المشاهد نت

اليمن: 5,500 مصاب بفقر الدم يستغيثون

إبراهيم المنعي (خاص)
31/8/2020
قبل أكثر من 20 سنة، كان غالبية المرضى المصابين بأمراض فقر الدم في اليمن، يواجهون معاناة شديدة للغاية حتى مفارقة الحياة. وكانت أكثر الحالات المرضية معاناة هم المصابون بمرض الثلاسيميا، ومرض الأنيميا المنجلية.
كانت المعاناة -آنذاك- تتركز في صعوبة الحصول على قربة الدم، والدواء والرعاية التي يحتاجها المصاب، ونتيجة تفاقم المأساة أمام ألاف المرضى المصابين بحالات فقر الدم المزمن، قام عدد من الآباء وأقارب المرضى، ومعهم مجموعة من الأطباء اليمنيين بإطلاق مبادرة إنسانية استثنائية، للتخفيف من معاناة مرضى تكسرات الدم في البلاد. وفي 15 إبريل سنة 2000، قاموا بتأسيس الجمعية اليمنية لمرضى الثلاسيميا والدم الوراثي.
تشير الإحصائيات الأخيرة لجمعية مرضى الثلاسيميا التي تتخذ من العاصمة اليمنية صنعاء مقراً لها، أن عدد المصابين اليمنيين بحالات فقر الدم وصل إلى أكثر من 5,500 آلاف مصاب في سجلات الجمعية في صنعاء وفي فرع محافظة الحديدة.
ويومياً، تستقبل الجمعية اليمنية لمرضى الثلاسيميا حوالي 80 – 120 مريضاً في اليوم الواحد، وتقدم لهم كافة خدمات الرعاية الصحية بشكل مجاني من فحوصات وتشخيص وأدوية أيضاً.
ويقول الأستاذ جميل الخياطي، المدير العام لجمعية مرضى الثلاسيميا (لصوت إنسان) أن: ” الحرب في اليمن، أدت إلى انخفاض الدعم الذي كانت تلقاه الجمعية، والمعتمد على دعم بعض المنظمات الدولية والمحلية وفاعلي الخير، وقد أدى ذلك إلى وفاة العشرات من المصابين بالثلاسيميا والأنيميا المنجلية، وبالأخص الأطفال نتيجة انعدام الأدوية المخصصة”.
ويضيف الخياطي: ” أدوية مرضى فقر الدم أسعارها مرتفعة جداً، يصل سعر علبة دواء الاكسجيد (28 قرص) والذي يعمل على سحب الحديد من جسم المريض الذي يترسب بالأعضاء الحيوية كالكلى والقلب والكبد إلى مبلغ 40,000 ألف ريـال يمني (ما يعادل 70 دولار) وهذا مبلغ كبير، لا يستطيع المريض شرائه واغلب المرضى من الفقراء”.
(الم يومي ومعاناة مستمرة)
تتعالى صرخات الطفلة ملاك (9 سنوات) من داخل إحدى غرف جمعية الثلاسيميا بصنعاء، ولا تتوقف عن الأنين من شدة الألم.
قدمت ملاك من إحدى القرى الريفية في محافظة المحويت غرب صنعاء، وهي مصابة مع شقيقاتها الثلاث بمرض الثلاسيميا والأنيميا المنجلية، في ظل أسرة تعيش حياة مؤلمة للغاية.

علي اسعد، وهو والد ملاك وشقيقاتها، قال لمنصة (لصوت إنسان): ” عند تدهور صحتهن، اضطررت إلى استئجار تاكسي بشكل عاجل من قريتي إلى محافظة المحويت، عبر طريق جبلية وغير معبدة. بمبلغ يصل إلى 30,000 ريال (50 دولار) وهذا مبلغ كبير ودخلي معتمد على الزراعة، ومن ثم انتقلت من المحويت إلى صنعاء عبر المواصلات العامة من أجل الوصول للجمعية، وإنقاذ حياة بناتي الأربع”.
بحزن كبير، يتحدث علي عن فقدانه ابنه البكر، بسبب سوء التشخيص، حيث تم تشخيص حالته بأنها ملاريا والتهابات حادة، وتم إعطاءه أدوية خاطئة مما تسبب بوفاته وهو لا يتجاوز العام الواحد.
يقول علي:” ابني كان مصاب بالثلاسيميا ولم يستطيع الأطباء في المحويت معرفة ذلك، انا وزوجتي نحمل الجين الوراثي للمرض، وهذا تسبب انتقال المرض لأطفالي”.
وعلى أحد المقاعد في أروقة الجمعية، يجلس الطفل شهاب عبد الباسط (16 سنة) المصاب بالثلاسيميا في حالة انهاك، يبدو من ملامح وجهة وجسده أنه أصغر سناً من ذلك، ويعود هذا إلى إصابة جسمه النحيل بالتقزم بسبب انعدام الأدوية المتخصصة لعلاج الثلاسيميا.

” نادرا ما احصل على الأدوية المتخصصة، وهذا يسبب لي آلام شديدة في الظهر والمفاصل، وأحيانا أبكي من شدة الألم، و اضطر إلى استخدام مهدئات لنسيان الوجع”، قال شهاب.
اضطر هذا الطفل القدوم الى صنعاء من مديرية المعافر بمحافظة تعز جنوب غرب البلاد، في رحلة شاقة استمرت قرابة 9 ساعات في ظل ظروف فرضتها الحرب، وهذا يؤثر على حالته الصحية والمادية.
جهود حثيثة لا تكفي
يقول الدكتور علي الولي، وهو مسئول الفروع بالجمعية (لصوت إنسان): ” اغلب المرضى حالتهم الاقتصادية ضعيفة، بل أن البعض لا يوجد لديهم حتى قيمة المواصلات داخل المدينة، مما يضطرهم إلى حمل أبنائهم على أعناقهم وإيصالهم للجمعية، باعتبار أن هذا المرض مزمن وليس له علاج ويؤثر على حياة الأسرة، ومستواها الاقتصادي، ويؤدي إلى التفكك الأسري”.
ويقول الولي “أن اغلب الأطباء والموظفين في الجمعية لديهم أبناء أو قارب مصابين بالمرض، ولذلك يعملون بأجور رمزية، حيث لا يوجد لدينا ميزانية تشغيلية ولا توجد رواتب، وإنما حوافز شهرية للموظفين والأطباء”.
“يحتاج مريض الثلاسيميا إلى نقل دم كل 21 يوم، ونقوم بعمل إرساليات لمركز الدم في السبعين لتقديم قرب الدم مجانا للمرضى، ولكن بسبب انتشار فيروس كورونا قل عدد المتبرعين، وندعو المواطنين إلى التبرع بالدم لجميع مرضى الأمراض المزمنة باعتبار أن الدم هو شريان الحياة”.
“يعاني المريض من هشاشة العظام والتهابات شديدة وتآكل المفاصل وشحوب الوجه واصفرار العينين، ويؤدي المرض إلى التقزم وفشل للأعضاء الحيوية كالقلب والكلى والكبد والطحال، في حال لم يتم استخدام الأدوية بشكل مستمر، ونحاول أن نقدم أنشطة ترفيهية للأطفال كالرحلات ورسوم الوجه والمسابقات لكسر الخوف عند حضور الأطفال للجمعية لتلقي العلاج”. قال الدكتور الولي.
اهمية فحص ما قبل الزواج
ثمة أمر هام جداً، يمكن القيام به لتفادي هذا المرض الخطير، وهو ما يؤكده عضو الهيئة الإدارية ومسئول التوعية بالجمعية، الأستاذ صالح فارع.
 يقول صالح لمنصة (صوت إنسان): “يمكن الوقاية من مرض الثلاسيميا والأنيميا المنجلية عبر الفحص للزوجين قبل الزواج، بما يسمى فحص الترحيل الكهربائي فقد قمنا بحملات إعلامية عبر وسائل الإعلام بالتوعية بخطورة المرض، كما نقوم بحملات توعية في المدارس والجامعات”.
“من الناحية الرسمية قمنا بمحاولة تبني إقرار قانون الفحص قبل الزواج للوقاية من الثلاسيميا، وعملنا مذكرات لوزارتي العدل والشئون القانونية، بالإضافة إلى مجلس النواب، ولكن وبسبب الحرب لم يتم البت بالموضوع، فلم يعد مرض الثلاسيميا موجود في اغلب دول العالم حتى في بعض الدول العربية، لم يتم تسجيل أي حالة في فلسطين منذ العام 2013، يعود ذلك إلى إقرار قانون الفحص قبل الزواج”. قال صالح.
يدعو صالح كل المقدمين على الزواج، بضرورة إجراء الفحص الخاص بمرض الثلاسيميا، يقول وبحزن شديد بان ابنه الشاب 19 سنة، توفي بسبب عدم توفر أدوية سحب الحديد من الجسم، مما أدى إلى تراكم الحديد بالقلب وسبب فشل في القلب مما أدى إلى الوفاة.
ويناشد الأستاذ جميل الخياطي مدير عام الجمعية المنظمات الدولية ورجال المال والأعمال، إلى دعم الجمعية والتخفيف من معاناة المرضى، ما نعانيه هو انعدام الأدوية المتخصصة بمرض الثلاسيميا والأنيميا المنجلية، وانعدام ميزانية تشغيله للجمعية، بالإضافة إلى ارتفاع إيجار الجمعية حيث يصل إلى 2000 دولار شهريا وهذا مبلغ كبير جدا، مما اضطرنا إلى إعلان الاستغاثة والتبرع بالدم وهناك حالات صعبة تدمى لها القلوب.
طبيب مصاب يهزم المرض
الدكتور عبد السلام حامد (30 عاماً) أحد أطباء الجمعية، وهو أيضاً أحد المصابين بالأنيميا المنجلية، عانى هذا الطبيب من المرض منذ كان في الشهر السابع، لكنه استطاع الرجل هزيمة هذا المرض، والتغلب عليه.
يقول عبد السلام لـ (صوت إنسان):”استطعت أن أنهي الثانوية والجامعة رغم التعب في الظهر ومفاصل الأيدي والأرجل، حتى إذا جلست لفترة طويلة لا أستطيع الوقوف إلا بصعوبة كبيرة”.

“كان طموحي أن أدرس الطب لمساعدة المرضى، حيث اثر فيني وبشكل كبير وفاة شقيقتي الكبرى، بسبب هذا المرض حيث دخلت العناية المركزة بسبب مضاعفات الانيميا المنجلية، وطموحي الآن هو مواصلة الماجستير والدكتوراه”. قال عبدالسلام.
معلم مصاب يقوم بتوعية الناس
أمين أبو هادي (36 عاماً) معلم مصاب بالثلاسيميا من مديرية “افلح الشام” محافظة حجة شمال غرب البلاد، استطاع أمين وبعزيمة كبيرة من إنهاء دراسته الجامعة، تخصص رياضيات، وتخرج من كلية التربية جامعة صنعاء.
تزداد معاناته بشكل كبير خلال فصل الشتاء وموسم الأمطار، بسبب البرد الذي يضعف مناعته مما يؤدي إلى إسعافه إلى المستشفى واستخدام المضادات الحيوية والمغذيات.

يقول أمين: ” قطعت على نفسي وعد، بان أوعي أبناء قريتي والقرى المجاورة، بخطورة الثلاسيميا وأهمية الفحص قبل الزواج، للوقاية من هذا المرض الخطير الذي لا يرحم كبير ولا صغير”.

مقالات مشابهة