهار؟

– أجل مرات لا تحصى.

– لكن لم يكن أحدها منزلك، أليس كذلك ؟

احترت بالجواب أمام فلسفة كبيرة خلقتها المأساة في عقله الصغير. لكني أجبته بالنفي.

-أدعو الله أن يجنبك سماع هذا الصوت. إنه أكثر الأصوات رعباً سوف لن تنساه أبداً.

مشياً على الأقدام، وصلنا إلى التلة التي احتمى فيها مع أسرته وجيرانه، حين كان السيل يدمر منازلهم.

إقرأ أيضاً  غياب الوعي بالتغذية العلاجية في اليمن 

“هنا كانت أمي تبكي وأخي الصغير يرتجف برداً في أحضانها، وهناك كانت حوية الأغنام، وهذه الأحجار كانت منزلنا”.

مجاهد، كان يتولى رعي الأغنام في الجبال المجاورة كل يوم، أصبح يطوف في القرية المجاورة بلا هدف، تطفح من عينيه نبرة أسى، كموظف فقد عمله المهم، وأصبح بلا عمل، كما يقول، مضيفاً: “كنت أستاء من هذه المهمة، لم أكن أرغب أن أذهب يومياً إلى المرعى، كنت أكره الأغنام وأشعر أنها سبب لمعاناتي، لكنني الآن أتمنى لو أنني مازلت أرعاها، لقد افتقدتها، لا أصدق أن السيول جرفتها مع منزلنا، لم يعد لنا الآن شيء نملكه، أصبحنا نازحين في منازل الأقارب، نعيش على خوف من ألا نستطيع بناء منزل أبداً، وأن أعيش حياة بلا أغنام أعود بها إلى المنزل كل مساء، ثم أجلس مع العائلة لنشاهد التلفاز”.

ويستطرد: “نسيت أن أخبرك، لقد وجدت تلفزيوننا في أسفل الوادي مغروساً في الطين، وجواره كانت جثة إحدى مواشينا، كنا نعده لوليمة زفاف أختي “صباح” حين يعود أبي من السعودية”.

“لقد كرهت المطر. كنت دائماً أنتظر موسم الأمطار لألعب بالماء في البرك المجاورة، لكنه اليوم أصبح عدواً لي، لقد سلب منزلي، دفن أغنامي، حرمنا من فرحة زواج أختي القريب، وبهجة اقتسام هدايا والدي حين يعود من الغربة”، يقول مجاهد.

ويتابع بابتسامة ساخرة مريرة: “لقد حرمني السيل وظيفتي الوحيدة!”. ولم يتوقف عن الحديث عن صوت منزله وهو ينهار بفعل تدفق السيول، وتلك اللحظات المرعبة في الليلة السوداء.

مخاوف من القادم

ما تعانيه أسرة “ف.ص”، تعاني منه العديد من الأسر اليمنية في مناطق تدفق السيول وفيضانات الحواجز المائية، بخاصة أن الأمطار لم تنقطع على مدى 4 أسابيع، ويتوقع ان تستمر بالهطول خلال الأشهر القادمة، وهو ما ينذر بحدوث كارثة إنسانية بدأت معالمها تتجسد في بعض المناطق مثل سهول تهامة ومدينة صنعاء القديمة ومحافظتي الجوف ومأرب ومنطقة خولان.

وهو ما حدا بالهيئات والمنظمات الإنسانية إلى رفع نداء استغاثة عاجل إلى المجتمع الدولي ومنظمات المجتمع المدني، ودعوتهم إلى سرعة التدخل للمساهمة في رفع المعاناة عن المتضررين، وكذا دعوة منظمة اليونسكو للتدخل العاجل لحماية المدن والمعالم الثقافية من التداعي والانهيار، لاسيما وأن بنيتها التحتية تعاني من ضعف شديد وإنهاك بسبب الإهمال الشديد الذي أتى كنتيجة للفوضى التي تشهدها البلاد بسبب الحرب التي اندلعت منذ 7 سنوات، ومازالت مستمرة حتى اليوم، بين القوات الحكومية وجماعة الحوثي.

مقالات مشابهة