المشاهد نت

العلماء من وأد الفتنة إلى تأجيج الصراع باليمن

صنعاء – حفصة عوبل:

“ندعو إلى النفير العام ومساندة القوات المسلحة والأمن في الدفاع عن الوطن”؛ دعوة متكررة للعلماء بهدف تأجيج الصراعات الداخلية، بدلًا من الإسهام في وضع الحلول لإيقاف نزيف الدم اليمني المستمر منذ مطلع 2015. تزامنت هذه الدعوات مع الهجوم الذي تشنه جماعة الحوثي على محافظة مأرب (شرق البلاد)، منذ الـ7 من فبراير الماضي.
ولعب العلماء دورًا كبيرًا في اليمن بكل فترات الصراع ما بين تهدئة المجتمع أو إثارته، وفق الدكتور أحمد عطية، وزير الأوقاف السابق في الحكومة اليمنية، لكنه يقول: “في الغالب يقف العلماء مع ولي الأمر الشرعي، وهذا ما حصل حين وقع الانقلاب على سلطة الرئيس هادي، إذ اعتبروا الحوثي متمردًا على الدولة، وخارجًا على ولي أمر البلاد. والحقيقة هذا هو ما يتوافق ويتطابق مع مقاصد الشريعة الإسلامية السمحة، حفاظًا على لحمة البلد واستقراره”.
ويقول الحسين بن أحمد السراجي، عضو رابطة علماء اليمن بصنعاء: “هناك مشكلة كبيرة وعويصة ليست وليدة اليوم، بل هي امتداد لقرون من الزمن، فالعلماء حين يتحولون لأبواق أو دعاة فتنة، يكون المسار قد انحرف للأسف، وهذه طامة كبرى”.

دعوات لتأجيج الصراع

تشهد اليمن حربًا منذ أكثر من 6 سنوات، بين القوات الحكومية المدعومة من تحالف عربي تقوده السعودية، وجماعة الحوثي المدعومة إيرانيًا. وأودت الحرب على اليمن بحياة 233 ألفًا، وبات 80% من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على المساعدات للبقاء أحياء، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.
ورغم كل ما حدث خلال سنوات الحرب، إلا أن الخطاب الديني تمحور حول تأجيج الحرب وتحريض كل طرف على الآخر، من خلال الدعوة إلى النفير العام لاجتياح مدينة أو إعادة السيطرة عليها، الأمر الذي يفاقم الحرب، ويخلف المزيد من الضحايا في البلد الوحد.
ويقول الدكتور محمد العامري، المذيع في قناة السعيدة اليمنية: “المجتمع الذي يعاني من الجهل، يتساوى لديه الجميع، وهذا خطأ، وعلى ذلك فقد أبرز الواقع للأسف صورًا سيئة ومواقف أسوأ من بعض هؤلاء، الذين قد يطلق عليهم علماء، وهم ليسوا كذلك. ولذلك تبنى مواقف سيئة بدافع حزبي أو شخصي، وتغليب المصلحة الخاصة للبعض على المصلحة العامة، وجهل كثير منهم -لعدم امتلاكهم أدوات العلم- في فهم الواقع فهمًا جيدًا، والتعامل معه بشكل صحيح، وكذلك انزواء وانعزال بعضهم، وابتعادهم وصمتهم عن تبيين الواجب وتوضيحه للناس”.

العلماء من وأد الفتنة إلى تأجيج الصراع باليمن


ويضيف: “يجب توضيح نقطة مهمة حول من هو الشخص الذي يطلق عليه لفظ عالم دين، فليس كل من أطلق لحيته عالمًا، وليس كل من صلى وخطب وحاضر، وتم تلميعه من قبل جهة أو إعلام، وانتمى لجماعة أو تقلد وظيفة معينة، عالمًا، وليس كل من قيل عنه عالم بالضرورة أن يكون عالمًا. العالم هو من يبذل جهده في الوصول إلى الحكم الشرعي، وتكون عنده القدرة على استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها، وعلى هذا لن نجد في الأمة علماء إلا قليلًا بهذا المعيار، وبجب التفريق بين العالم الذي ذكرنا معناه، وبين الواعظ، والداعية، وإمام المسجد، والمدرس والموجه الملتزم، وغيره”.
ويقول الدكتور عطية: “خلال الاستطلاع والمتابعة شاهدنا علماء محسوبين على جماعة الحوثي يستخدمون أسلوبًا تحريضيًا واضحًا، لنفخ الكير، وإثارة الدعوات التي تبنى على التقسيم المذهبي أو المناطقي والجغرافي، وهذه بحد ذاتها انتكاسة كبيرة في رسالة العلماء الذين كان يجب عليهم أن يمنعوا، ولو بالفتوى أو الكلمة، جماح هذه الحرب، ويوقفوا نزيف الدم”.
ويضيف: “الفتنة المذهبية والطائفية أخطر من الخلاف السياسي، لأن خلاف الساسة يحل على طاولة مستديرة، ويصلون إلى اتفاق، بعكس الخلاف الفكري أو الطائفي الذي يلجأ كل طرف فيه إلى قوته لفرض فكرته”.

إقرأ أيضاً  محطات تعبئة المياه... استغلال ضعف الرقابة 

ما الذي ينبغي على العلماء فعله؟

يتمحور دور العلماء في لعب المصالحة وبث روح التآخي والمحبة والسلام وزرع الود والتآلف، وليس الدور السلبي الذي يكفر ويبدّع ويضلل ويمزق المسلمين، ويجعلهم لقمة سائغة للعدو، ليتماهى دورهم مع استراتيجيات المخابرات الخارجية التي تعمل على تمزيق المسلمين وتشتيتهم وزرع العداوة والكراهية والبغضاء في ما بينهم، كما يقول السراجي.
ويضيف أن رأب الصدع والعمل على ما من شأنه تجاوز الخلافات والتدخل بكل قوة، هو دور العلماء المفترض، وما نشاهده اليوم في عموم العالم الإسلامي وما سماه “العدوان” على اليمن يؤكد انحراف العلماء عن مسارهم ورسالتهم التي كلفهم الله سبحانه بها.
ويتابع: “فما نتعرض له من حرب وإبادة وحصار وتجويع وترهيب ومجازر وسفك دماء، أمر يترك علامات استفهام كبيرة وكثيرة في تجاهل العلماء وتماهيهم وخذلانهم وتواطئهم مع الباطل، حتى صاروا أضحوكة أمام العالم كما قال سبحانه: “فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنًا قليلًا”. إننا نوجه الدعوة لكافة علماء الأمة باتقاء الله في دمائنا، فخذلانهم وتواطؤهم وصمتهم ومشاركتهم لن تعفيهم من المساءلة يوم العرض”.
على العلماء دور كبير، ومنوط بهم لإيقاف نزيف الدم، وردع التمرد والانقلاب، ومناصحة من خرج على الدولة وولي أمرها شاهرًا سيفه وقوته، واللجوء إلى الديمقراطية للوصول إلى كرسي الحاكم، هذا هو الأصل في رسالة العلماء في هذه المرحلة الراهنة، بحسب الدكتور عطية.

مقالات مشابهة