المشاهد نت

الأسباب الحقيقية التي دفعت الحوثيين إلى هدم جامع النهرين

صنعاء- عصام صبري :

في يوم الخميس الفائت تفاجأ المترددون لأداء صلاة الظهر في مسجد النهرين الواقع بجوار السائلة في منطقة باب السباح بصنعاء القديمة أن مسجدهم قد تساوى بالأرض، فلم يعد له أثر عين بعد أن هدمته جماعة الحوثي.

ترك ذلك المشهد المأساوي ومازال آثارًا نفسية وخيمة على أولئك الناس المترددين على هذا المعلم الإسلامي المقدس الذي تم بناؤة منذ مئات السنين، وعلى أناس آخرين مهتمين بالآثار والتراث.

الكثير من اليمنيين وصفوا ما حصل بالعدوان الصارخ على المواقع الأثرية من قبل الحوثيين، وهو ذات الأمر الذي دفع رئيس الهيئة العامة للآثار والمتاحف الواقعة تحت سيطرة الحوثيين لتقديم شكوى ضد من قام بهدمه، والمطالبة بمحاكمتهم.

“المشاهد” يبحث عن الأسباب الحقيقية التي دفعت الحوثيين إلى هدم الجامع الذي بني في القرن الأول للهجرة، وعن علاقة ذلك بالتوتر الحاصل بين أتباع المذهب الزيدي والجماعة الحوثية؟

مكانة تاريخية

لمسجد النهرين مكانة هامة لدى اليمنيين لأهميته الدينية والتاريخية، إذ أن مصادر تاريخية اطلع عليها “المشاهد” ترجح أن سبب تسمية مسجد النهرين تعود إلى أن منسوب المسجد إلى الناحية التي عُمر فيها، مُطل على غربي سائلة صنعاء القديمة التي كانت تمر منها مياه الأمطار لذلك سُمي مجازاً بالنهرين، بحسب كتاب (مساجد صنعاء عامرها وموفيها) للقاضي محمد الحجري.

وفي عهد الخلافة الإسلامية وبالأخص أيام الصحابي أبي بكر الصديق وُجد قبر مطمور في النهرين يُعتقد أنه لأحد الأنبياء، وقد تعرض المسجد لأضرار نتيجة لسيول الأمطار فأمر الصحابي عمر بن الخطاب بإعادة بناءه وفتح أكثر من تسع قامات تحت المسجد، وفقاً لما أشار له كتاب (حوليات يمانية) للمؤرخ عبدالله محمد الحبشي.

ويعتقد آخرون بأن المسجد يحضى ببركات خاصة تميزه عن باقي مساجد صنعاء، ومنهم المؤرخ يحيى بن الحسين بن القاسم والذي قال في كتابه:(بهجة الزمن في تاريخ اليمن) أنه «في شهر ربيع الأول ظهر نور عظيم في مسجد النهرين وهي لهبة خضراء داخل المسجد بقت من صبح ذلك اليوم الذي ظهرت فيه إلى العصر، والناس كانوا يتكحلون بالميل من ذلك، وأهل المكان يقولون: إن هذا المسجد فيه بركة».

من الذي هدم المسجد؟

الهيئة العامة للآثار الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي تنصلت عن مسؤوليتها من تهمة تدمير المسجد، وقال عبدالله محمد ثابت رئيس هيئة الآثار الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، إن «هدم جامع النهرين جاء بعد محضر موقع من هيئة المدن ومكتب أوقاف الأمانة، وأن المسجد بموجب قانون الآثار أصبح أثراً هاماً يستوجب حمايته والمحافظة عليه وليس تدميره وهدمه لبناء جامع جديد».

وفي شكوى وجهها لنيابة الآثار والمتاحف اطلع “المشاهد” على نسخة منها طالب رئيس الهيئة العامة للآثار، بالعمل على إعادة الجامع لأصله، على نفقة المخالفين، وإحالة المتسببين إلى القضاء بسرعة عاجلة.

وفي عريضة إلكترونية وقع عليها قضاة وحقوقيون وناشطون ومهتمون بالآثار، أدان الموقعون بشدة هدم مسجد النهرين التاريخي في صنعاء وحملوا الجهة التي قامت بالهدم كل المسئولية الناتجة عن الاعتداء على هذا المعلم التاريخي الكبير، داعين إلى إعادة بناء المسجد بالشكل الذي كان عليه ومعاقبة المتسببين في هدمه.

“عذر أقبح من ذنب”

لم يصدر تبرير رسمي على لسان وزارة الأوقاف وهيئة المدن الواقعتين تحت سيطرة الحوثيين، ورفض مسؤلون في هيئة المدن التاريخية الإدلاء بأي تصريح صحفي لـ”المشاهد”.

لكن ناشطين مقربين من قيادات حوثية كتبوا في صفحتهم تبريرات تتحدث عن أسباب قيام الحوثيين هدم مسجد النهرين، ومنهم الناشط عصام العلفي، والذي قال إن «جامع النهرين كان يحتاج إلى ترميم لمبناه الذي كان آيلًا للسقوط في بعض أجزائه، كما أنه كان يحتاج إلى توسعة من خلال ضم مساحة صغيرة جوار الجامع لم تكن مستغلة».

مضيفاً أن «قبلة الجامع كانت محروفة وليست في الاتجاه الصحيح، فتم التواصل بين مكتب الأوقاف بالأمانة وهيئة الحفاظ على المدن التاريخية كجهة مختصة، وبعد نزول لجنة فنية من الطرفين توصلوا إلى اتفاق وعملوا محضر تضمن مبررات الهدم».

إقرأ أيضاً  رمضان.. شهر الخير والمبادرات الإنسانية بحضرموت

بعد أن ضجت مواقع التواصل الاجتماعي ببيانات الاستنكار والإدانة، أوضحت وزارة الثقافة الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، بأن هدم مسجد النهرين تم دون علم مسبق منها، وسارعت قبل يومين لعقد اجتماع بحضور مفتي الحوثيين شمس الدين شرف الدين ورئيس مايسمى بالهيئة العامة للأوقاف عبدالمجيد الحوثي لبحث إعادة بناء الجامع وفق النمط الإسلامي اليمني لمساجد صنعاء القديمة.

وبحسب مانقلته وكالة “سبأ” الناطقة باسم جماعة الحوثي، فقد أقرت الوزارة تشكيل لجنة هندسية من عدد من المختصين من الهيئة العامة للآثار والمتاحف، والهيئة العامة للمدن التاريخية، والهيئة العامة للأوقاف، للنزول الميداني لحل المشكلة القائمة في جامع النهرين بصنعاء القديمة وإعداد خطة وتصور لإعادة بنائه وفقاً لما كان عليه.

الأسباب الحقيقية وراء الهدم

منذ أزيد من أربعين عاماً كان المسجد مقصد عشرات الطلاب الذين كانوا يحضرون الدروس العلمية للشيخ الزيدي الراحل حمود عباس المؤيد، وحلقات تحفيظ القرآن للشيخ القارىء الراحل محمد حسين عامر، وبعده الشيخ يحيى الحليلي.

وعُرف جامع النهرين قبل بدء الحرب الحالية أنه مقصد لمريدي المذهب الزيدي والذي كانت تقام فيه مناسبات خاصة ومنها ذكرى مقتل الإمام زيد بن علي.

وخلال الستة أعوام الماضية كان يجتمع مئات المواطنين داخل وخارج الجامع لحضور خطبة الجمعة التي كان يلقيها الشيخ الزيدي يحيى بن حسين الديلمي، الذي عُرف بانتقاداته اللاذعة لجماعة الحوثي.

يقول عبدالكريم الفران أحد قاطني صنعاء القديمة والمتردد للصلاة في جامع النهرين في حديثه لـ”المشاهد”، إن «من اتخذ قرار هدم المسجد لم يراعي أية حرمة، أو يراعي مشاعر من يترددون عليه من مُصلين أو طلاب علم، فقد كان قراراً ارتجالياً له أبعاد مذهبية وسياسية بحتة».

وأكد الفران، أن «جماعة الحوثي حاولت منع إقامة الدروس العلمية لأتباع الزيدية في مسجد النهرين والتي كانت تقام مدة ثلاثة أيام من كل أسبوع، لكنها لم تستطع تنفيذ ذلك».

ويرى أحد المترددين على الدروس العلمية في جامع النهرين، أن قياديًا حوثيًا قبل شهرين هدد في إحدى مناسبات الحوثيين، بإيقاف الدروس التي كانت تقام في جامع النهرين بأية طريقة كانت، مالم تكن منضوية تحت راية ما يسمى بالمسيرة القرآنية، وهو الأمر الذي تم بالفعل اليوم حينما تم هدم المسجد بشكل كامل.

وفي رأي مغاير لمح الناشط يحيى حجر، إلى وجود شبهة فساد مالي، في قضية هدم مسجد النهرين، وقال حجر في منشور كتبه على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي”فيسبوك” إن «وزارة الأوقاف وهيئة المدن الواقعتين تحت سيطرة الحوثيين رصدوا مبلغ 900 مليون ريال يمني كميزانية مخصصة لهدم وبناء جامع النهرين، تصرف من ما يسمى بالهيئة العامة للزكاة، بالرغم من عدم وجود مبررات وجيهة لهدم المسجد التاريخي».

تنديد حكومي

وزارة الأوقاف التابعة للحكومة اليمنية، نددت في بيان لها هدم جماعة الحوثي مسجد النهرين، مؤكدة أن هذا الاعتداء “دليل على حقد الجماعة ضد اليمنيين واليمن هوية وحضارة.

من جنبها أكدت وزارة الإعلام والثقافة والسياحة التابعة للحكومة اليمنية سعيها الكامل لاتخاذ الإجراءات اللازمة في ملاحقة من ارتكبوا جريمة هدم مسجد النهرين بصنعاء وفقاً لقانون الآثار رقم 21 لعام 1994م وتعديلاته ووفقًا لكل التشريعات المحلية والدولية المعنية بالآثار والثقافة.

وأشارت الوزارة في بيان، حصل “المشاهد” على نسخة منه إلى تكليف الهيئة العامة للآثار والمتاحف التابعة للحكومة اليمنية باتخاذ الخطوات اللازمة تجاه هذه الجريمة النكراء، بتدمير التراث أو تغيير معالمه.

ودعت الوزارة المنظماتِ الدولية وفي مقدمتها اليونسكو، التحرك العاجل والجاد لحماية المعالم الأثرية اليمنية خاصة الواقعة في صنعاء القديمة، والمدرجة ضمن قائمة التراث العالمي، وكَفّ يد العبث الحوثي عنها.

مقالات مشابهة