المشاهد نت

إجراءات تنذر بالخطر… طردٌ من فصول الدراسة!

صورة تعبيرية

صنعاء – زكريا الوافي:

بعد الضرب بالعصا على اليدين، والوقوف بجانب السبورة لقرابة نصف ساعة، وتلقي التوبيخ والإساءة النفسية والعاطفية، قررت المعلمة طرد فؤاد من الفصل الدراسي وحرمانه من حضور بقية الحصص.
“شعرت بالانكسار والظلم أثناء تلقي العقاب أمام بقية الطلاب، وكانت هذه المشاعر أشد وجعًا من العقاب الجسدي واللفظي”، كما يقول فؤاد، فلا ذنب اقترفه لتصب عليه المعلمة غضبها عدا أنه ينتسب لأسرة فقيرة تعمل بكل طاقتها لتوفير الاحتياجات الضرورية حتى لا تمد يدها للناس.

أساليب عقابية

مجانية التعليم التي حمتها القوانين منذ ثورة 26 سبتمبر، صودرت في المحافظات التابعة لسيطرة جماعة الحوثي (أنصار الله)، وفرضت المدارس رسومًا شهرية إجبارية على الطلاب، ومن يعجز عن الدفع يحرم من الدراسة، ودخول الامتحانات الشهرية، ويتعرض لعقوبات مستمرة، كما حدث لفؤاد؛ الطالب في الصف السابع من التعليم الأساسي بإحدى المدارس الواقعة شمال أمانة العاصمة.
يقول فؤاد، وعلامات الخجل والحزن ترتسم على وجهه: “أدفع الرسوم الشهرية بانتظام، ومن دون اعتراض، وفي شهر نوفمبر الماضي تأخرت عن السداد بسبب ظروف أسرية، لكن المعلمة لم تقبل العذر، وتعرضت للعقاب والطرد”.
للعام الثاني على التوالي، والمدارس في محافظات سيطرة الحوثيين تفرض مبلغ 1000 ريال شهريًا على كل طالب، دون مراعاة للظروف المعيشية الصعبة للأسر، التي خلفتها الحرب، وانقطاع مرتبات الموظفين.
ورفضت قيادات بوزارة التربية والتعليم بصنعاء، الحديث عن الرسوم الشهرية، مع معد التقرير، إلا أن هناك تصريحات متناقضة حولها، حيث يوضح وزير التربية والتعليم ببيانات سابقة أن الرسوم اختيارية، وليست إجبارية، ولا يجوز طرد الطالب من المدرسة بسببها، فيما قيادات أخرى من ضمنها همدان الشامي، نائب وزير التربية والتعليم بصنعاء، تعتبرها مساهمة مجتمعية، ويسمح بها الدستور.
تعامل إدارات المدارس مع الطلاب المتخلفين عن السداد، ينفي فرضية أن تكون الرسوم اختيارية، ما يجعل الإجراءات تتعارض مع المادة 9 من القانون العام للتربية والتعليم رقم 45 لسنة 1992، التي شددت على أن التعليم مجاني في كل مراحله، وتكفله الدولة، والمادة 9 التي تلزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص في التعليم، ومراعاة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تقف عائقًا أمام بعض الأسر للاستفادة من حق أبنائهم في التعليم.

آثار تبقى في النفس

بالأسلوب ذاته طردت صفية؛ الطالبة في المرحلة الثانوية، من الفصل، وحولتها المعلمة المختصة بجمع الرسوم، مع مجموعة من زميلاتها، إلى إدارة المدرسة، وكدن يحرمن من الاختبار الشهري لولا تعهدهن بالسداد في اليوم القادم، وعدم التأخر مجددًا.

لا تتوقف تبعات فرض الرسوم عند الآثار النفسية فقط، وتعد بمثابة مسمار أخير في جسد العملية التعليمية التي تعاني من كثير من الاختلالات والإشكاليات، لاسيما منذ اندلاع الحرب في مارس 2015، حيث وصل عدد المدارس التي توقفت عن العمل بسبب الحرب، إلى أكثر من 2500 مدرسة، دُمر منها نحو 66% بسبب العنف المباشر


وتنعكس تلك الأساليب العقابية سلبًا على نفسية الطالب الذي يُمارس ضده العقاب الجسدي واللفظي، والطرد من الفصل أو حتى التهديد بالطرد أمام زملائه، ويحس بالنقص والدونية والحرج من كونه لا يستطيع السداد، كما تقول الأخصائية الاجتماعية منى الرباصي.
وتضيف الرباصي: “إدارات المدارس تستخدم أساليب عقابية قاسية حتى لا يتوانى الطلاب عن الدفع، ولا تضع في حساباتها الآثار المترتبة عليها، أو وضع الأسرة، وعدم قدرتها المالية، خصوصًا أن بعضها لديه العديد من الأطفال في المدرسة”.
ولا تتوقف تبعات فرض الرسوم عند الآثار النفسية فقط، وتعد بمثابة مسمار أخير في جسد العملية التعليمية التي تعاني من كثير من الاختلالات والإشكاليات، لاسيما منذ اندلاع الحرب في مارس 2015، حيث وصل عدد المدارس التي توقفت عن العمل بسبب الحرب، إلى أكثر من 2500 مدرسة، دُمر منها نحو 66% بسبب العنف المباشر، وأُغلقت 27%، فيما تُستخدم 7% من المدارس لأغراض عسكرية أو أماكن إيواء للنازحين.
وتسهم الرسوم في تعقيد المشكلة التعليمية في اليمن، والدفع خارج المدرسة بمزيد من الأطفال الذين وصل عدد المتسربين منهم من التعليم إلى أكثر من 3.7 مليون طفل من إجمالي 7.3 مليون طفل في سن الدراسة، وتسبب الفقر بتسرب 37% منهم، بحسب إحصائيات منظمة اليونيسف.

إقرأ أيضاً  نظرة قاصرة تجاه الصيدلانية في اليمن

مبررات واهية

انقطاع رواتب قرابة نصف المعلمين بالمدارس الحكومية في 11 محافظة -الذين يقدر عددهم بـ160 ألف مدرس- عدا من أنصاف مرتبات غير منتظمة، والحافز الذي تصرفه منظمة اليونيسف، أسهم في تدهور أوضاع المعلمين، وتركهم العمل في المدارس، والبحث عن وظائف أخرى يعيشون منها.
وهذا ما تتذرع به حكومة صنعاء لفرض الرسوم، إذ إنها تتحجج بتقديمها كمساعدات للمعلمين لاستمرار الدراسة، إلا أن عبدالسلام ناصر الذي يعمل مدرسًا في أمانة العاصمة، يؤكد أن المبالغ التي تؤخذ من الطلاب تذهب إلى جيوب إدارات المدارس ومكاتب التربية، ولا يصل للمدرسين إلا الفتات.
وتقول الرباصي: تأمين مرتبات المعلمين من مسؤولية الدولة، وليس أولياء الأمور، ولا تعد الرسوم مبررًا لحرمان الطلاب من الدراسة، وتركهم عرضة لمخاطر الاستغلال وسوء المعاملة، ودفعهم إلى الالتحاق بالجماعات المسلحة، أو عمالة الأطفال والزواج المبكر، وغيرها من الانتهاكات التي تقضي على طفولتهم، وعلى فرص العيش الكريم، وتدمير مستقبل البلد.
اتفاقية حقوق الطفل التي تم إدراجها ضمن القانوني الدولي عام 1989، وصادقت عليها الجمهورية اليمنية عام 1991، تؤكد في المادة 28 على أن تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في التعليم، وتحقيقًا للإعمال الكامل لهذا الحق على أساس تكافؤ الفرص، تقوم بإجراءات تضمن أن يكون التعليم إلزاميًا ومتاحًا مجانًا للجميع، وتقدم الدول المساعدة المالية عند الحاجة إليها، علاوة على اتخاذ تدابير لتشجيع الحضور المنتظم في المدارس، والتقليل من معدلات ترك الدراسة. إلا أن الرسوم الإلزامية تخالف الاتفاقيات الدولية والقوانين الوطنية، وتجعل مستقبل الأجيال في مهب الريح.
وعلى الرغم من شعور فؤاد بالإهانة، إلا أن ذلك لم يثنه عن حب الدراسة، لكن إخوته الثلاثة الأصغر منه، ومعهم آلاف الأطفال، تغيرت نفسيتهم من المدرسة، وبدأوا يختلقون الأعذار والحجج للتغيب عن المدرسة، والبقاء في البيت أو الشارع، كما يؤكد والد فؤاد.

  • تم إنتاج هذه المادة من قبل شبكة إعلاميون من أجل طفولة آمنة التي يديرها مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، وبتمويل من اليونيسف (منظمة الطفولة).
مقالات مشابهة