المشاهد نت

القنوات اليمنية… هل تلبي برامجها رغبة المتلقي؟

صورة تعبيرية

تعز – محمد علي محروس:

“نادراً ما أجدني والمحيطين بي نشاهد قنوات يمنية؛ لا يوجد دافع لفعل ذلك، فافتقادها الجدية في نقل الواقع كما هو، وافتقارها للبرامج المتخصصة والنوعية، يجعلها قنوات غير مرغوبة لدى المشاهد، ومملة في الوقت ذاته”، لا تجد عصماء الكمالي، طالبة إعلام، أكثر من هذا للتعبير عن نفورها من مشاهدة القنوات اليمنية.

تشكل القنوات المرئية إحدى أهم أدوات إدارة الأزمات وتغطية الأحداث؛ نظراً للأدوار المتزايدة التي تلعبها وسائل الإعلام برمتها في ظل الطفرة التقنية والتكنولوجية الحاصلة


وتضيف الكمالي: “هذه حالة يشترك فيها معي الكثير، لا نشاهد القنوات اليمنية، لأنها لا تعكس توقعات متابعيها، تتقوقع في إطار معيّن، بعيداً عن اهتمامات الجمهور ورغباته. أكاد أجزم أنها تتمحور حول توجهات الحرب وأطرافها، هذا ما أراه”.
وتشكل القنوات المرئية إحدى أهم أدوات إدارة الأزمات وتغطية الأحداث؛ نظراً للأدوار المتزايدة التي تلعبها وسائل الإعلام برمتها في ظل الطفرة التقنية والتكنولوجية الحاصلة.

لقد توسع واقع الصراع اليمني على الأرض ليشمل صراعاً من نوع آخر، يتمثل بالصراع الإعلامي عبر جبهة الإعلام المرئي، الأمر الذي يعكس حالة الاستقطاب السياسي والتشتت الذي يعيشه الشارع اليمني بكل أطيافه السياسية، وتبنيه لمواقف ووجهات نظر القوى المالكة لهذه الوسائل.


وجاء إعلان الـ21 من نوفمبر يوماً عالمياً للتلفزيون، في ديسمبر 1996، من قبيل الاعتراف بتأثير التلفزيون المتزايد في صنع القرار من خلال لفت انتباه الرأي العام إلى المنازعات والتهديدات التي يتعرض لها السلام والأمن، ودوره المحتمل في زيادة التركيز على القضايا الرئيسية الأخرى، بما في ذلك القضايا الاقتصادية والاجتماعية.
ويعد الاحتفاء باليوم العالمي للتلفزيون، احتفاءً بالفلسفة التي تعبر عنها هذه الأداة، فقد غدا التلفزيون رمزاً للاتصالات والعولمة في العالم المعاصر، بحسب وصف الأمم المتحدة، وهو ما عنى الاعتراف بالتلفزيون كوسيلة أساسية في إيصال المعلومة إلى الرأي العام، والتأثير فيه، ولا يمكن إنكار أثره في السياسة العالمية، وحضوره فيها، وتأثيره في مجرياتها.

صراعٌ مرئي

تتنافس أكثر من 20 قناة تلفزيونية في الفضاء اليمني، بأسماء عدة، وتوجهات مختلفة، حتى إن بعضها نُسخت مرتين بالاسم ذاته؛ في ظل التجاذبات الحاصلة والصراع السياسي والعسكري المستفيض إعلامياً بين الحكومة اليمنية والحوثيين من جهة، والمجلس الانتقالي الجنوبي من جهة أخرى.
ويعلّق الدكتور عبدالله التميمي على ذلك، في دراسة ميدانية نشرتها المؤسسة العربية للدراسات الاستراتيجية، بالقول: ” لقد توسع واقع الصراع اليمني على الأرض ليشمل صراعاً من نوع آخر، يتمثل بالصراع الإعلامي عبر جبهة الإعلام المرئي، الأمر الذي يعكس حالة الاستقطاب السياسي والتشتت الذي يعيشه الشارع اليمني بكل أطيافه السياسية، وتبنيه لمواقف ووجهات نظر القوى المالكة لهذه الوسائل.
ويضيف التميمي، في دراسته المعنونة بـ”الفضائيات اليمنية ودورها في التغطية الإخبارية للأزمة الحالية”: إن المتابع لتقارير ونشرات أخبار القنوات التلفزيونية اليمنية المذكورة، بشقيها المؤيد والمعارض، لما يدور على الساحة اليمنية، يجد أن هذه التقارير تهيمن عليها اللغة التحريضية التعبوية بشكل كبير، وبالتالي انحدار مستوى الموضوعية والحيادية في البرامج والأخبار التلفزيونية التي يغلب عليها وجهة نظر واحدة.
ويبقى المحتوى هو شوكة الميزان في كل ما يتم تقديمه للمشاهد اليمني، وقليلة هي القنوات التي تحاول أن تضمن برامج محدودة قد تكون محل إجماع، ويشاهدها الجميع، دون الإشارة إلى مضمونها بأنه محسوب على طرف دون آخر.

إقرأ أيضاً  وسيلة النساء لتحسين ميزانية الأسرة في رمضان 

لغةٌ تحريضية

وكانت دراسة تقييمية لمستوى أداء وسائل الإعلام المرئية اليمنية، لمركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، صدرت عام 2017، أظهرت مستويات متفاوتة في الأداء، حيث غلب على معظم برامجها وجهة نظر واحدة، في حين أن ما يقارب 21% من البرامج المرصودة لم تقدم أي مصادر أو مراجع للمعلومات المقدمة للجمهور.
وكشفت الدراسة هيمنة اللغة التحريضية التعبوية بشكل كلي أو جزئي على ما يقارب 51% من إجمالي البرامج المرصودة، في ظل انحدار مستوى الحيادية في البرامج والأخبار التلفزيونية.
المدير التنفيذي لمنظمة اليمن أولاً، عبدالكريم الآنسي، يرجع ما يدور من سجال دائم بين القنوات التلفزيونية، إلى غياب لغة المنطق والواقع الذي يحتاج إلى نقل حقيقة ما يجري على الأرض، دون ارتهان للأطراف المتصارعة.
ويحذر الآنسي من الانحدار الحاصل في اللغة التي تخاطب بها القنوات متابعيها، واصفاً إياها بالمبنية على التحريض العقائدي والمذهبي، وهذا يعني تعقيد الوضع، وتمكين من يريد للفوضى الإعلامية التمكن من العقل اليمني، ولهذا عواقبه الوخيمة التي ستتجاوز الصورة الراهنة بمراحل، وفق ما يقوله الآنسي.
ويعاب على معظم القنوات تركيزها على الإنتاج لمجرد تغطية الفجوات الزمنية في خارطتها البرامجية، بعيداً عما يدور في الوسط الشعبي، وهو ما يدعو لدراسات تحليلية وميدانية مستفيضة للبناء عليها في الإنتاج التلفزيوني والأعمال المرئية بشكل عام.

احتياجٌ راهن

لا تمل القنوات اليمنية من التنافس على تعقيد المشهد الراهن على متابعيها، وكأنه لا يكفيهم ما يعيشونه على أرض الواقع من قتل ودمار وخراب وأزمات إنسانية وأوبئة صحية وكوارث أخرى على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، بل تسهب في إنتاج برامج مؤججة للحالة السوداوية التي تعيشها البلاد، وبما يسهم في ضخ لغة الفوضى، وإحداث المزيد من التباين الاجتماعي، في ظل استقطاب آخذ في التفاقم طوال سنوات الحرب الست.
وترى الصحفية نهلة القدسي، أنه لا بد من وضع اعتبار لاحتياج المواطن اليمني اليوم، الذي يئس من الصورة العامة التي تصورها القنوات التلفزيونية لواقعه، فهو بحاجة للغة تفاؤلية تبعث الأمل والإيجابية أكثر، بحسب قولها.
وتضيف القدسي: “هموم المواطن واحتياجاته يجب أن تكون ذات أولوية على مستوى النقاش، والضغط لإيجاد حلول ناجعة، لا أن تتجاوزه البرامج بتبني رؤى كل طرف ضد الآخر، وبما يزيد من معاناة اليمنيين يوماً بعد آخر.
يؤكد الواقع التلفزيوني اليمني على ضرورة وجود مختصين في إنتاج المحتوى المرئي، وبمستوى عالٍ من الحرفية والمهنية في آن واحد؛ حتى تتمكن الوسائل المرئية من توصيل رسالة إعلامية مفهومة، لا كالتي يتنافس الجميع على توصيلها اليوم، وبما يزيد من المعاناة، ويخلق أجواء من الشحناء والبغضاء بين أبناء البلد الواحد، وهو احتياج راهن لا غنى عنه، خصوصاً والصورة التي تكرسها القنوات تعبر عن أصحابها، وغير واضحة المعالم عند المتابعين.

مقالات مشابهة