المشاهد نت

المرأة و الميراث.. حق مسلوب

صنعاء – أبرار فهيد :

“ما فيش عندنا نسوان يورثن” رد تلقته السيدة (ك-ع) من شقيقها الأكبر، عندما طالبت بنصيبها من إرث والدها. تختصر (ك-ع) قصتها قائلةً:”توفي أبي وأمي وأنا في عمر العشرين عاماً، عشت حينها مع أخي الذي يكبرني بأربع سنوات والذي بدأت ألحظ تغييراً كبيراً في معاملته لي خاصةً بعد رفضه للكثير من الخطاب الراغبين بالزواج بي هكذا ودون مبررات”.
تمتلك (ك-ع) مشروعها الخاص القائم على تصوير المناسبات والأعراس؛ لكن عملها الخاص كذلك لم يسلم من أخيها الذي يجبرها على إعطائه مبلغًا شهرياً منه في كل مرة.
وتتابع حديثها:” في يوم فتحت معه الموضوع عن نصيبي من الإرث، بحكم أن الوالد كان تاجراً، وأعرف أن معه أملاك وأراضي، صحيح أنني كنت متخوفة جداً أن أفتح الموضوع معه؛ خاصة بعدما لاحظت تغيره؛ لكن هذا من حقي وأقل شيء أنني أسأل عنه، تفاجأت عندما قاطعني بالقول “مافيش عندنا نسوان يورثن”، أنتِ أيش بتسوي بالفلوس؟.. أنا رجال البيت، وأنا الأولى، ماتفتحيش هذا الموضوع معي إطلاقا!”.
لم تحرم (ك-ع) من نصيبها في الإرث فقط بل حرمت من الزواج حسب ما ذكرت :”تمنيت أن أفتح بيتاً وأتزوج، وأشوف حياتي بعيداً عن كل هذا الظلم، إلى جانب أن حقي معه، فأنا أصرف عليه, وأيضا رافض فكرة زواجي، والعمر يمضي، أنا تعبانة نفسياً من الظلم اللي أعيشه”.
وتضيف:” أنا حالياً أشتغل وأدرس وأصرف على نفسي وأخي، وورثي الذي هو حق من حقوقي مسلوب مني، وما عندي أحد أثق فيه يسندني آخذ حقي من أخي”.

ويعلق وزير الأوقاف اليمني السابق، عضو لجنة صياغة الدستور وعضو نادي القضاة اليمني الدكتور أحمد عطية على حرمان المرأة من الميراث في بعض المجتمعات قائلًا:” بالنسبة للشريعة الإسلامية فقد أولت المرأة اهتمامًا بالغًا في كل المجالات وتحديداً في مجال حقوقها المالية والمادية، وفيما يخص مسألة الميراث فإن الله عز وجل من تكريمه وتشريفه للمرأة لم يترك موضوع توزيع الميراث إلى نبيه مثلًا، بل تولاه الله بنفسه، وخصه في القرآن الكريم مباشرة، ليضع أمامنا دلالة قاطعة أن المرأة تحظى بمكانة كبيرة في ديننا الحنيف خاصةً هذا الجانب”.
وأردف:”كما ذكر الشرع عاقبة من يحرم امرأة من إرثها سواء كان من إرث أبيها أو ابنها وحال دون حقها فيه، فإنه لا يدخل الجنة”، مستدلًا بحديث الرسول الله صلى الله عليه وسلم (من حرم وارث من إرثه لن يرح رائحة الجنة)، وتابع: “نحن أمام تشريع إسلامي عظيم أعطى المرأة حقها فيما يتعلق بالميراث وجعل الكثير من الناس الذين يقفون أمام ميراث المرأة يتلقون كثير من العقوبات سواء كانت في الدنيا بموجب القانون اليمني أو في الآخرة”.

احتيال على المرأة

في الكثير من المناطق في اليمن يحتالون على المرأة بأن يعطوها أقل من حقها؛ أو لا يدعونها تحصل على شيء، وهذا ظلم كبير في حق المرأة، كما يقول القاضي عطية، مضيفاً:” يجب أن يقف كل رجال العلم والقانون والقضاء في صف المرأة لتحصل على نصيبها المكتمل بموجب أحكام الشريعة الإسلامية الغراء”.
أما القاضية أميمة عريشي (عضو اللجنة الشخصية لمحكمة استئناف عدن) فقد أكدت أن الذين يحرمون النساء من الميراث أو يتحايلون في ذلك، بالإضافة لكونهم خالفوا الشرع، وخالفوا إجماع علماء المسلمين، فقد تأسوا بأعمال الجاهلية.
وتضيف القاضية :”من واقع الحال ذكر القرآن الكريم كل هذه الأحكام، ففي سورة النساء الآية رقم [2] و[3] تم تلخيص الموضوع بشكل دقيق، والواجب على جميع المسلمين العمل بشرع الله في المواريث وغيرها والحذر مما يخالف ذلك، والإنكار على من أنكر شرع الله، أو تحايل لمخالفته بحرمان النساء من الميراث أو غير ذلك مما يخالف الشرع”.
كما قدمت القاضية نصيحة لمن تعرضن لسلب الميراث :” الواجب عليكن الرفع إلى ولاة الأمور بمن يدعو إلى حرمان المرأة من الميراث أو تحايل في ذلك؛ حتى يعاقب بما يستحق بواسطة المحاكم الشرعية”.
ومن خلال القضايا التي مرت على القاضية أميمة عريشي في هذا الإطار تقول “إن جزءاً من المشكلة تقع على عاتق النساء أنفسهن، كونهن لا يعرفن أن لهن حق في الميراث كفله لهن الدين، كما أن غالبيتهن حتى وإن طالبن بحقوقهن يطلبن على استحياء”.
تختم عريشي حديثها : “نحن بحاجة إلى حملة توعية متكاملة بحقوق النساء في الميراث”.

حرمان من الميراث

وبحسب المحامي والمستشار القانوني رئيس المركز الأمريكي للعدالة ACJ عبدالرحمن برمان، فإن حرمان المرأة من ميراثها يعتبر حرمانها من أهم حق من حقوقها المدنية التي كفلها لها الشرع والقانون، ورغم ذلك فإن الواقع في كثير من المناطق وخاصة الأرياف لايزال مخيبا للآمال و لازالت المرأة لا ترث.
ويضيف برمان :”تجاوز ذلك الأمر أبعاد مختلفة، حيث يتم في كثير من الأحيان تزويج المرأة عنوة من داخل الأسرة؛ حتى لا يذهب الميراث لأشخاص من خارج الأسرة، وهذا يعتبر انتهاكاً آخراً تعانيه المرأة”.
وتابع برمان “:أوجبت الشريعة الإسلامية للمرأة حقوق في الميراث، وأيضًا حذرت من ظلمها، وجعلت للمرأة ذمة مالية مستقلة عن زوجها وأبيها وإخوتها، كما جاءت القوانين اليمنية لتؤكد هذا الأمر”.
ويترتب على حرمان النساء من الميراث الكثير من المآسي، وتردي الوضع النفسي للمرأة،وفق ما تؤكده (م.ج) البالغة من العمر 40 عامًا والتي تسكن في ريف تعز.
وتروي (م.ج) قصتها قائلة:” باع إخواني أرضية بقرابة ٤٠ مليون ريال، وكنت منتظره نصيبي بحكم إن هذا الورث الوحيد من أبي، لأتفاجأ بالمبلغ الذي تفضلوا به علي(15ألف ريال!) على الرغم أني كنت أم لأيتام ووضعي المادي صعب للغاية”.
مرت(م.ج) بفترة سيئة جداً فهي لم تكن تتوقع أن نصيبها من 40 مليون هو15 ألف فقط، وتضيف”:كنت حاملة مسؤولية بيت، ومنتظرة وقت بيع الأرضية، وسعيدة أنني سأحصل على مبلغ مالي يساعدني على تحسين ظروفي المعيشية، لكن للأسف ظُلمت ومريت بأيام صعبة بسبب القهر والظلم الذي حصل لي”.

إقرأ أيضاً  عمالة الأطفال في رمضان

ثقافة ذكورية

تعتبر خبيرة النوع الاجتماعي ورئيسة مؤسسة وجود للأمن الإنساني مها عوض هذه الظاهرة شكلاً من أشكال العنف نتيجة للتمييز القائم ضد المرأة، ضمن السلطة الأبوية التي تبدأ من الأسرة، فحرمان النساء من الإرث يمثل انتهاكاً لحقوق النساء المقررة شرعاً وقانوناً، وهذا نتاج الثقافة المجتمعية المتجذرة في فرض سيطرة السلطة الذكورية على النساء والتحكم بحقوقهن، بحسب عوض.

رغم صراحة وقوة نصوص ومواد القانون اليمني والدستور الذي منح المرأة الحق في نيل حقوقها، إلا أن موقف القضاء من تطبيق القانون والدستور ما يزال ضعيفاً، فبحسب ما جرت عليه العادة أن إجراءات التقاضي في المحاكم حول حقوق الميراث تطول أكثر مما تحتمل المرأة مادياً ومعنوياً


وإذا نظرنا في شأن المسائل والقضايا المتعلقة بميراث المرأة في اليمن يعتبر اليمن بشكل عام أحد أكثر البلدان التي تتعرض المرأة فيها للاضطهاد على عدة مستويات حيث يصل الأمر إلى حرمانها من حقها الذي يقره القانون والشريعة الإسلامية، بحسب المحامي هشام عثمان.

إطالة أمد التقاضي

ومن الإشكاليات التي تواجهها المرأة في استرداد حقها من القضاء، إطالة التقاضي، فقد يفنى عمرها وهي تتابع لنيل حقها، لذا فنحن بحاجة إلى إصلاحات قضائية وقانونية تجعل قضية الميراث من القضايا المستعجلة أمام القضاء، بحسب برمان.
ورغم صراحة وقوة نصوص ومواد القانون اليمني والدستور الذي منح المرأة الحق في نيل حقوقها، إلا أن موقف القضاء من تطبيق القانون والدستور ما يزال ضعيفاً، فبحسب ما جرت عليه العادة أن إجراءات التقاضي في المحاكم حول حقوق الميراث تطول أكثر مما تحتمل المرأة مادياً ومعنوياً، كما أن تأخر الفصل في القضايا قد يحول دون حصول المرأة على حقها، فقد صدر مؤخرًا قانون الرسوم القضائية الذي أوجب على كل من يريد تقديم دعوى قضائية للمطالبة بحقوق ما دفع رسوم قضائية تقدر بـ 1.5% من الحق المطالب به، ونظراً لظروف المرأة الصعبة، فقد لا تستطيع دفع ذلك، وبالتالي قد يؤدي هذا إلى حرمانها من حقوقها بشكلٍ أو بآخر، كما يقول المحامي عثمان.
ويضيف :”من المعروف أن إطالة أمد التقاضي في المحاكم اليمنية يعود لأسباب كثيرة أهمها تراكم القضايا، وقلة عدد القضاة، وعدم وجود الكادر الإداري الكافي، وكذا هيمنة القبيلة والأعراف والعادات التي جعلت من تنفيد الأحكام القضائية ضد أطراف الدعوى أمراً فيه من الصعوبة الكثير والكثير خاصة عندما يكون أطراف القضية والحكم إخوة أو أقارب، وإن كان في النهاية يتم تطبيق الشرع حيث حكم القضاء في عددٍ كبيرٍ من القضايا لصالح النساء، لكنها أخذت سنوات طويلة”.
ويشير عثمان إلى أن الأسباب التي ساهمت في تفشي هذه الظاهرة تتلخص في عدة عوامل كانتشار الجماعات المسلحة وضعف السلطات التنفيذية والقضائية أو غيابها، بالإضافة إلى جهل المرأة اليمنية بحقوقها وأحكام الشريعة الإسلامية والقانون، وبالتالي يصعب عليها المطالبة بحقوق تجهلها هي، فلا يزال الفكر الجاهلي مسيطرًا على الكثير من القبائل اليمنية، هذا فيما يخص الجانب الاجتماعي للظاهرة.
ويقول :”إذا أردنا تفنيد الجانب القانوني لميراث النساء في اليمن، فقد أكد الدستور الذي يعتبر الشريعة (القانون الإسلامي) مصدراً للتشريع على أن النساء شقائق الرجال، ولهن من الحقوق والواجبات ما للرجل، حيث فصّل قانون الأحوال الشخصية اليمني النافذ برقم 34 لسنة 2003 ميراث الرجل والمرأة، وفقاً لما ورد في القرآن الكريم”.
كما استعرض عثمان بشكل مفصل بعض نصوص القوانين التي كفلت المساواة في الحقوق الواجبات وعدم التمييز ضد المرأة بحسب المــادة (41): (المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة).. والمــادة(24):( تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وتصدر القوانين لتحقيق ذلك(.
يضيف المحامي عثمان: “وفقاً للدستور، وبشكل أكثر تحديداً، يحكم قانون الأحوال الشخصية لعام 1992 مسائل شأن الزواج والطلاق والميراث، كما ورد في باب الموارد والأصول أن للمرأة الحق القانوني في امتلاك الأصول من الأراضي وغير الأراضي، كما تحتفظ النساء بملكية وحق التصرف بممتلكاتهن وأصولهن الخاصة، التي لا تعتبر ملكية مشتركة (نظام الملكية الزوجية الاعتيادي هو الفصل بين الملكية)”.
إلا أنه وبرغم كل ذلك تنتشر ظاهرة حرمان الإناث من الميراث، على نحو كبير في المناطق الريفية في اليمن والذي يقطنه حوالي70%من إجمالي السكان البالغ عددهم حوالي 26 مليون نسمة”.
ويؤكد المحامي عثمان أن السبب الرئيس في ضياع حقوق المرأة التي كفلها لها الشرع والدستور هو الجهل السائد في بعض المناطق اليمنية، فضلاً عن ثقافة العيب في أن تقاضي المرأة أهلها.

ـ تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر الذي ينفذه مركز الإعلام الثقافي (CMC)

مقالات مشابهة