المشاهد نت

هكذا يتشبث اليمنيون بثورتهم الأم

حفل ايقاد الشعلة وسط مدينة تعز

صنعاء – حسان محمد:

على الرغم من الظروف التي تعيشها اليمن، وعودة شبح الماضي الذي قامت لأجله ثورة 26 سبتمبر، إلى الواجهة وكرسي الحكم، إلا أن فكر ومبادئ الثورة ازدهرت مجدداً في نفوس الناس، وصاروا أكثر تقديساً وتمجيداً لها، وتمسكاً بها، وعبروا بوسائلهم وطرقهم المختلفة عن ابتهاجهم وفرحتهم الكبيرة بذكراها.
وتحولت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ميداناً للاحتفالات، وتبادل التهاني، بخاصة للمواطنين المحرومين من المشاركة في الاحتفالات الجماهيرية، لأنهم يعيشون في المحافظات الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، وسُطرت الأشعار والكتابات التي تتغنى بمناقب الثورة وفجرها الأغر.

“أدركنا عظمة سبتمبر”

تعبر فرحة الناس بذكرى 26 سبتمبر واحتفالاتهم الواسعة بيوم مولدها، عن تمسك اليمنيين بالنظام الجمهوري، ورفضهم الانقلاب على منجزاتها وتضحيات الشهداء والثوار، ورسالة واضحة عن عدم قبولهم بحكم الإماميين بصورتهم المحدثة، ومشروعهم الطائفي الذي يحاولون من خلاله إعادة الزمن إلى ما قبل الثورة، كما يقول لـ”المشاهد” المحلل السياسي الدكتور فيصل علي.
ويتفق معه عضو مجلس النواب محمد مقبل الحميري، الذي يقول: “كنا نجهل قدر ومكانة ثورة 26 سبتمبر، ولا ندرك عظمتها، ولم نقدر تضحيات شهدائها ومن دافعوا عنها كما يجب، جهلاً بعظمتهم وبطولتهم التي ليس لها نظير في تاريخنا المعاصر، ولم ندرك أنها الحياة، ولا تضاهيها نعمة سوى نعمة الإسلام”.
ويضيف الحميري، في منشور على صفحته في “فيسبوك”: “الثورة حررت اليمن من كهنوت الإمامة المتخلف، وحققت الخير لكل أبناء اليمن بكل فئاته، خلافاً لنظام الأئمة الاستعلائي العنصري، إلا أن البعض حاول تشويهها وطمس تاريخ وتضحيات رجالها الأبطال، وتماشى الوعي الشعبي مع تضليلهم في الماضي”.
ويرى البعض أن العجز عن استعادة 26 سبتمبر، وإحساس العامة بأنها سُلبت منهم، وجيرت المصالح والمكتسبات في البلد لصالح فئة اجتماعية محددة، تقوم معتقداتها على أحقيتها دون البقية بالحكم والولاية، جعل الناس يتشبثون بثورتهم، ويحتفلون بزخم أكبر بذكراها لتستعيد وهجها ولا يفقدوها إلى الأبد.

الخوف من شبح الماضي

مرت الثورة اليمنية منذ الإطاحة بعهد الملكية الذي اتسم بالتخلف والظلم والجهل والمرض، قبل 58 عاماً، بالكثير من الإخفاقات، ولم تتمكن من تحقيق أهدافها التي وضعها الثوار الأحرار، وضحوا لأجلها بالغالي والنفيس، بسبب سياسة القيادات السابقة التي احتكرت السلطة، وفصلت النظام حسب ما يلبي رغباتها ويحمي مصالحها واستمرار بقائها على رأس هرم الحكم.
وجعلت هذه السياسة الثورة محلاً للنقد والتشكيك، إلا أن الانقلاب على الحكم مؤخراً، والإحساس بالخطر الكبير على مكتسبات الجمهورية، أحيا في قلوب الناس روح الثورة والإيمان بمبادئها.
ويؤكد الحميري أن جماعة الحوثي تسللت بمكر، خلال السنوات الماضية، للقضاء على ثورة 26 سبتمبر، والاستيلاء على السلطة عندما لم تجد رجالاً كرجال سبتمبر، وكشفت مدى حقدها على الشعب اليمني، فسفكت الدماء وأزهقت الأرواح، ودمرت البيوت على رؤوس ساكنيها، وشردت الملايين من أبناء الوطن، وانتقصت من آدمية اليمنيين ومواطنتهم.
ويرى أن الحركة الحوثية تجسد أسوأ ما في نظام الإمامة من تخلف وجور وطائفية وخراب، وطلت بثوب أشد حقداً على الثورة وتاريخها الذي تعمل على طمسه وطمس حاضر اليمن ومستقبله، مما جعل اليمنيين يدركون عظمة الثورة وحجم التضحية التي قدمها الآباء من اجل الانعتاق من ظلم الكهنوت.
وأسهمت ممارسات الحوثيين الإقصائية القائمة على الاستئثار بالمال والحكم، والتشابه في نظرتهم للسلطة وإدارة الدولة مع الملكيين، منذ سيطرتهم على السلطة بقوة السلاح في سبتمبر 2014، في تزايد مخاوف الناس من عودة الماضي الذي قدم اليمن قوافل الشهداء لإزاحته والتخلص منه.

إقرأ أيضاً  مسلسل «ممر آمن»… الأمن مسؤولية مشتركة

احتفالات صورية ومراوغة سياسية

يتناقض مثقفو وناشطو جماعة الحوثي في موقفهم تجاه ثورة 26 سبتمبر. ففي حين يعملون على تحسين صورة الإمامة عبر الحديث عن محاسن ومناقب ينكرها كل من عايش العهد البائد، يظهرون في مواقف أخرى كحامين ومدافعين عن ثورة 26 سبتمبر، لتجنب الاتهامات بأنهم ملكيون، وبقايا العصر البائد.
وفي ليلة 26 سبتمبر، أوقدت جماعة الحوثي بميدان التحرير بصنعاء، شعلة الثورة، وألقى وزير الشباب والرياضة حسن زيد، الذي يعد من كبار المدافعين عن الإمامة، كلمة الحفل، ولم يشر فيها إلى عهد الإمامة وسبب قيام الثورة، ولا إلى الثوار وتضحياتهم، والتحول التاريخي للبلد، وذهب للحديث عن انتصارات من سماهم الجيش واللجان الشعبية، وتمجيد ثورة 21 سبتمبر التي أوصلتهم للسلطة.
ويقول عبدالله الكبسي، وهو إعلامي وسياسي تابع لجماعة الحوثي: “المبالغة في الاحتفال بثورة 26 سبتمبر، خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، تعد من باب المناكفة والمكايدة السياسية، للتقليل من شأن ثورة 21 سبتمبر، التي لم تلغها أو تقضِ عليها كما يعتقد البعض، وإنما جاءت لتصحيح مسارها وإعادتها إلى طريقها الصحيح، بعد أن سعت القيادات والأحزاب إلى حرفها عن المسار، وتحويلها إلى مكاسب خاصة بها، وجعلت البلد يعيش مرحلة من الفساد المالي والإداري وغياب العدالة والتنمية، وصارت اليمن مرتهنة في قرارها وسيادتها لأطراف خارجية.
ويضيف الكبسي لـ”المشاهد”: “21 سبتمبر ثورة يمنية خالصة حررت اليمن من الوصاية، ولهذا شن التحالف السعودي الإماراتي المدعوم أمريكياً، الحرب عليها، وقابلتها القوى التقليدية بالعداء”.
إلا أن فيصل علي يؤكد أن الحوثيين لا يؤمنون بثورة 26 سبتمبر، ويحملون لها العداء، لأنها قضت على مشروعهم السلالي، والاحتفالات الصورية بها محاولة مكشوفة لإيهام الناس أنهم جزء من المجتمع، وللتصنع بالقبول بالنظام الجمهوري، وكما انتصرت في الماضي ستنتصر في الوقت الراهن، ولا يمكن للحالمين بإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، البقاء في السلطة بالاعتماد على السلاح والبطش والتنكيل بالمعارضين.
ويقول الحميري: “اليمن مرت في تاريخها بأوقات ضعف، لكنها لا تموت، وسرعان ما تنهض من بين الركام أقوى مما كانت، وثورة 26 سبتمبر قامت لتبقى وتستمر بالعطاء، وعلى الرغم من الانكسارات التي لحقت بها، إلا أنها عصية على الاندثار والزوال”.

مقالات مشابهة