المشاهد نت

التكاتف المجتمعي، وهزيمة الطرق الوعرة

تعز – فؤاد أحمد سيف :


“نبدأ الخروج غدا إلى الطريق والعمل حبة حبة حتى يتفاعل معنا المجتمع، والناس الخيرين وأصحاب السيارات”، بهذا الرأي اتفق مجموعة من شباب قرية المبهاء بمديرية جبل حبشي غرب تعز على تأسيس مبادرة رصف طريق قريتهم.
ثلاث مكائن حجر ومجموعة من عائلة زبر الحديد، كالمطارق والصبار والمحافر، وما جادت به مخازن القرية، من أدوات النقافة، إضافة إلى مطرية شاهي ودبة ماء ملفوفة بشوالة، مع مجموعة من الشباب لا يتجاوزون عدد الأصابع، هذه كانت أهم الأدوات التي تجمعت صبيحة أول أيام المبادرة
رجال المبادرة
لا يملكون شيئا سوى عزائمهم القوية، وسواعدهم المباركة، وروحهم المتعاونة، كما يؤمنون بأن التحدي الحقيقي هو كسر المخاوف، وأن لا شيء مستحيل أمام الإصرار، ويدركون جيدا ماذا يعني أن تضحي ابتداء، وتلك هي روح المبادرة.
مبارك الوهابي، أحد شباب المبادرة، يقول لـ “صوت إنسان”: “بدأنا بالعمل مع مجموعة من شباب القرية ومعنا ثلاث مكائن حجر واشترينا بترول وما تحتاج إليه المكائن وبدأنا بالعمل تضحية من مالنا”.

سر النجاح
تتميز المبادرة، بكونها بسيطة، وتعتمد على فكرة التطوع وخبرات المبادرين، وتفاعل المجتمع، وأصبح الجميع معني برصف الطريق، هذا يقطع الصخور، وذاك يرصف، وآخر يساوي الأرض، والبعض يحضر الطعام، يتحرك الجميع كخلية نحل واحدة.
خليل السعدي من أبناء المنطقة يقول: “كنا نعمل نهارا، وجزء من الوقت ليلا للتواصل، وفعلا بدأ المجتمع بالتفاعل، البعض نزل معنا للعمل، وبعض آخر بادر بدفع مبلغ عنه، من خمسة ألاف، عشرة ألاف، خمسين ألف، ومن مئة ألف، كل حسب طاقته، وبدأنا أول مشوار الرصف”.
ويتابع السعدي حديثه لـ “صوت إنسان”: “لم تكن تلك المبالغ كافية لإكمال العمل، لكننا رصفنا على مرحلتين مسافة ٢٦٠ متر، واستمر الشباب بطرق الأبواب فالمهمة لم تنتهي”.

قرية المبهاء

إحدى القرى الجبلية لمديرية جبل حبشي غربي تعز، يسكنها قرابة خمسة آلاف مواطن، وتربطها طرق وعرة عبر سلسلة جبلية، لا يسلكها سوى سيارات الدفع الرباعي.
جانب من المعاناة
“ما عانيناه طوال الفترة الماضية، بسبب الطريق ليس قليلا” يقول سعيد، من أبناء القرية المعلقة في أعالي الجبال، يحول بينه وبين السوق طريق وعر. ففي كل يوم أحد، يذهب مع متسوقي القرية، لشراء احتياجاته. يعتلي سيارة دفع رباعي عدد من الركاب، وتبدأ حالة الاستنفار، الجميع ممسكين بأيديهم على قوائم السيارة، في وضع القيام، أما عند العودة، فحدث ولا حرج، زحمة البضاعة، وحالة من الحشر يعيشها الركاب حتى عودتهم للقرية، وهكذا دواليك، فالأيام كلها متشابهة.
طرق وعرة غير معبدة، تحمل الكثير من المخاطر، يتذكر معها الأهالي قصصا مؤسفة عايشوها، خلال مرورهم بهذه الطرق ذهابا وإيابا.

إقرأ أيضاً  القيود الأسرية تمنع الفتيات من تحقيق أحلامهن


تفاعل الإعلام


نجح الشباب خلال سنتين في تسويق مبادرة الأهالي، ونقل معاناتهم عبر وسائل الإعلام، ووصلت للمنطقة قنوات فضائية، كانت تغطياتهم فاتحة خير وتعريف بالمأساة، إضافة إلى إبراز النجاح الذي حققه الأهالي، وكانت التجربة بمثابة إلهام للمجتمع.

حشد الدعم
امتلك شباب المبادرة مهارات ساعدتهم في إنجاح تجربتهم، أهمها قدرتهم على التواصل مع تجار ووجاهات، وطرق أبواب كثيرة لحشد الدعم، لتتوج هذه الجهود بإعلان مجموعة شركات هائل سعيد أنعم رصف بقية الطريق، والتي بلغت 700 متر، بعد أن قام الأهالي في المرحلتين برصف نحو 260 متر، ليكسب الأهالي تعبيد كيلوا متر رصفا بالأحجار، وأصبحت مسافة الساعتين التي كان يقطعها الأهالي، إلى نصف ساعة، وأقل.
تكاتف مجتمعي
فارس المليكي مدير عام مديرية جبل حبشي يقول لـ “صوت إنسان”: أبناء جبل حبشي قدموا نموذجاً رائعاً في التفاعل المجتمعي، تجسد في رصفهم وشق الطرقات الوعرة، بصورة عكست الروح التعاونية والتكاتف المجتمعي، حيث تشكلت 120 مبادرة مجتمعية وشاركت في رصف 78 طريق بنحو 14.000 متر مربع في أكثر من 100 قرية ومحلة.
ويضيف المليكي: توجد العشرات من المبادرات المجتمعية التي تم تنفيذها بالخط العام للمديرية والذي يستفيد منها الآلاف من أبناء المديريات المجاورة وتعد شريان حيوي مهم يربط المحافظة ببعض مديرياتها بعد قطع الخطوط الرئيسية أثناء الحرب.
وبحسب المليكي فإن عدد المستفيدين من رصف الطرقات، بلغ قرابة 140 ألف نسمة، إضافة إلى استفادة عشرات الآلاف من المارين عبر المديرية.
وعن تواجد المنظمات في رصف الطرق، أشاد المليكي بدور المنظمات والمؤسسات الخيرية التي كان لها اسهامات ومساندات كبيرة لتلك المبادرات، كان أبرزها الصندوق الاجتماعي للتنمية، ومنظمة كير العالمية، ومنظمة البحث عن أرضية مشتركة، ومجموعة هائل سعيد، ومؤسسة نهر العطاء والعديد من المنظمات المحلية والدولية والمؤسسات الخيرية لها إسهامات محدودة، حد قوله.

تنشر هذه القصة بالتزامن مع نشرها في منصة ” صوت إنسان “ “وفقا لإتفاق بين المشاهد والوكالة الفرنسية لتنمية الاعلام CFI

مقالات مشابهة