المشاهد نت

الريال اليمني من التعويم إلى الانقسام!

وفيق صالح

مرّ الريال اليمني، خلال العقد الماضي ومطلع العقد الحالي بمنعطفات، وتعرجات، كثيرة، وشهد تقلبات مخيفة أمام العملات الأجنبية لا سيما خلال الثلاثة الأعوام الأخيرة.

وبالعودة إلى ما بعد ثورة الشباب 2011م وما تمخضت عنه من حكومة وفاق عام 2012م فقد شهد الريال اليمني حينها استقرارًا عند مستوى 215 أمام الدولار الواحد، بعد أن كانت قيمة الدولار خلال عامي 2010 و2011، قد وصلت إلى 250 ريالاَ.

وحافظت العملة الوطنية، على استقرارها أمام الدولار، عند ذلك المستوى، إلى العام 2015، وهو العام الذي بدأت فيه مؤشرات الأزمة الاقتصادية الكارثية على البلد الناجمة عن الحرب؛ إذ توقفت عمليات تصدير النفط والغاز، ورحلت معظم المنظمات الدولية العاملة في اليمن، وأصيبت الحياة بالشلل عقب اقتحام جماعة الحوثي للعاصمة صنعاء في سبتمبر 2014م وسيطرتها على مؤسسات الدولة، وما تلاها من تدخل لدول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية تحت مسمى “عاصمة الحزم”.

خلال العام 2015، ظل سعر الريال اليمني، عند مستواه السابق، ولم يطرأ عليه أي تراجع، مدفوعاً بوجود احتياطي نقدي من العملة الأجنبية في البنك المركزي، وتدفق تحويلات المغتربين من النقد الأجنبي، والتي تُشكل عاملًا رئيسيًا في الحفاظ على سعر العملة، واستقرار سعر الصرف.

تعويم استيراد الوقود

لكنّ هذا الاستقرار لم يدم طويلاً نظرًا لتوسع دائرة الحرب، حيث خاضت جماعة الحوثي حروبًا في أكثر من جبهة محلية، وتسببت بتوقف المؤسسات والقطاعات الإيرادية للدولة، واستنزاف الاحتياطي النقدي، في البنك المركزي، بصنعاء، والمقدر بـ 4 مليارات و700 مليون دولار، منها مليارا دولار وديعة سعودية.

أضف إلى ذلك أن جماعة الحوثي، وفي الخامس عشر من أغسطس، من العام 2015، اتخذت قرارًا بتعويم أسعار المشتقات النفطية دون النظر للتداعيات السلبية التي سيخلفها هذا القرار حيث تسبب بضغط شديد على العملة الوطنية والأجنبية، وارتفاع نشاط المضاربة بالعملة، في السوق المصرفية حيث مثل ذلك القرار إيذانًا ببدء خروج الدورة المالية للنقود من مسارها الطبيعي عبر البنوك إلى السوق السوداء والمضاربين.

وتضمن قرار الحوثيين، بتعويم أسعار النفط، رفع رسوم الجمارك، والضرائب، وصندوق الطرق، وصندوق التشجيع، كما قضى القرار بإضافة خمسة ريالات يمنية للتر الواحد، من مادتي البنزين، والديزل.

وشكل هذا القرار، مرحلة أولية في مسلسل تراجع الريال، من خلال تزايد عملية المضاربة للحصول على العملات الأجنبية في السوق المحلية، لاستيراد الوقود.

مع دخول العام 2016، واستمرار جماعة الحوثي، بالسيطرة على البنك المركزي، في صنعاء، جرى استنزاف، الاحتياطي النقدي، في البنك، بشكل متسارع، حيث عملت جماعة الحوثي، على سحب مائة مليون دولار شهرياً من كمية الاحتياطي النقدي، الموجود في البنك، حتى تقلص الاحتياطي، إلى نحو مليار دولار، لينتهي العام 2016، والدولار الأمريكي الواحد يساوي، 400 ريال يمني، ثم تذبذب نزولاً حتى 350 ريالًا، واستقر على الأقل في بداية يوليو 2017 ب 363 ريالًا للدولار الأمريكي.

ورغم دخول البلاد عامها الثالث، من الحرب، وتوقف موارد دعم رئيسية للبنك المركزي، منها المساعدات والمنح الدولية، التي كانت تشكل عاملًا رئيسيًا في دعم احتاطي البنك، من النقد الأجنبي، وكذلك تراجع إيرادات البلاد من النقد الأجنبي، نتيجة توقف صادرات النفط والغاز، بسبب مغادرة كافة الشركات النفطية الأجنبية البلاد، إلى أن تدفقت تحويلات المغتربين، التي ساهمت إلى حد كبير في الحفاظ على استقرار أسعار الصرف، ولو بالحد الأدنى.

خلال تلك الفترة، رافقت عملية تدهور العملة اليمنية، انعكاسات سلبية، على أسعار السلع والخدمات والقوة الشرائية للعملة الوطنية ومستويات المعيشة للسكان، خاصة في ظل ارتفاع درجة انكشاف الاقتصاد المحلي على الاقتصاد العالمي، حيث تمثل نسبة الصادرات والواردات نحو 68% من الناتج المحلي الإجمالي.

وعقب هذا التدهور، والانكماش في الاقتصاد الوطني، طالبت الحكومة اليمنية، بضرورة البحث عن مساعدات عينية لتخفيف الضغط عن احتياطي النقد الأجنبي، واستئناف تدفق موارد النقد الأجنبي، وأهمها عائدات صادرات النفط والغاز، ورفع التعليق على دعم المانحين التنموي وإتاحته للسحب على المشاريع.

ومع استمرار الحرب، في أعوام جديدة، قرر الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي نقل البنك المركزي، إلى عدن، حيث برر تلك الخطوة بأنها من أجل إنقاذ الاقتصاد اليمني، من الانهيار.

وفي يوليو من العام 2016، طالبت الحكومة اليمنية، برئاسة أحمد عبيد بن دغر، آنذاك، من مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، تجميد الحسابات الخارجية للبنك المركزي اليمني، وعدم اعتماد توقيع محافظه محمد عوض بن همام ونائبه محمد السياغي على طلبات السحب من الاحتياطي الخارجي حتى إشعار آخر.

وكان البنك المركزي في صنعاء، وعقب استنزاف الاحتياطي النقدي، من العملة الصعبة، وتراجع إيرادات المؤسسات المحلية، قد لجأ إلى طباعة نحو 400 مليار ريال بدون غطاء نقدي أجنبي، وإصدار سندات حكومية وبيع أذون خزانة للبنوك والمستثمرين المحليين مقابل نسبة فائدة تصل إلى 16 بالمئة، وهو إيراد مكلف ومدمر في نفس الوقت لاقتصاد البلد.

أوقفت الحكومة الشرعية خلال ذلك الوقت، محاولة جماعة الحوثي، عبر مركزي صنعاء، طباعة ذلك المبلغ، في روسيا، كون البنك خاضعًا، لسلطة غير معترف بها دوليًا، ولا تستطيع مخاطبة الجهات والمؤسسات الدولية.

مراقبون، اعتبروا آنذاك، أن نجاح قرار نقل البنك مرهون باستعادة إدارة الدورة النقدية في البلاد، والإيفاء بالتزامات الحكومة المالية تجاه كافة أبناء الشعب ودفع الرواتب، لأكثر من مليون و200 ألف موظف في مختلف أنحاء الجمهورية، بالإضافة إلى مدى جدية الحكومة الشرعية في التنفيذ، وقابلية ودعم المجتمع الدولي، ودول التحالف لخطواتها في هذا الجانب.

نقل البنك المركزي

في مطلع سبتمبر من العام 2016، أصدر الرئيس هادي، قراراً بنقل المقر الرئيسي للبنك المركزي اليمني وإدارة عملياته إلى عدن، وتم تعيين منصر صالح محمد القعيطي محافظًا للبنك المركزي ورئيسًا لمجلس إدارة البنك، خلفًا لمحمد بن همام.

وجاء قرار النقل، عقب اتهامات للحوثيين، باستنزاف الاحتياطي الأجنبي لليمن، والذي تراجع من أربعة مليارات دولار قبل الحرب إلى مليار دولار، وتخصيص جزء كبير من تلك المبالغ لتمويل حروبهم ضد الحكومة.

مع نهاية العام 2016، لجأ محافظ البنك المركزي، منصر القعيطي، إلى طباعة 400 مليار ريال، من النقود بدون غطاء نقدي، لمواجهة أزمة السيولة، بعد أن أوقفت الحكومة الشرعية خلال وقت سابق، طباعتها على الحوثيين، بعد مخاطبة روسيا بهذا الشأن.

وكانت الحكومة، تعاني، من أزمة سيولة حادة من النقد الأجنبي، والمحلي، حيث جاء قرار نقل البنك، دون أن يكون هناك أي موارد مالية، تغطي العجز الحاصل، الذي حدث للاحتياطي النقدي، من العملة الصعبة، والعملة اليمنية، في البنك المركزي بصنعاء، خلال عامي 2015، و2016.

وأقرت الحكومة الشرعية، عبر تقرير صادر عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي، أن طباعة مزيد من العملة، يعد حلاً مؤقتاً، يحمل آثارًا عكسية خطيرة على قيمة العملة المحلية.

وتم ضخ النقود الجديدة، إلى السوق المحلية، لتغطية مرتبات موظفي الدولة وغيرها من النفقات الضرورية مطلع العام 2017، دون أن يترافق مع هذه العملية، أي زيادة في تدفق موارد النقد الأجنبي، وهو ما ساعد على تدهور قيمة العملة الوطنية بصورة أكبر.

وأوضح تقرير وزارة التخطيط، أن انهيار إيرادات الموازنة العامة للدولة، أدى إلى الاعتماد على السيولة النقدية المتوفرة لدى البنك المركزي الذي ساهم بحوالي 1.28 ترليون ريال في تمويل عجز الموازنة العامة خلال الفترة من يناير/كانون الثاني 2015 إلى أغسطس/آب 2016، وبالتالي، استنفدت السيولة التي كانت متاحة لدى البنك المركزي.

وكان البنك المركزي يقوم بضخ إيرادات الموازنة العامة من العملة الصعبة في السوق المحلي دوريًا مقابل سحب العملة المحلية من السوق واستخدامها في تمويل نفقات الموازنة، لكن الحرب أدت إلى انقطاع دورة النقد، مما تسبب في أزمة سيولة حسب تقرير التخطيط.

تلا تلك العملية، تشتت في تحصيل الموارد، وضياع ونهب أغلب إيرادات المؤسسات المحلية، لا سيما الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، ومنها إيرادات ميناء الحديدة، والضرائب، وقطاع الاتصالات والإنترنت، فضلًا عن عجز الحكومة الشرعية، عن استعادة موارد النقد الأجنبي، واستئناف العمل بها، مثل النفط والغاز.

أدى، ذلك إلى مراكمة أعباء إضافية للعملة الوطنية، وضغط بشكل كبير، على المالية العامة للدولة، في ظل توقف كافة مصادر الدعم الدولي، والمساعدات، واستمرار تعطيل موارد النقد الأجنبي، للبلاد، ليقفز سعر الدولار بعد ذلك إلى أكثر من 500 أمام الريال اليمني، مطلع العام 2018م.

استمرت العملة الوطنية، بعد ذلك بالتراجع خلال النصف الأول، من العام 2018، ليسجل بعدها الريال الوطني، أكبر انهيارٍ له في تاريخه أمام العملات الأجنبية، حيث وصل خلال أغسطس، من العام نفسه، نحو 830 للدولار الواحد.

وبناءً على المؤشرات والمعطيات، الحاصلة، فإن القرار الذي اتخذه محافظ البنك المركزي اليمني، منصر القعيطي، في أغسطس من العام 2017، بتعويم سعر الريال الوطني، وإلغاء التعامل، بسعر الصرف الرسمي 250 ريالًا للدولار الواحد، قد انعكس بشكل سلبي، على ثبات قيمته، أمام العملات الأخرى، إضافة إلى موجة الغلاء التي طالت معظم السلع والمواد الغذائية.

وبحسب محللين، فإن هذا القرار، اتخذ في الوقت الخطأ، وأطلق موجة جديدة من المضاربة في سعر الصرف، وهو ما يعني تدهورًا إضافيًا، في سعر صرف الريال الوطني، وتزامن ذلك مع استمرار البنك المركزي بطباعة كميات كبيرة من النقد المحلي وصلت إلى ترليون وسبعمائة مليار ريال يمني.

إقرأ أيضاً  اقتصاديون ومواطنون: الوضع المعيشي «لم يعد يطاق»

بررت السلطات النقدية الرسمية، آنذاك قرارها بتعويم سعر الريال الوطني، من أجل أن يساهم القرار، في جذب المنح وغيرها من موارد النقد الأجنبي المتأتية من الخارج، خاصة المنح التي يطلقها البنك الدولي والمانحون الدوليون.

تأكيدًا للمخاوف التي أبداها البعض، خلال تلك الفترة، من التداعيات، التي سيلحقها قرار تعويم سعر الريال، فإنه حتى الآن، مرت قرابة ثلاثة أعوام، دون أن يتمكن البنك المركزي، اليمني، من ضبط أسعار الصرف، أو يجذب المساعدات الدولية، من قروض ومنح، وغيرها من وسائل الدعم الدولي، والتي كانت تشكل قبل الحرب، إحدى قنوات الدعم الرئيسية للبنك.

علاوةّ على ذلك فإن البنك المركزي، لم يتمكن أيضًا من الإفراج، عن أرصدته وحساباته، في البنوك الخارجية، ومنها، 100 مليون دولار، في بنك إنجلترا، لم تستطع الحكومة الشرعية، التصرف بها، أو إعادتها إلى البنك المركزي اليمني، في عدن.

الوديعة السعودية

في أول العام 2018، أعلنت المملكة العربية السعودية عن وديعة مالية في البنك المركزي اليمني، مقدرة بملياري دولار، للحفاظ على استقرار أسعار الصرف، وبحيث يتم الاستفادة منها لتمويل السلع الخمس الأساسية.

لعبت الوديعة السعودية على مدى أكثر من عامين، دورًا كبيرًا في الحفاظ على استقرار أسعار السلع، والوضع التمويني، في الأسواق، وفق إفادات العديد من الخبراء ورجال الأعمال.

وتم تخصيص الوديعة السعودية، لتمويل خمس سلع أساسية، بسعر منخفض، وهي الدقيق والقمح، والأرز، والحليب، والزيت، كما جرى عقب الإعلان عن الوديعة المالية، تعيين محمد زمام محافظًا للبنك المركزي، خلفًا لمنصر القعيطي، الذي، أثار جدلًا كبيرًا، ووضع تساؤلات عديدة، خلال الفترة القصيرة، التي شغلها كمحافظ للبنك المركزي، مثل طباعة أوراق نقدية بشكل جديد، دون إصدار أي قرارات تتعلق بالطبعة القديمة، رغم شحتها، في السوق المصرفية، وكذلك قرار تعويم أسعار الصرف، بشكل كامل، الأمر الذي، جعل آلية تحديد أسعار الصرف، بيد المضاربين بالعملة، صعودًا وانخفاضًا.

وجاء الإعلان عن الوديعة السعودية عقب، انهيار تاريخي، للريال اليمني، وصل لأول مرة، إلى أكثر من 820 أمام الدولار، الواحد، ليتم بعد ذلك الإعلان عن وديعة مالية، واتخذت الحكومة اليمنية، جملة من الإجراءات على الأرض، منها الحد من استيراد السيارات والسلع الكمالية بشكل مؤقت، والحفاظ على بقاء العملة الصعبة في السوق المحلية، إلى جانب تسهيل عملية تدفق، العملات الأجنبية، عبر المنافذ اليمنية.

تراجع سعر الدولار، خلال تلك الفترة، إلى ما دون الـ 600 ريال، بعد أن صعد إلى أكثر من 830 ريالًا، ليستقر على مدى عامي، 2018، و2019، عند حاجز الـ 600 ريال.

وعمل البنك المركزي، خلال العامين الماضيين، على تهدئة عملية المضاربة في السوق، وتخفيف الطلب، على العملة الصعبة، من خلال قيامه، بتمويل استيراد السلع الأساسية، من الوديعة السعودية، المقدرة بـ 2 مليار دولار.

الانقسام النقدي

في ديسمبر من العام 2019، كثفت جماعة الحوثي، من حربها على الطبعة الجديدة من العملة، ومنعت استخدامها بشكل تام، في مناطق سيطرتها، بعد أن ظلت قبيل تلك الفترة، تسمح بتداولها بشكل جزئي، ما بين الحين والآخر.

تسببت عملية الحظر، بتداعيات كثيرة، على العملة الوطنية، وعلى المواطنين، في مناطق سيطرتها، حيث أدت إلى حرمان خمسة قطاعات حكومية، من رواتبهم، كانت الحكومة الشرعية، قد شرعت بصرف رواتبهم بشكل منتظم.

وخلّفت عملية الانقسام النقدي والمصرفي، وحظر الفئات النقدية الجديدة من العملة في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، وتفاوت أسعار الصرف، أضرارًا فادحة على التعاملات المالية، والتداول النقدي في البلاد بشكل عام، تاركةً صعوبات ومعوقات كثيرة أمام المواطن اليمني.

ووصف محللون اقتصاديون، تلك الخطوة، بالحرب على العملة اليمنية، وعلى مدخرات اليمنيين، من النقد المحلي، حيث أدت إلى تضرر شرائح واسعة، وخصوصًا الموظفين والعمال.

وأدى حظر الطبعة الجديدة من العملة، فعليًا إلى إيجاد، عملتين مختلفتين، بقيمة متفاوتة ومختلفة، الأمر، الذي أدى إلى وضع معوقات كثيرة، أمام عملية التبادل المالي، محليًا ووضع قيود على التبادل التجاري، بين المحافظات، إلى جانب ارتفاع عمولة الحوالات النقدية الصادرة من مناطق الشرعية إلى مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، بنسبة أكثر من 50%.

وتفاقمت المشكلة الاقتصادية في البلاد، مع اتساع الفجوة في أسعار الصرف، بين كل من المناطق التي تديرها الحكومة، والمحافظات الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، نتيجة قرار حظر التعامل بالفئات النقدية الجديدة.

وتصاعدت الدعوات، خلال تلك الفترة، إلى توحيد السياسة النقدية، وإنهاء القرارات الازدواجية، من أجل الحفاظ على استقرار أسعار الصرف، لكن حتى الآن مرت فترة طويلة، دون أن توضع أي حلول، إلى جانب فشل كافة الاتفاقيات، التي جرت برعاية الأمم المتحدة، بشأن الجانب الاقتصادي، ومنها اتفاق استوكهولم.

أزمة القطاع المصرفي

خلقت عملية الانقسام النقدي، وتفاوت أسعار الصرف، أزمة حادة في القطاع المصرفي، حيث تفاقمت أزمة قطاع المصارف والبنوك، خلال العام 2020، نتيجة وجود بنكين مركزيين، وازدواجية القرارات المصرفية، والموجهة للشركات والبنوك ومنشآت الصرافة، وهو ما انعكس بشكل سلبي، على عمل المصارف، وأصاب هذا القطاع الحيوي بخسائر كبيرة.

وجاءت الأزمة المصرفية، مع وجود سلطتين نقديتين، على الواقع، وإن كان هناك سلطة نقدية فقط معترف بها دوليًا وتملكها الشرعية، لكن الانقسام ترسخ بفعل سلطة الأمر الواقع، الذي فرضته جماعة الحوثي، على البنوك والمصارف، في مناطق سيطرتها.

وعانت الأسواق، منذ العام الماضي، من أزمة نقد سيولة في العملة الوطنية، حيث عجزت بعض الشركات عن الوفاء بالتزاماتها بالعملة الوطنية، إضافة إلى عدم قدرة البنوك المحلية على مواجهة طلب الزبائن بسحب ودائعهم أو جزء منها، وبقاء قطاع واسع من موظفي الدولة بدون رواتب.

وأصبحت البنوك غير قادرة على الوفاء بطلبات عملائها من أصحاب الأعمال في الوقت المناسب، مما أضر بأنشطتهم، وزعزع ثقتهم بالقطاع المصرفي، مفضلين الاحتفاظ بالسيولة خارج البنوك، حيث تشير تقديرات اقتصادية، إلى أن الجزء الأكبر من النشاط المصرفي والتجاري، لا يمر على البنوك والمصارف الرسمية، وأصبح يشكل اقتصادًا موازيًا.

أسباب وعوامل متشعبة

وفي هذا الشأن اعتبر عضو فريق التنمية والشراكة بتعز التابع لفريق الإصلاحات الاقتصادية، ياسر المقطري، أن عوامل انهيار الريال، متعددة ومتشعبة، وليس فقط عوامل اقتصادية ومالية، مشيراً إلى وجود عوامل سياسية، تسببت بتراجع قيمة الريال اليمني، طيلة المراحل الماضية.

المقطري، أشار إلى عوامل أخرى، منها أيضًا ازدواجية السياسات النقدية، ما بين مركزي عدن، وصنعاء، وكذلك الإجراءات الجمركية المتبعة في صنعاء، من قبل جماعة الحوثي، والإجراءات التي كانت متخذة سابقًا في ميناء عدن.

ويرى، المحلل الاقتصادي والمالي، أن أهم العوامل، هي عجز الحكومة، عن توفير الموارد، من النقد الأجنبي، مشيرًا إلى أن الحكومة، ليس لديها موارد مستدامة من النقد الأجنبي.

تشتت الموارد، بين جماعة الحوثي، والشرعية، تسبب بضغط على المالية العامة للدولة، أدى إلى عدم قدرة الحكومة، على الإيفاء بمتطلباتها المالية والتزاماتها تجاه الشعب، وفق حديث المختص المالي والاقتصادي.

ويشير المقطري الذي يعمل مديرًا لبنك اليمن البحرين الشامل في تعز، إلى أن الحكومة، اضطرت بعد ذلك إلى طباعة كميات جديدة من النقود، دون أن يكون هناك ما يوازيها من النقد الأجنبي؛ مما أدى إلى زيادة تضخم العملة المحلية.

ولفت إلى أن غياب الحكومة، لفترة طويلة، ساهم أيضًا في تدني قيمة العملة، من خلال فقد ثقة الناس، بالبنك المركزي، ومؤسسات الدولة بشكل عام.

وقال في تصريح خاص، إن تزايد افتتاح محلات الصرافة، دون تراخيص، يساهم في تدهور قيمة العملة، من خلال ارتفاع وتيرة ونشاط المضاربة بالعملة، والإضرار، خصوصًا في ظل انعدام الرقابة الحكومية.

وأوضح، أن محلات وشركات الصرافة ارتفعت، من 400 شركة صرافة إلى أكثر من 1300 محل وشركة صرافة، خلال فترة وجيزة، مشيراً إلى وجود أكثر من 800 شركة صرافة، غير مرخصة.

ويذكر ياسر المقطري، أسباب أخرى، منها خروج الكتلة النقدية، عن القطاع المصرفي، لافتاً إلى أن خروجها عن القطاع المصرفي الرسمي، تسبب بالتلاعب بها من قبل المضاربين.

كما اعتبر، أن عدم ضبط آلية حركة الاستيراد، يؤدي إلى زيادة الطلب على العملة، وبالتالي يتسبب بارتفاع معدلات التضخم في العملة اليمنية، وكذلك في السلع المستوردة.

وأوضح أن عدم استقرار أسعار الصرف، يؤثر على أداء الحركة التجارية والنشاط الاقتصادي، ويعمل على انكماش في حركة الواردات.

وعن التوصيات والحلول، لمعالجة مشكلة انهيار العملة، قال المقطري، إنه لا بد أن يحضر الملف الاقتصادي، في أي مفاوضات أو حوارات، لحل المشكلة اليمنية.

ولفت إلى أن الملف الاقتصادي، حاليًا يكاد يكون في الهامش، ولم يحصل على اهتمامات المجتمع الدولي، وبقية الأطراف المحلية.

وقال لا بد أن يكون فريق الإصلاحات الاقتصادية، هو المُتبني، لهذا الملف، والوصول به إلى اهتمامات المجتمع الدولي، عبر أكثر من آلية، بحيث يتم طرح معاناة الوضع الاقتصادي، والمواطن والقطاع الخاص، على رأس الأولويات والخروج برؤية موحدة، وإيجاد الحلول اللازمة، على حد وصفه.

وأوضح، أن العملة اليمنية، لازالت في خطر، في ظل غياب المؤشرات على الأرض، لمعالجة الأزمة الاقتصادية، ناهيك عن عدم تنفيذ أي اتفاقيات وقعت سابقًا لمعالجة الملف الاقتصادي.

تنشر هذه الماده بالتعاون بين موقع المشاهد والمنتدى الاقتصادي

مقالات مشابهة