المشاهد نت

بعد وصول “كورونا” إليه مجددًا… السجن المركزي بتعز في معركة مواجهة الفيروس

تعز – معاذ منصر:

جريمة بداخل جريمة؛ هو الوصف الأدق لأحوال السجناء في السجون المركزية اليمنية بشكل عام؛ من صنعاء إلى عدن إلى تعز، إلى غيرها من المدن اليمنية الأخرى. بدون محاكمات عادلة أو محامين، وبدون أن يعرف البعض تهمته ومصيره، يقبع مئات السجناء في سجون تفتقر لأدنى وسائل السلامة والحقوق الكريمة.
من تفشي العدوى إلى الطعام الفاسد والملوث، إلى غياب الأدوية ومعالجة المرضى، إلى الموت تحت القصف بقذائف جماعة الحوثي كما هو الحال في سجن مركزي تعز، حيث يعيش السجناء مسلسلًا طويلًا من المعاناة المركبة. بعض السجناء يموتون بكل بساطة بسبب سوء التغذية والأمراض، أو بسبب تعرضهم للانهيار النفسي. هذا قبل اجتياح فيروس كورونا للعالم، ووصوله إلى اليمن خلال الجائحة الأولى، ومن ثم الجائحة الثانية التي دخل بها هذا البلد الواقع تحت حرب مستمرة منذ أكثر من 6 أعوام.
“المشاهد” تتبع تفاصيل المأساة في سجن مركزي تعز، لمعرفة مستجدات الفيروس المستجد كوفيد 19.
مطلع الأسبوع الماضي، كانت مصادر طبية في تعز، كشفت لـ”المشاهد” عن وصول كورونا مجددًا إلى السجن المركزي، في سياق الجائحة الثانية للفيروس، وأن غالبية نزلاء السجن يعانون من الأعراض الأولية للفيروس.
وبحسب المصادر، فإن لجنة طبية قامت بزيارة إلى السجن، قبل يومين، وخلصت إلى انتشار الفيروس بين النزلاء، وأن كارثة وبائية تهدد السجن، خصوصًا في ظل غياب الخدمات الطبية والازدحام الكبير بالنزلاء.
وعلى مدى الأيام الثلاثة الماضية، ظل “المشاهد” يتابع تفاصيل التطورات الصحية في السجن، وعبر دوائر القرار الرسمية سواء الصحية أو تلك المتعلقة بإدارة السجن.
إلى مدير مكتب الصحة الدكتور راجح المليكي، توجهنا بالسؤال: ماذا فعلتم لنزلاء المركزي؟ وما هي الإجراءات التي اتخذتموها بشأن “كورونا”؟
وفي رده على سؤال “المشاهد”، أكد المليكي بالقول: “تم تكليف إدارة الترصد الوبائي بمكتب الصحة، بإرسال فريق تقصٍّ قبل أن نبلغ، وتفاجأنا بوجود حالات، وهنا كانت الكارثة”.
وأوضح قائلًا: “وجهنا برقية عاجلة لرئيس محكمة الاستئناف لاتخاذ إجراءات كفيلة للتخفيف من الازدحام داخل السجن، بما يضمن نوعًا من التباعد”.

في ظل هذه الجائحة، فإن من أهم طرق انتقال الفيروس هو التواصل المباشر مع المصاب، وفي السجون يختلط عدد كبير من النزلاء بشكل يومي في مساحات محدودة غالبًا ما تكون صغيرة وضيقة، وبفعل هذا الأمر يصبح السجن بيئة خصبة لانتقال الفيروس بين النزلاء والأمراض المعدية الأخرى.


وعلى مستوى العلاجات والجوانب الأخرى التي تتعلق بالإجراءات الصحية، قال المليكي: “صرفنا أدوية لما يقارب 600 سجين، وصرفنا وسائل حماية شخصية ومعقمات، وحاليًا نحن مجهزون فريقًا طبيًا للنزول الميداني”.

اتساع مخاطر “كورونا” بالسجون

مع تكدس السجناء في مساحات ضيقة تفتقر لأدنى المتطلبات الصحية من تدفئة وتهوية وعلاج متوفر ونظافة وغذاء، يصبح السجناء أكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا والفيروسات الأخرى القاتلة.
وفي ظل هذه الجائحة، فإن من أهم طرق انتقال الفيروس هو التواصل المباشر مع المصاب، وفي السجون يختلط عدد كبير من النزلاء بشكل يومي في مساحات محدودة غالبًا ما تكون صغيرة وضيقة، وبفعل هذا الأمر يصبح السجن بيئة خصبة لانتقال الفيروس بين النزلاء والأمراض المعدية الأخرى.
ما سيعمل على إحداث كارثة غير مسبوقة، إضافة إلى ما سبق، هو أن عددًا من النزلاء يعانون من أمراض مستعصية، كالضغط والقلب، في حين أن آخرين يعانون من ضعف المناعة نتيجة نقص الطعام وتلوث مياه الشرب وسوء أحوال السجناء الصحية وغياب الرعاية الصحية بشكل تام، وفق ما وثقه محرر “المشاهد”.
وبحسب ما تنص عليه القوانين والمواثيق الدولية، فإن الحفاظ على حقوق السجناء ضرورة ملحة، ومن بين تلك الحقوق الرعاية الصحية كحق أصيل لكل إنسان على وجه الأرض، مهما كان وضعه وخطؤه، وهذا ما تؤكده مواثيق منظمة الصحة العالمية أيضًا. والدعوة إلى الحفاظ على صحة السجناء وتوفير سبل الحياة المناسبة لهم، ليست دعوة لإلغاء العقوبة على المخطئ، وإنما توفير وسيلة محاسبة مناسبة لحياتهم، ذلك لأن الحياة الآمنة حق للجميع، بحسب تعبيرات حقوقية.
وفي حديث “المشاهد” إلى مدير السجن المركزي، عصام الكامل، عن الإجراءات الأخرى التي اتخذت بداخل السجن، قال: “أولًا قمنا بمنع الزيارات عن السجناء، حتى لا يتم نقل المرض لهم من خارج السجن، وتكثيف عملية النظافة داخل الإصلاحية سواء نظافة المرافق أو ملابس السجناء وأجسادهم، وإجراء عملية رش المعقمات والمطهرات داخل الإصلاحية”.
وعن عملية العزل، أكد الكامل، قيام إدارة السجن بعزل أية حالة مشتبهة، وإجراء الفحوصات الطبية لها. مشيرًا إلى قيام السجن، بتنسيق مع النيابة والجهات المختصة، بالإفراج عن 80 سجينًا، والذين هم متهمون بقضايا غير جسيمة، ليصبح عدد نزلاء السجن بعد خروج هؤلاء السجناء 617 سجينًا.
ويوافق المحامي والناشط الحقوقي عمر الحميري، مدير السجن عصام الكامل، قائلًا لـ”المشاهد”: “بالنسبة للسجين المتهم بقضية غير جسيمة، يفترض ألا يُحبس في ظل اكتظاظ السجن بالنزلاء، وتفشي فيروس كورونا، وفي الأساس القضايا غير الجسيمة غالبًا ليس فيها حبس، مثل السب والشتم والإهانة، ومن هذا القبيل كثير”.

إقرأ أيضاً  من طقوس العيد.. «الحناء الحضرمي» صانع بهجة النساء

إجراءات “الحبس المؤقت” تحولت إلى سنوات

إذا كانت المواثيق الدولية ضمنت الحياة الآمنة والهادئة لمن ارتكب خطأ أو جريمة، فما بالك بمن هو مسجون بدون تهمة أو بدون محاكمة، كما هو حاصل في سجون ومعتقلات كثيرة في اليمن، خصوصًا تلك التي تقبع تحت سيطرة جماعات، مثل جماعة الحوثي وغيرها، إذ إن عددًا كبيرًا أودعوا السجن بدون تهم وبدون أوامر قضائية وبدون محاكمات، وكثيرون هم هؤلاء السجناء الذين جرى الحديث عنهم في تقارير دولية، من بينها تقارير فريق الخبراء الأمميين الذين زاروا اليمن واطلعوا على بعض السجون الخاصة، من بينها سجون في عدن.

بعد وصول "كورونا" إليه مجددًا… السجن المركزي بتعز في معركة مواجهة الفيروس
من داخل السجن المركزي بتعز


وإذا كان من غرائب وطرائف القضاء والمحاكم في اليمن، أن قضاة نطقوا بحكم البراءة بحق مساجين قضوا في السجن سنوات طويلة، أغلبهم اتهموا بقضايا قتل أو سرقة أو غير ذلك، فإن من غرائب وطرائف الحال في اليمن اليوم، أن سجناء يمضي عليهم أشهر طويلة وسنوات أيضًا في السجن بدون أوامر قضائية. وقاعدة المتهم “بريء حتى تثبت إدانته” لم تطبق مع هؤلاء السجناء الذين تحولوا من غرف السجن المؤقت إلى زنزانات السجن المركزية وغيرها من السجون الخاصة، ما يرفع عدد المسجونين ظلمًا اليوم في اليمن بشكل عام، خصوصًا في ظل بقاء الحرب وغياب القضاء.
وبشأن ما إذا كان هناك حالات من هذا النوع في سجن مركزي تعز، والتي سمع عنها “المشاهد” أيضًا، نفى الكامل لـ “المشاهد” وجود حالات من هذا النوع، مؤكدًا أن “كل السجناء داخل الإصلاحية أودعوا بأوامر من النيابة، والتي هي مشرفة على أوضاع كل السجناء جيدًا”.
وقال الحميري، لـ”المشاهد”: “الحبس بدون أوامر قضائية جريمة احتجاز حرية، وإنشاء سجن خاص، رغم أنه سجن عام، ولكن بمخالفة القانون يصبح سجنًا خاصًا، والموظف أو المدير الذي سمح بسجنهم بدون أوامر قضائية من جهات رسمية، يعتبر مشاركًا بالجريمة”.
وبشأن الأمر الذي جعل السجن المؤقت يتحول إلى سنوات، أكد أن سببها هو تأخير المحاكمات، وأسباب هذا التأخير كثيرة، وأبرزها الوضع الأمني الذي تسبب بوقف المحاكمات، إضافة إلى ذلك إضراب القضاة، وتعمد بعض الأطراف التطويل المتعمد للقضايا، وأيضًا عجز الأمن عن ضبط متهمين مرتبطين بالقضية، أو عجز مادي في تحمل كلفة متابعة قضايا ذويهم.

محاكمات داخل السجن

كشف الحميري، أن بيئة العمل غير مناسبة في ظل الوضع الراهن والانفلات الأمني الحاصل بمدينة تعز، مشيرًا إلى أن المحكمة التي كانت في تعز عبارة عن عمارة كاملة مكونة من أربعة أو خمسة أدوار، أصبحت اليوم بكامل مكاتبها وأرشيفها في شقة مكونة من أربع غرف كمحكمة غرب تعز، وغيرها من المحاكم الأخرى التي أصبحت اليوم في مبانٍ غير مناسبة وغير مجهزة للمحاكمات.
ويشار إلى أن المحاكمات بالنسبة لمن هم في السجن المركزي بتعز، تحولت من داخل المحاكم إلى داخل السجن نفسه، بسبب عدم وجود المباني المجهزة والآمنة للمحاكم كما كان من قبل؛ وقبل أن تدمر الحرب المباني القضائية، إضافة إلى هروب السجناء المتكرر، وعدم قدرة الأمن على ضمان خروج السجناء من السجن المركزي إلى المحاكم؛ وضمان عودتهم وعدم هروبهم.
كل هذه الظروف هي التي جعلت سجناء مركزي تعز، يخضعون للحبس لفترة طويلة، ومن ثم يتحولون إلى مرضى نفسانيين، ومرضى بالفيروسات، والتدمير النفسي والصحي، والذي يبدو أنه بتفاقمه سيقودهم إلى الموت والجحيم، خصوصًا في زمن “كورونا”.

مقالات مشابهة