المشاهد نت

ناشطون ينعون دور المنظمات في الدفاع عن حقوق اليمنيين

ماتت ثقة المواطن اليمني بالمنظمات الحقوقية، فمع كل قصة انتهاك للحقوق الإنسانية يشهدها الشارع في ظل غياب دور المنظمات المعنية تزداد الحسرة ويدخل المواطن في حالة يأس للانتصار لحقوقه ويبقى أسير الاستسلام.

حادثة فقط تشرح الوضع

“حادثة وقعت الأسبوع الفائت تكفي لأن تجعلني أفقد ثقتي في منظمات حقوق الإنسان وتثبت بكل وضوح أنها متحيزة”.. هكذا رد حمزة المقالح الصحفي والمراقب الحقوقي عن سؤال “المشاهد” حول ثقته في منظمات حقوق الإنسان في اليمن.

الحادثة بحسب المقالح هي مقتل الشاب وليد الابي تحت التعذيب في سجون صنعاء بعد أسبوع واحد من اختطاف الحوثيين له من جوار زوجته وهو عائد إلى بيته في أحد أحياء صنعاء. وبتأكيد المقالح فإن الحادثة مرت دون أن تلقى أي اهتمام من منظمات حقوق الإنسان مثلما مثل حوادث سابقة مشابهة مرت دون أي اهتمام.

يقول المقالح: “أصبحت المنظمات الحقوقية “مسيسة وغير جديرة بالثقة فيما يصدر عنها من تقارير وبيانات، لأنها باتت تعمل في بيئة غير مستقرة وتشهد استقطابات حادة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي”.

ولا يستبعد المقالح تأثير النطاق الجغرافي الذي تعمل فيه المنظمات الحقوقية على نشاطها وأدائها، فهو يؤكد أن 50% من المنظمات الحقوقية موجودة في صنعاء التي يمثل سكانها أقل من 12% من سكان البلاد وبمساحة أقل من 9% -بحسب تأكيده- ويقول: “هذا يكفي لأن لا نثق بالعمل الحقوقي ونزاهته وحياديته”.

حقوقيون لا يثقون بالمنظمات

ليس وحده حمزة المقالح من فقد ثقته في منظمات حقوق الإنسان في اليمن، فرؤساء منظمات وناشطون في مجال الحقوق والحريات هم أيضا باتوا غير واثقين فيما تصدره المنظمات الحقوقية من تقارير تتناول انتهاكات حقوق الإنسان خصوصا تلك الانتهاكات التي ترتكب في العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي.

فالناشط الحقوقي “علي هزازي” ورغم أنه يرأس منظمة معنية بالعدالة والتنمية وحقوق الإنسان إلا أنه أيضا بات يتحدث عن فقدان الثقة بما يصدر عن منظمات حقوق الإنسان في اليمن، متحدثا عن أسباب وعوامل أفقدت المنظمات ثقتها وحياديتها وجعلتها في محل التشكيك.

وفي ذات السياق يتحدث المحامي والحقوقي “فيصل المجيدي” رئيس مركز (إسناد) لتعزيز القضاء وسيادة القانون عن فقدان الثقة فيما يصدر عن منظمات حقوق الإنسان من تقارير، ويؤكد أيضا أنه تم حرف مسار المنظمات الحقوقية في اليمن وإحداث انقلاب حقوقي مقابل الانقلاب على السلطة الشرعية.

وفي حين يتهم موسى النمراني المسؤول الإعلامي بمنظمة (هود) للحقوق والحريات جماعة الحوثي في صنعاء بالسطو على العمل الحقوقي والإنساني. يوجه أحمد القرشي رئيس منظمة (سياج) لحماية الطفولة اتهامه لكل الأطراف في اليمن سواء جماعة الحوثي أو الشرعية بتجيير عمل المنظمات الحقوقية لصالحها وتهميش عمل المنظمات ذات الكفاءة والمهنية.

لكن وعلى النقيض من سابقيه يحمل المدير التنفيذي بمنظمة (مواطنة) عبدالرشيد الفقيه رؤية مغايرة، فهو يدافع عن حيادية المنظمات الحقوقية، ويؤكد أنها ماتزال تؤدي دورا رياديا في خدمة حقوق الإنسان رغم شح الإمكانات التي تواجهها.

أساليب قمع مختلفة

وفيما تؤكد تقارير دولية أن جماعة الحوثي وحليفها صالح تعاملوا بقسوة مع منظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني بعد سيطرتهم بالقوة على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014 وأغلقوا عشرات المنظمات، يتحدث ناشطو حقوق الإنسان في اليمن لـ”المشاهد” عن أساليب قمع مختلفة كانت سببا في إسكات المنظمات الحقوقية وإفقادها عنصر الحياد والنزاهة.

وفي السياق يتحدث علي هزازي  رئيس منظمة (سواسية) للتنمية والعدالة عن دور جماعة الحوثي وحليفها صالح في التأثير على عمل المنظمات الحقوقية. وأكد أن “جماعة الحوثي استهدفت بشكل مباشر المنظمات الحقوقية الفاعلة واقتحمت مقراتها ولاحقت أعضاءها وعمدت لتجميد الحسابات البنكية لبعض هذه المنظمات”.

وبما أن العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي تتواجد بها أغلب المنظمات الحقوقية والإنسانية – بحسب هزازي – فقد استطاعت جماعة الحوثي أن تفرض سيطرة على الموارد وتوجيهها بما يخدم أهدافها، وهو ما أسهم في انعدام الثقة في منظمات حقوق الإنسان.

من جهته يؤكد فيصل المجيدي في حديثه لـ”المشاهد” ما ذهب إليه هزازي من تأثير سيطرة جماعة الحوثي على عمل المنظمات الحقوقية. وقال: إن “الانقلاب العسكري والسياسي والاقتصادي الذي حصل في اليمن رافقه انقلاب حقوقي موازي، جرى من خلاله الترتيب لتسليم المهام الحقوقية لمنظمات لم تكن معروفة من قبل، أو لمنظمات معروفة بانحيازها لجماعة الحوثي أو صالح وإعطائها دورا متعاظما”.

ويضيف: “لقد جرى بالفعل حرف مسار بعض منظمات المجتمع المدني اليمني ومنظمات حقوق الإنسان عن مهامها والخلط بين السياسي والحقوقي، وباتت كثير من المنظمات المستقلة والمهنية تشكو الإقصاء والتهميش لها، وتشكو إدخال منظمات طارئة على حساب الحقيقة، حيث أسندت مهمة الرصد والتوثيق لبعض المنظمات التي تم إنشائها بالتوازي مع انقلاب جماعة الحوثي وصالح”.

ولم يتوقف المجيدي عند ذلك بل تحدث عن “تشكيل لوبي قريب من جماعة الحوثي وصالح من خلال إدخال موظفين ومتعاونين في إطار فروع المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة أو منظمات ذات ثقل عالمي وبالتالي يجري حرف مسار التحقيقات لتقوم بتقديم تقارير فيها اجتزاء للوقائع وتضخيم لانتهاكات طرف وإخفاء جرائم أو جعلها ضئيلة بالمخالفة لحقيقة الواقع وأحيانا نسبة جرائم ارتكبها طرف ما ولصقها بالطرف الآخر”.

إقرأ أيضاً  اللحوح... سيدة مائدة الإفطار الرمضانية

 أما موسى النمراني المسؤول الإعلامي بمنظمة (هود) فيقول لـ”المشاهد” إن “ما تبقى من منظمات في صنعاء هي منظمات تابعة لجماعة الحوثي لكنها تحمل مسميات حقوقية ويتفرغ للعمل فيها عناصر تابعة للجماعة لهم مهام محددة تتمثل في العمل على تجريم الشرعية وقواتها أو مهاجمة السلطات الشرعية ومساواتها أو مقارنتها بجماعة الحوثي”.

ويتابع النمراني بتأكيده أن عناصر موالية لجماعة الحوثي تعمل تحت مسميات حقوقية “وتتلقى تدريبا مستمرا على أيدي خبراء دوليين ومؤسسات حقوقية دولية وبالتوازي معه تدريب على أيدي نشطاء شيعة من البحرين ولبنان ودول أخرى بحيث ترتفع قدراتهم على صناعة رأي عام مساند للمليشيا بأدوات العمل الحقوقي”.

وجهة نظر أطراف الحرب

وأمام هذه الشهادات التي تحدث بها نشطاء حقوقيون يقف المدير التنفيذي لمنظمة (مواطنة) لحقوق الإنسان عبدالرشيد الفقيه في صف الدفاع عن حيادية ومهنية المنظمات الحقوقية في صنعاء، بل ويرى أن سؤال معد المادة الصحفية حول سبب فقدان الثقة في المنظمات الحقوقية يحمل وجهة نظر أطراف الحرب.

وتقع منظمة (مواطنة) لحقوق الإنسان في صنعاء، وأصدرت مؤخرا تقريرا عن انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن أثار لغطا واسعا حول حيادية المنظمة، وجعلها في خانة الاتهام بالانحياز لجماعة الحوثي لإغفالها عشرات الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة وحليفها صالح في تعز – وفق ناشطين.

لكن المدير التنفيذي لـ(مواطنة) يؤكد في حديثه لـ”المشاهد” أن الواقع مختلف تماما عن ماجاء في السؤال حول أسباب فقدان الثقة في المنظمات الحقوقية، “حيث لم يتبق مع الناس سوى المنظمات الإنسانية المستقلة التي تؤدي دور إنساني بارز في الميدان في مختلف الجوانب”.

ويضيف: “تعمل المنظمات وسط الناس في مختلف المناطق محمية بوعي اليمنيين العاديين وقناعتهم بدورها الإيجابي لصالح قضاياهم واحتياجاتهم، ولو تابعت ما تنفذه المنظمات من برامج إنسانية في مختلف المناطق لذهلت”.

الفقيه تابع حديثه باتهام جميع الأطراف اليمنية بمهاجمتها للعمل الإنساني. وقال: إن كل طرف يحاول تسخير العمل الإنساني لصالحه. لكنه أيضا أكد أنه لا يعارض “الانتقادات الموضوعية لأي قصور أو لأن العمل الإنساني لا يلبي كل الاحتياجات والطموحات”.

ويضيف: “المنظمات الإنسانية تعمل في مختلف مناطق اليمن في ظل صعوبات ومخاطر وقيود حقيقية، وتواجه وضعاً إنسانيا حرجاً واحتياجات أكبر من جاهزيتها وإمكانياتها .. المنظمات تقف مع الفئات الضعيفة المتضررة من الحرب في طل انهيار شامل للخدمات وأجهزة الدولة وآثار الحرب الكارثية”.

ظهور لمجموعة المصالح

أما أحمد القرشي رئيس منظمة (سياج) لحماية الطفولة في صنعاء، فإضافة إلى اتهامه أطراف الصراع في اليمن بتجيير عمل المنظمات الإنسانية لصالحها، تحدث عن ظهور “مجموعة مصالح من منظمات دولية ومنظمات محلية تتبع الأطراف المتصارعة ومؤسسات حكومية استولت على أكبر قدر من التمويل وأقصت منافسيها من المنظمات العاملة في البلد، واستحوذت على التمويل وتعمل هي بحسب ماتريده وما تراه هذه المؤسسات”.

وهاجم القرشي في حديث مع “المشاهد” جميع الأطراف في اليمن. وقال: إن  “كل طرف من أطراف الصراع يسيطر على منطقة هو من يحدد منظمات موثوقة لديه، تعمل غالبا تحت تصرفه، وبالتالي لا مكان لأي مؤسسات أخرى تأتي انطلاقا من المهنية والكفاءة والخبرة التي لديها”.

وتابع: “باختصار تغيرت المعايير وهذا بشكل غير معلن ويمارس من جميع أطراف الصراع بدون استثناء، بمعنى أن المعايير أصبحت معايير الولاء وليست الكفاءة والمهنية أو الانحياز للضحايا،  خاصة المنظمات التي تعمل على حقوق الطفل وحقوق الإنسان والرصد والتبليغ والمعلومات وإصدار التقرير هذه تم إقصاءها بشكل كبير وتم إفساح المجال غالبا لمنظمات تتبع الأطراف المتصارعة”.

إذا ماذا يتضح؟

ومن خلال ما سبق يتضح أن هناك أسبابا تقف وراء فقدان منظمات حقوق الإنسان للثقة في اليمن من أبرزها سطوة أطراف الصراع التي مارستها ضد المنظمات الحقوقية خصوصا في صنعاء والتي تقع فيها معظم المنظمات الحقوقية، واستخدام أساليب قمع وتضييق متعددة، إضافة إلى لجوء أطراف الصراع لبناء شبكة مصالح جديدة مع المنظمات الحقوقية وبما يخدم أهدافها الخاصة.

كما يتضح أن منظمات حقوقية تقع في صنعاء باتت تشكو من التهميش ومن تشكل لوبيات تجمع منظمات دولية ويمنية، إضافة إلى إنشاء منظمات جديدة منافسة ومنحها دعما ومساندة كبيرة على حساب المنظمات الفاعلة المعروفة بمهنيتها وتجربتها الكبيرتين، إضافة إلى خروج منظمات حقوقية كبيرة عن المشهد بعد أن كانت متصدرة للعمل الحقوقي لأكثر من 15 عام.

مقالات مشابهة