المشاهد نت

“سليمان” يجسد قصة المهمشين مع النزوح في تعز

تعز – أسامة عفيف:

في قرية نائية وبعيدة عن صخب الحياة، ولد سليمان طنم، عام 1973، لأسرة مهمشة ضعيفة الحال، في منطقة جبل رأس بمحافظة الحديدة (غربي اليمن).
وفاقم موت والده من معاناته، إذ تزوجت والدته من عمه شقيق أبيه، لمواجهة ظروف الحياة وقسوتها. لكن ذلك فاقم من معاناة سليمان الذي توجه إلى سوق العمل وهو في السنة الخامسة من عمره، بدلاً من الذهاب إلى المدرسة. حينها طرق أبواباً كثيرة للبحث عن عمل يكفيه قوت يومه، وتنقّل بين الأعمال الشاقة، غير أنه في العشرينيات من عمره، أصيب بشلل نصفي أقعده 7 سنوات.
وبعد شفائه واجه سليمان معضلة في تحمل الأعمال الشاقة، فاتجه صوب مدينة تعز (جنوبي غرب اليمن)، لكنه لم يعثر على عمل يتناسب مع وضعه الصحي. فسافر إلى مدينة عدن (جنوب البلاد)، وهناك عمل كمحاسب لأحد الباصات التي تنقل طالبات كلية الطب في جامعة عدن، لكنّه كان على موعد مع حادثة أكبر.
يتذكر سليمان أنه كان راكباً في ذلك الباص حينما هوى به من أعلى الجسر إلى قاع البحر، لم يكن يجيد السباحة لولا أن طالبتين قامتا بإنقاذه يومها.
كان سليمان مستلقياً على سرير في أحد المشافي حينما أخبروه أن ساقه مكسورة نتيجة لسقوطه من مكان مرتفع إلى داخل البحر، تكفلت الطالبتان بعلاجه.
ما إن تماثل للشفاء حتى قرر الزواج والنزوح إلى مدينة تعز، وفيها وجد نفسه مجبراً على اختيار مهنة الخرازة (إسكافي) كمصدر رزقه وحيد، بعد أن قست عليه نوائب الأيام، وأثخنت جسده ويلات النزوح والمرض.

"سليمان" يجسد قصة المهمشين مع النزوح في تعز

في رحلة النزوح إلى “حيس”

مع بداية الحرب في اليمن، كان سليمان و10 أسر من فئة المهمشين، يحزمون ما تبقى من أجسادهم التي نالها شبح الجوع في العراء، عازمين النجاة من الحرب في رحلة ليست أقلّ قسوة منها.
أجساد نحيلة قطعت الوديان والجبال، مشياً على الأقدام، ولمدة 7 ساعات متواصلة، وبملامح سوداوية أصيلة، لم تخفِ ذرات الرمال المتناثرة على وجوههم، علامات القلق الممزوج بحسرة الفراق لمساكنهم المهترئة في مدينة تعز.
كان سليمان يحمل اثنين من أطفاله، فيما الثالث مازال في رحم زوجته صفية التي رافقته أملاً في رحلة تنتهي لاحقاً بالوصول إلى مسقط أصدقائه في حيس، لم يكن لدى سليمان وزوجته سوى 2500 ريال يمني (3 دولارات أمريكية).
مرّت ساعات الرحلة ثقيلة عليهم، إذ نفد الماء القليل الذي كانوا يحملونه، وكاد ينفد أملهم في الخلاص.
في ثنايا الرحلة الطويلة لم يجدوا في طريقهم الطعام، وكلما استوقفوا أحداً صدموا برفضه. ولدى وصولهم منطقة هجدة (غرب مدينة تعز) جلست صفية وأطفالها وسط شمس الظهيرة الحارقة، تبكي على قارعة الطريق. توقف سائق شاحنة صغيرة، وحملهم إلى جانب 10 أسر نازحة، إلى منطقة حيس التابعة لمحافظة الحديدة، حيث انتهت رحلة سليمان.
وهناك عمل أصدقاؤه وأخواله المهمشون، على إنشاء الخيام للأسر التي نزحت برفقة سليمان وزوجته صفية.
خيام لم تصمد طويلاً، إذ أطاحت بها الرياح، وجرفتها سيول الأمطار في فترة ولادة صفية، فكانت تهيم على وجهها قابضة على طفليها كمن يقبض على الأمل.
الأمل ذاك تجسد في رحلة جديدة للنزوح، هروباً من الحرب التي اشتعلت بين الحوثيين والقوات الحكومية هذه المرة.

إقرأ أيضاً  إيناس تتحدى الإعاقة وتلهم المجتمع  
"سليمان" يجسد قصة المهمشين مع النزوح في تعز

الجوع أخرجهم للتسول

في رحلة النزوح الثالثة، توجه سليمان إلى منطقة جبل رأس، حيث يسكن أهل زوجته صفية. لم يكن ذلك الخيار الأمثل، وخصوصاً بعد طردهم في العراء من قبل والد صفية، قبل رحلة النزوح الأولى، بحجة أن زوجها عاطل عن العمل.
خرجت صفية من بيت أبيها ليلاً، ومعها زوجها وأطفالهما، دون وجهة محددة، يتحسسون ما تبقى لهم من حب في البقاء، باتوا الليل وهم يفترشون رمال الصحراء.
وبعد رحلة الموت هذه قررت الأسرة العودة إلى مدينة تعز، سواء استقر بهم الحال تحت التراب أو حياة بائسة فوقها، حياة تتخللها المآسي من كل جانب، فلا سبيل لهم الآن بعد أن طرقوا سبل الأهل والأقارب، ولم يجدوا ملاذاً يحتضن أجسادهم المتعبة.
لم يتوقف عناد الحياة، فمازالت أهوال كبيرة تنتظرهم في تعز، وشبح الفاقة والجوع الذي يجبرهم على الخروج للتسول. وذات مساء خرجت صفية علها تجد ما يسد جوع طفلها الأصغر، لكنها عادت خالية الوفاض.

"سليمان" يجسد قصة المهمشين مع النزوح في تعز

حرمان المهمشين من الإغاثة

معاناة سليمان وزوجته، دفعت بطفلهما محمد (12 عاماً) للخروج في صباح كل يوم للعمل في حمل أكياس السكر والأرز حتى المساء. عمل مضنٍ يقوم به جسد الطفل النحيل للحصول على بعض الاحتياجات الضرورية لأسرته. لكنها لا تكفي، ما يجعلهم عرضة للجوع.
وعانى بعض المهمشين من عمليات نزوح متعددة، ولم يسمح لهم بالعيش في أراضٍ خاصة، وفق التقرير الأخير لخبراء الأمم المتحدة المعني باليمن، الذي تلقى بلاغات تفيد بإزالة المهمشين من عمليات التقييم وقوائم توزيع الإغاثة في تعز.

مقالات مشابهة