المشاهد نت

معبر الدحي بتعز ..مرورا بالدم والأقدام

المشاهد- اميرة ناصر :

أصبح سكان مدينة تعز أمام خيارين كلاهما يضاعف من معاناتهم جراء الحرب التي تشهدها البلاد منذ مارس الماضي بعد إنقلاب جماعة الحوثي وحليفهم الرئيس السابق صالح على الشرعية برئاسة الرئيس هادي وسيطرتهم على كافة مؤسسات الدولة..

 خيار البقاء داخل المدينة المحاصرة بدون توفر مستلزمات الحياة المعيشية من المواد الغذائية ومياه الشرب ومواجهة مصيرهم، أو خيار المخاطرة بحياتهم لجلب ضروريات الحياة عبر المرور بمنطقة الدحي في تعز التي أصبحت تحت سيطرة مسلحي جماعة الحوثي وحليفهم صالح بعد إغلاقهم منذ ما يقارب ثمانية أشهر جميع منافذ المدينة ( المنفذ الشرقي: الحوبان، والمنفذ الغربي: بيرباشا)، وفرضوا على هذه المدينة وما تبقى من سكانها حصارا خانقاً يمنع دخول السلع الغذائية والمياه والأدوية في ظل إشتباكات مسلحة في مختلف مناطق المحافظة.

معبر الدحي .. يكشف قصص يومية لمعاناة أبناء محافظة تعز المحاصرين من مسلحي الحوثي وعفاش الذين يمارسون ضدهم أسوء المعاملات والاعتداءات لسماح لهم إدخال المواد الغذائية، تتعالى أصوات الشاكين من أهالي تعز المارين من هذه النقاط من سوء المعاملة التي يتعرضون لها ،ومن وجود قناصة يتربصون بالمدنيين في المرتفعات المجاورة للنقطة التابعة للحوثيين ..

ما تعيشه مدينة تعز من اشتباكات وحصار وانعدام للمواد الغذائية  دفع عائلة الطبيب نادر النزوح من المدينة، لكنه لم يكن على معرفة بأن نزوحه سيكون محفوفاً بالمخاطر وسيتطلب اليومين  للمرور من معبر الدحي فقط،حيث تعرض مع عائلته  لتفتيش دقيق اثناء خروجه من المدينة، من قبل نقاط قوات المقاومة الشعبية قبل وصولهم لنقطة التقتيش التابعة لمسلحي الحوثي،وبعدها بأمتار قليلة تقف السيارات التي تقل عائلته عاجزة عن إنهاء طريقها بسبب إغلاق الطريق بالحجارة ليضطر السير على الاقدام مع عائلته وصولاً إلى نقطة تفتيش أخرى تابعة للحوثيين، يتبعها بما يقارب الخمسين متراً حائط إسمنتي في وسط الطريق بجانبها نقطة ثانية للحوثيين لتفتيش الداخلين لمدينة تعز.

يحكي نادرلنا أنه عند وقوف الناقلة التي تقلهم لتفتيشها سمعوا أصوات رصاص مصاحبة لمنظر هروب الناس اغلبهم من النساء والأطفال،و بعدها بقليل رأوا دراجة نارية تحمل شخصاً مصاباً..ويقول “لم يمض الكثير من الوقت حتى سمعنا رصاصة أخرى لكنها كانت بين أقدامنا وارتدت على السيارة التي حملتنا..”

عاد نادروعائلته بعدما أخذوا أمتعتهم من العمال الذين يحملون الحقائب، وأصوات الرصاص من خلفهم،وهكذا تأجل سفرهم و قرروا المحاولة في اليوم التالي.. وصل نادر وعائلته في صباح اليوم التالي لنقطة تفتيش الحوثيين لكنهم لم يتمكنوا من المرور لرفض القائمين على النقطة بذلك.
وحاول –بحسب نادر- ” كنت أشرح لهم أننا مسافرين وأحاول معه ويجيبني بإجابة واحدة(ارجعوا غدوة) وأصر عليها”،لكن حسن الحظ كان من نصيب نادر وعائلته حيث تم تبديل الرجل القائم على النقطة الذي سمح بمرورهم بمجرد معرفته بسفرهم،وقال “أشار المسلحي لثلاثتنا فقط للعبور دونا غيرنا من الناس المنتظرين”.

ويشرح الطبيب نادرعن كلمات الذل والإهانة التي يتلقاها المواطنين المحملين بالمواد الغذائية عند نقطة تفتيش الحوثيين للداخلين إلى تعز.. “يتم منع الناس من الدخول وخاصة المحملين بحقائب غذائية كثيرة ويصرخون: خلوا حمود سعيد يدخلكم أكل،ويتم الضرب بأعقاب البنادق على الرؤوس وتوجيه البنادق مباشرة على وجوه الرجال ناهيك عن إطلاق رصاص القناصة بين أقدام المنتظرين للدخول”.

ويعقب نادر حديثه ” أنا لا أعتبر ما مريت به معاناة أمام قصص الاخرين”.

نجيبة محمد ذات الخمسين عاما الذي يظهر فيه التعب عند روايتها لمعاناتها المتكررة لشراء المتطلبات الغذائية المنزلية من خارج مدينة تعز، فتحكي عن صعوبة الوصول إلى المعبر ناهيك عن سوء المعاملة والإهانة التي يتم معاملتهم بها عند النقاط التابعة للحوثيين واحساسهم بمزاجية القائمين على النقاط للسماح لهم بالعبور.. تقول:”أمام عيني ضربوا امرأة ورموا كرتون الماء الذي أرادت أن تدخله، وشيخ مسن تعرض للضرب المبرح من قبل اثنين”

وتحدثت فاطمة أن القائمين على النقاط الحوثية يتعمدون إذلال وإهانة المارين من وإلى المدينة، بالإضافة إلى تعرضهم في الغالب إلى رصاصات القناصين المتمترسين فوق نقطة التفتيش بسبب أو بدون سبب..”أوقات يجبرونا بالجلوس وإرغامنا ترديد الصرخة الحوثية، وبعدها يجبرونا بالوقوف وترديد الصرخة وهكذا…….كله هذا عشان ندخل”.

لم تكن شهادات المارين من المعبر تروي عن ممارسات تعسفية فقط بل كانت هناك الكثير من القصص التي تؤكد الاعتداء الجسدي بالضرب على من يحاول مخالفة الأوامر والتعليمات، ولم تستثنى النساء والاطفال من ذلك، فيري لـ”المشاهد” أبو بكر،بائع ملابس عن المشهد الذي راه بعينيه عند خروجه من معبر الدحي من إهانة للمدنيين والنساء وقال “رأيت امرأة تترجى القائمين على النقطة لإدخال أسطوانة الغاز، لكنهم كانوا يصرخون عليها ومنعوها .. ممنوع دخول الغاااز”

ويحكي أن الرجل قام بشد المرأه بعيداً عن نقطة التفتيش، لكن المرأة أصرت على الدخول بإسطوانة الغاز أعلى رأسها فقام الرجل بإسقاطها أرضاً وركلها بشكل متكرر بمناطق مختلفة بجسدها..”تقطع قلبي حزناً مما عانته هذه المرأة، ومن سوء الوضع الذي نعيشه”.

وكان منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة  زار مدينة تعز أواخر الشهر المنصرم ،وناشد أطراف الصراع باحترام القانون الدولي، ،وتحدث عن أن المدينة تعاني من شح المواد الغذائية والسلع الأساسية للبقاء متضمناً المياه والوقود. وكتب في بيان البرنامج أن المساعدات الإنسانية للمدينة لم تتمكن من الوصول لمدينة تعز منذ أشهر,وكانت زيارته كونها إحدى المحافظات التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي الذي وصل إلى مستوى الطوارئ.

وتحدث  رشاد الأكحلي وكيل محافظة تعز المعين من حكومة الرئيس الشرعي هادي، لـ”المشاهد” عن أن الحصار ما زال قائماً على مدينة تعز، وفي إشارة للأكحلي عقب زيارة وفد الأمم المتحدة إلى تعز،وقال “ما دخل لا يتجاوز ثلاثة الاف سلة غذائية تزامناً مع زيارة الوفد الأممي، وهناك ثلاثة الاف سلة غذائية محتجزة في نادي الصقرللمراوغة بإدخالها مع زيارة الوفد الأممي  القادمة، لإظهار أن المعبر مفتوح أمامهم”.

وقد ذكر الأكحلي أنه قام بالإشارة للوفد الأممي أن فتح المعبر متزامن مع زيارتهم للمدينة ويتم معاودة إغلاقه بعد مغادرتهم.

وتواصلنا مع المسؤول السياسي لأنصار الله سليم المغلس للتعليق عن الوضع الإنساني لأهالي تعز وحصار المدينة، وقال في تصريح خاص للمشاهد أن حصار تعز هو أمر مصطنع بالإضافة إلى تجييش حملات إعلامية لعدم إمتلاك “العدوان السعودي” قضية واستخدام العنوان الإنساني للتغرير بأبناء المدينة للقتال.

وأضاف:”إذا كان هناك حصار في تعزكما يزعمون فكيف يعيش الأهالي فيها منذ 11 شهراً”.

ونفى المغلس القصص التي تتحدث عن عدم دخول المواطنين و المواد الغذائية والمساعدات الإغاثية من منفذ الدحي، وأكد أن المنفذ مفتوح أمام المواطنين والمواد الغذائية والمساعدات الإنسانية.

   وعن سوء معاملة مسلحي جماعة الحوثي القائمين على نقاط التفتيش في المنفذ والاعتداء على المواطنين قال :”إن كانت هناك تجاوزات مسيئة من قبل الجيش واللجان الشعبية فهي تصرفات فردية ويتم حلها ومعالجتها”.

 

 ………………………………………………………………………..

 

وادي الدحي .. معبر للموت في تعز

المشاهد- وفيق صالح
في الجهة الغربية لمدينة تعز يوجد منفذ واحد للعبور من وإلى المدينة هو وادي الدحي الذي يفرض مسلحي جماعات الحوثي وقوات  الرئيس السابق علي عبدالله صالح سيطرتها عليه. 

يمنع مسلحي الحوثي وقوات الرئيس السابق صالح في منفذ وادي الدحي دخول جميع المواد الغذائية وعبور المواطنون ، حيث يخضع العابرون لتفتيش دقيق من مسلحي الحوثي مع ممارسة أصناف من الإهانة والإذلال بحقهم.

تأتي وسائل النقل التي تقل المواطنين الراغبين في العودة إلى منازلهم وسط المدينة، فتستوقفهم نقطة التفتيش في منفذ وادي الدحي غربا، يجبرون المواطنين على الترجل من المركبات، يخضعونهم لتفتيش دقيق وفحص للهوية، ثم يصادروا المواد الغذائية، حتى وإن كانت قوت يوم واحد فقط.

يعتقلون كل من يشتبه به ويغيب عن أهله أما المركبات، فمحرم عليها العبور، ويأمرون أصحابها بالعودة ويمنعونهم من دخول المدينة لقضاء حوائجهم.

 حين تقترب من المعبر وتنظر إلى ذلك الكم الهائل من المركبات والسيارات وهي واقفة في انتظار طويل لصبي من المليشيا يحمل بندقيته فوق كتفه وتبدوا أطول منه وهو يأمر وينهي تلك الجموع الواقفة في طوابير الانتظار تحت حرّ الشمس.

يقترب مجند حوثي من أحد المواطنين في طابور الانتظار وقد أعياه التعب والإرهاق فيأمره بالوقوف وعدم الجلوس ثم يوجه بندقيته نحوه إن هو رفض وخالف الأوامر.

يروي أحد المواطنين  مشهد مأساوي يقول ” كانت هناك إمراءة تحمل إسطوانة الغاز وبينما أرادت عبور المنفذ أخذ أحد مسلحي الحوثي سلاحه وأطلق رصاصة عليها فسقطت مضرجة دمائها على الأرض ، وتدخل مواطنون وأسعفوها للمستشفى وهناك العديد من الحالات المشابهة.

حالات يندى لها الجبين ومواقف لا تصدر إلا من أشخاص يتصرفون بانتقام وحقد ليس له مثيل.  يقول عبدالملك أتيت إلى معبر وادي الدحي في بير باشا التاسعة صباحا من يوم الجمعة الماضي لأدخل الى المدينة لزيارة اقاربي ، انتظرت في طابور بالمنفذ حتى الواحدة ظهرا والسب ينهمل علينا من قبل مسلحي الحوثي في المنفذ واجراءات استفزازية وإذلال.

 مواطن آخر التقينا به فيسرد لـ ( المشاهد) ” لنا تسعة اشهر متنا من الجوع ولا نستطيع ندخل كيس دقيق ولا غيره من المواد الغذائية ” ، فيما مواطن اخر يتحدث باستياء شديد من تخاذل الأمم المتحدة ” الحصار يتزايد والأمم المتحدة ليس لها القدرة على الذين يمنعون عنا الغذاء والدواء ويقتلوننا ببطء “

ومع استمرار حالة الحصار الخانق على سكان المدينة يتسأل كثير من المواطنين المتضررون مما يحدث عن دور الشرعية والتحالف المفقود في اتخاذ خطوات جدية لرفع الحصار أو التخفيف منه عن مئات الآلف من السكان الذين تحولت بهم المدينة إلى سجن كبير بفعل الحصار المطبق من قبل مسلحي الحوثي.

  محاولات لفك الحصار

الشيخ شوقي المخلافي أحد قادة المقاومة يقول ” تعز محاصرة من جميع المنافذ ومدخل الدحي أو أحد المنافذ وخصصته جماعة الحوثي كمدخل وحيد للمدينة.

وأضاف الشيخ شوقي ” أن المنفذ مهم نسبياً للمواطنين وخاصة الساكنين غرب المدينة أو المديريات الواقعة غرب المدينة ،وسيطرتهم عليه هو التحكم بدخول وخروج المواطنين وإهانة سكان تعز ايضا،مؤكدا أن تصرف مسلحي الحوثي وعفاش  بتلك الطريقة انعكس عليهم بتوسعة دائرة الغضب من قبل المواطنين رجالا ونساءً وازاد من قوة الحاضنة الشعبية للمقاومة ، مشدداً على أن المقاومة تسعي لفك الحصار عن كل المدينة وكل المديريات وليس منفذ وادي الدحي فقط ..

ممارسات مهينة

الكاتب عبدالعزيز المجيدي بدوره علق على ما يحدث  في معبر وادي الدحي بالقول ” نحن بصدد جماعة إرهابية طائفية لديها مخزون هائل من الكراهية، ضد تعز وأبناء تعز تحديدا،وقال “هناك ممارسات يومية مهينة للنساء والرجال العزل، في المعابر حيث يتم إجبارهم على ترديد الشعار الإيراني، المخادع عن كراهية امريكا وهم لا يكرهون الإ كل ما هو عربي ويمني.. ويقومون بالاعتداء عليهم، وسلب حاجياتهم التي جلبوها من اسواق تحت سيطرة الميليشيات.. هناك حصار خانق على المدينة.

وعزا ذلك الكاتب المجيدي بسبب أن  تعز أوقفت مشروع تسلطهم على رقاب اليمنيين، ثم أنها المحافظة التي يحتفظون لها بميراث عداء تاريخي باعتبار هذه الميليشيات امتداد للأئمة وغطرستهم التي ترى في هذه المناطق عبارة عن مساحات فيد وضرائب وابناءها مجرد رعية.

واعتبر المجيدي أن معركة تعز أصبحت معركة كرامة، ووجود، واذا كان لدى بعض الأطراف حسابات فهم يخدمون عصابة المخلوع والحوثي، ويبدو أنهم يريدون ابقاء تعز خاضعة، ومذعنة لخدمة اجندات نافذين سياسيا في بعض الأحزاب لم يتخلصوا بعد من الهاجس المناطقي 

– تصوير محمد القاضي

 

 

مقالات مشابهة