المشاهد نت

مؤسسات التعليم الفني… باب مفتوح للبطالة

تعز – أحمد عبدالمنعم الشيباني:

بعد أن غدا به الحال عاملًا في أحد مطاعم العاصمة صنعاء، بأجر يومي لا يتجاوز 3000 ريال، يستغل الحِرَفي وجدان عبدالجبار يوم إجازته بلملمة شهائده، والتوجه صوب معامل وورش العاصمة صنعاء، علّه يجد عملًا يناسب تخصصه وطموحه. وكالعادة فبعد يوم مضنٍ قضى جُلّ ساعاته بالبحث المتواصل، يعود مرة أخرى خالي الوفاض، دون جدوى.
وكان وجدان بدأ دراسته في معهد ذهبان التقني في صنعاء، عام 2013، وتخرج منه قبل عامين، ليشرع بعدها كغيره من الفنيين والحرفيين، في مسيرة لا تنتهي من البحث والتقصي بغية الحصول على عمل في المصانع أو المعامل أو الورش التي لا ترحب بأحد، ليؤول به المطاف متنقلًا بين محلات الملابس تارة، والمطاعم تارة أخرى، لكسب قوت يومه، كما يقول، مضيفًا بحسرة: “عندما أذهب لأحد المعامل لأقابل مديره وأعرض شهائدي عليه؛ يرد : إذا كنت تعرف كيف تشتغل الآلات، وتستطيع العمل عليها، فمرحبًا بك، وإذا لم تكن كذلك فلن تجد عملًا هنا”.

طابور طويل من البطالة

وتبدأ رحلة الوصول إلى قائمة البطالة عند أول يوم يقرّر فيه الطلبة ولوج مجال التعليم الفني، وتأخذ لذلك شكلًا موجعًا يتم عبر أفواج تتدفق سنويًا من بوابات المعاهد التقنية والمهنية، كما يقول الفني أحمد طاهر الذي يعمل في المعهد التقني بمدينة تعز الواقعة تحت سيطرة القوات الحكومية .
ووصل عدد الطلبة المسجلين فقط لهذا العام وحده،31,041 طالبًا وطالبة، توزّعوا على 75 مؤسسة تدريبية في 18 محافظة في الجمهورية، حسب إحصائية صادرة عن وزارة التعليم الفني والتدريب المهني.
“يقرّر الطلبة، بعلم أو بغير علم منهم، دخول المعاهد التقنية والفنية، رغبة منهم أولًا في التخرج سريعًا بسبب قصر مدة الدراسة التي تتوزّع بين سنتين في بعض الأقسام وثلاث سنوات في بعضها الآخر، وسعيهم للحصول على مهنة يستطيعون العمل من خلالها فور تخرّجهم، وتكون مصدر لعيشهم ثانيًا”؛ يقول أحمد.
ويضيف في حديثه لـ” المشاهد” : وإن بدت طريق تحقيق الحلم معبّدة في الظاهر، فهي مليئة بالمصدّات والعوائق التي تحُول دون تحقيقه في الباطن، فبالرغم من الجهود التي يبذلها الفنيون في الدراسة والتحصيل، فإن ذلك لا يُسمن ولا يغني من الحصول على عمل، لتبقى البطالة لهم قدرًا محتومًا لا مفر منه.

مخرجات لا تتناسب مع متطلبات سوق العمل

وهنا تتبادر إلى الذهن أسئلة ملحّة تتعلق بأقسام التعليم التقني والمهني التي تُدرَّس في المعاهد، إذ إن هناك الكثير من الأعمال المتوفرة، والتي تتمحور نطاقاتها حول هذه المجالات والتخصصات في البلاد وخارج البلاد، كالكهرباء بجميع أقسامها والميكانيكا بتفرعاتها الكثيرة، إضافة إلى الهندسة وغيرها من الأقسام المهمّة، فما الذي يجعل البطالة مصير خريجي هذا المجال؟ وما الذي يحول دون انتقالهم لسوق العمل بسلاسة؟

أنّ التكنولوجيا في تطوّر مستمر، ولمواكبة ذلك تحتاج هذه المناهج لتحديث دوري كل 5 سنوات على الأقل، ورفد المؤسسات الفنية بالمعدّات والتقنيات اللازمة للتدريب لردم الهوّة، وجعل الفنيين يلتحمون بسوق العمل بسلاسة


يجيب صلاح صالح، الذي يعمل أستاذًا في المعهد اليمني الصيني التقني، ومهندسًا في مصانع صنعاء، بالقول: “هناك فجوة متّسعة بين مخرجات التعليم الفني، وما هو موجود في سوق العمل، غدت السبب الأول للبطالة، وسبّبتها مشكلات عدّة يدفع الفنيون ضريبتها الكبيرة، فتوفر الأعمال بذات التخصصات التي يتعلّمها الطلبة في المعاهد، لا يعني أنّه بمقدورهم الحصول عليها، فسوق العمل متطور، والتعليم الفني بعيد عن ذلك، الأمر الذي يجعل الفنيين في دائرة الرفض أمام أصحاب الأعمال، وإذا ما نظرنا إلى الأسباب نجدها جلية في عدم ملاءمة البرامج التعليمية

إقرأ أيضاً  توقف الزراعة في بساتين صنعاء القديمة 
مؤسسات التعليم الفني… باب مفتوح للبطالة
عمال في انتظار فرصة عمل -أرشيفية

لاحتياجات السوق، وعدم فاعليتها، والمناهج التي تُدرَّس في المعاهد متقادمة، ولا تتناسب مع ما هو موجود في سوق العمل، فكما هو معلوم أنّ التكنولوجيا في تطوّر مستمر، ولمواكبة ذلك تحتاج هذه المناهج لتحديث دوري كل 5 سنوات على الأقل، ورفد المؤسسات الفنية بالمعدّات والتقنيات اللازمة للتدريب لردم الهوّة، وجعل الفنيين يلتحمون بسوق العمل بسلاسة، وهو ما لا يتوفر في مؤسساتنا الفنية، بالإضافة إلى أنّ غياب التنسيق بين المؤسسات الفنية ومؤسسات سوق العمل، أسهم بتوسيع هذه الفجوة، وعزّز جذور البطالة أكثر في هذا القطاع”.
بالرغم من الأهمية التي يُشكّلها التعليم الفنّي لأي بلد، إلاّ أنّ الأمر مختلف في بلادنا، فقد غدا عبئًا يؤرق منتسبيه، ولا يعود على القطاعات المتصلة به والدولة بفائدة مرجوة في الوقت الراهن.

غياب الدعم الحكومي

تفاقم الأوضاع الراهنة صعّب الحال أكثر أمام الفنيين، فلا يبدو أنّ هناك أيّة بوارق أمل تلوح في الأفق، تساعد على حل مشاكلهم في المستقبل القريب على أقل تقدير.
ويؤكد وكيل وزارة التعليم الفني والتدريب المهني المساعد لقطاع سوق العمل، في الحكومة المهندس موال الشعبي لـ” المشاهد” ، أنّ هناك جهودًا دؤوبة تبذلها الوزارة بهذا الصدد، وذلك بالسعي لخلق شراكة مثمرة مع القطاع الخاص، تتضمن عدّة برامج تسهم في توفير فرص عمل للفنيين، مشيرًا إلى أنّ الوزارة تعاني من معضلات كثيرة منذ عقود، زادت حدّتها في الحرب أكثر، وأول خطوة لترميم ذلك هي إعادة رسم خارطة التخصصات التي يحتاجها سوق العمل، لبناء خطط يمكن من خلالها وضع مناهج محدّثة، وتوفير تجهيزات ومعامل حديثة تواكب السوق، وتعود بالنفع على التعليم الفني، وتخففّ من عبء البطالة الذي يلقي بظلاله على منتسبيه. وهو ما ستسعى الوزارة لتحقيقه في المستقبل القريب.

مقالات مشابهة