المشاهد نت

الوساطات المحلية… لماذا تفوقت على مساعي الأمم المتحدة في إحلال السلام في اليمن؟

عدن – فاطمة العنسي:

بجملة واحدة “تفاهمات محلية”، تتحرك ملفات جامدة، ويفصل بين قضايا أمضت سنوات طوالًا في المحاكم دون جدوى، إذ مازال للشيوخ والوجهاء بالمجتمع اليمني مكانتهم وأحكامهم التي تقف بالتوازي مع أحكام القضاء، والتي تنفذ عن ظهر قلب من قبل المواطنين، كون الوسيط واحدًا منهم ويثقون به.
يقول محمد بو صالح الكثيري، مدرب واستشاري في بناء السلام والتماسك الاجتماعي في حضرموت، إن وجهاء المجتمع لهم تأثير محلي كبير، كونهم جزءًا من هذا المجتمع، ويستطيع المواطن البسيط اللجوء إليهم، لحل الخلافات.

وساطات محلية ناجحة

حققت الوساطات المحلية، ما لم تستطع الأمم المتحدة تحقيقه منذ بدء الحرب مطلع العام 2015، ومن ذلك الإفراج عن عشرات المعتقلين اليمنيين، إذ أدت وساطة قبلية إلى الإفراج عن محسن، نجل نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر، المعتقل لدى الحوثيين منذ 2016، ومجموعة من مرافقيه، مقابل الإفراج عن رجل الدين المقرب من الحوثيين عبدالرحمن الديلمي، الذي اعتقله الأمن في محافظة مأرب، قبل عامين، أثناء عودته من أداء مناسك الحج.
وذكر مسؤول الدائرة القانونية في لجنة الأسرى التابعة للحوثيين، أحمد أبو حمزة، إن “هناك عمليات تبادل محلية تمت خارج إطار مشاورات السويد، إذ تم تبادل ما يقارب 400 أسير بعدد مماثل مع القوات الجنوبية التابعة للإمارات”.
وأشار أبوحمزة، في تصريح لوكالة “سبوتنيك” الروسية، إلى أن ما سماها “الوساطة المحلية” “عادت لتلعب دورها في عمليات تبادل الأسرى على المستوى المحلي، بعد عرقلة الإمارات والسعودية، لملف الأسرى في أعقاب مشاورات السويد، التي توقفت بشكل شبه كامل”.
وقال: “قبل المشاورات لم يكد يمر يوم أو أسبوع إلا وهناك عمليات تبادل كانت تتم بين الأطراف عن طريق القبائل والوساطات المحلية، وبعد هذا التوقف الطويل واللاإنساني توافقنا على إعادة عمليات التبادل للأسرى بالوساطات المحلية”.
ولم تصل الأمم المتحدة من خلال مبادرات عملية السلام التي تقودها عبر مبعوثها إلى اليمن مارتن غريفيث، إلى حلول لإنهاء الحرب، باستثناء صفقة التبادل التي شملت 1056 أسيرًا من طرفي الحرب باليمن، في أكتوبر الماضي، وفق ما يقول الكثيري.

إغفال أممي للوساطات المحلية

وأغفلت جهود الأمم المتحدة دور القبائل خلال المفاوضات التي دارت في سويسرا والكويت والسويد، رغم أنها طرف مؤثر على المشهد العام في البلاد، بحسب المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات، ماجد المذحجي، مشيرًا إلى أن الوساطات الخارجية الأممية على وجه الخصوص، بعيدة لعدم وجود وسائل اتصال فيها، ويمكن لأي جهود خارجية أن تستفيد وتأخذ بعين الاعتبار الوساطات المحلية وأدواتها، لحل النزاعات وتقريب وجهات النظر، وجميعها قادمة من العرف الاجتماعي القديم الذي يطبق إلى الآن في المجتمعات القبلية مثل اليمن.
وقال الكثيري إن الأمم المتحدة أو مكتب المبعوث الأممي أو حتى مجموعة التسع النسوية أو غيرها من المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، لا تعتمد على جلب مشائخ وأعيان قبيلة لها دور كبير في التأثير على المجتمع، بل تعتمد على منظمات غير مؤثرة في المجتمع.
لكن محمود البكاري، أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز، يقول: “لا نستطيع القول بأن الوساطات المحلية أثبتت فعاليتها في ما يتعلق بعملية الصراع وحل النزاعات والخلافات على المستوى الوطني، أكثر من مساعي الأمم المتحدة، ذلك لأن الصراع المحتدم في اليمن لايزال على أشده.
وأضاف البكاري لـ”المشاهد”: “بالتأكيد هناك محاولات تبذل بطابع وساطات محلية في قضايا محدودة تنجح إلى حد ما في رأب الصدع والتخفيف من حدة بعض المنازعات ذات الطابع الاجتماعي، وذلك بسبب الثقافة الاجتماعية السائدة التي تعلي من شأن العادات والتقاليد والاحتكام للأعراف الاجتماعية، فالتحكيم أو الوساطات لها حضور كبير في المجتمع اليمني، وتعمل جنبًا إلى جنب مع إجراءات التقاضي وتطبيق القانون”.
وتابع أن الوساطات المحلية تعبر عن حالة من عدم الاقتناع بدور مؤسسات إنفاذ القانون، نظرًا لما تتطلبه من جهود وتكاليف المتابعة، فيتم اللجوء لأسلوب التحكيم والوساطات كأقصر وأيسر الطرق.
وأكد أن هناك الكثير من المشاريع التي يتم تنفيذها من قبل مؤسسات المجتمع المدني، والتي تركز على إعمال مبدأ الوساطات والتحكيم لحل الخلافات والمنازعات بين مختلف المكونات المجتمعية، بهدف تحقيق الاستقرار المجتمعي وبناء السلام.

إقرأ أيضاً  خطورة المخدرات في «لقمة حلال»

تنبه متأخر

الوساطات المحلية الناجحة شجعت المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، الجمعة الماضية، على دعوة زعماء القبائل في اليمن إلى إيجاد “صيغة محلية” لإنهاء النزاع القائم، بوصفهم طرفًا فاعلًا ومؤثرًا على جميع الأطراف، في لقاء نادر ضمن مساعي مشاورات السلام التي تسعى لها الأمم المتحدة عبر مبعوثها.
وكان غريفيث يتحدث عبر الفيديو إلى اجتماع لزعماء قبائل يمنيين، في مدينة إسطنبول التركية، شارك فيه سفير الاتحاد الأوروبي هانس جروندبرج، بتنظيم مشترك من مركزي صنعاء للدراسات، وإدارة الأزمات الدولية.
وناقش اللقاء المسارات الممكنة لإدماج وتعزيز مشاركة القبائل في وقف الحرب، بما في ذلك عبر رجالها المنخرطين بالمعارك على جبهات مختلفة، أو الوساطات المحلية التي يقودونها لإنهاء الاقتتال وتبادل الأسرى والمختطفين.
ورأى عديد المشاركين، أن القبائل “أقحمت في المعركة، ووجدت نفسها تخوض غمار الحرب كردة فعل في ظل غياب الدولة”، وأكدوا ضرورة وقف الحرب، وإحياء مساعي السلام.
ويمهد اللقاء لمؤتمر عام للقبائل اليمنية، سيعقد في وقت لاحق، ضمن مساعٍ لحل النزاعات والخلافات، وتفكيك حالة الاحتقان بين القبائل، التي أعادت الحرب إذكاءها، بحسب المذحجي.

مقالات مشابهة