المشاهد نت

معوقات على طريق تعليم الكبار في اليمن

صورة تعبيرية

صنعاء – حسان محمد:

يبذل سعيد الوصابي كل جهده لتعليم أولاده، ودفعهم لاستكمال دراستهم على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي يكابدها لتوفير أساسيات الحياة، فهو لا يريد أن يعانوا مرارة الأمية والجهل كما عاناها، وأن يكونوا بالتعليم أكثر علماً ودراية بالحياة.

يتنقل الوصابي، العامل في مجال البناء، من محافظة لأخرى، بحثاً عن العمل الذي صار شحيحاً بسبب الحرب، لكنه على حريص عدم التفريط بتعليم أولاده مهما كانت العوائق والصعوبات أمامه.

ويقول لـ”المشاهد”: العلم أقوى سلاح للإنسان، وأنا حُرمت منه، وأحسست بمعنى أن تكون أمياً، ولهذا أحرص على التحاق أولادي بالمدرسة. ويضيف وعلامات الحزن ترتسم على وجهه: أتمنى لو كنت تعلمت لأستطيع قراءة القرآن على الأقل.

وأسهمت الحرب وما ترتب عليها من دمار للبنية التعليمية والفقر، بزيادة نسبة عدد الأميين في اليمن، ووصلت إلى 62% من إجمالي عدد السكان، بحسب الإحصائيات الرسمية.

وترجع تقارير جهاز محو الأمية وتعليم الكبار بصنعاء، زيادة معدلات الأمية إلى الفقر الذي جعل كثيراً من الأطفال يتسربون من المدارس، ويلتحقون بسوق العمل للإسهام في إعاشة أسرهم، وموجات الهجرة والنزوح من المحافظات التي تشهد مواجهات عسكرية، وضعف البنية للمحافظات المستضيفة، وقصور التعليم النظامي في استيعاب الأطفال في سن الدراسة.

وتؤكد التقارير أن الحرب وسعت الظاهرة، وتوقفت بسببها الجهود والأنشطة التي كانت تقدمها الدولة، وهدمت العديد من مراكز محو الأمية وتعليم الكبار، وخلفت ظروفاً صعبة جعلت الأسر والأشخاص الأميين يحجمون عن الالتحاق بفصول محو الأمية، ويركزون جهودهم في توفير أساسيات العيش.

أنشطة محدودة لجهاز محو الأمية

تأسس الجهاز في صنعاء بعد الوحدة عام 1990، وصدر قانون محو الأمية وتعليم الكبار رقم 28 للعام 1998، الذي قضى باستقلال الجهاز مالياً وإدارياً، والعمل تحت إشراف وزارة التربية والتعليم.

ويستهدف الجهاز محو أمية الأشخاص للفئات العمرية من 10 إلى 45 سنة، ولا تقتصر أنشطته على تعليم القراءة والكتابة فقط، وإنما تتبعه عدد من المراكز التدريبية والتأهيلية والحرفية الخاصة بالرجال والنساء، وتنظم أنشطه توعوية وصحية متنوعة، لكن حالياً توقفت جميع الأنشطة الأخرى بسبب غياب التمويل، بحسب حنان زايد، مديرة التدريب بجهاز محو الأمية بصنعاء.

وتقول زايد لـ”المشاهد”: “الشخص الأمي من ﻻ يستطيع مواكبة العصر سواء بالتعليم أو بالتطور الذاتي، من خلال التعلم المستمر في مجاﻻت عديدة من الحياة، لكن في الظروف الحالية نركز على محو أمية الكتابة والقراءة بشكل رئيسي، من خلال مرحلتين تعليميتين، تسمّى الأولى “مرحلة الأساس”، ومدة دراستها عامان، والمرحلة الثانية “مرحلة المتابعة”، لمدة عام دراسي واحد، وتقابل دارسة السنوات الثلاث في جهاز محو الأمية، الدراسة من الصف الأول إلى السادس في التعليم النظامي.

وعامي 2016 و2017، توقفت كافة المراكز التابعة لجهاز محو الأمية عن العمل، ويسعى الجهاز حالياً لإعادة تفعيل المراكز على الرغم مما يواجهه من الصعوبات ابتداء بغياب وشحة الكتب الدراسية والحرفية التي لم تُطبع منذ سنوات، وتوقف مرتبات الكادر التربوي، وعدم توفر النفقات التشغيلية للمعامل.

إقرأ أيضاً  الهروب من البشرة السمراء.. تراجيديا لا تدركها النساء

ووفقاً لإحصائيات جهاز محو الأمية بصنعاء للعامين 2018 و2019، ومراكزه في محافظات “الأمانة وصنعاء وتعز وإب وذمار وحجة وصعدة والبيضاء والمحويت والجوف وعمران وريمة”، فإن عدد فصول المراكز وصل إلى 1305 فصول، وبلغ عدد الدارسين 48.589، منهم 5836 من النساء، كما تدرس في مراكز التدريب النسوية 5788 امرأة.

وأشارت الإحصائيات إلى أنه يعمل في المراكز 3413 معلماً، يمثل المتعاقدون 2294 معلماً، وأغلبهم من الإناث، بالإضافة إلى 1218 مشرفاً و862 موجهاً و704 إداريين، موضحة أن العمل في مراكز محافظة الجوف متوقف بالكامل، ولا وجود لأي أنشطة أو دارسين.

لكن حنان زايد تؤكد أنه على الرغم من التدني النسبي لأداء المراكز التعليمية التابعة للجهاز، إلا أن مستوى الإقبال على الالتحاق بفصول محو الأمية يقل في بعض المناطق، ويرتفع في أخرى، وخصوصاً في مواقع تجمع النازحين.

التسرب من التعليم

يعتبر التسرب من التعليم في اليمن أبرز الظواهر لرفد الأمية بأعداد كبيرة في كل عام، وباتت مؤشرات مكافحة محو الأمية تتراجع باستمرار نظراً لقصور الجهود الحكومية في تمويل برامج وأنشطة محو الأمية.

وبحسب بيانات وزارة التربية والتعليم بصنعاء، بلغ عدد الطلاب المتسربين من التعليم الأساسي في 2015/2016، نصف مليون طالب وطالبة، و650 ألف متسرب من التعليم الثانوي.

هذه المؤشرات جعلت الأمية لا تتوقف عند فئة الكبار في السن الذين يعدون أكبر الشرائح التي تتسع فيها الأمية، وجعل الظاهرة تنتشر في قاعدة الهرم العمري لصغار السن، مما يتطلب من الدولة الاهتمام بالتعليم ومعالجة الأسباب التي تؤدي إلى تسرب الأطفال من المدرسة، كما يقول لـ”المشاهد” الأخصائي الاجتماعي رمزي سلطان.

وتشير تقارير المجلس الوطني للسكان إلى تفشي الأمية بين النساء بشكل أكبر من الرجال، حيث يعد معدل التحاق الفتيات بالتعليم في اليمن، الأدنى في المنطقة العربية، نتيجة لمجموعة من العوامل الاجتماعية والثقافية، مثل الزواج المبكر، وقلة عدد المدارس غير المختلطة في الأرياف، وبعد المدارس عن السكن.

العودة إلى الوراء

في حين تمكنت كثير من شعوب العالم وشعوب المنطقة العربية من التخلص من الأمية، وتحول أجهزة محو الأمية إلى مؤسسات التعليم غير النظامي، وصل عدد الأميين في اليمن إلى مستويات قياسية، أغلبهم من المتسربين من التعليم النظامي، ولهذا يحاول الجهاز رفع عدد المستهدفين من 48 ألف شخص سنوياً، إلى 350 ألفاً، كما يؤكد فؤاد الشامي، رئيس جهاز محو الأمية، في تصريحات إعلامية.

ويوضح الشامي أن مكافحة الأمية لا تقف عند تعليم القراءة والكتابة، وإنما تطوير الذات، واكتساب مهارات وخبرات في الجانب الفني والحرفي، مما يجعل المسؤولية الملقاة على الجهاز تتطلب الكثير من الإمكانيات وإعادة تفعيل كل المراكز.

وفي ظل الظروف التي فرضتها الحرب، يتجه اليمن للعودة إلى عصور الأمية والجهل، فقرابة 3.7 مليون طفل حُرموا من التعليم، من إجمالي 7.3 مليون طفل في سن الدراسة، بحسب منظمة اليونيسف التي تؤكد أن الفقر وحده حرم 37% من الأطفال من التعليم.

مقالات مشابهة