المشاهد نت

مع دخول عامها السابع… الحرب في اليمن رهينة الملف النووي الإيراني

عدن – سامي عبدالعالم:

يدخل اليمن عامًا سابعًا من الحرب. تأثر البلد كله بالحرب التي أشعلها الانقلاب الحوثي منذ سبتمبر 2014، وتحولت البلاد مسرحًا لصراعات دولية متعددة.
حرب أنهكت جميع الأطراف المحلية، وقوضت دعائم المعيشة والاقتصاد، ووسعت الهوة والتمزق للنسيجين الاجتماعي والمالي، بلغت كلفتها حتى الآن 233 ألف قتيل وقرابة 4 ملايين نازح، وفقًا لبيانات حديثة عن الأمم المتحدة.
لكن الأخطر مع نهاية العام السادس للحرب بالتمام، هو انزلاق الحرب نحو موجة أعنف من المعارك مع زيادة الدور الإيراني في البلاد، وبصورة مباشرة، في وقت تمكنت فيه الولايات المتحدة من الضغط على السعودية والحكومة اليمنية للتسريع بوقف شامل لإطلاق النار في عموم البلاد، وإطلاق مفاوضات نهائية تنهي الحرب.

مبادرة سعودية لوقف إطلاق النار

مع دخول الحرب عامها السابع، أعلن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، مبادرة سعودية لوقف إطلاق النار في اليمن، تمهد لمفاوضات سياسية بهدف الوصول إلى حل سياسي.
المبادرة التي تم إعلانها في 22 مارس الجاري، تشمل وقفًا لإطلاق النار تحت إشراف الأمم المتحدة، تبدأ في حال موافقة جماعة الحوثيين، كما تتضمن إعادة إطلاق المحادثات السياسية بعد موافقة الحكومة والحوثيين على المبادرة، وإعادة فتح مطار صنعاء للرحلات إلى بعض الوجهات الإقليمية والدولية.
الحكومة اليمنية رحبت بالمبادرة السياسية، غير أن جماعة الحوثي لم تعلن موافقة صريحة على المبادرة، واعتبرت أنها لا تتضمن أي جديد، مطالبة برفع الحصار الجوي والبحري على اليمن. دول متعددة رحبت بالمبادرة السعودية، من بينها الصين التي دعت إلى حل سياسي للأزمة اليمنية وفق المرجعيات.
إيران، ومنذ الساعات الأولى ليوم 22 مارس الجاري، باشرت بإعلان تصريحات من جانب المرشد الأعلى علي خامنئي، عبر سلسلة تغريدات على صفحته في “تويتر”، وصفت بأنها تصريحات تصعيدية ومناوئة لجهود السلام.
فيما تداولت مواقع إخبارية معلومات عن محاولة بعض قيادات الحوثيين في صنعاء إقناع السفير الإيراني لدى جماعة الحوثي، بعدم جدوى استمرار التصعيد العسكري على مأرب في ظل ارتفاع الخسائر في صفوف الحوثيين.
من جانبها، أعلنت السعودية، وعلى لسان وزير خارجيتها، أن الفرصة سانحة أمام الحوثيين الآن لإثبات ما إذا كانوا يهتمون بمصالح الشعب اليمني أم يضعون الاعتبار الأول لمصالح إيران.

مع دخول عامها السابع… الحرب في اليمن رهينة الملف النووي الإيراني

تنامي الدور الإيراني

شهدت سنوات الحرب الست ترسيخ إيران لنفوذها في شمال اليمن، وامتلاك القدرة والتحكم بالقرار، وباشرت دورًا مباشرًا من خلال تعيينها القيادي في الحرس الثوري الإيراني حسن إيرلو، الذي تمكن خلال فترة وجيزة منذ ظهوره في واجهة الأحداث، من فرض نفسه عنصرًا أساسيًا في المشهد اليمني الداخلي.
ويبدو أن إيران عملت منذ سنوات، ومن خلال عشرات من ضباط وعناصر الحرس الثوري الإيراني، على الوصول إلى هذه النتيجة، والتأثير على الأمن والاستقرار الإقليمي في ما يصب في خدمة أجندتها بالمنطقة، وتوسيع بسط نفوذها بصورة مباشرة.
وزاد التهديد المباشر للسعودية والهجمات عليها من اليمن بوتيرة متسارعة ومكثفة. إيران، وعلى لسان سفيرها، قالت إن الحرب في اليمن دخلت فصلًا جديدًا. سفير إيران لدى جماعة الحوثي بصنعاء، كتب تغريدة على صفحته في “تويتر”، يوم 19 مارس الجاري، قال فيها إن بدایة فصل الربيع تصادف الذكرى السنوية السادسة للعدوان الوحشي الجائر على اليمن، حسب وصفه، “وبداية فصل جديد من المقاومة والانتصارات للشعب اليمني المظلوم والشجاع” .
إصرار إيراني على قطع سبل تحقيق السلام وإنهاء الحرب من أعلى هرم في النظام الإيراني علي خامنئي، الذي كتب تغريدة على صفحته في “تويتر”، في 22 مارس الجاري، يقول: “بدأ السعوديون الحرب على اليمن بضوء أخضر، ومساعدة عسكرية كبيرة من حكومة أوباما الديمقراطية، بهذا التصوّر: إلقاء ما يكفي من القنابل على رؤوس الشعب اليمني الأعزل! فيجعلونهم يستسلمون في شهر مثلًا. الآن مرّت ستّ سنوات ولم يتمكّنوا من إرضاخ هذا الشعب. لقد ارتكبوا خطأً كبيرًا”.
تتمسك إيران، بقوة، بموقفها المعطل لعملية السلام في اليمن، في وقت أعلنت الإدارة الأمريكية أن إنهاء الحرب في اليمن أولوية من أولوياتها، وقدم مبعوثها إلى اليمن تيموثي ليندركيج، خطة تتضمن خطوات سريعة لتحقيق السلام. غير أن إيران تمانع أي حل سياسي لا يمر عبر طهران. واشنطن جددت اتهام إيران باتخاذ موقف سلبي وتأجيج الصراع في اليمن واستمرار دعمها للحوثيين الذين يشنون هجمات على المدنيين.
ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين أمريكيين، أنه بينما تعمل الولايات المتحدة على الخروج من اليمن، تحاول إيران تعميق نفوذها.
وقالت جالينا بورتر، نائبة المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية، إن إيران لديها فرصة للعب دور أكثر إيجابية وتأثيرًا في اليمن، بعكس ما تفعلع حاليًا، وموقفها السلبي الذي يؤجج الصراع في اليمن.
بورتر أضافت أن بلادها مازالت تشعر بقلق عميق من تكرار هجمات الحوثيين على المدنيين، ودعت جميع الأطراف للمشاركة في مفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة، بالاشتراك مع المبعوث الأمريكي الخاص ليندركينغ.
ومنذ اليوم الأول لتقلد بايدن السلطة وجلوسه في البيت الأبيض، تكرر إدارته أنها أعطت أولوية لإنهاء الحرب الفظيعة في اليمن، غير أن إيران في ما يبدو وراء مزيد من التصعيد العسكري غير المسبوق، في سباق ضد المساعي الأمريكية.

مع دخول عامها السابع… الحرب في اليمن رهينة الملف النووي الإيراني

مساومات صغيرة تتحول إلى مساومات كبيرة

ويشهد اليمن تقويضًا شبه كامل للتهدئة الهشة في البلاد. وعادت المعارك بكل قوتها كما في بداية اشتعال الحرب، بحسب المبعوث الأممي مارتن غريفيث، في إحاطة قدمها في جلسة لمجلس الأمن الدولي، في مارس الجاري. وساد الهدوء النسبي في جبهات القتال طوال شهور، نتيجة ركود الهجمات، بخاصة من جانب الجيش الوطني والقوات المشتركة الموالية للحكومة. فيما استمرت جماعة الحوثي في شن هجمات، من وقت لآخر، في محاولة للتوسع.
وتزايدت هجمات الحوثيين، خصوصًا منذ ظهور السفير الإيراني لدى الحوثيين في صنعاء، في أكتوبر العام الماضي. حالة التهدئة الهشة الناتجة عن ضغوط دولية قوضت تمامًا بعد أن شنت جماعة الحوثي هجومًا عنيفًا لاجتياح مدينة مأرب، ولوحظ صمت المجتمع قرابة شهر، شهدت أعنف العمليات الهجومية على مأرب، تمكن الحيش الوطني وقبائل من صد الهجمات.
ولتخفيف الضغط على مأرب، أطلقت قيادة محور تعز العسكري بالجيش الوطني، عملية واسعة تمكنت خلالها من تحرير مناطق واسعة في جبهات غرب وجنوب وجنوب شرق تعز. بهذا المشهد المتواتر، طوت الحرب اليمنية عامها السادس.
وتتواصل أعنف المعارك في جبهات مأرب، بصورة لم تشهدها البلاد طيلة سنوات الحرب. وبلغت الخسائر مئات القتلى من الجانبين، أكثر الخسائر من الحوثيين الذين يشنون هجماتهم بطريقة الأنساق القتالية المستمدة من أساليب الحرب الإيرانية مع العراق.
ودعا وزير الدفاع في الحكومة، الصليب الأحمر الدولي إلى انتشال مئات الجثث من جبهات مأرب، قال إن جماعة الحوثي خلفتها وراء ظهرها.
واستعرت الحرب بصورة واسعة في جبهات أخرى، في ظل تحشيد مستمر ومكثف من قبل جميع الأطراف.
وتدخلت السعودية بقوة في معركة مأرب، وشنت مئات الغارات خلال الأسابيع الماضية. وكانت جماعة الحوثي كثفت من عمليات إطلاق عشرات الطائرات المسيرة الملغومة والصواريخ الباليستية على أهداف في المملكة، من بينها مطارات مدنية ومنشآت نفطية.
ووجهت أصابع الاتهام للنظام الإيراني بالوقوف وراء إدارة وقيادة الهجوم على مأرب المستمر حتى الآن، وذلك بحسب تصريحات صادرة عن مسؤولين في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا. كما اتهم تحالف دعم الشرعية في اليمن، الذي تقوده السعودية، اتهم إيران، ومن خلال ضباط في الحرس الثوري الإيراني، بإدارة المعارك الهجومية على مأرب، وتتهم إيران بالوقوف وراء استهداف المنشآت النفطية في المملكة، باستخدام وكلائها في اليمن.
وفي وقت سابق، تداولت وكالات دولية تقارير عن وجود ضباط كبار في الحرس الثوري الإيراني، في صنعاء، أبرزهم رضا شهلائي، وهو واحد من أخطر المطلوبين للولايات المتحدة الأمريكية. وتحدثت التقارير عن وجود قرابة 400 عنصر من الحرس الثوري في اليمن، يؤدون دورًا مساعدًا وموجهًا لجماعة الحوثي في اليمن.

إقرأ أيضاً  معاناة جلب الماء في معافر تعز
مع دخول عامها السابع… الحرب في اليمن رهينة الملف النووي الإيراني

تدويل الصراع

بلغ الصراع في اليمن منحنى خطرًا للغاية، فالحرب على أشدها، والصراع أخذ طابع التدويل من خلال سيطرة بارزة لإيران وراء مزيد من التصعيد العسكري في الداخل اليمني، وتصاعد الهجمات ضد السعودية.
وتحولت النقاشات بين الفاعلين الدوليين من الحديث عن مساومات صغيرة لحل الأزمة اليمنية، إلى ربط الحل في اليمن بمساومة أكبر، وهي الملف النووي الإيراني.
وقد سحبت إيران البساط من الجميع، واستحوذت بالكامل على الملف اليمني، وتعمل حاليًا على استمرار التصعيد العسكري لأقصى حد ممكن في اليمن، وباتجاه السعودية، ضمن حملة ضغوطها لإرغام الولايات المتحدة على رفع كامل للعقوبات على إيران أولًا.
وقد فشلت أقوى حملة دبلوماسية أمريكية ودولية لإنهاء الحرب في اليمن، خلال الأسابيع الماضية، وظهرت إيران وراء إفشال كافة الجهود الدولية لحل الصراع اليمني.
وعقدت في الفترة الماضية سلسلة لقاءات بين جميع الأطراف اليمنية مع الفاعلين الدوليين، دون جدوى، وأثبت تصعيد المعارك والهجمات من قبل الحوثيين، قوة تأثير إيران التي وضعت العصا في دولاب المسار السياسي، وربطت الملف اليمني بأزمة ملفها النووي.
ولتدخل الحرب في اليمن عامها السابع بمشهد شديد الوضوح، فالأزمة والحرب تحولتا من يمنية داخلية إلى أزمة وحرب إقليمية دولية.
تعقدت تحديات السلام في اليمن من تحدي الوصول إلى تسوية سياسية بين أطراف الصراع اليمني عبر مساومات صغيرة يمكن الوصول إليها لوقف إطلاق النار في عموم البلاد، ومباشرة مفاوضات الحل الشامل، تحولت إلى مساومات أكبر بالغة التعقيد، إذ فرضت إيران، وبكل تصلب، شروطها لحل أزمة الملف النووي الإيراني أولًا، وعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق دون شروط، وقبل ذلك رفع كامل للعقوبات على إيران.

مع دخول عامها السابع… الحرب في اليمن رهينة الملف النووي الإيراني

إدانات دولية للتصعيد في مأرب

في الوقت نفسه، أدان مجلس الأمن الدولي، في بيان له، التصعيد العسكري في مأرب الذي يهدد مليوني نازح.
ويمكن القول إن المشهد في اليمن دخل فصلًا هو الأعنف خلال يناير، فبراير ومارس من العام الجاري، بالتزامن مع نشاط دبلوماسي أمريكي أوروبي غير مسبوق لتسوية الأزمة اليمنية وإنهاء الحرب بأسرع وقت. جهود دولية نشطة جوبهت بموقف إيراني متصلب، وبروز دور إيراني مباشر بصورة أكبر في التحكم بالملف اليمني، إذ أدت الهجمات بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة الملغومة، بالإضافة إلى الهجوم على مأرب، أدت إلى تقويض فرص السلام، وأصابت الجهود الدولية بشلل وعجز عن حلحلة الملف اليمني، وزادت من تعقيد الأزمة ووصولها إلى وضع حرج.
وتمت التهيئة لمعركة مأرب بتصريحات صدرت عن كبار رموز النظام في إيران، والتي اعتبرت معركة مأرب معركة فاصلة سيتقرر على ضوء نتائحها مستقبل المنطقة.
ويرى النظام في إيران أن معركة مأرب حاسمة بالنسبة لفرض نفوذه في المنطقة والإقليم، وهي رؤية لا تتوافق مع رؤية دول المنطقة التي ترى في ذلك خطرًا من شأنه زعزعة الأمن والاستقرار في الإقليم والمنطقة والعالم.
وتصب كافة الضغوط الإيرانية وتصريحات جماعة الحوثي باتجاه المطالبة برفع الحصار البري والجوي والبحري عن اليمن، لكن ذلك يصطدم مع مخاوف حقيقية من أن يؤدي هذا الشرط الذي يصر عليه الحوثيون إلى إتاحة كافة المنافذ لتدفق الأسلحة الإيرانية والمقاتلين إلى اليمن، وتأزيم الوضع أكثر، بشكل يجعل التهديد الإيراني على المصالح الدولية في البحر الأحمر، وعبر اليمن، أشد مما هي عليه في ظل الحصار.

اليمن أكبر ميادين الصراعات الدولية

بعض أبرز الصراعات في المنطقة والعالم، صار اليمن أهم ميادينها، إذ يفضل الجميع تصفية حساباتهم عبر التدخل أكثر في الشأن اليمني. تشمل صراعات النفوذ التي ارتفعت وتيرتها في الميدان اليمني، النزاع مع إيران، إلى جانب مصفوفة من النزاعات المعلنة والنزاعات الباردة كالنزاع السعودي العماني، والنزاع السعودي الإماراتي، ونزاعات أخرى تتسابق لبسط نفوذها وهيمنتها في اليمن أو مجابهة الخطر الإيراني.
والأخطر من كل ذلك هو الصراع العالمي، ممثلًا بالملف النووي الإيراني، باعتباره أكبر أزمة يشهدها العالم حاليًا، وتمثل اليمن الآن أهم ميادينه. نحن أمام ثلاثة أنواع من الصراعات، جميعها تجري داخل الحرب الأهلية اليمنية، صراع دولي مع إيران، صراع إقليمي بين إيران والسعودية، وصراع خليجي متعدد الأوجه بين كل من السعودية والإمارات وقطر وسلطنة عمان.
ويقول مسؤولون أمريكيون إنه من الواضح أن التصعيد في اليمن وضد السعودية يصب في خدمة إيران وأجندتها، وأن طهران لا ترى مصلحة لها في وقف وإنهاء الحرب في اليمن.

تزايد دور إيران وتراجع فرص السلام

ومع تزايد دور إيران في اليمن سلبًا، عبر ميلها لتأجيج الصراع وإطالة أمد الحرب، تراجعت فرص السلام حدًا أصبح معه دور الأمم المتحدة ودور المجتمع الدولي من أجل السلام، باهتًا وبلا فعالية تذكر. وضع يتطلب استراتيجية جديدة للأمم المتحدة والمجتمع الدولي لاستعادة زمام الأمور، فتزايد دور إيران في اليمن همش الجميع تمامًا. وما لم نشهد تغييرًا جذريًا قريبًا في استراتيجية الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، للتعامل مع هذا التحدي الذي تمثله إيران كمصدر فاعل معطل لجهود السلام في اليمن، ومن خلال تدابير قوية ذات فعالية يمكن استخدامها لتغيير الموقف الإيراني، ستبقى اليمن لفترة من الوقت رهينة النفوذ الإيراني، فيما سيطول أمد التهديدات الإيرانية، وقدرتها على زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة.

مقالات مشابهة