المشاهد نت

حين تكون المنازل أكثر بوحًا…!

صورة تعبيرية

تعز – فاطمة العنسي :


“وجود عمي (والد زوجي)، أطفالي وزوجي، ضغط أعمال المنزل المتواصلة طوال اليوم أثناء الحجر المنزلي، وتعرضي للكثير من الانتقادات المتكررة من زوجي وعمي، زاد من معاناتي، تعرضت لضغط نفسي كبير، كدت أنفجر، لا أتمنى عودة كورونا أبدًا”، تقول نجوى (25 عامًا).
نجوى (اسم مستعار) من النساء في اليمن اللواتي تعرضن إلى إساءة نفسية أثناء الحجر المنزلي خلال جائحة كوفيد 19. وتضيف: “مُنعت من الخروج، وأصبح زوجي شديد الطباع، يعاملني بقسوة، برغم أن زواجنا قائم منذ 8 سنوات، إلا أن سوء المعاملة والتنمر وعدم تقديره لي أزداد بشكل لافت خلال الحجر المنزلي، سبب ذلك لي الاكتئاب، ولا زلت أشعر بأن لا قيمة لي في الوجود”.
وتؤكد هند (28 عامًا)، بأنها كرهت المنزل أثناء الجائحة، لما تعرضت من عنف نفسي من زوجها وأسرته، لاسيما عقب عودة أخو زوجها وأسرهم من السعودية نتيجة إغلاق أماكن أعمالهم.
وتتابع هند بالقول: “كبرت أعباء الحياة على زوجي، وأصبح مسؤول على أسرتين، وأنا تحملت أعمال المنزل، ودون حس بالمسؤولية كنت أُعامل كخدامة، كان زوجي كثير الصراخ معي، مما زاد حالتي النفسية سوءًا، تفاقم الأمر إلى أن أدى إلى الطلاق، ذهبت إلى بيت أهلي ولم يسمح أبي لي بالعودة إلا إلى بيت مستقل”.
وتستطرد قائلة: “آثارًا نفسية لحقت بي، ولا زلت أعانيها حتى الآن، ودائمًا أفضل العزلة والصمت المتواصل”.
تفاقم
فاقمت جائحة كوفيد 19 من العنف ضد المرأة، لاسيما فترة البقاء في المنازل وإغلاق المدارس وأماكن العمل، فبحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية، بعنوان “كوفيد-19 والعنف ضد المرأة في إقليم شرق المتوسط”، أن الإقليم يأتي في المرتبة الثانية على مستوى العالم من حيث انتشار العنف ضد المرأة (37%)، وأن هناك زيادة في حالات العنف خلال الجائحة بنسبة تتراوح من 50% إلى 60% بناءً على مكالمات الاستغاثة التي تُجريها النساء عبر الخطوط الساخنة لمنظمات المرأة.
دخلت اليمن حيز الإغلاق والعزل المنزلي، في سبيل الحد من انتشار فيروس كورونا المستجد، عند الإعلان عن أول حالة إصابة بمدينة الشحر بحضرموت (شرق البلاد) في العاشر من ابريل 2020، لتتحول المنازل إلى مكان “غير آمن”، ودائرة العنف اتسعت بضحايا جدد استجد بهن الفيروس المستجد في اليمن.

حين تكون المنازل أكثر بوحًا…!
انفوجرافيك توضيحي


مسح ميداني
في مسح ميداني أجرته المحررة، استهدف 60 امرأة، تبين أن (27 امرأة) تعرضت للإساءة النفسية أثناء الحجر المنزلي، مقابل (28 امرأة) لم تتعرض لأي إساءة، فيما (5 نساء) فاقم الحجر المنزلي من تعرضهن للإساءة.
وأظهرت نتائج المسح الذي تضمن تعبئة استبيان إلكتروني، بأن غالبية من تعرضن للإساءة النفسية تتراوح أعمارهن بين (20- 35)، ونحو 75% منهن يحملن شهادات البكالوريوس.
وأوضحت النتائج بأن أبرز صور الإساءة تمثلت بـ سوء المعاملة، التنمر، الشتائم، وتهديد بترك العلاقة، وأن مصدرها الزوج بنسبة 28.9%، ومن ثم الأخ بنسبة 23.7%، ومن شخص خارج الأسرة بنسبة 18.4%، وتوزعت بقية النسب من الأب وأهل الزوج ومشرف العمل وآخرون.
وأرجع المسح إلى أن الأسباب التي أدت إلى هذه الإساءات هي نفسية بـ 37.5%، واقتصادية بـ 34.5%، فيما 24% منها تعود لأسباب اجتماعية، فيما بقية الأسباب هي سياسية وصحية، مبينًا الآثار الناتجة عن الإساءات، أبرزها الاكتئاب والشعور بالخوف، وفقدان السيطرة على الأمور، والشعور بالإجهاد، واعتلال في الصحة.
وأظهر المسح محاولة 42.2% من النساء اللواتي شملهن، وضعن حلول ومعالجات لهذه الإساءات، إلا أنها لم تنجح.

خط ساخن


فاقمت جائحة كورونا المستجد وتداعياتها من العنف القائم على النوع الاجتماعي، وخاصة النساء والفتيات، وزادت حالات الاكتئاب والقلق والشعور بالإجهاد، بالإضافة إلى ارتفاع معدل الطلاق، بحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان.
ولمواجهة ذلك أنشئ الصندوق 18 خطًا ساخنًا لمساعدة الناجيات/ ـين من العنف، حيث تلّقى 18,000 شخص دعمًا نفسيًا متخصصًا منذ 2018حتى 2020م، فيما تلقّى 25,000 من الناجيات/ ـين من العنف الدّعم النفسي من خلال الاستشارة الشخصية.
واتفق أمجد ياسين مسؤول التواصل والاتصال في الخط الساخن المجاني 136الذي أنشاءه الصندوق الأممي لاستقبال ومساعدة الناجيات من العنف النفسي والأسري، بتقديم استشارات شخصية لهن، مع نتائج المسح مقدرًا نسبة النساء اللاتي تعرضن للعنف خلال فتره كورونا بـ 39% في 2020م، مقارنة بـ 28%، في 2019.
حلقة مغلقة
وأرجحت أنسام صبره مسؤولة الدعم النفسي في مركز الإرشاد الأسري، إلى أن الوضع الاقتصادي المتدهور في اليمن، هو السبب الرئيسي في تزايد حالات العنف النفسي، وأضافت: “كثير من الحالات التي تصلنا تؤكد بدء ممارسة العنف تجاههن من بداية الحرب، أو فترة كورونا، وما تخللها من وضع اقتصادي سيئ لكثير من الأسر، مما يجعل رب الاسرة يفقد سيطرته على الأمور من حوله”.
وتابعت: “العنف حلقة مغلقة من حرب وضغوطات الحياة التي تقع على عاتق النساء، بالإضافة إلى الرجال والدليل ارتفاع حالات الذهان لديهم بشكل مفجع، كثير من الحالات نعمل على معالجة رب الاسرة لترسيخ الاستقرار في الأسرة”، مؤكدة على أن العنف النفسي آثاره وخيمة وطويلة المدى ليس على المرأة فقط وانما على الأطفال كذلك”.
تعثر مادي
وعلقت الاخصائية النفسية انتصار الرداعي أن “تقليص ساعات الدوام واغلاق بعض الأعمال، والذي تزامن مع شهر رمضان الكريم، أدى بدوره إلى زيادة الاحتكاكات والضغوطات النفسية داخل الأسرة، من غضب، ضغوطات، إحباط، وقلق، دفع ثمنها النساء والأطفال”.
وأشارت الرداعي إلى أن التعثر المادي للأسر ألقى بظلاله على المرأة بإلزامها تدبير أمور المنزل، الأمر الذي فاقم من تعرضها للعنف النفسي، مضيفة: “تواصل الأسرة وتعايشها في زمن كورونا أصبح عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ بسبب ما سببه الحضر من ضغوطات واكتئاب، وهذا العنف الذي تعرضن له النساء لا شك ستظهر آثاره فيما بعد”.
وتأكيدًا لرأي الرداعي، قالت صبره أن الاثار المترتبة للعنف النفسي تجاه النساء اللاتي تعرضن له أثناء جائحة كوفيد 19 يتضمن: الإيذاء النفسي والانتحار، الاكتئاب واضطرابات القلق، مشاكل الكحول، استخدام التبغ، الحمل غير المرغوب فيه، الاعتلال في الصحة، مؤكدة على أن أعلى نسبة للعنف النفسي خلال تلقيهم الشكاوى تتمثل بالشتم والاهمال وسوء المعاملة، وأن أغلب الحالات تفتقر للثقة بالنفس وتعاني من الاكتئاب الحاد.
تحمل المسؤولية
أكدت فهمية الفتيح مسؤولة الإعلام والتواصل بصندوق الأمم المتحدة للسكان، أن الحروب والكوارث الصحية تدفع ثمنها بالدرجة الأولى النساء وتصبح المسؤولية وتحمل أعباء الحياة مضاعفة عليها، كما هو الحال في اليمن التي تشكل فيه النساء والأطفال أكثر من 76% من إجمالي عدد النازحين في اليمن البالغ عددهم 3 مليون.
وأوضحت الفتيح بأن “الصراع في اليمن، وغياب التمكين والدعم الكافي، عرض النساء إلى استراتيجيات التكيف السلبية مثل الزواج المبكر، العزوف عن التعليم وعمالة الأطفال، وجعلهن الأكثر تعرضا للعنف النفسي لاسيما في المنازل”.
ويولي صندوق الأمم المتحدة للسكان، اهتمامًا كبيرًا بالنساء والفتيات في السلم أو في الصراعات حيث تزيد هشاشتهن وتزداد احتياجاتهن للحماية والتمكين، واستهدافهن ببرامج تدريبية في مجال سبل كسب العيش خاصة للأسر الفقيرة والمحتاجة والتي من شانها خلق واقع جديد، بحسب مسؤولة الإعلام والتواصل في الصندوق.
وأوضحت الفتيح بأنه “مع ازدياد النساء المحتاجات للدعم والتمكين هذا العام، قام الصندوق برفع عدد المساحات الصديقة الآمنة للنساء والفتيات في عدد من المحافظات إلى قرابة 51 مساحة، وتقدم العون والعديد من أنشطة التمكين الاقتصادي وسبل العيش، كما أن شراكات الصندوق تغطي 21 محافظة يمنية”.
حلول ممكنة
وتعرف المساحات الآمنة أنها “موقع رسمي وغير رسمي تشعر فيه الفتاة بالأمان، وتشير كلمة آمان لغياب الصدمات النفسية والضغط المفرط والإيذاء أو سوء المعاملة، ويستطعن التعبير عن أنفسهن دون خوف”.
وتعتبر المساحات الآمنة أماكن لتوفير الفرص وتبادل المعلومات والتواصل، وتقديم الدعم للنساء وتوفر لهن بيئة آمنة بالإضافة إلى الأسر الفقيرة والمتضررة، حسب دليل تأسيس المساحات الآمنة للنساء والفتيات الخاص بصندوق الأمم المتحدة للسكان.
تم إنتاج هذه المادة كإحدى مخرجات برنامج ” الكتابة الصحفية الجيدة لقضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي في ظل جائحة كوفيد19″ الذي ينفذه مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA

مقالات مشابهة