المشاهد نت

11 فبراير… 10 سنوات مرت دون تحقيق حلم الثوار

تعز – وفاء غالب:

بعد 10أعوام على اندلاع ثورة فبراير 2011 التي شارك فيها ملايين المواطنين، ماتزال اليمن تعيش أوضاعًا غير مستقرة، حيث طغت الحرب على ما سواها منذ سيطرة جماعة الحوثي على البلاد بقوة السلاح، في سبتمبر 2014، وما تلاها من مواجهات أدت إلى تشكيل تحالف عربي بقيادة السعودية.
ولاتزال ثورة فبراير تشكل جدلًا واسعًا بين اليمنيين الذين يرون أنها كانت ضرورة مع تزايد تدهور الأوضاع في البلاد، والارتفاع التدريجي المتسارع لمعدلات الفساد والبطالة، وآخرون يرون أننا وصلنا إلى ما هو أسوأ مما كان في السابق، بعد سيطرة جماعة الحوثي على أغلب محافظات الشمال، وتقاسم باقي المدن في جنوب اليمن بين ما يُعرف بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي”، والإمارات، والسعودية، وتوزع نفوذ الحكومة على مناطق هنا وهناك.

من الإجحاف القول إن ما يحدث حاليًا كان نتيجة للثورة الشبابية الشعبية التي خرج فيها الشعب اليمني بكل فئاته مطالبًا بالتغيير.


ويتمسك ثوار 11 فبراير حتى اليوم بتحقيق أهدافهم، إذ كانوا من أوائل الذين انضموا إلى صفوف المقاومة الشعبية التي تشكلت عقب انقلاب الحوثي في 2014، والذين يرون أن ما يحدث هو امتداد لثورتهم التي كان سيُكتب لها نجاح غير مسبوق، بخاصة بعد التوصل لمخرجات الحوار الوطني الشامل الذي استمر لأشهر.

طوق نجاة

مع كل الدمار الذي وصلنا إليه اليوم في اليمن، يؤكد الباحث والكاتب موسى عبدالله قاسم، أن من الإجحاف القول إن ما يحدث حاليًا كان نتيجة للثورة الشبابية الشعبية التي خرج فيها الشعب اليمني بكل فئاته مطالبًا بالتغيير.
ويبرر قاسم وجهة نظره تلك بقوله لـ”المشاهد”: “هذه الثورة كانت هي طوق النجاة لليمن الجمهوري بعد مضي عقود من الحكم السلطوي الفردي الذي أحال البلاد ومقدراتها إلى إقطاعية خاصة بأسرة والمنتفعين منها”، مضيفًا: “هذا النظام الفردي كان من المتوقع أن يسقط سقوطًا مدويًا كغيره من الأنظمة السلطوية، سيما وأن فترة حكمه كانت على النقيض من أهداف الثورة والجمهورية، إذ كان معتمدًا على إبراز الأزمات والمتناقضات الشعبية، ومن ثم اللعب عليها لإطالة فترة تسلطه وانتهاب أقوات اليمنيين، وكان بإمكانه تحويل البلاد إلى دولة ناهضة نظرًا لما تمتلكه من مقومات النهوض، سواء موارد بشرية وطبيعية، أو موقع استراتيجي”.
وبكل تلك المبررات، تعد ثورة فبراير بالنسبة للباحث قاسم، الملاذ الآمن للانتقال السلمي لنظام الحكم والحفاظ على الدولة اليمنية وبناء اليمن الجمهوري الاتحادي، بما في ذلك مغادرة رموز الحكم السلطوي سدة الحكم والعيش كمواطنين آمنين بعد اتخاذ العدالة الثورية مجراها، لكن ما حدث أن صالح تحالف مع الحوثيين لضرب تطلعات اليمنيين، وقبلها الجمهورية ككل.

أهداف نبيلة وثورة مضادة

شكَّل الشباب نواة ثورة فبراير السلمية التي جاءت بالتزامن مع حالة الغليان التي تشهدها المنطقة، واندلاع ثورات الربيع العربي التي بدأت بتونس في ديسمبر 2010.
ويقول عبدالغني الماوري، أحد شباب فبراير، إن الثورة حققت جملة من الأهداف الهامة، مثل إجبار صالح على التنازل عن السلطة، ووضع حد للتوريث، وكذا وضع البلاد على مسار إصلاحي من خلال عقد مؤتمر حوار وطني شامل وكتابة مسودة دستور حديث، يضمن الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للجميع، فضلًا عن إسهامها في توسيع ثقافة السلمية من خلال نبذ العنف. مشيرًا إلى أن ما حدث لاحقًا، هو على النقيض من ذلك، حيث شهدت البلاد ثورة مضادة قائمة على العنف، أدخلت البلاد في أتون حرب أهلية.
حول ما يريده الثوار، يذكر الماوري لـ”المشاهد” أنه هو ما خرجوا من أجله، ممثلًا بدولة ديمقراطية حقيقية، وضمان فعالية مؤسسات الدولة، وسيادة القانون، وهي العناوين ذاتها التي يطالب بها معظم اليمنيين، حتى أولئك الذين ليس لديهم مشاعر طيبة تجاه ثورة فبراير.


وعن الدور الذي يقوم به الثوار اليوم، أفاد: “اليوم يسعى المنخرطون في الثورة إلى استقلال القرار الوطني كمقدمة لوقف الحرب والتدخلات الأجنبية، وضمان احتكار الدولة للسلاح، وضمان وجود عدالة انتقالية، إلى جانب تفعيل منظومة العدالة بشكل عام”.
وقد كان الحوار الوطني ومخرجاته التي أسست لنظام جمهوري اتحادي، هو السبب في تسريع جماعة الحوثي تنفيذ الانقلاب، وذلك لقطع مُضي اليمنيين في بناء دولتهم الجديدة، ويعود ذلك، وفقًا للباحث قاسم، إلى أن المخرجات كانت المسمار الأخير في نعش “الكهنوت السلالي”، لأن تطبيقها سيعمل على تقطيع أوصال اللوبي الهاشمي الذي بدأ يخطط لاستعادة “الإمامة” منذ العام 1970، وكان متغلغلًا في كل مفاصل الجمهورية، وقد بدا ذلك جليًا بعد إسقاط الدولة عام 2014.

مآلات كارثية

يصب البعض جام غضبهم على صالح بسبب تحالفه مع الحوثيين، ومساهمته بإعادة الإمامة التي ضحى اليمنيون سابقًا بأرواحهم للخلاص منها، بعد عقود طويلة عاشوها في ظل الاستبداد والظلم.
الصحفي والكاتب رضوان الهمداني، بدوره، يرى أن ثورة فبراير لم تحقق أي هدف، منتقدًا اعتبار إسقاط نظام صالح بأنه أحد أهم أهدافها، وذلك بعد عودة الإمامة لحكم الشمال، وهيمنة القوى الانفصالية على الجنوب، وتنازع قوى ماضوية وجماعات بأفكار ما قبل الدولة الوطنية.
وبالتالي فإن المألات الكارثية التي وصلت إليها اليمن، من وجهة نظر الهمداني، في حديثه مع “المشاهد”، تؤكد نظرية من كان يتحدث عن أهمية إصلاح النظام من الداخل، وليس الإطاحة به بهذا الشكل، لافتًا إلى أن هذه فكرة كان طرحها أمين عام حزب التجمع اليمني للإصلاح عبدالوهاب الآنسي، قبل إعلان اللقاء المشترك الانضمام لساحات الجامعة بأسبوعين تقريبًا.
وهو يشعر بالأسف، لمزايدة البعض على الآخرين باسم الثورة، رغم المآلات الكارثية التي وصل إليها البلد، والتي قد تجعل اليمن التي عرفناها قبل 2011، أبعد من أن تعود، فاستمرار البعض بذات العقلية يجعلهم أكبر عائق للتغيير في اليمن، وفق تعبيره، داعيًا إلى ضرورة عمل تقييم موضوعي اليوم لما وصلت إليه تلك الاحتجاجات.

إقرأ أيضاً  مطابخ خيرية تخفف معاناة الأسر الفقيرة في رمضان

شيطنة واستغلال

تحاول اليوم جماعة الحوثي الإساءة للنظام الجمهوري وثورة فبراير والسلطة اليمنية بمختلف الطرق، أبرزها عن طريق تغيير مناهج الدراسة، وفي صعيد ذلك يقول الماوري إن الذين فقدوا نفوذهم بشكل أساسي هم الذين يحاولون

كان يوجد في الساحات المختلفة عام 2011، مختلف المكونات الاجتماعية والسياسية، ومن بينها جماعة الحوثي التي كانت تدعي المظلومية، وعملت على النأي بنفسها عن باقي الشباب، سعيًا لتحقيق أهدافها التي لم تكن قد تكشفت بعد.

شيطنة ثورة الشباب، مشيرًا إلى ضرورة التفريق بين من عانوا من ذلك نتيجة الأحداث التي أعقبت 2011، وهم غير مهتمين بمعرفة كيف فقدوا مصالحهم، وبين الذين كانوا جزءًا من النظام، وإلى قيام دول وصفها بـ”المعادية لثورات الربيع العربي”، بتمويل حملات الكراهية والشيطنة، خوفًا من نجاح فكرة الثورة، ووجود أنظمة ديمقراطية في المنطقة.
وكما هو معروف، كان يوجد في الساحات المختلفة عام 2011، مختلف المكونات الاجتماعية والسياسية، ومن بينها جماعة الحوثي التي كانت تدعي المظلومية، وعملت على النأي بنفسها عن باقي الشباب، سعيًا لتحقيق أهدافها التي لم تكن قد تكشفت بعد. وعن ذلك يذكر الماوري أن الحوثيين استغلوا الضعف الذي ظهرت عليه مؤسسات الدولة أثناء الثورة، لتحقيق ما يسعون إليه، مؤكدًا أنهم ما كانوا سينجحون لو لم يجدوا من يساعدهم من داخل النظام، لافتًا إلى حصولهم أيضًا على دعم إقليمي، ومن أشخاص نافذين في مؤسسات الدولة، سهلوا لهم الوصول إلى صنعاء، وقد كان سلاح الخيانة هو الأكثر تأثيرًا في انتصاراتهم.

اختراق الثورة

وحتى اليوم، برغم مرور أكثر من عقد من الزمن على حدوث ثورة فبراير، لايزال الحديث عن السبب في ما وصلنا إليه اليوم، مثيرًا للجدل، فهناك من يعتقد أن صالح لو كان رضخ لطموح اليمنيين الذين خرجوا إلى الساحات، لما حدث كل هذا الدمار الذي أصبح واقع اليمن.
وعن ذلك، يعتقد الصحافي الهمداني، أن ما وصلنا إليه لا يتحمله شباب فبراير ولا صالح، فالشباب غير المؤدلج كانوا مخلصين لفكرة التغيير بالفعل، أما الرئيس السابق فلم يكن مطلوبًا منه أن يدعم حركة احتجاجية خرجت عليه.
ويوضح أن “ما حصل هو أن الشباب كانوا مخترقين من قوى تقليدية (مشيخية وقبلية وأخرى راديكالية)، استخدمتهم للسيطرة والهيمنة تحت يافطة التغيير والثورة، ولذلك لم يكن هناك رؤية متقدمة لإدارة الدولة، وسحب البساط من تحت هذه القوى، وإحداث تغيير مختلف يصب في بناء يمن جديد قائم على الديمقراطية والحرية والمساواة وسيادة القانون، مستشهدًا على ذلك بحديث الشيخ القبلي حميد الأحمر الذي سبق أن صرح بأنه من خطط ومول الثوار بنصف ثروته للإطاحة بصالح.
الباحث قاسم، من جهته، يعتقد أن جماعة الحوثي تمكنت من السيطرة على مؤسسات الدولة، ليس بسبب القادمين من صعدة، بل بسبب اللوبي الهاشمي الذي كان مركزه في صنعاء، مؤكدًا أن زعيم الانقلاب لم يكن عبدالملك الحوثي، بل اللواء يحيى الشامي، ومن هنا فإن إسقاط صنعاء كان من داخلها، وهذا ما بات واضحًا اليوم.
واستطرد: “تداخلت في ذلك مشاريع عدة، منها سعي علي صالح لفرملة نظام الأقاليم بدعوى الاحتفاظ بصنعاء وطوقها كمنطقة حكم تاريخية، وقد التف حوله الكثير تحت هذا العنوان، وهو ما سهل التهام اللوبي الهاشمي للدولة بعد تحوّل الكثير من أتباع صالح إلى عجلات للكهنوت الإمامي الهاشمي”.

الأمل بمستقبل أفضل

وبرغم الأوضاع الصعبة التي أصبح يعيشها اليمنيون اليوم، مع استمرار الحرب، مازال الكثير منهم يتمسكون بثورتهم وأهدافها، ويزيد إيمانهم بها، ويعود ذلك، كما يرى الباحث قاسم، إلى أن هناك قناعة شعبية كبيرة بأن الثورة وما نتج عنها من مخرجات حوار وطني، كانت ولاتزال هي المخرج الأسلم لكل معضلات اليمن شمالًا وجنوبًا.
إضافة إلى أن الأحداث المتلاحقة أثبتت منذ 2014، أن التمسك بمخرجات الحوار وبناء الدولة اليمنية، هو السبيل الوحيد للقضاء على خرافة الحق الإلهي التي تحاول جماعة الحوثي فرضها على اليمنيين، وكذلك لقطع يد الطامعين باليمن وخيراته وموقعه الجيوسياسي الهام.
ويشارك اليمنيون -بينهم ثوار فبراير- منذ محاولة جماعة الحوثي مد سيطرتها إلى المحافظات واحدة تلو أخرى، في حرب مستمرة حتى اليوم، تسببت بمقتل ما يزيد عن 233 ألف شخص، فضلًا عن توقعات بتعرض 54% من السكان لانعدام الأمن الغذائي، منتصف العام الجاري.

مقالات مشابهة