المشاهد نت

“هدهد” إيران يفشل في تحقيق حلم السيطرة على مأرب

عدن – سامي عبدالعالم :

يبدو أن مخاوف الأمم المتحدة تحققت، فقد أبدت من سابق خشيتها أن تتحول الحرب في اليمن من أزمة داخلية إلى صراع إقليمي.
وها هي الأزمة اليمنية تدخل فصلًا أكثر تعقيدًا، وتكاد تظهر حرب إيران بشكل صرف، وهناك تزايد لدور إيران المباشر في اليمن، وإصرار إيراني مستميت وعلني على تقييد مصير اليمن بملفها النووي ومصالح النظام الإيراني.
صار الوصول إلى السلام متعذرًا أكثر، وأضحت التحديات والعقبات أمام الحل السياسي للأزمة، أضعاف ما كانت عليه قبل العام الجديد.
حتى اليوم لم تظهر أية نتيجة لزيارة المبعوث الأممي مارتن غريفيث، إلى طهران، يومي 7 و8 فبراير الجاري. ظهر فقط تصلب إيراني أكبر فُهم منه دوليًا أن طهران لا ترغب بحل أزمة اليمن، وليس من مصلحتها، وأنها لن تسمح بأي حل سياسي للأزمة، وتريد مقايضة شاملة تلبي مطالب إيران، وتفرض إرادتها ونفوذها بالمنطقة.
كان غريفيث يأمل أن تلعب إيران دورًا في دفع جماعة الحوثي للانخراط في مفاوضات الحل السياسي للأزمة وإنهاء الحرب في اليمن، لكنه وجد تصلبًا إيرانيًا أكبر.
منذ مغادرته طهران خالي الوفاض، ومحبطًا، لا ينفك المسؤولون الإيرانيون يرددون مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعيًا، تصريحات، محتواها أنه لا أحد غير إيران بيده قرار السلم والحرب في الملف اليمني.
من أخطر هذه التصريحات، ما قاله جواد ظريف، قبل أيام، من أن السعودية لم تحقق ما تريد في اليمن بالحرب، ولن تحصل عليه بالسلام.

إخفاق في إحراز النصر

عندما ظهر المبعوث غريفيث عارضًا إحاطة لمجلس الأمن الدولي، عبر شاشة تلفزيونية، في 18 فبراير الجاري، كان من المنتظر أن يقول شيئًا عن نتيجة زيارته لإيران، لكنه قال إنه محبط للغاية، وأكثر من كل مرة.
زميله مارك لوكوك، وكيل الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، شاطره مشاعره، وقال إنه لم يرَ غريفيث بهذا الحزن من قبل.
والواقع أن دور إيران محبِط لكل آمال السلام في اليمن، والأمم المتحدة ومجلس الأمن لا يريدان التعامل مع هذا الأمر لحساسيته وتعقيداته.
هناك حماس دولي مندفع لوقف الحرب في اليمن، وهناك ارتباك دولي واضح في التعامل مع مصدر العائق الجوهري الذي يعوق كل ذلك.
وبينما تمارس إيران أفعالًا مقوضة للسلام، كوقوفها وراء عملية الهجوم على مأرب، يظهر المجتمع الدولي بمظهر العجز، حتى عن المصارحة بأن إيران جعلت مسألة حل النزاع اليمني مستحيلًا في الظروف الراهنة، وأنها تحشر الملف اليمني كورقة رابحة ضمن أزمة ملفها النووي وأزمة الصواريخ الباليستية، وضمن أنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة ومخططها لما تسميه إخراج القوات الأمريكية والأجنبية من المنطقة، باستثناء تلميحات أمريكية، كتصريح البنتاجون أنه من الواضح أن إيران هي مصدر الأسلحة للحوثيين.
ولطالما كانت إيران ومازالت عقبة أمام جهود الحل السياسي للأزمة اليمنية وإنهاء الحرب، وهي لا تريد انتهاء الحرب، و”ليس من مصلحة إيران إنهاء الحرب في اليمن”، كما قال قائد القيادة المركزية الأمريكية، قبل أيام.
وهذا ما لم تقله الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن، رغم يقينها الكامل أن انتعاش الجهود الدولية والأمريكية من أجل وقف الحرب في اليمن، يتحول إلى سراب، أمام تصلب إيراني سياسي، يرافقه تصعيدها العسكري في الداخل اليمني من جانب الحوثيين، حلفاء إيران، مما يقوض الجهود السياسية الدولية لإنهاء النزاع.
الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، وعلى لسان وزير الإعلام معمر الإرياني، قالت إن النظام الإيراني يقف وراء التصعيد العسكري في اليمن، من خلال الهجوم الحوثي على مأرب، وأن طهران تضغط على الحوثيين لمواصلة التصعيد داخليًا، وضد السعودية.
من الواضح أن الهجوم الأخير من قبل الحوثيين على مأرب، ومحاولتهم اجتياحها، مثار اهتمام محور إيران بأكمله، استنادًا إلى خطاب حسن نصر الله.. كثيرون اعتبروهدا خطابه تحريضًا مباشرًا للاستمرار في خطة اجتياح مأرب، رغم انتكاستها ميدانيًا.
خطاب صب الزيت على النار، ودفع الحوثيين الذين تكبدوا خسائر فادحة إلى الاستماتة مجددًا، غير أن اندفاعهم قوبل باستماتة أكبر من جانب قوات الجيش الوطني الموالي للحكومة ورجال القبائل في محافظة مأرب. سفير إيران لدى جماعة الحوثي في صنعاء، حسن إيرلو، هو الآخر صار يشغل حيزًا في فضاء صنعاء العام، فله في كل يوم تقريبًا تغريدات أو تصريحات ولقاءات واجتماعات مكثفة. تغريداته وتصريحاته تأخذ طابعًا توجيهيًا لمسار الصراع اليمني وإرشاديًا لجماعة الحوثي، تتجاوز أحيانًا، بل غالبًا، الخطاب الدبلوماسي المتعارف عليه.
وفي المجمل، تخلو تصريحات وتغريدات إيرلو من أية إشارة لدعم مسار السلام، على العكس يتحدث باسم محور المقاومة، وأن النصر بات قريبًا. وصل الأمر خلال اجتماع عقده حسن إيرلو مع مكونات شبابية قبلية، إلى حثهم على مراقبة أنشطة أكثر من 170 منظمة، قال إنها تعمل لصالح أجهزة استخباراتية خارجية، وأن على الشباب مراقبة ذلك.
إزاء الدور الإيراني في الملف اليمني، يبدو أن مبادرة الإدارة الأمريكية الجديدة ذهبت أدراج الريح، من رفع الحوثيين من قوائم الإرهاب، إلى تعيين مبعوث أمريكي خاص لليمن، وتحديد أولويته بالعمل لإنهاء الحرب في اليمن، إلى ممارسة ضغوط قصوى على السعودية ومحاولة إقناعها بترك اليمن وحماية حدودها فقط.
إن عودة الحماس الدولي للاهتمام بالملف اليمني، والسعي لوقف الحرب، ربما يتلاشى ويهمل هذا الملف مجددًا. كما أن السياسة الأمريكية الجديدة تبدو محفزة لإيران لمزيد من التصلب، بخاصة في ما يخص اليمن، بينما يبدو كأن ليس بيد الولايات المتحدة فعل شيء، فهي تقول إن إيران ليس من صالحها إنهاء الحرب في اليمن، وتكتفي بتكرار دعوتها للحوثيين إلى الانخراط في مسار الحل السياسي، والأخيرون يبدو أنه ليس بمقدورهم أيضًا معاكسة رغبة إيران، أو رفض ما تريده وتقرره.

إقرأ أيضاً  نوران.. رفض القيود المجتمعية 

مركز التحكم بالملف اليمني

سبق للحكومة الإيرانية الإفصاح أنها مركز التحكم بالملف اليمني، وأن على الجميع الرضوخ لإرادتها، فقد استقبلت المبعوث الأممي، واستغلت الزيارة لا لتبدي مرونة في الدفع نحو السلام كما ظن غريفيث، بل لتستعرض نفوذها وتحاول فرض إرادتها ليس على خصمها التقليدي بالمنطقة المملكة العربية السعودية، وإنما على الأمم المتحدة نفسها والمجتمع الدولي.
لم تقدم إيران شيئًا باستثناء أنها أعادت طرح مبادرتها لحل الأزمة اليمنية، وقالت إن الكل يدرك أنها المبادرة الوحيدة القادرة على حل النزاع.
الحقيقة الصادمة حول تصلب الموقف الإيراني المعرقل للسلام في اليمن، برزت خلال زيارة غريفيث الأخيرة لطهران، فقد ذهب إلى هناك بصفته مبعوثًا للأمم المتحدة، في مسعى أممي لإشراك دور إيران لإنجاح مشروع الإعلان المشترك الهادف لتوقيع الأطراف اليمنية على الحل النهائي للأزمة والسلام الشامل.
غير أن طهران سعت لتحويل المبعوث إلى ساعي بريد، بعرض مبادرتها، واعتبرتها المبادرة الوحيدة لحل الأزمة اليمنية، هادفة من وراء ذلك لإفشال مساعي السلام وتعطيلها من الأساس. هذا الاستعراض الباذخ للنفوذ والهيمنة الإيرانية، ومحاولة فرض إرادة إيران على الإرادة الدولية نفسها، كان محبطًا للغاية. بالمقابل الأمم المتحدة لم تأبه لمبادرة إيران، وأهمل المجتمع الدولي ذكرها كليًا.
وفي جلسة مجلس الأمن الدولي حول اليمن، في 18 فبراير الجاري، كان هناك إجماع دولي على ضرورة وقف الهجوم على مأرب من قبل الحوثيين، من واقع مدرك أن التصعيد في اليمن وراءه إيران.

"هدهد" إيران يفشل في تحقيق حلم السيطرة على مأرب

تقويض عملية السلام

غريفيث أدان هجوم الحوثيين على مأرب، ودعا إلى وقفه على الفور، باعتباره تقويضًا لكل جهود السلام، ويهدد بتقويض العملية السياسية بالكامل. وقال إن الوضع العسكري في اليمن يشهد درجة عالية جدًا من التوتر، وأنه لم يشهد توترًا مماثلًا منذ توليه عمله.
صارت “المعركة في مأرب نقطة ارتكاز هذه الحرب”، قال غريفيث.. وهي أخطر أفعال ايران المقوضة لجهود السلام في اليمن، وفقًا للأمين العام السابق للحزب الاشتراكي اليمني سفير اليمن حاليًا في بريطانيا، ياسين سعيد نعمان، الذي قال إن موافقة الإيرانيين على زيارة السيد غريفيث بعد أن أجلت طهران زيارته كثيرًا، لم تكن صدفة مع بداية الهجوم الحوثي على مأرب.
على صفحته في “فيسبوك”، كتب السفير نعمان: “الإيرانيون كانوا يعتقدون أن الخطة التي أعدت للسيطرة على مأرب، لن يحتاج تنفيذها سوى بضعة أيام… ولذلك رأينا كيف رد المسؤولون الإيرانيون على مشروع السلام ودعوة المبعوث، بعنجهية، وبوضع شروط فجة، كشفوا فيها ما كانوا يخفونه من تدخل مخزٍ في الشأن اليمني الداخلي”.
غريفيث ليس وحده من أخفق، إيران كذلك أخفقت في تحقيق نصر عسكري من خلال الهجوم على مأرب، لكنها نجحت في تقويض وتعطيل مسار السلام باليمن، إذ إن التصعيد في مأرب يهدد باشتعال الجبهات الأخرى، وتأجيج القتال.
يقول السفير نعمان: “عندما اتضح للإيرانيين أن مشروعهم سينكسر في مأرب؛ هذه البقعة التي ألهمت اليمنيين حقيقة أنه لم يعد أمامهم من خيار سوى أن يدافعوا عن وجودهم بروح مختلفة عما تعودوا عليه، حاول رئيس النظام الإيراني روحاني، أن يمتص خيبة نظامه بأن دعا اليمنيين إلى “حوار مباشر في ما بينهم” لإنهاء الحرب. لم ينتبه أحد لهذا التطور في الخطاب الإيراني تجاه القضية اليمنية، والذي أخمد فورًا بضجيج صدر، بشكل مقصود، عن حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني، الذي تمسك بخطة اجتياح مأرب، في أسوأ مكافأة يقدمها لليمنيين الذين طالما للأسف منحوه تقديرهم”.
والواقع الراهن أن إيران جعلت السلام في اليمن ولليمن خيارًا صعب المنال وغير وارد لأمد بعيد.

مقالات مشابهة