المشاهد نت

رسالة بايدن للسعودية… لا حرب في اليمن ولا حديث مع محمد بن سلمان

صنعاء – جمال حسن:

أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية إعلانًا بشأن قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي، لا يتضمن عقوبة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لكنه بصورة واضحة يقيد تواصله مع الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وقالت الخارجية الأمريكية إن نظير بايدن هو الملك، ونظير وزير الدفاع محمد بن سلمان، وسبق للمتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، التصريح بأن بايدن سيتواصل فقط مع العاهل السعودي، في إشارة واضحة إلى أن البيت الأبيض يغلق أبوابه أمام ولي العهد السعودي الذي أشار تقرير الـ”سي آي إيه” بأن مقتل خاشقجي تم بموافقته، بينما سيكون حدود تواصله مع البنتاغون فقط، وهي المرة الأولى التي يُعلن فيها رئيس أمريكي رفض التواصل مع ولي عهد سعودي.

أن البيت الأبيض يغلق أبوابه أمام ولي العهد السعودي الذي أشار تقرير الـ”سي آي إيه” بأن مقتل خاشقجي تم بموافقته، بينما سيكون حدود تواصله مع البنتاغون فقط، وهي المرة الأولى التي يُعلن فيها رئيس أمريكي رفض التواصل مع ولي عهد السعودي.


لكن هل هناك رسائل أخرى من هذا الإعلان، وضغوط أخرى تدفع بمحمد بن سلمان للتنازل عن منصبه كولي للعهد؟
غير أنه من المحتمل أن يكون الغرض منه عزلًا لولي العهد، يحد بينه وبين الوصول إلى أعلى دوائر القرار في أمريكا، وربما يتبعه عزل مع زعماء العالم الغربي، وربما بعض الدول، وهو ما يمكن أن يلوح خلال الفترة القادمة.
وكان بايدن توعد، خلال حملته الانتخابية، بأنه سيفرض على ولي العهد السعودي عزلة، وشرع بأول خطوة في هذا المسعى عبر إعلان وزارة خارجيته، وليس هناك شك بأن إنهاء الحرب في اليمن جزء من تلك المساعي، التي أصبح العالم يصورها بأنها حرب محمد بن سلمان. وكانت الخارجية الأمريكية أشارت إلى امتنانها بما اعتبرته تعاونًا من الجانب السعودي لإنهاء الحرب في اليمن.
ويأتي ذلك في وقت تشهد مأرب تصعيدًا عسكريًا من الحوثيين بغرض السيطرة عليها. لكن إدارة بايدن التي تسعى لتحقيق انتصار في ملف حرب اليمن عبر إنهائها، وإن كان إنهاء شكليًا، ربما لا ترى ضررًا باستيلاء الحوثيين على مارب إذا كان ذلك سيسهم في قبولهم الدخول في مفاوضات سلام برعاية دولية تقودها الإدارة الأمريكية الجديدة.
ولم يسبق للرياض أن واجهت تصعيدًا في لهجة واشنطن، كالذي يباشر به الرئيس الديمقراطي جو بايدن عهده في البيت الأبيض. ولم يشمل إعلان البيت الأبيض الخاص بتقرير الاستخبارات الأمريكية عن مقتل خاشقجي، أية عقوبات ضد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، غير أن ذلك لا يغير من واقع التصعيد الأمريكي تجاه الرياض، بضغوط ستغير كثيرًا من قواعد العلاقة بين البلدين.

منذ اللحظة الأولى دلف بايدن مكتبه البيضاوي بخطاب حاد ضد المملكة، متبنيًا نوعًا آخر من الشراكة تحددها حقوق الإنسان، بحسب حديثه للملك في مكالمة هاتفية. ويبدو أنه ينهج سياسة سلفه الديمقراطي باراك أوباما.


ومما لا شك فيه، ستلقي بظلالها على الحرب في اليمن، وليس بالضرورة أن تشهد تشديدًا على جماعة الحوثي. وإن كانت الخارجية أشارت في بيانها الذي أصدرته أمس، إلى أنهم ينظرون لطرق من أجل فرض ضغوط إضافية على قادة جماعة الحوثي في اليمن. وإن كان الغرض من ذلك دفعها من أجل القبول بالدخول في مفاوضات إنهاء الحرب.
وكانت الإدارة الأمريكية استبقت الإعلان عن قرارها بشأن قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، بتبرير امتناعها عن فرض عقوبة على ولي العهد السعودي. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض إن واشنطن عبر تاريخها تمتنع عن معاقبة قادة الحكومات التي تربطها بها علاقات دبلوماسية، وحتى تلك التي لا وجود لعلاقة دبلوماسية معها. لافتة إلى أن ذلك يفتح المجال لتفاهمات مشتركة. وكانت الصحف الأمريكية وجهت نقدًا لإدارة بايدن، لعدم معاقبتها ولي العهد السعودي.
ومنذ اللحظة الأولى دلف بايدن مكتبه البيضاوي بخطاب حاد ضد المملكة، متبنيًا نوعًا آخر من الشراكة تحددها حقوق الإنسان، بحسب حديثه للملك في مكالمة هاتفية. ويبدو أنه ينهج سياسة سلفه الديمقراطي باراك أوباما، لكن ثمة ملفات جديدة يمتلكها بايدن، منها الحرب في اليمن، ومقتل خاشقجي، وجوانب على صلة بحقوق الإنسان، ولا يمكن إغفال الخشونة المخفية لتدخلات واشنطن ضمن أُطر ناعمة.

إدارة بايدن تفرض على السعودية شكلًا من العزل يحد من حركتها في ما تعتبره حدود أمنها القومي.. هل يعني ذلك انعدام ثقة بحليف استراتيجي في المنطقة؟ والأرجح أن الخطاب الأمريكي هو شكل من التصعيد أو اللاعودة عن تحول في سياستها تجاه المنطقة.


والجلي أن إدارة بايدن تفرض على السعودية شكلًا من العزل يحد من حركتها في ما تعتبره حدود أمنها القومي.. هل يعني ذلك انعدام ثقة بحليف استراتيجي في المنطقة؟ والأرجح أن الخطاب الأمريكي هو شكل من التصعيد أو اللاعودة عن تحول في سياستها تجاه المنطقة، وهناك تمارس وجوهًا ناعمة، وأخرى متشددة. وبالنسبة لواشنطن لا يوجد ضمن قواعدها صديق وعدو كامل، ولا يمنعنا ذلك من الانتباه لوجود اختلاف كبير في توجهات الديمقراطيين مقارنة بالجمهوريين.

إقرأ أيضاً  جمود القطاع السياحي بتعز في زمن الحرب
رسالة بايدن للسعودية… لا حرب في اليمن ولا حديث مع محمد بن سلمان


ولا يخفى على أحد، أن إدارة بايدن تحاول التواصل مع سياسة الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما، وفي الوقت نفسه بوضع قطيعة مع العهد الترامبي الذي أبدى عدائية مع قواعد مؤسسات الحكم الأمريكية العميقة. وظلت السعودية تشكو من إدارة أوباما وسياسات منحت خصمها الإقليمي الرئيسي إيران مجالًا ليضيق عليها الخناق في المنطقة عبر حلفائه في اليمن والعراق وسوريا ولبنان.
ومنذ وصوله البيت الأبيض، قام بحزمة إجراءات لإلغاء كثير من قرارات إدارة سلفه الجمهوري دونالد ترامب، بما فيها إلغاء قرار أمريكي بوضع جماعة أنصار الله (الحوثيين) في قائمة الإرهاب. وإعلانه إلغاء الدعم الأمريكي للسعودية في حرب اليمن، وكذلك تعليق صفقات أسلحة للرياض وأبوظبي كانت حكومتيها أبرمتها في فترة ترامب.
وكان تقرير الاستخبارات الأمريكية اتهم ولي العهد السعودي بالتورط في مقتل خاشقجي، مع أن الصورة العامة لا تخفي نوايا مُسبقة. بمعنى أن الدافع الأمريكي ليس مجرد تحيز إنساني بحت، بقدر أنه يشرح ملامح علاقة امتدت 8 عقود، اتخذت شكل الشراكة في مرحلة الحرب الباردة. لكن تلك الشراكة تعيش تبعات ما بعد الحرب الباردة، وتوجهات أمريكية لا تخفي نواياها في إجراء تغييرات جذرية على المنطقة، عنوانها الديمقراطية وحقوق الإنسان، غير أنها ملامح لاحتواء المنطقة لمرحلة ما بعد الحرب الباردة.

أن بايدن لن ينفتح على ولي العهد خلال فترته المبكرة. وبالنسبة لإدارته فإنهاء الحرب في اليمن هو جزء من حد نفوذ محمد بن سلمان الذي أجرى عملية جراحية، بحسب إعلان للبلاط مؤخراً.


ولا يبدو أن السعودية بمعزل عن هذ التوجهات الأمريكية الجديدة، وبصرف النظر عن استهجان تصرفات ولي العهد السعودي من تقبلها، تذهب إدارة بايدن للحد من نفوذه. وفرض عليه البيت الأبيض شبه عزلة، بإغلاق قنوات التواصل معه، إذ صرح بايدن بأنه سيتعامل مع الملك كند.
والواضح أن بايدن لن ينفتح على ولي العهد خلال فترته المبكرة. وبالنسبة لإدارته فإنهاء الحرب في اليمن هو جزء من حد نفوذ محمد بن سلمان الذي أجرى عملية جراحية، بحسب إعلان للبلاط مؤخراً.
ومن المحتمل أن تشهد العلاقة تصعيدًا في ملفات أخرى، يتعلق بالأسرة الحاكمة، وتحديدًا الأمراء الذين فرض عليهم ولي العهد شكلًا من الإقامة الإجبارية. وهذا إجراء سيكون له تبعات بإخراج خلافات العائلة الحاكمة إلى شكل من التصعيد السياسي الداخلي. وهو ما يطرح شكوكًا حول نوايا أمريكية بالتضييق على الحضور السياسي السعودي في محيطها الإقليمي، بينما على حسابه يتوسع حضور إيران وتركيا، وهو ما يلوح في تداعيات الحرب السورية والوضع السياسي العراقي لما بعد الاحتلال الأمريكي والهيمنة الإيرانية عبر المراجع والجماعات الشيعية.
ولا يمكن إرجاع ذلك لمصادفات ضمن حركة التاريخ، فظهور حسن إيرلو كأول سفير إيراني في اليمن، منذ اندلعت الحرب عام 2015، يتسق اليوم مع توجهات إدارة بايدن.
كما أن مقتل خاشقجي تسبب في وضع خطوط عامة غيرت من مجرى الحرب، ولا يعني ذلك أن السعودية اتخذت موقفًا حاسمًا من الحرب. في كثير من المناطق، ضغوط دولية أوقفت الحرب على مشارف الحديدة، اتخذت الحرب ملمحًا أحاديًا لا يمكن تغييره. إذ اتخذت شكلًا لرسم حدود بين فصائل عسكرية مختلفة تتمتع بنفوذ مستقل في مناطق سيطرتها. بينما يلوح في الأفق شكل من التوافقات الدولية حول مضمون الحرب وطريقة إخراجها النهائية بسلام يكون فيه الحوثيون جزءًا من المعادلة.
وبالتالي إضافة لاعبين آخرين، فبعد توقف معركة الحديدة إثر اتفاق ستوكهولم، نهاية 2018، انتهى عام 2019 بسيطرة المجلس الانتقالي المُطالب بالانفصال، على العاصمة المؤقتة عدن، وإخراج الحكومة.
ولا يعني أن عودة الحكومة ضمن اتفاق الرياض تشكل عودة لمسار عقلاني في التدخل السعودي- الإماراتي تحت مظلة الحكومة، فعلى الأفق تلوح معركة مأرب لتكون خسارتها تعقيدًا للمشهد، بالنسبة للحكومة اليمنية، وربما لا يكون عاملًا لإنهاء الحرب في اليمن.
وما هو لافت أن إدارة بايدن التي تتبنى خطابًا شديد اللهجة ضد السعودية، أبدت ليونة نحو طهران، ضمن مساعٍ لإعادة الاتفاق النووي الذي سبق وألغاه ترامب. ولم يكن الهجوم الأمريكي على جماعات موالية لإيران شرق سوريا، بأمر من بايدن، تغيرًا في موقف واشنطن. فهناك مساحة مقبولة من تبادل الرجم بين واشنطن وطهران، خلال حقبة الديمقراطيين.
وما يدعو للتساؤل هل تكون الحرب في اليمن جزءًا من اتفاقية إقليمية يعيد فيها الديمقراطيون إيران إلى اتفاق نووي كما سبق لعهد أوباما أن وضعه بالتزامن مع سقوط صنعاء لجماعة الحوثي؟ وماذا إن كانت مأرب اليوم هي المُقابل من أجل العودة إلى الاتفاق؟ مع هذا لا يبدو أن استراتيجية إدارة بايدن بمعزل عن توجه عام يعيد المنطقة بمضمون جديد هو سمة ما بعد الحرب الباردة، والذي كانت الثورة الإسلامية في إيران إعلانًا مبكرًا لذلك.

مقالات مشابهة