المشاهد نت

بأي سعر نعيش؟.. صعوبة الحياة وسط انهيار الريال

المكلا – فاطمة باوزير

” راتب زوجي 50 ألف ريال يمني كان قبل ثلاث سنوات يغطي مصاريفنا وإيجار شقتنا الغرفتين 15 ألف والحمدلله مستورين ، أما الآن صاحب البيت رفع علينا الإيجار 40 ألف ، فما يتبقى غير 10 ألف من راتب زوجي ايش باتسوي لنا.. اضطريت أني أشتغل كوافيرة عشان أساعد زوجي ..” هكذا أوضحت ( أمل الحوثري ) الوضع الحالي لعائلتها الذي يشبه العديد من العائلات الأخرى في أنحاء البلاد.


بدأت الحكاية ، منذ أن قرر البنك المركزي اليمني تحرير سعر صرف العملة الوطنية (الريال)، وأمر البنوك بالتعامل بسعر الصرف السائد في السوق للدولار الأميركي والعملات الأخرى، بدلا من الأسعار المحددة في السابق.


واليوم وبعد ثلاث سنوات من هذا القرار ، ومع التداعيات السلبية لفيروس كورونا تبدو كل مؤشرات الاقتصاد الوطني ، ذاهبة إلى الانحدار فقد فقد الريال اليمني 176 بالمئة من قيمته خلال خمس سنوات من الحرب في اليمن كما فقد ما يقرب من 12 بالمئة من قيمته خلال الخمسة الا شهر الأولى من العام الحالي،وذلك مقارنة بما كان علية سعر صرف الريال مقابل الدولار في ديسمبر الماضي 2019م بحسب تقرير صادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي بتعز.


وذكر التقرير الصادر عن المركز أن أسعار السلع والمشتقات النفطية تحركت صعودا بنسب متفاوتة بين المدن اليمنية حيث كان لصنعاء النصيب الاكبر بنسبة 16 بالمئة تلتها محافظة حضرموت ومارب ، وبات شبح المجاعة يهدد أكثر من عشرة ملايين شخص يقطن أنحاء اليمن المدمر.

مواطنون يشتكون

يعاني المواطنون جرّاء الارتفاع الحاد لأسعار المواد الغذائية الأساسية ، نظراً لارتفاع سعر الصرف وانهيار الريال اليمني أمام العملات الاجنبية، وباتت أسعار المواد الغذائية تتغير بشكل شبه يومي ، فقد يكلف كيس الأرز 10كجم “قطمة” اليوم 8000 ريال يمني ، لتجده غدا بعشرة آلاف ، وقد يجد الشخص “سيد المائدة اليمنية” (الزبادي) عند التاجر فلان ب250 ريال بينما يوجد لدى التاجر علاّن ب300 ريال، وقس على ذلك في بقية احتياجات المواطنين من الغذاء والدواء.


وتخبرنا أم أحمد وهي أرملة تعول خمسة أطفال أيتام انها لم تعد تستطيع تسديد فاتورة الإيجار المتراكمة عليها نظراً لأن ماتكسبه من مال تنفقه على شراء الطعام لها ولأطفالها الخمسة وهي باتت مهددة بالطرد من السكن ولاتعلم إلى أين ستذهب.

أما ( زكية مرجان )وهي صاحبة منشأة صغيرة (مشغل خياطة) فتعتبر أن “انهيار سعر الصرف أثر على أصحاب المشاريع الصغيرة” ، وتضيف ” للأسف انهيار العملة سبب لنا أزمة كبيرة وجعلنا نضطر إلى زيادة سعرالمنتج حتى نستطيع الإيفاء بكافة التكاليف التي علينا من ضمنها الايجارات ورواتب موظفات وكهرباء”.


موضحة – زكية ” حينما افتتحت مشروعي الخاص مشغل الخياطة كانت ضمن خططي أن يتم توفير ثلاث أنواع للمنتج.. منتج لذوي الدخل المرتفع ومنتج لذوي الدخل المتوسط..والمنتج الثالث لذوي الدخل البسيط والأيتام والنازحين..لم نقم بتقليل جودة المنتج بل قمنا بتقليل هامش الربح حتى يتسنى لهذه الفئة من الناس القدرة على شراء منتجنا.

ولكن للأسف مع ارتفاع سعر الصرف وانهيار الريال وأزمة كورونا لم نستطع مساعدة أحد بل صرنا نحن محتاجون للمساعدة ..حيث أننا نشتري مواد المنتجات والمشغولات بالريال السعودي..كما أن عدد العملاء تراجع وخسرنا تقريبا نصف كمية الطلب المعتاد”.


وزادت: “أتمنى من السلطة المحلية أو المسؤولون أن يقوموا بعمل شيء لايقاف انهيار العملة وإلا فإن أصحاب الأعمال الحرة سيضطرون لايقاف أعمالهم مما يعني فقدان العديد من المواطنين لوظائفهم لدة القطاع الخاص”.

ويشتكي بعض المواطنين من التجار ويتهمهم بالتلاعب بالسوق ، مستغلين حالة الحرب والانفلات التي تسود البلاد وعدم وجود رقابة حكومية على أسعار السلع الأساسية التي يدعمهم بها البنك المركزي، كما يقول ” خالد ” الذي يعمل معلماً في إحدى المدارس الحكومية إذ لم يعد يفي الراتب الذي يستلمه بمتطلبات الحياة فلايكاد ينتصف الشهر حتى يجد نفسه مضطراً للاستدانة من صاحب البقالة.


يقول “خالد”: على الحكومة أن توقف هذا الانهيار المريع في العملة ، لم تعد رواتبنا تكفينا ، أو عليهم أن يقوموا برفع رواتبنا حتى نستطيع ملاحقة التضخم المستمر في الأسعار”.


ويضيف : ” من الواجب على الحكومة أن تراقب الأسعار وأن تحاسب التجار فهي تعطيهم الدولار بسعر مدعوم فلم إذن الارتفاع المستمر في المواد الغذائية والدواء”.

إجراءات بنكية

وبينما يحمّل المواطنون المسؤولية على التجار بشأن ارتفاع أسعار المواد الغذائية ،يخلي التجار مسؤوليتهم حول ما يجري على الساحة من تدهور وارتفاع للأسعار ملقين بالمسئولية على البنك المركزي اليمني إذ لولا تقاعسه – كما يقولون في أداء واجبه تجاه توفير العملة الصعبة وفتح اعتمادات مستندية لدعم السلع الغذائية لما ارتفعت الأسعار بهذه الصورة الجنونية.


ويقول أحمد المهدمي وهو تاجر يدير مجموعة المهدمي التجارية بالمكلا أن البنك المركزي اليمني لم يلب احتياجاتهم من العملة الصعبة ، ولذلك فإن التجار مضطرين للتعامل مع السوق السوداء ( الصرافين ) لتوفير السيولة المالية من العملة الصعبة للقيام بالعمليات التجارية الخارجية.


وعن توفير الاعتمادات البنكية للسلع المدعومة يقول التاجر المهدمي: “خمس سلع أساسية هي التي يدعمها البنك ويقدم لنا فيها الدولار بسعر 440 ريال يمني هي الأرز والقمح والزيت والدقيق وحليب الأطفال، ولكن هذا الدعم يمر بإجراءات بيروقراطية تصعب على التاجر العملية حيث نقوم بتقديم عرض سعر للبنك المركزي عبر البنك الأهلي.. ويأخذها البنك الأهلي وتبقى لديهم لمدة شهر أو شهرين وأحيانا ثلاثة شهور ، وخلال هذه الفترة تكون الأسعار قد تغيرت وارتفعت فنضطر إلى تغيير الفاتورة وتسعيرها من جديد..وهذا يؤثر على سعر المنتج في السوق”.

إقرأ أيضاً  «أنيس».. أقدام مرتعشة على طريق محفوف بالمخاطر


ويقدم البنك المركزي اليمني الدعم للسلع الغذائية الأساسية بسعر 440 ريال يمني للدولار الواحد ، غير أن ذلك الدعم لايشمل سوى تكلفة المنتج دون تكاليف شحنه وتأمينه مما يضطر التاجر لتغطية بقية هذه المصروفات من السوق السوداء (الصرافين ) الذين بدورهم يتعاملون وفقاً لقاعدة العرض والطلب.


المشكلة لاتتوقف عند هذا الحد فحسب.. بل تتعداه بحسب التاجر المهدمي إلى ماهو أسوأ وهو أن ثقة البنوك الخارجية بالبنوك اليمنية اهتزت، فيقول بهذا الشأن ” حينما عرفنا أن بنك التسليف الزراعي يقدم اعتمادات للتجار ، قمنا بتقديم طلب وتم اعتماده ب190 ألف دولار وحينما أبلغنا المورد لنا في الهند بذلك رفض الاعتماد وذلك لعدم الثقة بيته وبين الحكومة اليمنية وعدم الثقة بالبنوك اليمنية ككل ..فالاعتماد الأول الذي فتحناه لم يستلم نقوده فيها فكيف سيوافق على الاعتماد الثاني؟.. من المفترض أن يتم حجز حاوياتنا في الميناء لكن للثقة التي بيننا وبين المورد قام بتنزيل البضاعة ، وحصلنا عليها ولكن من 2019 والمورد يخاطبنا بأنه لم يستلم نقوده من البنك إلى الآن”.


ويضيف”حينما رفعنا الموضوع للبنك الأهلي ، رد علينا بأنه سيرفع قضية ضد البنك المركزي اللبناني الذي احتجز المال لديه عبر بنك النقد الدولي ، ولانعلم إلى الآن ماسبب احتجاز أموال تم إرسالها عبر البنك المركزي اليمني ..هل هي عدم الثقة في بنكنا..أم هوالفساد الذي ينخر بالمنظومة المصرفية في اليمن !..على العموم لماذا لايحل البنك المركزي مشاكله مع البنوك الأخرى دون أن يزج بنا نحن التجار في هذه القضايا؟”.

البنك المركزي وحزمة الإصلاحات!

وقد حاولنا مراراً وتكراراً التواصل مع مدير البنك المركزي فرع المكلا بخصوص هذا الموضوع للرد على اتهامات التجار لهم بالتسبب في عرقلة عملهم وارتفاع أسعار المواد الغذائية.. لكن مدير البنك رفض الإدلاء بأي تصريح حول هذا الموضوع، غير أن البنك المركزي الرئيس في عدن كان قد أعلن في أوائل سبتمبر من الشهر المنصرم عن حزمة إصلاحات للسيطرة على اختلال سوق النقد الأجنبي.


وذكر البنك، في بيان صحفي، نشر في العديد من الوسائل الإعلامية أن “الإجراءت التي بدأها بالتنسيق مع الحكومة المعترف بها دوليا ” ستحقق الاستقرار في سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، والحد من عمليات المضاربة في سعر الصرف والتقلبات غير المبررة اقتصادياً”.


وكشف البنك عن أن المعالجات الجديدة ” تتضمن اعتماد وتنفيذ عدد من الآليات المنظمة للطلب على النقد الأجنبي في السوق، وفي مقدمتها الطلب لتغطية الواردات من المشتقات النفطية” دون أن يتطرق لتغطية السلع الغذائية .
وأصدر قطاع الرقابة على البنوك بالبنك المركزي اليمني، تعميما الى البنوك وشركات ومنشآت الصرافة ، بتعليق عمليات الشراء والبيع للعملة الأجنبية مؤقتاً في محاولة لوقف الانهيار المتسارع في قيمة العملة المحلية.

لا حلول دون آلية واضحة!

المشكلة من نظر الخبير الاقتصادي عبد الرحمن باحطاب تكمن في غياب وجود آلية واضحة لفتح الاعتماد البنكي، حيث أن عدم التزام البنك المركزي بتغطية المواد الأساسية، يجعل سعرها غير مستقر، فالتاجر يستورد بسعر السوق السوداء نظرا لعدم تغطية البنك لاحتياجه من العملة الصعبة.

يقول “باحطاب”: “السبب عدم وجود آلية سليمة لفتح الاعتمادات ومتابعة ومراقبة التجار على التسعيرة في البنك المركزي ، فالبنك إذا فتح اعتماد لأحد التجار وضمن له اعتماد مستندي بالسعر المدعوم (440 ريال للدولار الواحد)، هنا يستطيع البنك محاسبة التاجر إذا أخل بالشروط وباع المنتج بسعر عال غير السعر المدعوم، لكن البنك المركزي غير مسيطر على العملية بالكامل وهذا الذي يحدث خللاً في السوق، فإن تولت وازرة الصناعة والتجارة محاسبة التجار لبيعهم المنتج بهذا السعر المرتفع فإن حجة التاجر قوية حيث أن البنك لم يقدم له اعتماداً كاملاً .. أو تم تأخير الاعتماد لمدة اربعة أشهر …إضافة إلى أن تكاليف الشحن والتأمين للبضاعة يتم تغطيتها من السوق السوداء” .
ويضيف:” على البنك أن يحدد السلع التي سيدعمها فمثلا لايقدم على دعم جميع أنواع الأرز..بل يدعم فقط الصنف الذي يرغبه المواطن ويشتريه..فهناك أنواع للأرز ولكنها غير مرغوبة لدى المواطن فما الداعي لإهدار المال في شيء لن يشتريه المواطن؟”.

إصلاحات

مركز الدراسات التطبيقية وفي دراسة أعدها بالتعاون مع الشرق CARPO،ونيابة عن الوكالة الألمانية للتعاون الدولي(giz ) وبتفويض من الوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية أوصى بضرورة إصلاح البنك المركزي الممزق وتوحيد الهياكل القانونية للدولة.


كما دعا إلى تحييد القطاع الخاص والحد من تسييسه؛ حيث يسهم في توفير الوظائف والحفاظ على مصدر معيشة البعض مما يسهم في الاستقرار وتحقيق السلام.
وحثت الدراسة المجتمع الدولي على تحويل تركيزه واهتمامه نحو دعم التنمية الاقتصادية في اليمن بدلا من التركيز على المسائل الانسانية فقط.

مقالات مشابهة